جوهرة الإسلام الاصیل

ID: 67972 | Date: 2021/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم 


           


    الحديث عن شخصية عظيمة، لا مثيل لها في التاريخ حتى الان، و الى يوم الحشر، قد يكون بعيد المنال، ان لم يكن من المحال ! ذلك لان الاقلام، مهما كانت و بلغت، تقف حائرة، تائهة، لا تؤدي ما انيط بها من اصطفاف للحروف و الكلمات و صياغتها، لتصبح مفهوما و كتلة من النصوص، يدركها من له عقل يؤهله لارتشاف معانيها، و تكحيل عينيه بها، شفاء لهما من ظلمات الجهل و وسوسات شياطين الانس و الجن ... لقد تمهلت و فكرت كثيرا، حتى فيما اسطره من حروف ... فاي حرف يليق بتلك الشخصية العبقرية، الفريدة، بين صفوف الانسانية جمعاء ؟ ... و اي قلم استطيع به الاشارة و لو عن بعد، الى ميزة واحدة فقط، مما تتمتع و تنبض به ؟ ... و قادني الفكر بعد امد غير قصير، الى الكتابة عنها و اماطة اللثام، عن بعض السجايا الالهية، المحمدية، التي طغت عليها و ما اكثرها ... فقد عاصرت البعثة النبوية حين ولادتها، فاتاح لها ان تفتح عينيها، على رسالة عظيمة و رسول اعظم، جاء ليخرج امته و يرفعها من القعر الى البدر، بعد انغماسها في مستنقعات الجهل، و عبادة الاوثان، و واد البنات، و النهب و السلب، و سفك الدماء، في سبيل حفنات من المال، او قطعان من الابل و الماشية، و استحیاء النساء ... و على خلاف ما ذكره البعض، من انها ( ع) ولدت بخمس سنوات قبل البعثة النبوية، فقد ولدت بالتاريخ المذكور بعد بعثة النبي ( ص) _ (1)، و كما هو المروي عن الائمة الاطهار (ع) في سند صحيح ._ (2) ... فهي، اذن، وليدة النبوة، في بيت النبوة، و في احضان ام جليلة القدر، قدمت اخراها على دنياها، بما امتلكته من ثروة، حين اقترنت بالرسول الاعظم (ص)، فاكرمها الله تعالى بثروة لا تقدر، و لا يتاح لاحد مثلها مهما كان، فاحتوت بذلك على دنيا منيرة و اخرى اكثر نورا ... كيف لا ؟ و الوليدة ثمرة من ثمار الجنة، ففي تواتر منقول عن عدد من الصحابة ک : عائشة، عمر و ابن عباس (رض)، ان نطفة فاطمة (ع)، اوجدت من فاكهة الجنة، تناولها رسول الله (ص) في الاسراء و المعراج ._ (3) ... و هكذا كانت، طيبة المنبت، و جذورها نبوية شامخة، فترعرعت كما اراده الله تعالى لها، فشبت لتحمل رسالة الايمان، و مقارعة الظلم و انقاذ امتها، على خطى اشرف الرسل (ص) ... الى جانب ما تحملت، و ما جوبهت به، من مصاعب و انكار لفضلها و ما قامت به ! . اما الاسم الذي تحمله، فقدتضاربت الروايات في ذلك، الا ان روايات كثيرة اتفقت، على ان اسم فاطمة (ع) كان من الله جل جلاله ._ (4) ... و من يكن الله عز و جل قد اختار اسمه، فهو غنى عن التعريف و " من يهد الله فهو المهتد ..." _ ( 5)، و ما فوق ذلك شيئ، فقد هديت بواسطة الاله الذي، لا اله الا هو، و خطت على المسار بوالد، رحيم، رؤوف، عظيم في كل ما قام به ... فهل الى وسوسة شيطان رجيم، او تابع له سبيل الى من البسه الله تعالى، لباس الهداية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟ ... فعن اية منقبة، من مناقبها التي لا تحصى، يتدحرج القلم على وريقات معدودة، و قد لا يعي ما يقوم به ؟ ... فالقلم و الذي اخذه بين اصابعه، قد تخونه ذاكرته فيما يبغي ! لما تحلت به الزهراء( ع) من مناقب، وعند ذكر اي منها، ينتقل الذهن و لارادع له ! الى اخرى قد تكون اكثر نورا و اضاءة من اولها ... و هكذا ... لقد حار العقل و انقلب على نفسه، باختيار ما يصلح المجتمع بكافة شرائحه !  فكل مناقبها و فضائلها، عظيمة، جمة، تربط الافئدة باوتار لا تنفصم الى يوم يبعثون ... روي عن النبي(ص) و الائمة الميامين (ع)، ان فاطمة (ع)، سيدة نساء العالمين كافة و افضلهن، و هي افضل من السيدة مريم (ع)، لان مريم ( ع) سيدة نساء عصرها فقط ._ (6)، و ان فاطمة (ع) سيدة نساء اهل الجنة و مريم (ع) واحدة منهن._ (7) ... و حضورها في المباهلة، اوضح دليل على ذلك ._ (8)، و هي الاخذة بما اوحي لسيد الرسل (ص) و القائمة بما نهى ... " ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا ." _ (9)، فاسوتها رسول الله (ص) و قد امر الباري بذلك ...." و لكم في رسول الله اسوة حسنة ..." _ (10) ... اما الكرم و السخاء، فحدث و لا حرج، فقد روي انها (ع)، اعطت عقدها و فراش الحسن و الحسين (ع) الذي ينامان عليه، لاعرابي معوز، حيث اشتراه منه، بعد ذلك، عمار بن ياسر، و اهتمامها " بالجار قبل الدار " اوضح من الشمس في رابعة النهار ... و ما اتحفها الله تعالى به من علوم، دلالة على عظم مكانتها العلمية المرموقة ... فهي التي جعلت بيتها ناديا لنساء المدينة، يتوافدن عليه لزيارتها، و استشارتها و التزود، بالعلم الذي افاضه الله عز وجل عليها ._ (11) ...و هي اول مؤلف في الاسلام، و كتابها ( مصحف فاطمة ) يشهد على ذلك، كما تنقله الروايات، و الذي، كان لها دور هام في تاليفه و تدوينه . قال ابو عبد الله الصادق ( ع) حوله : " ما ازعم ان فيه قرانا ... " _ (12)، و هذا على خلاف ما يدعيه الوهابيون و اتباعهم و يروجون له، من ان لفاطمة ( ع) قران لدى الشيعة، غيرالقران المتداول عند المسلمين ! ... و ما قاله النبي(ص) فيها (ع)، ان " فاطمة بضعة مني " ليس بخاف على احد، فهو متواتر في صحته و سنده بين الشيعة و السنة ._ (13) . اما قوله (ص) و تسميتها (س) ب " ام ابيها" بعد فقد والدته، يدل على حقيقتها و سلوكياتها بالنسبة لوالدها ( ص)، و ليس على ملء فراغ والدته الشاغر ! _ (14) ... و ما الحديث في هذا المجال، حول حفيدها الجليل، الامام الخميني (قدس سره)، و ميلادها ( ع) ميلاده، ايضا, الا نوافذ مضيئة، و لمحات ساطعة، تكشف لنا ما خفي عن شخصية مفجر الثورة الاسلامية الراحل، الذي اتخذ جدته ( ع)، نبراسا له، على امتدادحياته المباركة، المفعمة بالكفاح و التصدي للارهاب و التحجر، و هيمنة القوى الكبرى، على مقدرات الشعوب الاسلامية، خاصة الشعب الايراني، حيث كان ( قدس سره) المثال الواضح، للذي لا تلومه في الله تعالى لومة لائم ... و المتتبع لمراحل حياته الكريمة، منذ شبابه اليافع، الى عودته منصورا، و دخوله البلاد مؤزرا بحماية الله جل جلاله، و رعايته، يرى، ان سماحته، كان السائر بحق على مسار الائمة الاطهار (ع)، لا سيما فاطمة الزهراء ( س)، فالميلاد واحد، والطريق واحد والعظمة الالهية تتجلى، حيث انه " يوم عظيم و اجتماع كبير و محل مبارك، يوم ولادة الزهراء المرضية، يوم المراة . يوم انتصار المراة القدوة في العالم . ان للمراة دور كبير في المجتمع . المراة هي مظهر تحقق امال البشر، المراة تربي جمعا غفيرا من النساء و الرجال العظماء، و من حضن المراة يسمو الرجل في معارج الكمال ." _ (15)، لانها بحد ذاتها، مدرسة مترامية الاطراف، لا سيما في التربية ... فاذا ما نشات في بيئة اسلامية، صالحة، تكون قد اعدت نفسها لارفع ما تحمله على عاتقها، و هو، تنشئة جيل، مسلم، متجذر في اصوله و منابعه، و متحل بحلية الاسلام، و متمسك بعروة الله تعالى الوثقى، التي " لا انفصام لها " ... فهي زوجة و ام، و منها ينشا الشعب العظيم، اذا ما تم اعدادها، و هي نبتة صغيرة، لتصبح كذلك . ف : الام مدرسة اذا اعددتها ........ اعددت شعبا طيب الاعراق . كما يقول احمد شوقي .


" ان جميع الابعاد المتصورة للمراة، و المتصورة للانسان، قد تجلت في فاطمة الزهراء سلام الله عليها . انها لم تكن امراة عادية، بل كانت امراة روحانية، امراة ملكوتية، انسانا بتمام معنى الانسان، بكل الابعاد الانسانية ... حقيقة المراة الكاملة ... حقيقة الانسان الكامل ." _ (16) ... فالزهراء (ع)، اذن، ارفع، افضل و ارقى امراة، اوجدها الله تعالى على الارض، لتنير مسار الانسانية المظلم، و تهدي من اتيحت له الفرصة ... و هي (س) بالتالي، حاملة لواء الاسلام الى يوم اليقين ... و ما شخصية الامام الخميني ( قدس سره )، و الثورة الاسلامية المظفرة، الا نزر يسير من فضائل و مناقب الزهراء ( ع).



 ---------------------


1_ جامع الاصول ...، ابن الاثير، ج 12، ص 10_ 9، دار احیاء التراث العربي .


2_ مروج الذهب، المسعودي، تاريخ مواليد اهل البيت ( ع)، ج 2, ص 289 .


3_ بحار الانوار، ج 43, ص 6_4، نقلا عن : امالي الصدوق و عيون اخبار الرضا و ...، و من كتب اهل الجماعة و السنة : المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيشابوري، ج3، ص 156، نزل الابرار، الحافظ محمد بن معتمد الحارثي، ص 88، الدر المنثور ..., السيوطي، ج4، ص 153.


4_ كنز العمال ..., ابن حسام الدين الهندي، ج 6، ص 219، مناقب الامام علي ...( ع)، القاضي محمد بن سليمان الكوفي، ص 229_ 221 .


5_ الاية 97، الاسراء .


6_ الجوهرة، محمد بن ابي بكر الانصاري التلمساني، تحقيق د . محمد التونجي، ص 17، المجالس السنية، السيد محسن الامين، ج 5، ص 63.


7_ صحيح البخاري، ج 5، ص 36، مراة الجنان، ابو محمد اليافعي اليمني، ج 1،ص 61،


8_ الكافي، ج 1، ص 179 و ص 189، الغيبة، محمد بن ابراهيم النعماني، ص 139 _ 138، بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص 489 _ 488.


9_ الاية 7، الحشر .


10_ الاية 21، الاحزاب .


11_ شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 193 و ص 198 .


12_ الكافي، ج 1، ص 240 .


13_ ذكر ذلك الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه، كشف الغطاء، ص 12.


14_ الندوة، سلسلة الندوات الاسبوعية، السيد محمد حسين فضل الله، ص 58 .


15_ صحيفة الامام العربية، ج 7, ص 253 .


16_ المصدر السابق ...., ص 250 .


______


د . سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الامام الخميني ( قدس سره) .