ما هي رؤية الإمام الخميني (قده) حول القيم الإنسانية ؟ هل يمكن تطبيق القيم المعنوية للمجتمع الإسلامي الأوّل في عالم اليوم ؟

ID: 84629 | Date: 2025/11/11

سؤال: سماحة الإمام، انتم تسعون بجد إلى إيجاد مجتمع مثالي كالذي عهدناه في زمن نبيّ الإسلام‌ (ص) في المدينة، وفي المجتمع الكوفي على عهد أمير المؤمنين‌ (ع).



هل تعتقدون أنّ هذه القيم الإنسانية التي كانت في ذلك المجتمع، تصلح لدنيا القرن العشرين الجديدة أو لا؟ وكيف؟



الجواب: بسم الله الرّحمن الرّحيم‌، القيم في العالم قسمان:



القسم الأول: القيم المعنوية، مثل قيم التوحيد والجهاد، وهذه ترتبط بالإلهيات، ومثل العدالة الاجتماعية وحكومة العدل، والسيرة العادلة للحكومات مع شعوبها، ونشر العدالة الاجتماعية بين الشعوب وما شاكل ذلك مما كان موجوداً في صدر الإسلام، أو قبل ظهور الإسلام منذ ان بعث الأنبياء، فهذه القيم ثابتة ولا تخضع للتغيير، لأن العدالة معنى ثابت لا يتغيّر على مرور الزمن، فلا يكون في زمن حسناً صحيحاً وفي زمن آخر قبيحاً وغير صحيح.



الحق أن القيم المعنوية ثابتة دائماً، كانت كذلك قبل أن تتحول الدول إلى صناعية، وحين تحولت وبعد أن تحولت، وهي الآن كذلك أيضاً، فالعدالة لا علاقة لها بهذه الأمور.



والقسم الثاني هو الأمور المادية التي تخضع لعامل الزمن وتتغير بمروره، كان مفهومها في الماضي مفهوماً معيناً ثم خضع للتطور، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وسيستمر في التطور والارتقاء.



وما يرتبط بالمجتمع والسياسة وهو معيار الحكم، هو القيم المعنوية إذ تحققت الحكومة الإسلامية الأصيلة بقيمها المعنوية العليا مرتين في صدر الإسلام وفي عصرين.



أحدهما: عصر رسول الله (ص).



والآخر: هو العصر الذي حكم فيه علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) في الكوفة.



في هذين الموردين فقط كانت القيم المعنوية العليا هي الحاكمة، يعني أن حكومة العدل كانت قائمة والحاكم لا يخالف القانون ذرة واحدة. فالحكومة في هذين العصرين حكومة القانون، ولعلنا لا نستطيع بعدُ أن نشهد سيادة القانون بهذا النحو. هذه الحكومة ولي أمرها الذي يلقب الآن بالسلطان أو برئيس الجمهورية مساوٍ لأضعف الناس إزاء القانون.



هذا المعنى كان موجوداً في حكومة صدر الإسلام، وفي التاريخ قضية حدثت لأمير المؤمنين علي (سلام الله عليه) حين كان حاكم زمانه- حكومته قد بسطت نفوذها على الحجاز ومصر وإيران وأقطار أخرى كثيرة- وكان يباشر تعيين القضاة بنفسه، وهذه القضية هي أنّ دعوى حصلت بين أمير المؤمنين (ع) ورجل من أهل اليمن الذي كان جزءاً من دولته عليه السلام.



فأرسل القاضي إلى أمير المؤمنين (ع) من يحضره في الوقت الذي هو الذي عيّنه في منصب القضاء. ودخل أمير المؤمنين (ع) على القاضي، فأراد القاضي احترامه لكن الإمام (عليه السلام) قال له: لا يجوز للقضاء احترام احد طرفي الدعوى. يجب أن تساوينا في المعاملة، ثم لمّا اصدر القاضي حكمه على أمير المؤمنين (ع) استقبل هذا الحكم برحابة صدر [1]. هذه الحكومة يتساوى الجميع عندها إزاء القانون لأن قانون الإسلام قانون إلهي. والجميع عند الله تعالى سواء منهم الحاكم والمحكوم، والنبي (ص) والإمام (ع) وسائر الناس.



نحن الآن نتمنّى أن تشبه حكومتنا حكومة صدر الإسلام. ولسنا نملك القدرة الكافية التي نستطيع بها تطبيق جميع مفاهيم الحكومة الإسلامية دفعة واحدة. ولا سيما أننا نعيش في زمن مضى منه أكثر من خمسين عاماً في الأقل تبدلت فيها المفاهيم الإسلامية الأصيلة وإنحط كل شي‌ء وصار غير إسلامي. وإذا أردنا إصلاح تلك العقول الفاسدة، وإعادتها إلى عقول إسلامية صحيحة صالحة نحتاج إلى وقتٍ طويل. فإذا شاء الله تعالى ذلك يتحقق، وإلّا ذهبت هذه الأمنية معنا إلى القبر.


صحيفة الامام الخميني، ج١١، ص ٩و ١٠.


-----------


القسم العربي، الشؤون الدولیة.