لماذا يهرب نتنياهو الى مصيدة الهلاك الأخير في قطاع غزة مفتوح العينين؟

ID: 83716 | Date: 2025/08/06

لماذا يهرب نتنياهو الى مصيدة الهلاك الأخير في قطاع غزة مفتوح العينين؟ هل سينجح فيما فشل فيه في طهران وصنعاء والجنوب اللبناني؟ ولماذا تنتظر كتائب المقاومة احتلاله للقطاع على أحر من الجمر؟


عبد الباري عطوان


نتنياهو يعرف كيف يبدأ الحروب، ولكنه يفشل دائما في انهائها بانتصار كبير او صغير، بل بهزائم حتمية، من حيث عدم تحقيق الأهداف التي انطلقت الجيوش والدبابات والطائرات من أجل تحقيقها، ولهذا لا نستبعد مطلقا ان ينفذ تهديداته في أي لحظة باجتياح موسع لقطاع غزة بهدف إعادة احتلاله للهروب من أزماته العسكرية قبل السياسية وعلى جميع الجبهات الأخرى، وبعد تأمين الحصول على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “دميته” المفضلة.


نتنياهو يتنقل من حرب الى حرب أخرى دون ان يكمل أي منها، ويحقق الأهداف التي أشعل فتيلها من أجل تحقيقها، باستثناء هدف واحد، نجح في تحقيقه حتى الآن هو البقاء وائتلافه في الحكم، ويعود نجاحه الى ضعف وغباء خصومه السياسيين أولا، وفشله الى صلابة خصومه المستهدفين بحروبه، وفهمهم لمخططاته، وبُعد نظرهم، وطول نَفَسهم، وصبرهم الاستراتيجي المدروس.


نشرح أكثر ونضرب مجموعة من الأمثلة التي تؤكد ما جاء في هذه المقدمة:


أولا: قبل 22 شهرا، وبالتحديد بعد معجزة “طوفان الأقصى”، بقيادة الشهيد يحيى السنوار وذراعيه الأيمن محمد الضيف والايسر ابراهيم عيسى، وعد نتنياهو مستوطنيه، انه سيحرر جميع الاسرى، ويدمر حركة “حماس، وينزع سلاحها، والأهم من ذلك تهجير مليونين ونصف المليون من أبناء القطاع، ولم يحقق حتى الآن أيا من هذه الأهداف، فحماس ما زالت قوية، وتوسع دائرة قتالها، وتزداد قوة وصلابة ومقاومة.


ثانيا: في أوائل شهر أكتوبر العام الماضي أرسل نتنياهو قواته وطائراته ومسيّراته ودباباته الى جنوب لبنان للقضاء على “حزب الله” وتحييد خطره الى الابد، وبدأ هذا الغزو بحملة اغتيالات استعراضية لقيادته، وها هو الحزب يستعيد قدراته، ويعيد ترتيب بيته العسكري، ويرفض بقوة كل الضغوط الامريكية والاسرائيلية لنزع سلاحه ويستعد للاستفادة من كل نكساته وإخطائه، وتحرير الجنوب اللبناني، وربما الجليل (فوق البيعة) مثلما حرره في المرة الأولى وطرد جميع القوات الإسرائيلية في تجسيد لأكبر هزائمه في التاريخ الحديث عام 2000.


ثالثا: ترجم نتنياهو تهديداته لإيران وتدمير منشآتها النووية كليا، عندما ارسل طائراته الامريكية من طراز “اف 35” لإنجاز هذه المهمة قبل شهرين، ولكنه مني بهزيمة كبرى، بفعل الاستعدادات الإيرانية المحسوبة جيدا، والرد السريع بالصواريخ الحديثة من طراز فّتاح، وسجيّل، وخيبر، وهو رد دمر كل جنوب تل ابيب ومعظم القواعد العسكرية في حيفا، وأصاب أهدافا استراتيجية عسكرية ومدنية، أبرزها معهد حاييم وايزمان الأضخم في العالم، وعشرات العمارات حوله من بينها ناطحات سحاب لأول مرة منذ قيام دولة الاحتلال قبل 76 عاما، وهرول نتنياهو الى أمريكا طالبا وقفا سريعا لإطلاق الصواريخ في اليوم 12 من الحرب لإنقاذه وكيانه، وها هو يهدد بهجوم آخر في محاولة لترميم الفشل.


رابعا: نتنياهو توعد بتدمير اليمن تدميرا ساحقا، واغتيال جميع قياداته السياسية قبل العسكرية، وأرسل طائراته مرتين لقصف العاصمة صنعاء، وميناء الحديدة، ومدينة صعدة مقر القيادة الحوثية، ولم يحقق هدفه الرئيسي وهو وقف وصول الصواريخ الفرط صوت اليمنية التي حولت تل ابيب الى مدينة أشباح، وأغلقت مطار اللد (بن غوريون)، وأدت الى إعلان إفلاس ميناء “ام الرشراش” ايلات، والأهم من ذلك فشل في اغتيال أي قيادي من قوات “انصار الله” في اليمن، وكل ما استطاع تحقيقه هو تدمير خمس طائرات ركاب مدنية كانت رابضة في مطار صنعاء المدني تملك المملكة العربية السعودية نصفها.


المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام هزمت نتنياهو قبل ان يبدأ احتلاله الشامل للقطاع لهذه الأسباب:


أولا: ان العشرين اسيرا إسرائيليا الذين ما زالوا على قيد الحياة سيفارقون الحياة اما جوعا، او برصاص القوات الإسرائيلية الغازية، اما جثامين الأموات الثلاثين الآخرين، فلن يعثر نتنياهو عليها، ويعيدها الى ذويها، لانها مدفونة في أماكن سرية لا يعرفها الا عدد محدود جدا من قيادة حماس.


ثانيا: هناك قاعدة عسكرية معروفة تقول ان الأرض تقاوم الغزاة مع أهلها، وهذا ما سيحدث في حال احتلال القطاع، فهناك أكثر من مليونين من أبنائه يتعطشون للثأر لشهدائهم واطفالهم من القوات الغازية وسيكونون في خندق المقاومة.


ثالثا: كلما ازداد عدد القوات الغازية، كلما ازداد عدد القتلى في صفوفها، وهذه القاعدة ستطبق حتما ضد القوات الإسرائيلية، مع فارق أساسي وهو وجود “غابة” من الاسمنت الخالية من السكان، ستستخدمها قوات المقاومة كملاجئ، وكمائن لاصطياد قوات العدو ودباباته وحافلاته.


رابعا: اذا كانت آلاف المسيّرات، والطائرات الحربية، ودبابات الميركافا، فشلت في فرض الهزيمة على المقاومة، وإجبارها على الاستسلام والقاء السلاح، بل والحقت المقاومة بها خسائر بشرية ومعداتية، ومعنوية ضخمة، فإن هذه الخسائر ستتضاعف كلما طال أمد الاحتلال.


القوات الإسرائيلية احتلت قطاع غزة عام 1967 عندما كان تابعا للإدارة العسكرية المصرية، ولأكثر من 38 عاما، واضطرت للانسحاب تحت جنح الليل، ومعها 17 الف مستوطن كانوا يقيمون في 21 مستوطنة، هروبا من الخسائر البشرية والمادية، بعضها في غوش قطيف في الجنوب، والبعض الآخر في نتساريم في الشمال، وجاء هذا الهروب أكبر اعتراف علني وعملي في الهزيمة.


الجنرال ارييل شارون الحاكم العسكري للقطاع بعد احتلاله عام 1967 والذي يعرفه جيدا، هو الذي اتخذ قرار الانسحاب عندما كان رئيسا للوزراء، وربما يفيد تذكير نتنياهو بأن شارون كان يقول ان احتلال قواته للقطاع ابديا، وانها لن تنسحب منه، وكرر مقولته الشهيرة “مستوطنة نتساريم في فم غزة أغلى على قلبي من تل أبيب ولن اغادرها مطلقا”.


اهلا باحتلال القطاع، لأن مصير هذا الاحتلال الجديد سيكون أكثر سوادا من الاحتلال الأول، وربما يكون بداية النهاية لانهيار كامل ونهائي للمشروع الصهيوني على أيدي أبطال قطاع غزة، فمقاومة اليوم غير مقاومة الامس، وأكثر دهاء وتسليحا، رغما عن تشابه المقاتلين، والفارق الأكبر هو اختلاف القيادة، واختلاف الأسلحة، واختلاف الخبرة، وان كانت الإرادة والعزيمة والشجاعة واحدة لم تتغير، بل ازدادت تطورا.


باختصار شديد نقول لنتنياهو وجنرالاته وجنوده، اهلا بكم في مصيدة قطاع غزة التي طال انتظارها لكم.. وأجاك مين بعرفك يا نتنياهو.. والأيام بيننا.


عبد الباري عطوان ، رئيس تحرير جريدة (رأي اليوم ) العالمية.


------------------


القسم العربي ، الشؤون الدولية ، نقلا عن جريدة رأي اليوم.