ما كانت وجهة نظر الإمام الخميني حول المفاوضات مع امريكا؟

ID: 40083 | Date: 2021/04/08
ما كانت وجهة نظر الإمام الخميني حول المفاوضات مع امريكا؟


الجواب:


يمكن ملاحظة الجواب على السؤال المطروح أعلاه في البنود التالية:
1. ذكر الإمام الخميني امريكا أكثر من 4000 مرة حيث يمكن من خلال قراءتها كلها الوصول إلى رأي الإمام حول امريكا. قبل بداية النهضة ذكر الإمام الخميني امريكا عدة مرات وعلى ما يبدو أن ذكره لها لم يكن مرتبطاً بالمسائل السياسية. ففي الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1962م عندما أصبح معلوماً أنه من المقرر بدء تنفيذ مشروع رستو-كندي المشروع الأمريكي المتعلق بايران، سعى الأمام في كل مناسبة إلى التنوير حول هذا الموضوع، والسبب الذي أدى لنفي الإمام إلى تركيا هو اعتراضه على قانون الحصانة الدبلوماسية للامريكيين. في ذلك الوقت توصل الإمام إلى هذه الحقيقة حول امريكا وهي أن امريكا تنظر إلى الناس في دول العالم الثالث نظرة تحقير وتجيز لنفسها القيام بأية أعمال وحشية تجاههم. لقد تبين هذا الأمر بشكل أكثر وضوحاً خلال النهضة وحتى بعد الثورة الإسلامية حيث نرى أن غالبية المصائب التي حلت في البلاد كانت امريكا نوعاً ما وراء حدوثها. كذلك لا يمكن إنكار التدخل الامريكي في الدول الإسلامية الأخرى وخير مثال على ذلك تدخلها السافر الذي لا نزال نراه في العراق وافغانستان وليبيا ومصر وسورية؛ لذلك نعت الإمام الخميني امريكا بالشيطان الأكبر.
2. على الرغم من نفي الإمام الخميني(قدس سره) إلى تركيا والعراق نتيجة اعتراضه على قانون الحصانة الدبلوماسية إلا أنه وقبل قطع العلاقات مع امريكا تحدث عن العلاقات مع الدول وقد استثنى دولتين فقط. إحداهما اسرائيل، الدولة العنصرية، المحتلة والمنتهكة، ولم‌تكن شرعية في منظومة أفكار الإمام الخميني ما دامت على هذا الشكل. والأخرى افريقيا الجنوبية التي كان يحكمها أيضاً نظام عنصري الّا انه وعندما انتصر أنصار ماندلا وتم إصلاح النظام كانت ايران من أولى الدول التي أقامت علاقات مع افريقيا الجنوبية. لذلك فإن قطع العلاقات مع امريكا لم يكن غير مشروع كقطع العلاقات مع اسرائيل. ذلك لأنه في رأي الأمام أن امريكا على الرغم من انتهاجها سلوكاً شيطانياً في سياساتها الخارجية، إلا أنها لم تكن تواجه مشكلة الشرعية من ناحية الأسس القانونية.
3. على الرغم من الانتقادات الشديدة التي كان يوجهها الإمام إلى امريكا إلا أنه لم يكن ينظر لقطع العلاقات معها. الّا انّ أكبر خطأ ارتكبه الامريكيون هو أنهم سعوا إلى إضعاف ايران والقضاء عليها بشكل غير مباشر بدلاً من التعامل البناء معها. كما وبدأوا بالحظر الاقتصادي إلى أن انتهت العلاقات السياسية بشكل رسمي وكامل بين البلدين عند تسخير وكر التجسس الامريكي في طهران بواسطة الطلاب. بالطبع رحب الامام الخميني(قدس سره) بالحظر الاقتصادي المفروض من قبل امريكا ضد ايران لأنه سيزيد من الثقة بالنفس ويبعث على الاكتفاء الذاتي أيضاً.
4. على الرغم من معرفة الامام بأن جهاز السياسة الخارجية الامريكي لن يكون قادراً بسهولة وبسرعة على تنظيم سياسته على أساس الاحترام المتبادل مع الدول النامية، وقد شبّه الإمام العلاقة مع امريكا بعلاقة الذئب والشاة، ولأنه كان يأمل بأن العلاقات الدولية ستأخذ منحىً إيجابياً ولكي لا يتصور محبيه بأنه ينظر لامريكا كما ينظر إلى الكيان الصهيوني الغاصب وافريقيا الجنوبية، فقد ترك الباب مفتوحاً أمام عودة العلاقات مع امريكا لكن بعد تحقق بعض الشروط من خلال عباراته التالية:
لن تكون لنا علاقات مع امريكا (إلا إن أصبحوا بشراً)وكفوا أيديهم عن الظلم والمجيء من تلك الجهة من العالم إلى لبنان، وعن التطاول على الخليج الفارسي ... (صحيفة الإمام، ج19، ص95) نستشف من العبارات المذكورة أعلاه بأن الإمام قد شعر بأن امريكا ولأسباب عديدة محتاجة إلى استئناف العلاقات مع ايران وينغي التحدث عن العلاقات بعبارات لا تهمل ماضي تلك العلاقات وإذا ما تم إقامة علاقات فإنها تكون من موقف الكرامة والعزة ولكي لا يعتبر عدم إقامة العلاقات الدائمة بمثابة مبدأ وأساس.
5.كان الإمام الخميني(قدس سره) ينظر إلى السياسة الخارجية على أساس تحقيق وحتى تثبيت العلاقات مع جميع الأمم. وكان يعتبر قطع العلاقات من جملة الأمور الاستثنائية، حتى أنه مع الاتحاد السوفييتي الذي كانت مواقفه المتعلقة بالدين أسوأ من المواقف الامريكية في بعض المواضيع المثيرة للجدل، لم يقم بقطع العلاقات مع حفظه لمضمون شعار لا شرقية، لا غربية. وقام سنة 1988م بإرسال رسالة استناداً إلى المبدأ الفقهي للدعوة إلى القيم إلى السيد غورباتشوف بمناسبة السنة المسيحية الجديدة، لذلك لا يمكن اعتبار مبدأ قطع العلاقات في رأي الإمام أمر دائم ومستمر.
6. إن للفكر السياسي أسس ومبادئ ثابتة نسبياً لكن الأفكار السياسية تتغير تبعاً للظروف والحالات المختلفة. من الأسس الثابتة للفكر السياسي لدى الإمام الخميني(قدس سره) عدم الهيمنة والاستكانة التى وردت في الدستور بهذا المعني أيضاً. لذلك يجب الوقوف في وجه هذه الهيمنة ورفضها سواء كانت من قبل امريكا أو أي دولة أخرى. من الأسس الثابتة الأخرى في فكر الإمام، الصداقة وإقامة العلاقات مع مختلف الأمم. لذلك فإن إقامة العلاقات مع امريكا شريطة ألا يكون ذلك نابع من موقف الاستكانة للهيمنة والرضوخ لها، ليس أمراً غير مذموم وغير مكروه فحسب، بل ويتماشى مع الأسس الأخرى لفكره أي منح الهوية والأصالة لإقامة هذه العلاقات. وعلى الرغم من ذلك، يظهر أن قطع العلاقات المؤقت (بغض النظر عن طول مدته) مع امريكا في سبيل تعزيز الثقة بالنفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي وكذلك إصلاح السلوك الامريكي، كان من بين الأفكار السياسية للإمام الخميني(قدس سره). وحيث أن موضوع تعزيز الثقة بالنفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي أصبح متأصلاً ومتجذراً في الثقافة السياسية للجمهورية الإسلامية الايرانية، فإن المواضيع الأخرى ليس سوى تحصيل حاصلٍ. لذلك يبقى إصلاح سلوك امريكا فيما يتعلق بسياسياتها الاستعمارية، فلو أمكن تحقيق هذا الإصلاح في خضم هذه الوضعية، فمن الأفضل عدم إقامة العلاقات، اما اذا أثبتت الأدلة أن المفاوضات المباشرة وجهاً لوجه يمكن أن تؤدي إلى التعامل البناء وتحقيق ذلك الإصلاح، ربما يمكن القول بأنه حتى المفاوضات المباشرة ستكون موضوعية لتحديد وتعريف علاقة مقبولة مع امريكا من حيث الأفكار السياسية للإمام الخميني(قدس سره).
7. يبدو أن أهلية الجهاز الدبلوماسي لإقامة العلاقات المقبولة كانت أيضاً من ضمن الهواجس التي تشغل الإمام الخميني(قدس سره). ولأن الجهاز الدبلوماسي في البلاد كان شاباً حينها ويحتاج إلى خوض تجارب كثيرة ليتسنى له التعامل من موقف قوة واقتدار مع دولة عظمى تتمتع بأجهزة جاسوسية ودعائية ضخمة وكثيرة واتخاذ مواقف لا يكون لها نتائج عكسية، فضّل الإمام قطع العلاقات لكي لا تتمكن امريكا من التوغل داخل الجهاز الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية. لكن عندما يكتسب الجهاز الدبلوماسي للجمهورية الاسلامية الايرانية الخبرة من ناحية المعرفة والرؤية السياسية وتصبح لديه الإمكانيات والقوات الهائلة والمؤثرة في العلاقات الدولية ويتعلم اللغة الدبلوماسية، عندها لن يتنافى موضوع إقامة العلاقات مع مطابقة جميع شروطها مع أفكار الإمام الخميني(قدس سره). بالطبع شريطة أن يكون مجموع هذا التعامل والتفاعل متوافقاً ومتناسقاً وحافظاَ للأسس المنصوص عليها في الدستور.