بعثة النبي (ص) في فكر الامام الخميني

ID: 39585 | Date: 2024/02/07
لم يكن الامام الخميني(قدس سره) ينطر الى بعثة النبي (ص) من جانب واحد معنوي او مادي بل شملت نطرته الثاقبة و فكره الثاقب بكل ما تحمله المعنوية من مفهوم و جوانب كثيرة متعددة الاطراف.. اسلوبها و اهدافها و اغراضها التي سعت لتحقيقها سياسياً و ادارياً .. و هذا ما نراه في فكر قائد فذ عظيم لثورة عظيمة هزت العالم كله:
أراد الرسول(ص) أن يجعل كلَّ الناس على شاكلة علي بن أبي طالب (ع)، لكنَّ هذا لم يحصل.ولو لم يكن لبعثة النبي(ص) من ثمرةً الا وجود علي بن ابي طالب (ع)، ووجود إمام العصر – سلام الله عليه- لكان هذا نجاحاً كبيراً للغاية. لو أنَّ الله تبارك و تعالى بعث الرسول (ص) لتربية مثل هؤلاء الناس المتكاملين لكان هذا جديراً، ولكنَّهم أرادوا للجميع أن يكونوا على هذه الشاكلة، و هذا ما لم يحصل.


أسلوب الدعوة:
عندما بعث النبي الأكرم (ص) بالرسالة، وشرع بالدعوة، لم يؤمن به في البداية سوى طفل في الثامنة من العمر هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)و امرأةٌ في الأربعين هي خديجة، ولم يكن لديه سواهما. والجميع يعلم كم ناله من أذى و محاربة و تخريب. لكنَّه لم ييأس، و لم يقل لا نصير لدي، بل صمد، وأوصل – بقدرته الروحيّةو عزمه القوي- الرسالة من الصفر إلى هذه النتيجة، حيث ينضوي تحت لوائها سبعمائة مليون شخص هذه الأيام.
إنَّ من يقرأ القرآن والقرآن وثيقة الإسلام ومن ينظر في آياته، ومن يطالع وضع مشرع الإسلام الرسول الأكرم وتأريخه وحياته، سيرى ان في القرآن آيات عديدة تحث على مواجهة المتجبرين، كما ان سيرة الرسول الأكرم تعكس وقوفه ومواجهته لاولئك الذين ارادوا استغلال الناس واستخدامهم.
الرسول الأكرم (ص) رغم قيامه بواجباته الشخصية ومناجاة الله تبارك وتعالى في خلواته إلّا أنه أسس الحكومة وأرسل رسلًا إلى أنحاء العالم ودعا الناس إلى الدّين وإلى الوحدة. فلم يكن يريد الجلوس في منزله يوماً لذكر الله. كان يذكر الله ولكن بهدف تهذيب النفس، كان يدعو الله ولكن بهدف تهذيب النفس‏. كان يدعو الله ولكن بهدف تهذيب النفس وتهذيب الناس وتربيتهم، وكان يجهز الناس للمقاومة. إن جميع الأدعية التي رويت عنه- صلى الله عليه وآله- وعن أئمة المسلمين كانت تهدف إلى الدعوة للمعنويات التي تسبب إصلاح أمور المسلمين‏.


أهداف الدعوة:
نحن المساكين كالأطفال المتمردين على حكم العقلاء، بل المخطئين لهم، قد واجهناهم دائماً بالعناد و المحاربة و الانفصال،ولكنَّ تلك النفوس الزكية و الأرواح الطيبة الطاهرة-الأنبياء- بما يكمن فيهم من الرأفة و الرحمة بعباد الله، لم يقصّروا أبداًفي دعوتهم، على الرغم من جهلنا و عنادنا، بل ساقونا نحو الجنة و السعادة بكل ما يملكون من القوة و أساليب الدعوة دون أن ينتظروا منّا جزاءً و لاشكوراً.
وحتى عندما يحدّد الرسول الأكرم (ص) أجره { المَوَدَّةَ فِي القُربَي} ، فإنَّ صورة هذه المودَّة في العالم الآخر قد تكون بالنسبة إلينا أعظم الصّور نوراً وعطاءً. و هذا فأجرُ من أجلنا نحن، و من أجل وصولنا إلى السعادة و الرحمة. إذاً، فأجرُ الرسالة عائدٌ إلينا أيضاً، نحن الذين ننتفع به.
لقد سعى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى إيجاد وحدة الكلمة في كافة أرجاء المعمورة، سعى لانضمام دول العالم أجمع تحت لواء التوحيد، أراد أن يجعل الربع المعمور من الكرة الارضية يحيا تحت ظلال" كلمة التوحيد".


تشكيل الحكومة:
لا أظن أن هناك إنساناً. لاقى ما لاقاه رسول الله (ص) من المشقة والتعب في تلك السنوات الثلاث عشرة التي قضاها في مكة وتلك السنوات العشر التي عاشها في المدينة، حتى أنه يمكن القول بأن المتتبع لحياة رسول الله (ص) في هاتين الفترتين يجد أن الرسول لم ينعم حتى يوماً واحداً من الراحة طيلة هذه السنوات.


الإمارة:
شكَّل (ص) حكومة عادلة ترتكز على شريعة السماء، وقد وفّق بعد عشرين ونيِّفاً من السنين أن يقيم – بعد سلسلة جهودٍ و تبليغاتٍ إلهية منطقيِّة و سيرةٍ عادلةٍ و أخلاقٍ عظيمةٍ جالبةٍ للقلوب، وقوَّةٍ سماويِّةٍ و أرضيِّةٍ نادرةٍ، وبعد تضحيات المضحِّين في سبيل الدين الإلهي المُقدَّس – تشكيلاتٍ تقوم على العدالة و التوحيد.
ينبغي أن يصحو المسلمون، وعليهم أن يطالعوا سيرة الأنبياء وسيرة النبي الكريم (ص) على وجه التحديد، ويجب علينا التأسي بهم، فان جاء النبي للجلوس في مسجد المدينة وقراءة القرآن والتخلي عن بقية الأعمال لتأسينا به وحذونا حذوه، لكنّ الحقيقة أنّه خاض غمار الحرب منذ بداية الدعوة في مكة المكرمة الى‏أن ذهب الى المدينة وأقام فيها الحكومة، ثم نشر حكومته في جميع الأصقاع والأمصار التي تمكن من بلوغها، وبشر الناس ببسط نفوذ الاسلام على جميع‏ العالم والقضاء على‏كافة الظلمة في الروم وايران وغيرها، أي يخلصهم من عبادة الأوثان والنار، ولو سنحت له الفرصة لأحيا البشر جميعاً وخلصهم مما هم فيه على قصر أمد وجوده.