بعد خطاب نتنياهو في الجمعية العمومية: هل هناك أملٌ في سلام؟

ID: 84258 | Date: 2025/09/28

أ.د. طالب أبو شرار


اليوم السادس والعشرون من أيلول 2025، صَعَدَ رئيس وزراء الكيان الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو الى منصة المتحدثين في قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة شبة الفارغة من مندوبي وممثلي الدول الأعضاء. خاطب نتنياهو الفراغ أمامه في حديث يفيض بالكذب والمفاخرة الفارغة وهوس الهيمنة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية على العالمين العربي والإسلامي. كان معزولا تماما عن الواقع وربما ظنً أنه يتحدث الى وفود دولية وليس الى صهاينة مثله ممن حشدتهم السفارة الصهيونية في الشرفة المخصصة للزوار والذين صفقوا له أكثر من مرة. المفارقة الأولى في هذا الصدد تمثلت بحضوره الى مبنى الأمم المتحدة وهو مجرمُ حربٍ مطلوبٌ للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. صحيح أن الجنائية الدولية لا تتبع منظمة الأمم المتحدة لكن منطق الأمور والسيادة الدولية يفترض احترام الأمم المتحدة لقرارات لجنائية الدولية ومن ثم رفض حضوره الشخصي ليتحدث من منصتها الى دولها الأعضاء. كان على الأمم المتحدة أن تقترح استبداله بشخص آخر ليس له سجل اجرامي دولي إن وجد مثل ذاك الشخص في كيانٍ كله مجرم. كان المفروض أن يُحظَرَ عليه زيارة المبنى تحت طائلة الاعتقال والتسفير الى لاهاي ليمثل أمام القضاء الدولي. كان المفروض أيضا أن تحترم الولايات المتحدة قرارات الجنائية الدولية لا أن تعملَ على حمايةِ مجرمِ حربٍ وان تُلِوحَ بفرض عقوبات على الجنائية الدولية وقضاتها. أجل صَعَدَ نتنياهو الى المنصة وتحدث بِخُيَلاءِ المنتصرين الذين يريدون فرض سيادتهم على منطقة لم تخضع بمجملها قط في أي وقت من تاريخ البشرية لأي قوة أجنبية. هذه المنطقة الممتدة من باكستان شرقا الى المغرب غربا لم تجرؤ قوة أجنبية على احتلالها في زمن واحد. صحيحٌ أن بعض مناطقها خضعت مؤقتا لقوى أجنبية لكن ذاك الخضوع لم يستمر طويلا وقوبل بالمقاومة العنيفة والدامية منذ لحظاته الأولى لينتهي الى زوال. يريد ذاك المعتوه الصهيوني، الذي لَمًا يزل هو وكيانه يرضعون الثدي الأمريكي، أن يهيمن على منطقة ممتدة من إيران شرقا الى المغرب غربا فيهدد ويتفاخر بأن طائراته الحربية سيطرت على سماء إيران ودمرت منشآتها النووية وأن ذراعه الطويلة تضرب في اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين. آهٍ! فلسطين التي ينكر وجودَ شعبها فيعمل على تهجيره وهو ابن المهاجِرَينِ البولنديِين غير الشرعيين اليها. يريد ذلك المعتوه أن يُبيدَ الشعب الفلسطيني سياسيا بعد أن عجز هو ومن سبقوه عن إبادته عرقيا. هو يقول للقادة العرب والمسلمين وبلغة الوعيد والتهديد: دعوكم من حلم الدولة الفلسطينية التي لن أسمح بإقامتها!


وبلغة المنتصر، يدعو الدول العربية الى الاستسلام لمشيئته مسميا ذاك الاستسلام بأنه سلام وسَيُسَوِقُ اقتصاده علينا في كافة مناحي الحياة ليصبح كيانه الصهيوني سيد المنطقة عسكريا واقتصاديا وحضاريا. هو سلام على شاكلة السلام الذي يخطط له وسيده الأمريكي في لبنان وسوريا حيث لا سيادة ولا مشيئة وطنية. الأمر كله منوط بالكيان الصهيوني الذي سيضع الخطوط العريضة للمناطق التي سيبتلعها ولمناطق السيادة الوطنية الشكلية ومناطق السيادة المجزوءة ومناطق “الأقليات العرقية أو الدينية” التي ستتحول الى دويلات داخل الدولة تحت مُسمياتٍ يبتدعها ذلك المعتوه. لقد تفاءل البعض بانفراجه قريبة فيما يتعلق بحرب الإبادة القائمة في غزة بعد لقاء الرئيس الأمريكي بمجموعة من قادة الدول العربية والإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن وبعد خطاب المجرم نتنياهو أمام الجمعية العمومية يوم الجمعة 26/9/2025 اتضح تماما أن مسلسل الإبادة في غزة والتدمير الممنهج للحياة في الضفة الغربية لن يتوقفا. لقد قالها نتنياهو صراحةً أن إقامة دولة فلسطينية ضرب من الجنون! قال ذلك لكنه لم يقترح طريقا آخر سوى الطريق الضمني المتمثل بإبادة حضور الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني المسروق صهيونيا. عندما شاهدت اجتماع القادة العرب والمسلمين مع الرئيس الأمريكي عجبت من طبيعة اللقاء. لقاءٌ بذاك المستوى يُعقَدُ عادةً بعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بين الدول المتضادة اقتصاديا أو سياسيا أو المتصارعة عسكريا فيجتمع القادة من أجل التوقيع على اتفاقٍ مُنجَرٍ مسبقا وليس لبحث بنود اتفاق ما يزال في علم الغيب.


في هذا الصدد، تبدأ المباحثات التمهيدية بين رسميين من ذوي المناصب المتدنية، العسكرية أو المدنية ثم ترتقي الى مستويات أرفع بتقدم المباحثات لتنتهي بالرؤساء وليس العكس. لاحظت في الاجتماع أن المطالب المتشعبة من القادة العرب والمسلمين لم تأت في سياقِ منهجٍ متفقٍ عليه بل على شكل طلبات من عدة قادة. كانت في طبيعتها على شاكلة الرجاء أو الطلب الرقيق وليس على صورة موقفٍ جامع لا رجعة عنه يبين رد الفعل إن لم يستجب لذلك الطلب. كان الجميع متلهفا لسماع إجابات ترمب الذي لم يلتزم بموقف واضح تجاه أي مطلب بل تعمد تأجيله لما بعد لقائه بنتنياهو يوم الإثنين القادم أي أن مَآلَ الأمور كلها مرتبطٌ بموقف عدونا الصريح وليس المبطن أي الصهيونية الدينية الأمريكية. للأسف، كانت الطلبات على شكل رجاء إذ لم يرغب أو لم يدرك أولئك القادة خاصة ذوو التأثير الاقتصادي أو العسكري أن الحقوق لا تستجدى بل تنتزع بالقوة وأن لا حقَ بلا قوة ولا قوةَ بلا حق.


باجتهادي المتواضع، لن تأتي الأخبار يوم الاثنين القادم سوى بحديثٍ هلامي عن صفقةِ سلامٍ أمريكية-صهيونية في غزة فقط وبدون التطرق الى الهجمة الاستيطانية المتوحشة على أهلنا في الضفة الغربية المحتلة. ستكون صفقةُ سلامِ غزة نموذجا آخر عن مبادرات استسلام سابقة غير مشروطة بانسحابٍ كامل من القطاع الجريح أو بفتح معابر أو بسيادة وطنية فلسطينية أيا كانت طبيعتها. وكما رشح من أخبار، ستبدأ الصفقة بالإفراج عن الأسرى الذين هم عسكريون في جُلِهِم رغم الحديث الصهيوني والغربي عن “رهائن” وبما تعنيه تلك المفردة من وصف هويتهم المدنية الكاذبة ومن تحقير للمقاومة باعتبارها عصابة إجرامية تختطف المدنيين الأبرياء. هي صفقة مذلة، وتحديدا تلك المتعلقة باستمرار الهيمنة الأمنية الصهيونية على القطاع، لا أعتقد أن أيَ طرف فلسطيني في غزة أو خارجها سيقبل بها. من المثير في هذا الصدد أن استكمال مهمة نتنياهو في تدمير غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع ستوكل لمجرم الحرب في غزو العراق عام 2003، توني بلير سيء الصيت الذي سيعينه ترمب مسؤولا عن إدارة “مدنية مؤقتة” للقطاع وتُوضع أموال الإعمار تحت وصايتها المباشرة لتتولى بدورها تلك المهمة. ولاستكمال عملية النهب الصارخة، ستقوم الدول العربية والمسلمة بتمويل إعادة “إعمار” غزة. بمعنى آخر، نتنياهو يبيد ويدمر قطاع غزة ويهجر مواطنيه وتوني بلير ورهطه من الصهاينة والأمريكان سيملؤون جيوبهم من أموال العرب والمسلمين الذين سيتكفلون بترميم ما خربه ذلك المجرم. وعليه، لن يتحمل نتنياهو مسؤولية وِزرَ أفعاله بل سيخرج من مناخ تلك الجريمة الإنسانية المروعة معززا ومكرما بل وغانما! هل سمعتم باستخفافٍ بكرامةِ وحقوقِ شعوبٍ بمثل ذلك الاستخفاف! من المؤكد في هذا المقام، أن توني بلير سيعمل بتنسيقٍ كامل مع الثنائي نتنياهو وترمب أو صهره جاريد كوشنر، وهو الآخر صهيوني متطرف، على استكمال مهمة المجرم نتنياهو لتحقيق حلم الإثنين بتحويل قطاع غزة الى صفقةٍ عقارية ومجالٍ استيطانيٍ جديد بعد تشتيت الغزيين في بقاع الدنيا المختلفة. هي مفارقة لم يشهد التاريخ لها مثيلا: إبادة جماعية ثم مكافآت مالية وثروة كبرى توضع بين أيدي المجرمين.


ملاحظة أخيرة تتعلق بتفاؤل ترمب الإعلامي بخطته الراهنة للسلام. هو ذات التفاؤل النزق الذي شهدناه في أكثر من مناسبة سابقة سواءً على صعيد مبادراتٍ خاصةٍ بقطاع غزة أو بالحرب الروسية الأوكرانية أو حتى بالنزاع الأمريكي الكوري الشمالي أثناء ولاية ترمب الأولى. في كل تلك الحالات سرعان ما تلاشى ذلك التفاؤل العابر أمام وقائع الأحداث التي ثبت أنها أكبر وأعقد كثيرا من تفاؤل ترمب الصبياني.


مفكر عربي أردني


------------


القسم العربي ، الشؤون الدولية ، جريدة رأي اليوم.