السيد جعفر مرتضى كان عاشقاً للإمام الخميني

ID: 61390 | Date: 2019/11/01

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الاحتفال الـتأبيني الذي أقامه حزب الله بمناسبة مرور أسبوع على رحيل العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي قدس سره في مجمع المجتبى عليه السلام.
إلى روح فقيدنا الكبير والغالي سماحة آية الله العلاّمة السّيد جعفر مرتضى رضوان الله تعالى عليه نهدي ثواب الفاتحة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبين، أبي القاسم محمد ابن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
السّادة العلماء، الإخوة والأخوات، السّلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
يقول الله تعالى في كتابه المجيد:
بسم الله الرّحمن الرّحيم

‏}الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{
ويقول تعالى:
‏‏‏}يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَــاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَـلُونَ خَبِيرٌ {
وعن الإمام الصاّدق (ع): (من تعلّمَ لله وعمِلَ لله وعلّمَ لله دُعيّ في ملكوتِ الله عظيماً، فقيل تعلّمَ لله وعمِلَ لله وعلّمَ لله).
أرحّبُ بكم جميعاً في هذا الحفل التأبينيّ، وفي هذه المناسبة الحزينة والمؤلمة، والتي نقابلها مع الحُزنِ والأسَى بالتّسليم لمشيئة الله والرّضى بقضائه وقدره.
أتوجّه في البداية إلى عائلة سيدنا الفقيد والعزيز والكبير فرداً فرداً بأسمى آيات العزاء ومشاعر المواساة في هذه المناسبة وعلى هذا الفقد والخسارة الكبيرة للعالم الإسلامي، للفكر الإسلامي، للتحقيق وللعلم، ولأحد مواقع الجهاد الكبرى، الجهاد الفكري الذي هو جزء أساسي من عمليّة الجهاد الكبرى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ على هذه العائلة الكريمة وعلى كل المحبّين بالطمأنينة والسّكينة والتسليم والرّضى وهذا شأنهم وهذا هو المتوقّع منهم بطبيعة الحال.  
أودّ في هذه الكلمة أن أتحدّث في قسمين، في مقطعين، المقطع الأوّل، عن صاحب المناسبة.
والمقطع الثاني، عن المستجدات الحاصلة في بلدنا.
سماحة السّيد رحمه الله قضى عمره المبارك في طلب العلم عندما كان طالباً في الحوزة العلميّة، في طلب العِلم والتّعلُّم والتّعليم والدراسة والتحقيق والتأليف والإجابة على الأسئلة الدينية والثقافية والفكرية المتنوّعة، وكذلك قضى عمره المبارك في تربية طلاب العلوم الدينية، أجيال من العلماء وتأسيس وإيجاد العديد من الحوزات العلمية لهذا الهدف سواءً في لبنان أو في قم المقدّسة.
الطابع العام الذي غلب على شخصيّته  وعلى حياته هو هذا، الطابع العلمي والإهتمام العلمي والتربوي، في ما يتقدّم آخرون في العمل السّياسي أو الجهادي... إعتبر سماحة السّيد الراحل أن تكليفه الشرعي أن يصرف كل وقته لهذه المساحة المهمّة ليملأ فراغاً كبيراً في هذه الجبهة. صحيح، أنه لم يباشر العمل السّياسي التفصيلي والمباشر واليومي، لكنه كان موجوداً بقوّة في الأحداث الأساسية والكبرى. كان داعماً للثّورة الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده) التي غيّرت وجه المنطقة والعالم عام 1979 م، وكذلك كان من مؤيّدي وبقوّة قيام نظام الجمهوريّة الإسلامية في إيران بعد الإنتصار، وكانت له علاقاته الواسعة بالقادة الكبار في هذه الثورة، وبالمراجع العظام والعلماء الأجلاء في الحوزات العلمية، ومن هذا الموقع كانت له إسهاماته العلميّة المساعدة في الشؤون المختلفة التي تعني الدولة الفَتيَّة ومن جملتها في تدوين الدستور الأوّل للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، أيضاً في الحرب المفروضة التي فرضتها قوى الإستكبار في العالم على الجمهورية الإسلامية في إيران على مدى 8 سنوات، سماحة السّيد كان يذهب إلى الجبهات ليقوم بدوره التعبويّ والإستنهاضيّ والتحريض على الجهاد والثبات وكان يعقد الكثير من اللقاءات والدورات التثقيفية والتوجيهية حتى مع قادة وضبّاط وأمراء في القوات المسلّحة، مستفيداً من التوجيهات الإسلامية ومن النّصوص المتوفّرة بين أيدينا، من كتاب الله عزّ وجل ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتجربة صدر الإسلام في قضايا الحرب والقتال والجهاد. كما أنّه كان دائماً من مؤيّدي وداعمي حركات المقاومة في المنطقة في مواجهة الكيان الإسرائيلي والمشروع الصّهيوني، وخصوصاً حركات المقاومة في لبنان وبالأخصّ المقاومة الإسلامية، وحتى آخر لحظةٍ من حياته عبّر عن ذلك في كُتبِه التي تبقى ويتوارثها الأجيال، كان يتحدّث عن المقاومة الإسلامية في لبنان وتجربتها وانتصارها ومجاهديها وشعبها وناسها في كُتبهِ وخُطَبه ودروسه وأجوبته، وأيضاً عبّر عن ذلك من خلال احتضانه الأبويّ لكثير من مجاهديها. كان سعيداً جداً بانتصار المقاومة في حرب تموز وكما ورد في التقرير قبل قليل، كان فخوراً بالانتصار الذي حقّقته المقاومة وأهلها، مهما كانت التضحيات، المهم أننا انتصرنا - كان يقول -، مع أنه بالنسبة إليه والذي يقاتل في الجبهة الفكرية أغلى ما يملك هي مكتبته التي تحوي عشرات الآلاف من الكتب وعدد كبير من المخطوطات ومؤلفاته التي كتبها بخط يده ولم تُطبع وضاعت في القصف والتدمير الذي لحق الكثير من البيوت والمنازل ومنها بيته ومركزه، كما كان داعماً دائماً لخيار المقاومة في مواجهة الهجمة التكفيرية الإرهابية في المنطقة، تعلمون في ذلك الوقت هناك نقاش في بعض الأوساط في هذا الخيار، خيار المواجهة، والتي كانت تريد أن تقتلع كل الحاضر والماضي وترمي بمنطقتنا وشعوبها إلى المستقبل المجهول والمظلم.
كان عاشقاً للإمام الخميني (قده)، ونظمَ في رثائه أطول قصائده وسمّاها "سنابل المجد"، وعندما انتخبَ مجلس خبراء القيادة في إيران بعد رحيل الإمام الخميني (قده) عن هذه الدّنيا، عندما انتخب هذا المجلس سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) قائداً ووليّاً لأمر المسلمين، كان سماحة السّيد الراحل  من المؤيدين والدّاعمين بشدّة لهذا الإنتخاب المناسب واللائق سواءً عندما كان في إيران أو بعد مجيئه إلى لبنان، وكان حريصاً دائماً على أن يكون هذا الموقع القياديُّ عزيزاً ومُصاناً ومُطاعاً ويعلّقُ الآمال الكبيرة عليه.
أعود إلى الميّزة الرئيسيّة والطابع العام في شخصيّته، الطابع العلمي والفكري، لقد كتب سماحة السّيد وبحث وحقق ودقّق في مختلف العلوم والمعارف، في الفقه والأصول والتفسير والكلام والعقائد والسّيرة والتاريخ ومباحث الحكم والإدارة والحرب والجهاد والأخلاق والتربية وعلمَيّ الإجتماع والنّفس وفي قضايا الإقتصاد الإسلامي والسُّوق، تقريباً يمكن القول أنّ سماحته كتب في جميع المجالات التي فيها للإسلام رأيٌ وموقف، وإطلالة سريعة على لائحة مؤلّفاته الكثيرة يؤكّد هذا المعنى. لم يتوقّف عن الكتابة والتأليف والتحقيق الذي كان جهاده، إلا عندما أعجزه المرض الأخير عن الإمساكِ بالقلم، أمّا طيلة السّنوات التي عانى فيها من مرضه العُضال وبالرّغم من الظروف الصّعبة والمتعبة جسديّاً ونفسيّاً – كلنا نعلم ما يعني أن يُصاب الإنسان بهذا النوع من المرض وما يلقيه على جسده من تعبٍ وعلى نفسه من أثقال – لكنّه مع ذلك لم يتوقّف عن التحقيق والكتابة حتّى في أصعب الظّروف الصّحية، وقد أنجز العديد من الموسوعات الكاملة الجديدة أثناء هذا الوضع المرضيّ الصّعب، خصوصاُ في ما يتعلّق بحياة وسيرة سيِديّ شباب أهل الجنّة الحسن والحسين (عليهما السلام) بما يزيد عن 30 مجلّداً.
بالرّغم من تنوّع إهتماماته ودراساته العلميّة والتحقيقيّة الا أنّ سماحة السّيد ذهب إلى المجال الأصعب، برأيي إلى المجال الأصعب والأخطر والأكثر حساسية من بعض الزوايا والجهات، وهو مجال التاريخ الإسلامي، تحقيقاً وكتابةً وتأليفاً موسوعياً.
في مجال التاريخ الإسلامي، لماذا نقول عن هذا أصعب وأخطر وأدق وأكثر حساسيةً؟ عندما تُريد أن تعرف حقائق التاريخ، والوقائع التي حصلت في التاريخ، لأنه عندما يتكلم أحد عن التاريخ، التاريخ هو الوقائع والحقائق والأحداث والتطورات التي حصلت، سواء كانت كبرى أم تفصيلية وجزئية.
ما يُكتب عن هذه الوقائع يُسمى تاريخ، ونفس هذه الوقائع قد تُسمى تاريخ، عندما تُريد أن تصل إلى هذه الوقائع، وخصوصاً في التاريخ الإسلامي، هناك صعوبات جمّة وكبيرة في مواجهة هذا النوع من التحقيق، على سبيل المثال، الكلمة هي، يعني كلمتي ليست بحثاً علمياً وإنما فقط للإشارة، على سبيل المثال، الفاصل الزمني الطويل، نبحث عن تاريخ وعن وقائع وأحداث حصلت قبل 1400 سنة أو 1300 سنة أو 1200 سنة أو 1100 سنة...، خصوصاً أن المرحلة الزمنية التي تصدى لها سماحة السيد هي المتعلقة بالقرون الأولى من تاريخ الإسلام.
هذا الفاصل الزمني يُصعّب إمكانية المعرفة الدقيقة والصحيحة، لا يَمنع ولكن يجعله أمراً صعباً، اليوم نحن في حياتنا المعاصرة حصلت أحداث قبل عشرات السنين، عندما يأتي من يَكتب عنها أو يُؤرخ لها أو يُحقق حولها، سوف نَجد كتباً وآراء ونظريات ومقولات وروايات متباينة، بتباين مواقع أصحابها وإنتماءاتهم وخلفياتهم الفكرية والثقافية والسياسية، بل ليس فقط ما حصل قبل سنين أو عشرات السنين، ما يَحصل بين أيدينا، الآن مثلاً في لبنان هذا الحراك الذي حصل خلال الأُسبوعين الماضيين، ليس بعد سنة أو سنتين أو مئة سنة ماذا يَكتبون عنه، الآن كل أحد يكتب عنه بشكل ٍ مختلف، وكل أحد يقرأه بشكلٍ مختلف، وكل أحد معلوماته مختلفة، وكل أحد تقييمه مختلف، وفيما بعد إذا كَتب أحد تاريخاً، سوف نقرأ قراءات متباينة ومتناقضة ومتعارضة حول حدثٍ نملك كل أدوات ووسائل الإطلاع والإحاطة المعلوماتية حوله.
إذاً الفاصل الزمني، هذ أمر يضع صعوبة كبيرة.
ثانياً: مثلاً، على سبيل المثال، قلّة أو عدم كثرة المصادر التاريخية في الدرجة الأولى، يعني التي تَنقل مباشرةً، لأنه لدينا كتب تاريخ، مثلاً لدينا كتاب تاريخ  ثم يأتي كتاب ثانٍ يَنقل عنه ثم كتابٍ ثالث ينقل عنه ثم كتاب رابع ينقل عنه، هذه ليست مصادر موازية وليست مصادر درجة أُولى، الكتاب الأول هو مصدر درجة أولى، ولذلك عندما نَتصفّح كتب التاريخ الإسلامي، نجد أحياناً أنها نسخة طبق الأصل، مع بعض الإضافات أو بعض التعديلات، أو بعض الإضافات الزمنية، التي لم تكن في زمان الكاتب أو المؤلف الأول، وهذا طبعاً عدم التنوع في المصادر وتعدد المصادر، وعدم وجود مؤرخين من كل الإتجاهات الفكرية والدينية والثقافية والسياسية في التاريخ الإسلامي أيضاً يُحدث مشكلة.
من أهم المشاكل التي يُعانيها أي مُحقق في التاريخ أن أغلب ما كُتب في التاريخ ليس له أسانيد إلاّ القليل، أسانيد يعني عن فلان وعن فلان وعن فلان..، وعن الشاهد المباشر للحدث، أو الناقل المباشر للحدث.
في الفقه وفي البحث عن الأحكام الشرعية أو بعض قضايا الفكر الإسلامي، الحمد لله قرآننا موجود ومُصان ومحفوظ ومعصوم إلى قيام الساعة في الوعد الإلهي، وأيضاً الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أهل البيت وعن صحابة النبي رضوان الله عليهم، حفظها ورعاها المسلمون طوال التاريخ سنةً وشيعة، في كتبهم الحديثية والروائية، حفظوا أسانيدها وكتبوا الأسانيد، وحققوا في الرجال، واستحدثوا علوماً لصيانة هذه الروايات وهذه الأحاديث التي يُستند إليها، أما في قضايا التاريخ،  ليس لدينا أسانيد إلا القليل، وهذا الأمر خطير جداً، لأنه يجب أن تعرف أن الذي يَنقل هذه الكلمة أو هذا الموقف أو هذا الحادث أو هذه التفاصيل عن المعركة هل هو ثقة؟ وهل هو صادق؟ أم أنه يتحدث من موقع مختلف؟ كشاهد أيضاً حي على أهمية هذا العامل، اليوم نحن أيضاً في الأسبوعين الماضيين رغم أنك عندما تنقل الأحداث أو عندما تَخطب مثلي أنا مثلاً، أنت تَخطب وتنقل عشرات التلفزيونات أو الشاشات كلمتك، ويَسمعها كثيرون، وبعد دقائق قليلة تقوم وسائل إعلام وجهات سياسية بتحريف ما قُلت بالكامل، مع العلم أنه يوجد شهود ويوجد تلفزيونات، مثلاً على سبيل المثال عندما قُلت للمتظاهرين أنتم مطالبكم مُحقة ولكن يجب أن تحذروا من أن يركب موجتكم أحد، لأنه يوجد تمويل لهذا الحراك في مكانٍ ما، من حقكم أن تَبحثوا عن الممول، إذا كان ثرياً فهل أمواله ليست من فساد؟ أو إذا كان من سفارة، فهل هذه السفارة تُريد مصلحة البلد؟ بعد دقائق، كثير من المراسلين من بعض وسائل الإعلام وبعض السياسيين الآخرين يسألون الناس  السيد قال عنكم أنتم تُمولكم السفارات، والسيد قال عنكم أنتم عملاء السفارات، والسيد يقول عنكم ... وأنا لم أقل شيئاً من ذلك، هذا شاهد حي، كل ما يجري أمامنا الآن يجعلنا نَفهم ما كان يجري في التاريخ، ويجعلنا نفهم أيضاً الكثير من وقائع التاريخ ونُحللها بشكلٍ صحيح، ويجعلنا نفهم أيضاً أن قراءة التاريخ واكتشاف حقائقه ليس أمراً سهلاً، ولا يجوز الإستعجال فيه واطلاق الأحكام، بل يحتاج إلى كثير من الجهد والتحقيق والتدقيق، وتَتبع كل المصادر وكل الكتب وكل المقولات حتى يصل الإنسان إلى نتيجة، فتلاحظون أيها الإخوة وأيها السادة أنه في كتب التاريخ، حتى القضايا التي لا تدخل فيها الأهواء السياسية، تجد مقولات متعددة، مثلاً في ولادة الشخصيات المهمة، تجد في خبر الولادة ثلاثة أو أربعة أخبارأو خمسة أخبار، في خبر الوفاة كم عاش؟ وكيف مات؟ قُتل أم مات بشكلٍ طبيعي؟ هذه التفاصيل لشخصيات مهمة مع ذلك تَجد، وقد لا تدخل فيها الأهواء السياسية أحياناً، في كل الأحوال هذه أيضاً من الصعوبات، من صعوبات التاريخ واكتشاف التاريخ وتدخل الأهواء السياسية والاتجاهات والخلافات الفكرية والمذهبية والدينية، وأيضاً العرقية والقومية والقبلية، الكثير مما نقرأه، وهذا ما يقوله العلماء والمحققون من أهل السنة والشيعة، لأن هذا ليس رأياً شيعياً، أن الكثير من الروايات التي تتحدث عن فضل البلد الفلاني على البلد الفلاني والقوم الفلاني على القوم الفلاني، كثير منها من الموضوعات التي يجب في الحد الأدنى التدقيق فيها قبل البناء عليها، لأنها كانت تخدم مصالح أقوام أو قوميات معينة أو بلدان معينة أو أهواء معينة، تدخل السلطات الحاكمة طوال التاريخ، مثل الآن السلطات التي تتدخل في وسائل الإعلام وتُدير وسائل الإعلام، طبعاً ليس السلطات المحلية بل الدول الكبرى الممسكة بالإعلام والممسكة بثورة الإتصالات والممسكة بالسيطرة على العقول ، هذا كان دائماً موجوداً ولكن بوسائل مختلفة.
في كل الأحوال، هذه الأمور الصعبة سماحة السيد رحمه الله دخل في هذا المجال الصعب، ووضع لنفسه منهاجاً محدداً وقواعد معينة لدراسة التاريخ ووقائع التاريخ، وأمضى القسم الأكبر من عمره في هذا المحيط المتلاطم، وكتب الموسوعات وخلص إلى نتائج، قد تُوافقه عليها، الآن في الدائرة الشيعية يوجد نقاش حول بعض هذه الإستنتاجات التاريخية، وفي الدائرة الإسلامية يوجد نقاش حول بعض هذه الإستناجات التاريخية، قد تُوافق على منهجه في التحقيق أو لا تُوافق، قد تُوافق على استنتاجاته أو لا توافق، ولكن هذا أمر طبيعي، لأن موضوع التاريخ وبسبب بعض الصعوبات التي تحدثّت عنها قبل قليل، يضع العلماء والمحققين الجادين والصادقين أيضاً أمام مساحة من الإختلاف والإجتهاد وتباين الرأي، وخصوصاً في نوع من هذه الموضوعات التي قد تُثير بعض الحساسيات أو العواطف، لكن أمام ما أنجزه سماحة السيد يجب أن نعترف أمام ما أنجزه سماحة السيد من تأليفات موسوعية في مجال التاريخ الإسلامي والسيرة، وخصوصاً ما يرتبط برسول الله الأعظم صل الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، يجب أن نعترف أنه جُهدٌ غير مسبوق في التاريخ الإسلامي، وخصوصاً فيما يتعلق بجهود وعطاءات العلماء المسلمين الشيعة في الحد الأدنى، هذه ميزة خاصة لسماحة السيد العلامة السيد جعفر مرتضى رضوان الله تعالى عليه، ما قام به وما أنجزه على مستوى البحث التاريخي، والموسوعات التي كتبها وقدّمها، والجهد الذي بذله هو أمر بإعتقادي إما أنه نادر أو غير مسبوق، يعني لا نظير له في تاريخ علمائنا ومحققينا طوال التاريخ، الأمل يبقى بأن يأتي من يُكمل هذا العمل الموسوعي الاستثنائي حول بقية أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أسأل الله تعالى لسيدنا العزيز والكبير الراحل الرحمة والرضوان وعلو الدرجات في جوار آبائه وأجداده الطاهرين.