الامام الخميني (قدس سره) وحقوق الانسان الودية.

ID: 69800 | Date: 2021/05/24

   الامام الخميني (قدس سره) وحقوق الانسان الودية


  


ان الالتفات الى مكانة الانسان الرفيعة واهميتها في الفكر السياسي, من ناحية، وبشمولية الدراسات الحديثة في موضوع حقوق الانسان، وابعاده الداخلية والعالمية، وما يترتب على ذلك من اثار وتداعيات عدة، من بينها، واجبات جديدة ملقاة على عاتق الحكومات، من ناحية اخرى ... بالنظر الى ذلك، فان التطرق الى حقوق الانسان الودية، حسب رؤية سماحة الامام الخميني (قدس سره)، هام من زاوتين :


الاولى : توضيح قسم من نظرية سماحته العامة، فيما يتعلق بالحكومة وواجباتها، في المجالات الحقوقية، خاصة المجال الدولي، وبالالتفات الى اسس نظرية الامام (قدس سره)، حول معرفة الانسان والوجود، لم يكن هنالك شيئ ملفت للنظر، وجدير بالدراسة في هذا الحقل.


الثانية : ان موضوع حقوق الانسان الودية، هي، من بين المواضيع العالمية، واحد ابحاث الادبيات المعاصرة في حقوق الانسان، وكذلك احد عوامل التحدي في مجال العلاقات الدولية، امام ايران. وعليه، وبالنظر الى مواضع ورؤية الجمهورية الاسلامية، المنبثقة من فكر سماحة الامام (قدس سره) ومدرسة الاسلام، قد يكون الالتفات الى موضوع حقوق الانسان الودية، وكذلك تبيين رؤية سماحته في هذا الحقل، وما يتبع ذلك من اجابات على هذا النوع من التحدي ... قد يكون مفيدا.


_______


_ محمد رضا رباني، 1388 ه. ش. (2009م )، من رسالة في الدراسات العليا، كلية الامام الخميني (قدس سره) للابحاث، والثورة الاسلامية.


_______



   القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره)


النَفَس الرحماني


وجود عام منبسط على الاعيان الثابتة للتجلي العيني


 


النَفَس هو نسيم الهواء، والجمع أنفاس (الفيومي، 617). ويستعمل اللفظ ايضاً بمعنى تفريج الكرب والهمّ (ابن منظور، 6/236. الطريحي، 4/117). والرحمن من الاسماء المختصة بالله تعالى ويعني ذو رحمة واسعة (ابن منظور، 12/230. الطريحي، 6/69).


وفي المصطلح العرفاني، النَفَس الرحماني حقيقة في باطن الحق تعالى تحمل صورة كل الحقائق وظهورها في مرتبة التعين الثاني (الكاشاني، لطائف الاعلام، 567). وهذه الحقيقة هي اول حقيقة حاصلة من اجتماع الاسماء الذاتية (الفناري، 369) وانبساط الوجود وامتداده على الاعيان الثابتة لأجل التحقق العيني للموجودات (القصيري، 295، 413 و 735-736).


ومن جهته يرى الامام الخميني تجلي الظهور الفعلي فيض مقدس ووجود منبسط، يطلق عليه بالنفس الروحاني باعتبار البسط والظهور في مراتب التعينات (تعليقات الفصوص، 292-293). وحول وجه التسمية بالنفس الرحماني يرى العرفاء أن المصطلح مستوحى من تنفيس الكرب أو مشابهته للنفس الانساني.


 


الخلفية


بالنسبة للقرآن الكريم فسّر عنوان (وَجهُ الله) (البقرة، 115. الرحمن، 27)، و(الظّل) (الفرقان، 45. انظر مصباح الهداية، 64)، بالنفس الرحماني (راجع القيصري، 844. الفناري، 661). ومما يذكر أن اللفظ مستقى من قول النبي الاكرم (ص) بحق أويس القرني، الذي كان في اليمن: اني لأجد نَفَس الرحمن من قبل اليمن (الاحسائي، 1/51). وفي بعض الادعية ثمة إشارة الى هذه الحقيقة (راجع السبزواري، 56).


ويعد هذا البحث احد مباحث العرفان النظري وبحظى بمكانة هامة في فهم الوجود من منطلق عرفاني. وفي ضوء ذلك يحاول العرفاء تناول مباحث نظير التشكيك (خاص الخاص) وقاعدة (الواحد) (ابن عربي، الفتوحات، 2/394. القونوي، مفتاح الغيب، 20-21. الجنيد، 55. انظر رحيميان، 229-239).


وفي العرفان يعبّر عن النفس الرحماني بنور الحق الكمون والمندمج بالذات الالهية، ويظهر في تجلي الاحدية الالهية بواسطة اسم (الرحمن) (الكاشاني، شرح المنازل، 673-674). وبالاستلهام من مفاهيم أهل المعرفة، اعتبر ملةصدرا النفس الرحمااني بمثابة انبساط وجود الحق في صور الامكان وظهور الشؤون الالهية (مفاتيح الغيب، 24. الحكمة المتعالية، 7/10).


من جهته اوضح الامام الخميني في مؤلفاته هذه الحقيقة ومطابقتها للحقيقة المحمدية (ص) والعلوية (ع)، بتناول المشيئة المطلقة وعالم الأمر (مصباح الهداية، 43-45. تعليقات الفصوص، 162-292). وحاول سماحته التوفيق بين ما يقوله الفلاسفة من أن الصادر الأول هو العقل الأول، ومايراه العرفاء باعتبار ذلك وجود منبسط ونفس رحماني، لافتاً الى أن العقل هو اول تعين للوجود المنبسط والنفس الرحماني (مصباح الهداية، 59و 65-66).


شبّه العرفاء النفس الرحماني بظهور الحق بالنَفَس الانساني. ذلك أن النَفَس الانساني هواء يخرج من الباطن الى الظاهر، ثم باصطكاك عضلات الحلق يظهر فيه الصوت، ثم بحسب تقاطعه في مراتب الحلق والاسنان والشفتين تظهر الحروف، ثم من تراكيبها تحصل الكلمات. كذلك ظهور التعينات من الحق تعالى من الصقع الربوبي يبدأ يظهور النفس الرحماني. وكونه حقيقة فاقدة الشكل والتعين، وبالاصطكاك بقوابل لاحصر لها التي هي الاعيان الثابتة وماهيات موجودات العالم، توجد حروف الوجود ومن ثم كلماته ( الجنيد، 55-57. ابن تركه، 147). وكما أن التكلم صفة تعكس ما يدور في ضمير المتكلم، مراتب الوجود ايضاً تعبّر عن اسماء وصفات الحق وتخبر عن الغيب المطلق. وللوجود كلّه كلمات إلهية. وعليه التجلي الفعلي للحق وتحقق العوالم إنما هو تكلم إلهي يتم بالنفس الرحماني (القيصري، 295و737).


الامام الخميني يرى أن وجه تسمية النفس الرحماني مستوحى من تنفيس الكرب، بمعنى أن الله تعالى يرفع بهذا الفيض الضيق والكرب عن اسماء الذات في الغيب الذاتي التي هي ضيق و اندماج نظراً لاحتجابها وافتقادها للظهور (تعليقات الفصوص، 160).


ويذكر العرفاء ثلاث حالات للنفس الرحماني:


1-    قبل الامتداد. 2- الامتداد الايجادي (النفس المنبسط للايجاد). 3- الصورة الممتدة.


حالة النَفَس الاولى تكون في مرتبة التعين الاول التي لها حالة لندماجية. وحالة النفس الثانية تكون في مرتبة التعين الثاني، اي تتخذلها حالة الايجاد. وما لم يحدث الايجاد تعصف فيه مرتبة الايجاد وتعين المبدئية. ولهذا في هذا المقام ثمة كثرة نسبية ولم تتضح بعد الكثرة الوجودية. ويعبّر عن هذا المقام بالنفس الامتدادي الذي هو في الواقع الاسم الجامع (الله). اما الحالة الثانية فان النفس في مرتبة التعينات الخلقية، اي ان النَفَس يصل من مقام الكثرة النسبية الى صورة كلمات الوجود في الكون على نحو التفصيل وتوجد التعينات الخلقية (الجنيد، 55-57. الفناري، 370-371). ولهذا يعتبر العرفاء حقيقة النفس الرحماني الفيض الوجود الواحدي الذي ظهرت بواسطته كافة تعينات العالم وحروفه الوجودية، ويشبهون النفس الرحماني بالنَفَس الانساني، ذلك بحركته في مخارج الحروف تظهر الحروف والكلمات (ابن عربي، الفتوحات، 2/394-395).


في الحقيقة الحق تعالى مطلق باطلاق المقسم، والنفس الرحماني مطلق باطلاق القسم (القيصري، 16. الفناري، 333)، وأن أهل المعرفة يرون ثمة فرقاً بين المقسم (بشرط لاشئ) والقسم (انظر ملة صدرا، إيقاظ النائمين،7. الآشتياني، 125). اي أن حقيقة وجود النفس أمر بسيط ومطلق، وأن بساطته واطلاقة يختلفان عن بساطة اطلاق الحق تعالى،  ذلك أن البساطة والاطلاق بالنسبة للحق تعالى غير مقيدة بقيد. أما في النفس الرحماني فهما مقيدان بقيد العموم (القيصري، 16. الفناري، 333). كذلك أن ذات الحق تعالى فوق السريان، ولذلك سريان واطلاق (القسم) انما هو تجلي من تجليات الحق تعالى (الفناري، 332-333. يزدان بناه، 215).


من وجهة نظر العرفاء، النفس الرحماني حقيقة تضم كل التعينات وحاضرة في جميع المراتب. غير أن ثمة اختلاف بين الباحثين بشان دائرة ظهور النفس الرحماني. فالبعض يرى أن أصل النفس الرحماني هو التعين الاول (القونوي، اعجاز البيان، 120-121. الفناري، 370-371). وفي المقابل يضع فريق آخر ذلك في مرتبة التعين الثاني (الفرغاني، 1/79. راجع الفناري، 316). ويبدو أن الاختلاف في وجهات النظر ازاء النفس الرحماني نابع في بعض الموارد من عدم ثبات المصطلح. ذلك أنه في مؤلفات عدد من العرفاء (القونوي، اعجاز البيان، 120-121) احياناً يستعمل مصطلح ما في عدة معاني مما ينتج عنه غموض و تشويش بالنسبة لمفهوم المصطلح. غير أن العديد من العرفاء حاول في مؤلفاتهم فيما بعد استعمال كل مصطلح في معنى خاص (يزدان بناه، 43).


الامام الخميني يعتبر النفس الرحماني له جانبين ظاهري و باطني، فهو بحسب الباطن بسيط و ناشئ عن الفيض الاقدس ومقام الاحدية. ومن حيث ظاهره فهو مرتبط بالماهيات وواسطة بين الحق و الخلق و لايتقيد بما لديه من نسبة بالماهيات ويبقى على صرافة الاطلاق في ذاته. ان هذه الحقيقة وفضلاً عن سريانها في التعينات الخلقية تسمى بالنفس الرحماني ايضاً بحسب باطنها باعتبار الظهور في كثرات الاسماء الذاتية (مصباح الهداية،45-46. دعاء السحر، 99-100. تعليقات الفصوص، 292-293). واستناداً لما يراه سماحته ان العقل الأول هو اول تعين يظهر للنفس الرحماني في قوس النزول (حديث الجنود، 25-27).


وفي ضوء مسلك الحكمة المتعالية، ووفق الوحدة التشكيكية للوجود، يقسم الامام الخميني حقيقة الوجود الى ثلاث مراتب هي: الذات الاحدية، الوجود المنبسط (الوجود المطلق وفعل الحق)، والوجودات المقيدة (أثر الحق) (التقريرات، 1/277 و2/206. دعاء السحر، 116). ولكن وفق مبنى نظرية الوحدة الشخصية للوجود حقيقة الوجود ليست لها ثلاث مراتب، وانما هي منحصرة في الذات الواجبة سبحانه. وان ما يقال له النفس الرحماني او الوجود المنبسط انما هو ظهور حقيقة الوجود الواحدة فحسب (تعليقات الفصوص، 287-288. التقريرات، 3/67 و2/273. مصباح الهداية، 58 و66-67. آداب الصلاة، 319). ولهذا الوجود المنبسط هو وجود ربط، بل عين الربط (تعليقات الفصوص، 287-288) (راجع مقال الوجود الرابط). ويرفض سماحته ما يذهب اليه البعض من أن النفس الرحماني هو ظل اسم (الرحمن)، والرحمة الرحمانية هي إفاضة الوجود المنبسط (ملكي تبريزي، وربّ الانسان الكامل الذي يحيط باسم الرحمن و الرحيم، ولذلك ورد هذين الاسمين تابعين لإسم (الله) في البسملة (دعاء السحر، 47-48).


 


استعمالات النفس الرحماني


يذكر