أريد أن أتحدث قليلًا عن التلفزيون، الوسيلة الإعلامية الحساسة أكثر من كل وسائل الإعلام الأخرى، وذلك لأنه يشغل السمع والبصر، وأما وسائل الإعلام الأخرى كالراديو فإن الاستفادة منها سماعية فقط، والصحف والمجلات بصرية فقط، وأما التلفزيون فإنه يجمع الاثنتين معاً، وهو ليس بذلك العدد مثل الصحف التي تطبع منها عشرة آلاف نسخة، عشرين ألف، مئةألف، مليون ... الآن الوضع هكذا، فحتى في القرى نرى الرجل القروي الذي يشقى لكي يؤمن ضروريات العيش أو ربما لا يجد ما ينفقه على عائلته، يحرص على شراء تلفزيون أو راديو. وما يعرض في التلفزيون ينتشر في كل مكان في البلد وفي الخارج أيضاً، فهذا الكلام الذي يقال في الراديو أو التلفزيون ليس حكراً على طائفة واحدة إنه للمجتمع، وليس حكراً على بلد واحد بل يصل لكل مكان ولكل الطبقات.
يجب أن يكون التلفزيون جهاز تربية وأخلاق
إن هذا الجهاز يجب أن يكون تربوياً في كل بيت، ويجب أن نحذف منه تلك البرامج المضيعة للوقت والمدمرة لطاقات الشباب، وأن نضع عوضاً عنها برامج تربوية ثقافية تنفع شبابنا وتأخذ بيدهم نحو الأخلاق الحميدة. فهو عضو حساس في المجتمع وحاضر في كل مكان وبين كافة الطبقات، فالآن هو هنا، وما يقال فيه يسمع في كل مكان، وما يطرح فيه من مواضيع مختلفة يتابعه الجميع. إن هذا الجهاز إذا أصبح أداة تربية وتعليم فإن خيره سيعم المجتمع كله، وإذا- لا سمح الله- أصبح أداة للانحراف والفساد فهو بلا شك سيجر المجتمع نحو الانحراف. نحن نريد من الإذاعة والتلفزيون، اللذين كانا في خدمة الطاغوت، أن يصبحا في خدمة الله وخدمة الإسلام، الإسلام يريد أن تكون كل أمور بلادنا جادة، المسائل الروحية جادة، وحتى المسائل الترفيهية يرى فيها الإسلام شيئاً من الجد. عندما يريد أحد أن يشكل عائلة فإن نحواً من الجد في ذلك وكثير من الدقة ينبغي أن تراعى عندالزواج، فالإسلام يعطي تعاليمه للشاب كيف يختار الفتاة وبأية مواصفات يجب أن تكون، وكذلك للفتاة كيف تختار الشاب المناسب وماهي المؤهلات اللازمة لذلك، ويرافقهما من قبل الزواج إلى ما بعده، بالإضافة إلى كيفية تنظيم الحياة الزوجية ويضع لذلك برامج وأدعية وأوقات مباركة، وكذلك أثناء الحمل يوجد تعليمات خاصة، وعندما ترضع الأم طفلها أيضاً توجد إرشادات، كوقت الرضاعة وغير ذلك، وأيضاً عندما تريد أن تربي الطفل، كيف ينبغي لها أن تربيه وعندما يكون في كنف والده كيف يتعامل معه وفي أية سنة يبعثه للمدرسة وماهي الدروس التي يتعلمها أولًا وغير ذلك، إن هذه البرامج التربوية في كل المذاهب التوحيدية وعلى رأسها الإسلام تريد أن تصنع إنساناً. فالقرآن في الأصل جاء ليربي إنساناً سوياً سليماً. وهو بذلك يشبه فلاحاً يريد أن يحصل على زراعة جيدة ومحصول سليم، وعليه أن يراعي الشروط المناسبة للأرض ومتى يجب أن يسقيها، وكيف يسقيها وماهو السماد اللازم ومتى يحرثها وكيف يرعاها. كل ذلك لأنه يريد أخيراً أن يحصل على الثمار يريد قمحاً. إن كل ما ذكرته والكثير من الأمور الأخرى غير حاضرة في ذهني الآن، أو يطول بنا المقام إذا ذكرتها، بسبب أن الإسلام يريد منا تربية معينة مثل تربية النبات أولًا وبعدها يصل إلى مرتبة الحيوان حتى يصل إلى الإنسان.
--------------
القسم العربي، الشؤون الدولیة ، صحیفة الامام الخمیني العربیة، ج۹، ص۳۵۳-۳۵۴