ما كانت رسالة الإمام الخميني(رض)؟

ان محاولة معرفة الكثير عن الثورة الاسلامية وعن ماهية وارضيات وقوعها، تقودنا الى فهم الاسس القيمية والثقافية لهذه الثورة عن طريق تحليل التوجهات او الحوارات الثقافية المعنية.

ID: 34323 | Date: 2020/01/02
بيان الموضوع:
اتضح جليا في عصرنا هذا مع تصعيد العلاقات الثقافية التي حصلت من خلال تطوير شبكات الاتصال ووسائل الإعلام العامة وازدياد الهجرة، الاختلافات القائمة بين الثقافات. من جهة أخرى نواجه ومن جراء توسعة الثقافة الحديثة، المسائل الثقافية الجديدة ومباحثها مثل عولمة الثقافة أو بعبارة أخرى عولمة القيم.
في مثل هذه الظروف فانّ وقوع الثورة الإسلامية يعتبر ظاهرة غير متوقعة في ساحة التفكير والعمل الثقافي العالمي، ولها أهمية كبيرة من حيث عرض الانجازات أو التحديات الجديدة.
إنّ قول المؤثرين الإجتماعيين والسياسيين وعملهم، يدلُّ على أنّ الثورة الإسلامية تحظى بمكانة خاصة في تاريخ وثقافة إيران والعالم المعاصر. وقد ذكر بعض المحللين بأنّ الثورة الإسلامية هي مثال للاتجاه السياسيّ المعنويّ، وهي أحدث صورة للنهوض على مرّ التاريخ وأعظم انتفاضة بشرية وأول ثورة معاصرة لا مثيل لها. الثورة التي نُفخت فيها نفحات دينية وان لقائدها شخصية أسطورية(1).
من جهة أخرى، إنّ تجارب المجتمع الإيراني تبيّن بأنّ الثورة الإيرانية عام 1978م هي ثورة القيم، ثورة إحياء واعادة السنن الرئيسية للدين الإسلامي. تحققت الثورة عن طريق التغيير في القيم الشعبية. وتغيير القيم في حدِّ ذاته كان ينتهي إلى تغيير النظام الثقافي في المجتمع. تبيّن ان مطالعة بعض الدراسات التجريبية حول الثورة الإسلامية في إيران تدلّ على أن الواقع الثقافي للنظام البهلوي كان من أهم أسباب حدوث هذه الثورة(2).
وقد أكَّد بعض المحللين الغربيين في دراساتهم بأنّ من أسباب حدوث الثورة الإسلامية وتشكيل نظام جديد، هو دور »عقائد المسلمين«، »مذهب الشيعة« و»العقيدة الإسلامية« وإيجاد »ثقافة مستقلة عن نفوذ القوى الغربية«(3).
ان محاولة معرفة الكثير عن الثورة الاسلامية وعن ماهية وارضيات وقوعها، تقودنا الى فهم الاسس القيمية والثقافية لهذه الثورة عن طريق تحليل التوجهات او الحوارات الثقافية المعنية. وتوحي بوجود اسلوب جديد في وجهات النظر والتحليلات المتعلقة بالثورة، خصوصا اذا كان هذا التحليل معززا بآراء ووجهات نظر باني الثورة الاسلامية وزعيم الثورة.
مع أنه قد صُنفت مباحث كثيرة من قبل محللين محليين وأجانب حول جذور وأسباب الثورة الإسلامية وهويتها لكن قلّما توجهت نظرة خاصة إلى الجوانب الثقافية للثورة أو إلى الثقافة من حيث أنها حجر أساس لوقوع الثورة.
ان الاهتمام بهذا الأمر من هذه الناحية يعتبر ضرورياً لأنّه بالنظر إلى وجهات النظر التخصصية للثقافة وأجزائها وعناصرها المكوّنة بالإضافة إلى تعميق الدراسات الموجودة، قد يهيئ لنا امكانية بأن نجعل مجموعة البحوث الموجودة حول الثورة الإسلامية أكثر جاذبية.
السؤال المطروح حول هذا الموضوع، هو كيف تكون مواصفات وعلاقة إتجاه البحث المطروح ما بين الدراسات المختلفة المطروحة؟ وما هي العناصر والمكونات التي يمكن أن تنتسب إلى العامل الثقافي؟ أي هذه الأبعاد الثقافية، كانت موضع اهتمام مدرسة الإمام الخميني؟ وما هي حصة كل عامل من هذه العوامل؟
للإجابة على الأسئلة المطروحة وبالنظر إلى وجوب التفاهم المشترك في معنى الثقافة، فقد نبين معاني المفاهيم والأجزاء والعناصر المتعلّقة بها.

الأسس المفاهيمية
الف – مفهوم الثقافة:
البحث والحوار حول موضوع الثقافة يعد امراً سهل الامتناع. إنّ قبول التغيير المفهومي للثقافة في الحوزات والفروع العلمية المختلفة من الادب والتاريخ حتى علم معرفة الناس وعلم الاجتماع أدّى إلى عدم وجود وضع منسجم في هذا المجال. مع هذا فقد بذلت جهود كبيرة من أجل التغلب على هذه المشكلة. ومن جملة هذه الجهود تصنيف عام لمفهوم الثقافة وتبويبها. فقد ورد في خطابات معرفة الثقافة بعد جمع التعاريف المختلفة لها، ثلاثة تعاريف عامة للثقافة:
1- عملية عامة للتكامل والتوسعة الفكرية والروحية، ومعرفة الجمال الذي يحتوي كل الفلسفات والأفكار والفنون والنبوغ الفكريّ في عهد ما أو في بلدٍ ما.
2- الثقافة عبارة عن نتائج جهود فكرية وفنية، والتي تشتمل على الشعر والأدب والفنون المختلفة.
3- الثقافة هي أسلوب معيشة شعب خاص أو عهدٍ خاص والذي يشتمل على تقاليد وعادات ومناسك قوم ما أو عهدٍ م(4).
وفي علم الاجتماع توجد حالة من الثقافة تكون أكثر تغيّراً، ويحاول بعض علماء الاجتماع أن يعرّفوا مفهوم الثقافة وذلك من خلال عزلها عن باقي مفاهيم علم الاجتماع الأخرى.
والبعض الآخر يحاول الوصول إلى هذا الغرض أو الهدف من خلال إيجاد اختلافات وانقسامات داخلية أو باطنية في الثقافة.
نعتقد أنّ وضع مفهوم للثقافة في علم الاجتماع وبعنوان مفهوم رئيسي يكون ضعيفاً جداً، بناءً على هذا فإنّه في نظريات علم الاجتماع المختلفة، تتأرجح الثقافة ما بين محرّك أوّليّ وعنصر ثانويّ وفائض عن الحاجة(5).
يعتقد آرشير (archer) أنّ فكرة الثقافة من حيث الوصف بقيت مبهمة أكثر من اللازم، ومع عدم وجود أدنى شكّ بالنسبة لمحوريتها أو مركزيتها حسب أسلوب المعرفة، إلا أنه لم يعرض لمعنى كلمة الثقافة وصف معين حتى الآن وذلك بسبب وجود هذا الضعف في وضع المفاهيم. وكذلك على مستوى الإيضاح فإنّ مكانة الثقافة تتأرجح ما بين مؤشّر أساسيّ، أو قوّة مُسيطرة وأقوى من المجتمع، ومؤشِّر مرتبط بالمؤسسات الاجتماعيّة(6).
فمثلاً، يبين استوارت هال (hall) من مركز الدراسات الثقافيّة في بيرمنغهام، بأنّ الثقافة هي التي تحدّد نشاطات مجتمع او مجموعة خاصة في مرحلة تاريخية معينة؟
ويشتمل تعريفه على الايديولوجيات العمليّة التي تساعد مجتمعاً أو فرقة وطبقة خاصة بأن تستطيع التجربة والتفسير والتعريف، وأنْ تقدّم مفهوماً من (شروط الوجود)(7).
بيلاّ (bella) بعدما يُبيّن حدود معنى الثقافة بأنها »نماذج ذات معنى والتي يستخدمها مجتمع أو فرقة ما، لتفسير وتقييم ذاتها أو الأجواء المحيطة بهما«. يرفض النظرية التي تؤيّد تبيين الثقافة من خلال أسباب اقتصادية وسياسيّة(8).
تتوجّه الدراسات الثقافية البريطانية ومركز الدراسات الثقافية في بيرمنغهام بشكل متزايد نحو مسألة الحكم الذاتيّ النسبيّ للنشاطات الثقافيّة، وتحاول أنْ تصمّم جهة خارجة عن الشكل السابق الذي يشير إلى البنية التحتيّة والفوقانية.(9) فبعض النظريات من حيث وجود الأجزاء والعناصر المتشكلّة في النظام الثقافي تعتقد بوجود أربعة أركان رئيسية للثقافة، وهي كما يلي: العقائد، القيم، القواعد والتقنية (التكنولوجيا).
تجيب العقائد على سؤال »ما هو؟« والقيم على سؤال »ما الذي يجب أن يكون؟« والقواعد على سؤال »ما المنجز؟«، والتقنية على سؤال »كيف ينجز؟«(10). وفي نظرية أدّق اذ نهتم بها في هذا البحث ضمن إطار هذا المفهوم، ويمكن أن تكون مناسبة أكثر لتطبيقها مع الشروط الثوريّة وتحليل حدوثها. فتنقسم عناصر الثقافة إلى: العقائد والقيم والمصنوعات.
إنّ جوهر الثقافة يشتمل على (النواة) الأساسيّة للعقائد الثابتة فيها. تظهر هذه النواة عن طريق القيم والأساليب السلوكيّة، وتؤثر على القيم والقواعد، وسائر أفعال اجزاء الثقافة. وأخيراً الفعل الثقافي الموجّه أو المرشد ينتج المصنوعات عندما تدخل قيمٌ جديدة من الخارج في الثقافات، فإنّ الثقافات تتعرض للتغيير. بناءً على هذا، فقد تحقَّقت النتائج المطلوبة، والمصالح الناتجة من القيم الجديدة لأعضاء الثقافة وأجزائها، فسوف تُقبل وتدخل شيئاً فشيئاً وبصورة لا إرادية في فرضيات الثقافة(11).
نستطيع القول أنّ الثقافة هي نظامٌ يتشكّل من نظريات وقيم وبالإضافة إلى العثور على الحقيقة عند الإجابة على أسئلة شخص أو فردٍ عن العالم والمجتمع، والإنسان والهدف، فتمنحه حافزاً أو دافعاً وإتّجاهاً خاصاً.
يمكن أن يكون هذا الفرد في تعريفنا قائداً أو مؤثّراً ثورياً، أو فرقةً أو منظمةً ثوريّة. وفي ظروف وشروط ثورية.
بناءً على هذا، يمكن أنْ يكون النظام الثقافي ترتيباً ثابتاً نسبياً بين العناصر الثقافية لمجتمع أو نظام اجتماعيٍّ.
لذا فإنّ هذه العناصر الثقافية هي نفس العناصر المعنويّة كالقيم والنظريات والعقائد التي تستطيع في مجال العلاقات والتعاملات الاجتماعية أنْ تنتقل بين المؤثِّرين الثوريِّين والمنظمات والمجموعات الثوريّة.

ب – النظريات الثقافيّة للثورة الإسلامية، تجديد معرفة العناصر والأجزاء:
جان فوران (John Foran) هو من جملة الأشخاص الذين يؤكِّدون على دور الثقافة في تحليل النظريات حول الثورات المختلفة. هو يدرك دور الثقافة في تصوير الفعل السياسيّ، ويستفيد من مقولة بعنوان (الثقافة السياسية) في تحليله للثورات المختلفة. ويزعم أنّ الثقافة تلعب دوراً مهماً ومعّقداً في وقوع الثورات ونتائجها، ويسعى ليُبيّن بأن العقائد والايديولوجيات تلعب دوراً مهماً جدّاً في هذا المضمار(12).
باعتقاد فوران فإنذ مفهوم الثقافة السياسية هو »الأساليب الفعلية للراديكالية ومتعددة الاصوات« (plurivoca). وهي لفهم الظروف والشروط التي يفسّرها الأحزاب المختلفة أحياناً في المجتمع ليتمكَّنوا من إدراك التغيير الاقتصادي والسياسيّ في المجتمع الذي يعيشون فيه(13).
لذا من هنا يكتسب مفهوم الثقافة السياسية عند فوران ماهية اسلوب الحوار الذي يهتم بها كلّ من: »اسكات - scott «، »سويل - sewell «، »اسكاشبول - skochpol «، »تيلي – tilly «، »فرحي - farhi « وحتى »سويدلر - swidler « مع مفهوم العقيدة في نظرياتهم.
يذكر فوران » foran « من الثقافة السياسيّة المقاومة والثبات، المقاومة التي توضح الثقافات التي تستفيد من جميع ذكرياتها التاريخيّة الماضية حول نزاعاتها، لكي تشعر أو تحسّ بعدم العدالة والممارسات الدينيّة المستمرة، والايديولوجيات السياسية التي قد توسعت بصورة رسميّة.
مثل هذه الثقافات لها ماهية جماعيّة وبامكانها ان تكون دنيوية ودينية.(14) يسعى فوران في دراسة الثورة الإسلامية الإيرانية إلى أن يدرس ويطالع نفوذ الثقافة في إطار دور الإسلام الثوريّ. من وجهة نظره ، أنّ الثقافات السياسيّة الداعمة للثورة الإيرانية قد شكلت جسراً بين الحوار الإسلامي والدنيويّ، وأحدثت الثورة الإسلاميّة من خلال الإستعانة بالقوى الاجتماعية وباقي القوى.
في هذا المضمار، كان الحوار والتيّارات الدنيويّة تتشكّل من: الجبهة الوطنية الديمقراطية، الماركسيّة الأرثذوكسيّة(حزب توده)، فدائيي خلق، والأحزاب الماركسية والماوية.
كذلك في في اطار التصنيف الدنيوي – الديني كانت منظمة مجاهدي خلق من تلك التيارات الإسلامية الشيعيّة بيد انها كانت تحت غطاء ماركسيّ.
ومن الحوارات الأخرى، الإسلام المناضل للخمينيّ ، واسلام شريعتي الراديكالي، واسلام بازركان اللببراليّ.
هذه الحوارات أو الثقافات السياسيّة المقاومة، استطاعت بامتلاكها العنصرين الأساسيّين المشتركين أن تشكّل عنصراً واحداً وبهدف مشترك، وهو سقوط الحكومة البهلويّة، أن تنجز هذا الأمر.
العنصر الأول؛ نهاية الحكومة الملكيّة، والعنصر الثاني؛ قطع وخفض مستوى العلاقات الإيرانية الأميركية. وقد جسّد إسلام الخمينيّ هذين العنصرين ووضَّحهما، إذ سعى إلى حماية جميع أو كلّ الأقسام والأحزاب مجتمعة مع بعضها. على الأقلّ إحترم هذا الأمر بسبب قيادته البارزة. إستطاع الخمينيّ أن يقلل من أهميّة الأمور المفرِّقة في برنامجه(15).
يربط فوران في الثقافة السياسيّة، الثقافة مع الإيديولوجية والحوار ويُصر ويؤكّد على هذا الأمر بأنّ الإجراء أو التطبيق يتم بواسطة القوى الاجتماعية.
وقد عبّر عن زعمه بعبارة واحدة وهي أنّ أزهار المقاومة والصمود والنجاة تتفتّح من بذور الثقافة(16).
بالإضافة إلى جان فوران، يؤكِّد سائر العلماء الغربييّن أيضاً على توجه المفهوم الثقافيّ من الثورة والإعتماد على دور العناصر الثقافيّة المختلفة.
» - اوب« (opp) ومن خلال الاستفادة من نظرية » السلوك المشترك« (collective action)، يعتقد بالقيم المشتركة في الثورة ويعتبرها أساسيّة. ومن وجهة نظره، ان الاعتماد على »القيمة« في الدراسات الثقافيّة للثورات، يلعب دوراً أساسيّاً.
» - حامد الغار« حاول كي يثبت بأنّ جذور الثورة الإسلاميّة تكمن في التحوّلات الأساسيّة والايديولوجية. وتجسدت ذلك في المذهب الشيعيّ في إيران بعد القرن السادس عشر الميلاديّ.
من وجهة نظره، العقائد المرتبطة بالإمامة، عدم شرعية الانظمة غير الدينية، الشهادة والإجتهاد، لعبت دوراً مهمّاً في حدوث الثورة الإسلامية(17). وبرأيه فان الإعتماد على عنصر »العقائد« في الدراسات الثقافيّة للثورات، له أهميّة بالغة. كذلك أسملسر (smelser) يعتقد بأنّ الثورة الإسلامية، ثورة مرتبطة بالقيم (Value oriented) والتي تهدف إلى الإصلاح وإيجاد القيم الاجتماعية.
بما أنّ تغيير القيم يُعدّ أعمق من ظاهرة اجتماعيّة كما يوضِّحه إسملسر، فإنّ الإنقلاب الإجتماعيّ وتغييره، يقلب القواعد أو الأساليب المرتبطة به أيضاً. لذا فإنّ الثورة الإسلامية لم تكن ثورة مرتبطة بالأسلوب (norm oriented) بأنّ يكون هدفها فقط التغيير، أو مرتبطة بالقاعدة أو الغالبية، وتعريف الأساليب الأجتماعية من جديد على أساس قيم النظام السابق المتداولة، بل إنّ القيم الاجتماعية قد ظهرت بأنها من الأساليب أو القواعد الاجتماعية(18).
من وجهة نظر إسملسر، فان الدراسات أو التحليلات الثقافية للثورات، تعتمد على عنصر »القيمة« وذلك أيضاً القيم التي تكون مبدأ أو منشأ ومصدراً للتغييرات الأساسيّة في الشؤون الإيجابية والسلوكية، والتي تحظى بأهميّة بالغة، لذا فإنّ هذه النظريّة تؤيّد التغييرات السلوكيّة التي تحدث بواسطة القيم في مسيرة الثورات وتعتني وتهتم بها كثيراً.
- يعتقد فرد هاليدي أيضاً بأنّ خمسة عوامل مهمة في حدوث الثورة الإسلامية وهي كما يلي:
التطور الاقتصادي السريع وغير المتوازن، الضعف السياسيّ للملكيّة بسبب ضعف شرعية نظامه وشعبيّته، الإئتلاف الواسع للكتل المعارضة ، دور تعبئة الإسلام السياسيّة خاصة المذهب الشيعي الذي يوفر العقيدة والتنظيم وكذلك القيادة المدبّرة فيه، وأخيراً نضيف الظروف الدوليّة الغامضة وغير الشفافة للنظام البهلويّ(19).
- يحاول نيكي كيدّي (keddie) أيضاً أنْ يتَّجه نحو الأسباب والعلل الثقافيّة والسياسيّة والاقتصادية، لتبيين الثورة الإسلامية، وباعتقاده أنّ مجموعة من الأسباب مثل التضخم وقلة الامكانات والتوزيع غير العادل للعائدات وبشكل علني قد تسبّبت في تفاقم تذمر الناس لكي يكون سبباً للتجدّد السريع الذي يُشار إليه عادة في الغرب. إنّ الأمر المهم في هذا المجال هو كيفية التجديد ونتائج هذه الأساليب وحدوث التأثّر الثقافي الأجنبي الذي وقع في أواخر عام 1970م(20).
مثلما يُستفاد من دراسة ومطالعة النظريات المذكورة. اهتموا فيها بالعناصر الثقافية المختلفة، بيد انه ربما لا نجد نظرية تضمّ جميع العناصر والأجزاء بصورة تامّة وكاملة. يؤكّد البعض على دور الايديولوجية وعقائد الثورييّن، والبعض الآخر يعتقد بأهمية القيم والنظام القيمي للثوريين. الإلتفات إلى العنصرين، مع مواءمتهما بصورة مثمرة، وعزل عنصر سلوك الثوريين، نستطيع اضفاء الطابع التحليليّ للمقاربة الثقافية إلى الثورة الإسلامية. ومن هذه الناحية، ومن أجل تكميل النظريات الثقافيّة المدروسة، نعرض وجهات نظر مؤسِّس الثورة الإسلاميّة، ونتأمل مكانة العناصر التحليليّة للثقافة فيها.

الإمام الخميني (رض) والدلائل الثقافيّة للثورة الإسلامية:
من وجهة نظر الإمام الخميني (رض)، فان التغيّرات الإجتماعيّة ومنها الثورات، منوطة على تغيير وجهات نظر الناس ومعرفتهم. ففي هذا المجال العناية الإلهيّة تلتفت إلى تحوّل الناس، وهذا الأمر يكون سبباً لتوعيتهم ويقظتهم. هذه التوعية واليقظة بدورهما تُمهدان الطريق للتغيير الثقافيّ والإجتماعيِّ.
يقول الإمام: إن إرادة الله أنقذت هذه البلاد وأيقظت الناس، إنّ الله أيقظ الناس... إنّ يدّاً إلهيّة غيبية حوّلت أو غيرّت الإنحلال والتفكك وعدم الوعي وعدم المعرفة إلى الوعي بحيث استعد الجميع، ولا يمكن الوصول إلى مثل هذا التطوّر من دون تأييد ربّانيّ(21).
كذلك يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يُرد، وكان معنا وقد غيّر الشعب كلّه بشكل توجّه جميعه بإيمان إلى ساحة الجهاد وهم مؤمنون(22). كذلك يستفاد من هذه العبارات انّ تغيير النظام السياسيّ والإجتماعيّ يمكن أنْ يحصل بالتغيير في »العقائد والإعتقادات«. النظر إلى مفهوم المعرفة ودوره في التغيير والتحولات المستقبليّة يكون بشكل وكأنه يلعب دوراً أساسياً ويكون أساساً لكلِّ التغييرات والتحوّلات، ومنها التحوّلات الثوريّة في الدول والمجتمعات، كما يستشهد الإمام الخميني (رض) بقوله تعالى إذ يقول:
»إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم«، هذه حقيقة ودستور حقيقة بمعنى أنّ التغييرات التي تحصل في أمّة أو قوم ما تكون مبدأ التغييرات التكوينيّة والعالميّة والموسميّة. وهو دستور التغييرات التي تُحدثونها يجب أنْ تكون تغييرات تؤدي إلى تغييرات إيجابيّة. انتم لاحظتم بأنّ التطور والتقدم الذي حصل للشعب الإيرانيّ قد نشأ من التغيّر الذي طهر النفوس. نحن كّنا قوماً وكان شعبنا قوماً قد تغيّر بسبب الدعايات السيّئة على مرّ التاريخ، وبواسطة سلطة أجنبيّة من كلّ النواحي مع عملائها الأجانب، قد جعل هذا الشعب يقبل بالنظام السابق. كان تحوّلاً، قد حوّل الفطرة الإنسانيّة السليمة إلى إنسان غير سليم... وبحمد الله في هذه الثورة والنهضة قد حصل التغيير من هذه الناحية، وهي أنّ الشعب الذي كان تحت الضغوط عبر التاريخ وقد تعوّد عليها ورضي بهذا الظلم والتعدّي، قد تحوّل في فترة قصيرة إلى شعب يرفض أيّ نوع من الظلم. أي أنّه أحدث مثل هذه الثورة.
إذاً، فقد وجد شعبنا تغييراً وتحوّلاً، وما لم يحصل هذا التغيير، لم يحصل التغيّر النفسيّ، كان هذا الشعب موضع تغيير حقيقيّ وواقعيّ، وهو سقوط الطغاة وبمجيء إن شاء الله نظام إسلاميّ(23).
ان ثورة هذا الشعب الباطنيّة أدّت إلى وقوع هذه الثورة، فتلك الثورة الباطنيّة في نفوسهم ومعرفتهم للإسلام وتوجّههم إلى الله تبارك وتعالى كلها أدّت إلى وقوع الثورة. لذا يجب أن نبحث عن الإنتصار في التغيير الباطنيّ للناس وإنْ لم يحصل هذا التغيير، تكون الثورات، ثورات نقل السلطة من شخص إلى آخر ويكون وضع الشعب كما كان(24).
كما يُفهم من كلام الإمام الخمينيّ (رض) إنّ مصدر التغيير والتحوّل في ظاهر الناس وفي حياتهم السياسيّة والإجتماعيّة يجب أنْ نبحث عنه في باطنهم.
إنّ هذه العبارة تؤكّد على أهميّة التغيير في النظام العلميّ والفكريّ والعقائديّ للأشخاص والأحزاب. وبعبارة أخرى يسعى الإمام (رض) في هذه العبارات ليبين بأنّ أيّ تغيير يحصل أو يظهر في الأنظمة السياسيّة والإجتماعيّة من دون الإهتمام بمستوى البنية التحتيّة لعلم المعرفة في الأشخاص والأحزاب، قد يكون تغييراً ظاهرياً وغير أساسيّ، وبالطبع يكون غير ثابت أو غير راسخ.
الوعي واليقظة من وجهة نظر الإمام الخميني (رض)، مقرون بمعرفة الإسلام الحقيقيّ والأصيل والتمييز عن الإسلام المزيّف.
إنّ ضرورة معرفة الإسلام الحقيقيّ هو بسبب اهميته في حياة الناس. لأنّ الإسلام الحقيقي، هو مربّي العدالة، ومخالف الظلم والعدوان، وهو مربّي الإنسان ومرشده، ومن هذه الناحية يكون خلافاً للإسلام المزيّف الذي هو سببٌ للتبعيّة وإنحطاط المسلمين، فإنّه يخلق العّز والفخر.
يجب علينا أن نزيل الإبهام والغموض الذي أوجدوه ضدّ الإسلام، ولو لم نزل هذا الإبهام عن الأذهان فلن نستطيع فعل شيء. يجب علينا أنْ نزيل هذا الإبهام الذي حصل إثر الدعايات السيئة ضدّ الإسلام طيلة مئات السنين حتى أنّه أثّر على الكثير من المتعلّمين والمثقفين، يجب أنْ نعرّف الحكومة الإسلاميّة، وأنظمة الإسلام الإجتماعيّة كي يعلم الناس ما هو الإسلام؟ وكيف تكون قوانينه؟ فالناس لا يعرفون الإسلام... ثقوا بأنه إذا عرضت هذه الفكرة والحكومة الإسلاميّة كما هي، وتوضّحت في الجامعات فإنّ الطلاب سيرحِّبون به(25).
كما نرى في هذا المقطع، فإنّ دور عنصر التوعية والمعرفة لا يكون مؤثّراً فقط في حدوث الثورات بل في استمرارها وحفظها وتثبيتها أيضاً.
لذا هذا العنصر الذي هو أساس الثقافة يكون عاملاً مُحدِثاً ومُحكماً كذلك. فيجب غربلة ما يشوبها في كلّ مراحل الثورة، وهو ضروري لاستمرار الشروط الثوريّة.
النتيجة الرئيسية أو التحوّل المعنويّ للناس إثر وعي القادة والمثقفين (بعد الإستشهاد)، هي وحدة الكلمة، وهي التي تحصل برأي الإمام (رض) بسبب الإعراض عن الأغراض الشخصيّة، وهي إحدى رموز الإنتصار. إذ يقول (رض):
هذه قوة إيمان شعبنا التي تغلّبت على كلّ هذه الأمور، وذلك بالدفاع والتضحية، وهي رمز هذا الإنتصار. إنّ قوة الإيمان كانت سبب هذا الرمز الحقيقي الذي هو توحيد كلمة شعبنا في هذا الأمر، وكان سبب الإنتصار(26).
أو قوله (رض):
لم نكن نملك شيئاً، كان الله معنا ... لكنّ الله تبارك وتعالى قذف في قلوبهم الرُعب، قذفهم بمثل ذلك الرعب والخوف شرّاً كبيراً... لأنّها كانت انتفاضة إسلاميّة(27).
مانستنتجه من هذه العبارات هو أنّ الشيء الذي يظهر بعد المعرفة والفهم والبصيرة الدينيّة – الثوريّة هو الإحساس بالتضامن والإتحاد والمسايرة الجماعيّة للوصول إلى الهدف.
في آداب علم الثقافة (كما أشير سابقاً) إنّ هذا السبب أو بعبارة أدق هذه المادّة تدرّس وتُقرأ مرّة أخرى باسم القيم الإجتماعيّة والجماعيّة. وبعبارة أخرى وفي هذه المرحلة، فإنّ العقائد بعد تغيير باطنيّ وانتزاعيّ أو فكريّ، تدخل في مرحلة تحوّل القلوب والاحاسيس، وتستطيع أنْ تغيّر الإحساس والتوقّعات الجماعيّة. وذلك في حالة ظهور الإلتزام بالإسلام القويم والحقيقيّ (العنصر الأول) وروحيّة التعاون للإنتفاضة الإسلاميّة (العنصر الثاني) فإن الحكومة بسبب عدم اصلاح أسلوبها، سوف تواجه تراجع مشروعيتها، وتتهيّأ أو تتوفّر الأرضية المناسبة لقيام ثوري، والثورات والمظاهرات والأشتباكات. (العنصر الثالث) إذ يقول الإمام (رض):
عندما تكون حالة دولة بهذه الصورة، أي الشعب في جانب والحكومة بعظمتها في الجانب الآخر، فإنّ مثل هذه الحكومة لا يكون لها دعم. يجب أنْ يكون الشعب سنداً وداعماً للحكومات. إنّ الحكومة التي تفقد الدعم سوف تنهزم وتندحر(28).
ما نستنتجه بصورة عامة من رأي الإمام الخميني (رض) حول النظرة الثقافيّة للثورة الإسلاميّة هو أنّ: العلم بالإسلام الحقيقيِّ الذي كان مغفولاً عنه أدّى إلى تحوّل روحي في الأشخاص ومن ثمّ أدّى إلى التوجّه المنحصر بالله عز وجل وطلب الإستشهاد وعدم الإهتمام بالإغراض الشخصيّة، والوحدة والإتحاد والتآلف بين الناس وأخيراً بالإضافة إلى سبب مهم آخر، وهو عدم كفاءة النظام الحاكم، فقد تهيّأت وتوفرت الظروف المناسبة لإنتصار الثورة.
كما أشرنا سابقاً، ازدياد مستوى وعي الناس، وعدم ملاحظة قيم الناس الثقافيّة والدينية، والكثير من الأسباب الأخرى أدّت إلى تذمر الناس ومن ثمَّ إنتفاضة الناس وانتصار الثورة.
كذلك فان هذا الأمر حصل من دراسة عمليّة للشعارات، كما أنّ أكثر شعارات الثورة الإسلاميّة كانت تتعلق بأهداف الثورة وامنياتها وآمالها في مجال الثقافة. وهذا الأمر يمكن أن يُبيّن أن المعارضة قد تحوّلت إلى معارضة سياسيّة، وتجسّدت هذه المعارضة بشكل شعارات سياسيّة يُعلن فيها الوضع المأساويّ لنظام العهد البائد. لكن بعد ما وجدنا في الدراسات في هذا المجال عدداً من الشعارت تتعلق بأهداف وأمنيات الثورة السياسيّة وتقع في المرتبة الثانية، فما يدلّ على أن البعد السياسيّ أقل أهمية من البعد الثقافي. وكذلك الشعارات حول الوضع الاقتصادي كانت قليلة أيضاً ممّا يدلّ على معارضة بالنسبة للوضع الإقتصادي في النظام البهلويّ البائد كانت أقلّ أهميّة لكي تكون أهم أمنيات الثوريين ومطالبهم، التغيير في الوضع الإقتصاديّ.
أي أنْ الشعب الإيرانيّ بالنظر إلى معارضته الشديدة للنظام السياسيّ الحاكم والوضع الثقافيّ الموجود كان يريد تأسيس نظام باسم الجمهورية الإسلامية ويطالب فيه بالحريّة والسياسية والحقوق السياسيّة، والإستقلال السياسيّ وعن هذا الطريق أقرّ الإسلام والقيم الإسلامية الثقافية في المجتمع، وأوجد النظام الإسلاميّ الذي لا يجد فيه الفقر وكذلك الحرمان الإقتصادي(29).

الخلاصة والنتيجة: الاستقراء الثقافي للثورة الإسلاميّة
بناء على التوجهات والتوضيحات الثقافيّة للثورة الإسلاميّة، فإنّ تغيير القيم في المجتمع قبل الثورة الإسلامية كانت من أسباب ردة فعل الشعب الإيراني بالنسبة إلى حكم الشاه وإندلاع الثورة. وبعبارة أخرى إذا عرّفنا الثورة بأنّها إستقرار نظامين قيّمين أمام بعضهما، وبرأي المحللين يمكن أنّ نقول بانّ الثورة الإسلامية في إيران ساحة نزاع ما بين النظام الإسلاميّ القيميّ الثوريّ، والنظام الملكيّ القيّمي الإقطاعيّ(30) ، ويمكن أنْ نعترف بأنه المجتمع الإيرانيّ قبل الثورة كان مصاباً بعدم الإستقرار في النظام القيميّ، وكان الشعب يرى أنّ سبب هذا الوضع هو عمل الحكّام السياسيين.
وفي الحقيقة إنّ الذي أثّر في الناس أكثر من المشاكل الإقتصاديّة هو التغيير في النظام الثقافيّ والإجتماعيّ في إيران، والذي كان متأثِّر بالثقافة الغربيّة والمعايير الدينيّة والأخلاقيّة والثقافية في إيران، والتي تعرضت للاساءة آنذاك(31). وبعبارة أخرى فان التشجيع والترغيب، وانتشار المُثل والعقائد الغربية قد أدّت إلى اتِّساع الإضطراب والإستئصال الثقافيّ، الانبهار بالثقافة الغربية، وتشويه الهوية الوطنيّة. إنّ الرغبة في إستعادة الشخصية والهوية الوطنيّة قد تحوّلت إلى كفاح واسع ضدّ النظام الذي تضمّن القيم والرغبات والنفوذ الأجنبيّ(32).
إنّ كل ثورة لها نظام وقيادة وايديولوجية، كذلك الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رض) وطرح الايديولوجية الإسلامية حاربت حكومة الشاه ، ففي إطار الإيديولوجية التي تُعبّر عن الأهداف والأمنيات وكذلك القيم المطلوبة لدى الناس وتوضح بلسان الثوريين، وهذا الأمر يكون مصحوباً بجلب إنتباه وحماية الشعب.
إذ قال الإمام (رض): إنّ الإيديولوجيات تقوم كرقباء امام تنظيم القيم المندرسة أو القديمة، وتصف وتبيّن التنظيم القيميّ للمجتمع الذي يحظى بهوية نظام متعادل ونشط .
ففي أيّ وقت لا تستطيع القيم الثقافية والعمليّة في مجتمع ما أن تبرّر نشاطاتها السياسية فإنّ الإيديولوجيات تتحوّل إلى مصادر مهمّة لعرض القيم والإتجاهات الجديدة. هذا الاحتمال ممكن بأنّ الإيديولوجية تتكامل بشكل وتعمّ بمرور الزمن. ولا تكون أسلوباً للنشاط السياسي فقط بل تكون اختياراً مقبولاً لبناء القيم الموجودة. بناء على هذا فبعض الإيديولوجيات تسعى وراء التغييرات السطحيّة، أمّا بعض الإيديولوجيات الثوريّة تطلب التغييرات الجذريّة والعميقة لبناء القيم(33).
إنّ الثورة الإسلامية الإيرانية التي تحقّقت بقيادة الإمام الخميني (رض) كانت لها ايديولوجية خاصة. إنّ هذه الإيديولوجية، كانت تريد اجراء تغييرات جوهريّة في الوضع الموجود. إنّ القيّم التي طُرحت بواسطة إيديولوجية الثورة، كانت أكثرها موجودة في المصادر الدينيّة وفي ثقافة الشعب. والشعب نفسه طالب بهذه العقيدة، وأصبح مستعداً للتضحية من أجلها. فمع طرح إيديولوجية الثورة من قبل الإمام(رض) ورجال الدين استيقظ الشعب وانتبه أكثر لوضعه الموجود. ومن مميزات ايديولوجية أو عقيدة قائد الثورة، التأكيد على ايجاد أرضية مناسبة لتعالي الإنسان وتكامله ورشده، والتأكيد على القيم العالميّة وبعيداً عن القوميّة.
وقد عرف الإمام (رض) بأنّ رسالته هي إنقاذ البشريّة، ومساعدة جميع مظلومي العالم ومسلمي العالم كلّه.
هذا العنصر العلميّ بالنظر إلى خصوصيات ودور الإيديولوجية في الدراسات المرتبطة بالثورة، تجد مكانتها وأهميتها الخاصة.
الإيديولوجية الثوريّة التي هي نظام من النظريات والأحكام الصريحة والواضحة والمنظَّمة، وتعمل بالتمسّك بالقيم العالمّية، وبهدف إنقاذ البشريّة بصورة مطلقة. وبما أنّ الإيديولوجية تتبيّن مفاهيمها بكلمات وجمل واضحة وسهلة وغير مُعقدة ولذا تستطيع أنْ تكون وسيلة فاعلة لليقظة والوعي. الخصوصيّة الأخرى لإيديولوجية الثورة هي أنْ القيم التي تعتمد عليها الإيديولوجية وتستقيم بها قد تتجسّد فينا وتتجلى. وفي الحقيقة »نحن« من واجبنا تجسيد القيم. العقيدة هذه القيم يحتمل أنْ تكون قيماً قديمة أو متأخرة أو معاصرة، والكثير منها يكون جديداً.
هنا يجب أنْ لا ننسى هذا الأمر، وهو أنّ الإيديولوجية تعتبر المكان الأصليّ لظهور القيم الجديدة، وأنّ هذه القيم الحديثة والتي غالباً ما تكون منتشرة ولكنّها تكون خامدة، وبالتالي قد تظهر في إطار نظريّة ايديولوجية مُبرّرة. بناء على هذا فإنّ الإيديولوجية الثوريّة من أجل تغيير الوضع الراهن وردّه، تتحدث عن المستقبل الذي يختلف كاملاً مع الوضع الحالي.
المستقبل الذي يشتمل على المباديء الأساسية الإنسانيّة الكبرى، والتي تُشكل البناء والأسُس العامّة والمشتملة على السنن الثورية: »حريّة الإنسان، المساواة الكاملة والحقيقية، الرفاهية العامة، المجتمع المبني على العدالة والأخوّة والإتحاد«(34).
بناءً على هذا نستطيع أنْ نقول بأنّ الثورة الإسلامية وبالإستفادة من العقيدة الثورية ومع هدف إحياء القيم الإسلامية وتصديرها للعالم، وحماية مظلومي العالم، وتقوية الحضارة الإسلاميّة، ونشر الأخلاق والأمور المعنويّة في المجتمع، قد نشأت وحدثت ثُمَّ انتصرت.
مطابقة إيديولوجية الثورة مع إحتياجات وأهداف وعقائد الشعب الإيرانيّ أدّت إلى إقبال عام ومن ثمَّ انتصار الثورة. إنّ الإيديولوجية الإمام (رض) لم تكن إيديولوجية قوميّة، ولم تكن فيها شعارات قوميّة وكذلك لم تكن فيها مميزات وخصائص العقائد القوميّة، ولم يؤكد عليها، بل كانت القيّم المطروحة في الثورة الإيرانيّة قيماً قوميّة وعالميّة، وقيماً غير محدّدة بحدود معينة وخاصة.
بالنظر إلى الصبغة الدينيّة في إيديولوجية الثورة الإيرانيّة، يمكن أنْ نستنتج بأنّ الثورة الإسلامية بانتصارها وباسقاط النظام الملكيّ قامت بإحياء القيم الدينيّة والمعنويّة؛ الشعب الإيرانيّ بسبب تعلّقه بهذه القيم، حاول أنْ يزيل الحواجز والعراقيل الموجودة أمام سيطرة القيم.
مع انتصار الثورة أقبل الثوريّون وعامة الناس على الإعلان عن القيم وسيطرتها وقد شاهدنا التحوّلات الإجتماعية والسياسيّة والثقافيّة الأساسيّة، مع الكثير من التضحيات في هذا المجال.

المصدر:مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (ره) الشوؤن الدولية

الهوامش:
1. فوكو 1377 : 64 – 19
2. بناهي 1379/63
3. كيدنز: 1375 : 507 / 205 – 193 : 1982 halliday) (كدي 1375 : 465)
4. williams 1983 : 87 – 90
5. جلبي، 1999 : 55
6. جلبي، 1999 : 55
7. هال نقلاً عن: 1991 billingtone
8. نقلاً عن: 28 : 1991 billingtone
9. 1991 billingtone
10. جلبي 1978 : 57
11. 1997 schein
12. 207 / 1997 foran
13. 206 – 205 : 1997 foran
14. 206 : 1997 foran
15. 211 : 1997 foran
16. 203 : 1997 foran
17. 10 – 9 : 1983 algar
18. 270 : 1962 smelser
19. 205 – 193 : 1982 Halliday
20. 177 : keddie
21. صحيفة الإمام، 1998، ج11ص398 – 397
22. صحيفة الإمام 1998، ج6ص347
23. صحيفة الإمام، 1998، ج29،ص100 – 128
24. صحيفة الإمام، 1998، ج19ص479
25. الإمام الخمينيّ، 1998، ص118
26. صحيفة الإمام، 1998، ج6ص178
27. صحيفة الإمام، 1998، ج13 ص139
28. صحيفة الإمام، 1998، ج9ص145
29. بناهي، 2000، رقم 11 و12، ص82 – 81
30. رفيع بور، 1997، ص127
31. محمديّ، 1995، ص66
32. هاديان، 1996، العدد 9، ص21
33. محمدي، 1995، ص40
34. روشه، 1988