السيد حسن الخميني: الإمام هو «مطالب بالعدالة شعبيّ النزعة» / العدالة والشعبية يجب ألا تكونا في تعارض مع الجمهوريّة / الانقسامات تُضعِف ثورتنا؛ فلنحذر من زرع الشقاق
أكد الإمام الراحل الإمام الخميني (قده) على ضرورة الحذر الشديد من التفرقة، وقال: إذا أردنا أن نعمل للإمام، فيجب أن نعرف أن الإمام هو «مطالب بالعدالة شعبيّ النزعة»، ولا ننسى أن هذه العدالة والشعبية يجب ألا تكونا في تعارض مع الجمهوريّة.
وبحسب مراسل موقع «جماران»، قال حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني صباح اليوم، خلال لقائه بأعضاء مكتب دراسات الجبهة الثقافية للثورة الإسلامية (حسينية الفن): إن العمل للإمام قلّ إجمالاً، بل إن بعض الفترات شهدت عمداً تقليلاً لوهجه. حقاً لقد ظُلم الإمام من الناحية العلمية أيضاً؛ إذ إن هيمنة البُعد السياسي أخفت بُعده العلمي، وحتى الحوزات العلمية، رغم محبتها للإمام، لا تتناول مبانيه الفكرية كما ينبغي.
وأشار السيد حسن الخميني إلى أن هناك فرقاً دقيقاً جداً بين الفن والعلم، موضحاً: في تعريف العلم يُقال إنك كلما تعمّقت في التفاصيل ورأيت الأجزاء بدقة أكبر، كان نظرك علمياً أكثر، أما الفن فهو نظرة كلية؛ فكلما انشغلت بالتفاصيل ابتعدت عن الفن. فالفيلم الجيد مثلاً هو الذي تتكامل فيه جميع الأجزاء بانسجام، أي وحدة في إطار الكثرة، وكلما زادت هذه الوحدة، ازداد الفن جمالاً وتأثيراً.
وأضاف: الثورة كانت فناً، لأنها جمعت الجميع حول هدف واحد، والإمام كان فناناً لأنه استطاع أن يخلق الوحدة في المجتمع. جمع القوميات والمذاهب والاتجاهات المختلفة تحت راية واحدة هو فنّ بحد ذاته. لقد كانت الثورة أعظم فنٍّ للإمام، وكان الإمام أعظم فنان اجتماعي في تاريخنا لأنه خلق الوحدة في إطار التنوع، وأزال التشتت والانقسام.
وشدد السيد حسن الخميني قائلاً: علينا أن نحذر كثيراً من التفرقة، لأن التفرقة تُضعف ثورتنا الفنية. إن جوهر ديننا يقوم على أمر مهم، فهو الدين الوحيد الذي معجزته فنٌّ. فمعجزات الأديان الأخرى علمية بطبيعتها، كإحياء الموتى أو تحويل العصا إلى حيّة، أما معجزة النبي محمد (ص) فهي القرآن، أي البلاغة والفن. وقد أقرّ جميع الباحثين بأن هذا الكتاب فوق طاقة البشر، وأن العرب اليوم يتحدثون بلغة واحدة بفضل هذا الكتاب، وهو في جوهره ذو جذور فنية وبلاغية، قائمة على قوة اللغة.
وتابع مؤكداً: من هذه الزاوية، فإن الثورة الإسلامية فنٌّ أيضاً، لأنها جمعت الجميع معاً، وهويتها نابعة من القيادة التي أنجزت هذا العمل العظيم. أولاً، علينا أن نحذر من إثارة الشقاق، وأن نولي هذا الأمر عناية كبيرة؛ فالاختلاف موجود، لكن يجب أن نبقى متآلفين ومتحابين. ثانياً، إن الفن لا يكون «دينياً» إلا إذا كان يحمل الأبعاد التي يقتضيها الدين، والفرق بين الفن الديني وغير الديني هو أنه لا يجوز استخدام أي وسيلة للوصول إلى الهدف، فلا يصح مثلاً أن نقول: «بما أننا نريد جذب الناس، فلنستخدم أساليب شريرة».
وأوضح أن من الفروق الأخرى بين الفن الديني وغير الديني مسألة «الهدف». فهدف الفن الديني هو ترقية المجتمع، وإيصال الناس إلى مائدة النبي (ص)، وهداية البشر، وجذب الأجيال المقبلة نحو «المدينة الفاضلة الدينية». وهذه مسألة مهمة جداً تتطلب مراقبة دائمة لأنفسنا. وقد عبّر قائد الثورة الإسلامية (دام ظله) عن ذلك تعبيراً جميلاً بقوله: «لا يمكن تنظيف الزجاج بمنديل متسخ».
وأكد السيد حسن الخميني أنه يجب أن نحذر في فهمنا للمدينة الفاضلة فلا نراها رؤية أحادية الجانب، مضيفاً: قلتُ سابقاً، احذروا من أن تروا الدين بشكل كاريكاتوري. فكثيرون أُصيبوا بنظرة أحادية بدافع حبّهم للدين؛ فمنهم من جعل الإسلام مرادفاً للاشتراكية حباً بالعدالة، ومنهم من جعله مرادفاً للرأسمالية حباً بالتقدّم.
وشدّد قائلاً: إذا أردنا أن نعمل للإمام، فيجب أن نعرف أن الإمام هو «مطالب بالعدالة شعبيّ النزعة»، ولا ننسى أن العدالة والشعبية يجب ألا تكونا في تعارض مع الجمهوريّة. فلا ينبغي في سبيل العدالة أن نغفل عن الأكثرية، بل علينا أن نتناغم معها. والأكثرية لا تقتصر على محيطنا أو على المترفين، بل تشمل كل فئات المجتمع، وجميع الناس شركاء في تقرير مصيرهم.
وأشار إلى أن روح الشباب تميل بالفطرة إلى العدالة، وقال: هذا صحيح تماماً، فالعدالة هي المحرك الأساس لكل مجتمع، لكن علينا أن نحذر من أن تتحول العدالة إلى مفهوم أعمى. وفيما يخص شخصية الإمام، يجب أن نحذر من تقديمه بشكل كاريكاتوري. كما يُقال إن فهمنا للإسلام أحياناً يكون كاريكاتورياً أيضاً؛ فلو قيل عن أحدهم (والعياذ بالله) إنه لا يصون أعراض الناس لما تعاملنا معه، لكننا نصلي خلف من يغتاب الآخرين!
وأضاف: لقد قال الله تعالى: «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا»، فهل هي كذلك بالنسبة لنا؟! هل الكذب في نظرنا بمقدار خطورة شرب الخمر؟! من منظور الله، الكذب أشدّ من شرب الخمر، لكننا نحن نرى من يشرب الخمر فاسقاً أصيلاً، أما الكاذب فمجرد صديق!
وقال السيد حسن خميني في ختام حديثه: الأمر نفسه يصدق على الإمام؛ يجب ألا ننظر إليه نظرة مجتزأة، بل رؤية شاملة. وأنا أوافق على القول إن بعض أبعاده لا تُذكر اليوم كما ينبغي، وعلينا أن نعوّض هذا النقص، لكن من الضروري أن نحذر من الوقوع في هذا الانحراف.
وختم قائلاً: إذا أردنا أن نعمل من أجل هذا الدين والمجتمع والإمام، فيجب أن نعرف ما هو «إمامنا اليوم»؛ أي لو كان الإمام بيننا اليوم، فما رسالته لهذا المجتمع؟ الإمام مدرسة فكرية، وكما قلت سابقاً يجب أن نجتهد في مدرسة الإمام. فاليوم، مع الظروف الجديدة، علينا أن نسأل: لو كان الإمام حاضراً، ما الذي كانت ستنتجه منظومته المعرفية ومنهجه الفكري؟
--------
القسم العربي، الشؤون الدولیة.