العنف باسم الدين وليد فقه يفتقر الي العقلانية

الفكر والثقافة الدينية إن لم تكن قائمة علي الوعي والمعرفة والانفتاح، و تم تجريد الدين من العلم بمعني الوعي ومن العقل بمعني العقلانية، سوف نشهد الكثير من الانحراف والتحجر باسم الدين.

ID: 37500 | Date: 2014/10/23
*حجة الاسلام و المسلمين الشيخ الدكتور محمد مقدم
مساعد الشؤون الدولية في مؤسسة تنظيم و نشر تراث الامام الخميني

الفكر والثقافة الدينية إن لم تكن قائمة علي الوعي والمعرفة والانفتاح،‌و تم تجريد الدين من العلم بمعني الوعي ومن العقل بمعني العقلانية، سوف نشهد الكثير من الانحراف والتحجر باسم الدين. وإذا لم يكن الفقه قائماً‌علي عقلانية الانسان، فان ما سينتج عنه لا يقتصر علي (داعش) فحسب، وإنما من الممكن أن يكون مدعاة لظهور الافكار التي تتسم بالتزمت والجهل والتبعية، وتكون حصيلتها الارهاب والعنف.
فيما يلي مقتطفات من حوار أجراه موقع (شفقنا) الالكتروني مع حجة الاسلام والمسلمين الدكتور محمد مقدم، مساعد الشؤون الدولية في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني:
الفقه الذي يعتمد العقلانية
يعد الدين احد أهم وأبرز عناصر عقلانية الانسان، لأن العقلانية تعني إنتفاء الافراط والتفريط،‌ورفض الإنسان كل ما لا ينسجم ويتناغم مع عقله وضميره. ولعلّ هذا ما يدعونا للقول أن المسؤولية التي تقع علي عاتق الحوزات العلمية اليوم، ويتحمل اعباءها مجتهدونا وكبار علمائنا، تتمثل في عرض الاسلام بصورة شاملة وبما يواكب متطلبات العصر ويلبي احتياجات المجتمع الانساني. أنهم مطالبون بأن يخصعوا للدراسة وتمحيص المسائل التي تتعارض مع عقل الانسان و الفكر والمنطق، ويوضحوا الكثير من القضايا التاريخية والمعاصرة التي لا يمكن أن تكون صحيحة ومقبولة بالنسبة للانسان، وبالتالي العبور من هذا الدهليز الخطير، دهليز الجهل والتحجر والتخلف. لابد لنا من انقاذ المجتمع من الانغلاق الفكري، وفتح باب الحوار والبحث، وأن لا نخشي فكر الآخر. ولا يخفي أن (داعش) ليس سوي احد أوجه فهم وتفسير الاسلام. فنحن لا نستطيع ان نقول ، ما هي ماهية الاسلام علي الاطلاق ؟ بل ينبغي أن نري من أية زاوية ننظر الي الاسلام. ان طبيعة رؤيتنا وفهمنا للاسلام، بوسعها أن تعطينا (داعشياً)،‌‌أو فهماً‌واعياً ومتحضراً‌للاسلام. ففي الفهم الواعي للاسلام  القائم علي العلم   والعقلانية والاخلاق، ثمة‌اهتمام بحقوق الانسان والديمقراطية وكرامة الانسان. أما في ضوء الفهم الآخر، حيث توصد نافذة العلم والعقل والاخلاق، فان اي فهم ديني آخر سيكون دون شك علي صلة وثيقة بالرؤية الداعشية للاسلام.
التحجر وليد الجهل، والعنف وليد التحجر
حفل التاريخ الاسلامي بظاهرة  التطرف تحت مسميات عديدة. فالخوارج – مثلا – الذين ظهروا في عصر الامام علي (عليه السلام)، مارسوا  الكثير من العنف في بلاد الاسلام طوال قرن ونصف، وبطبيعة الحال لو كنت تسأل منهم كانوا سيقولون لك بأننا مسلمون و ما سواهم ليس بمسلمين. ولم يكن ذلك يقتصر علي الاسلام، بل شهدت المسيحية واليهودية نظير ذلك أيضاً. أريد أن أقول أن الدين سيف ذو حدّين، فاذا لم يكن الدين والثقافة الدينية مبنية علي الوعي والمعرفة والانفتاح، وفي الحقيقة لم يحاول مواكبة التطور، ويري هويته دائماً في الماضي فقط و فقط، و يصّر علي الماضي لمجرد كونه ماضي وليس محاولة الاستعانة به لتنظيم متطلبات الحاضر والمستقبل، فمن الطبيعي أن يظهر الجهل ويستأصل. وفي مثل  هذه الظروف ثمة لازم وملزوم بين الجهل والتحجر، والتحجر والعنف.
فمن الواضح أن داعش ابتليت بالجهل والتحجر في فهم المسائل العقائدية وتطبيق التعاليم الدينية. و أن هذا الجهل والسذاجة وجد في مزبلة ينمو فيها التزمت الذي يري الحق معه وحده. وفي ضوء ذلك ينبغي التضحية بالحق، اي أن يولد من هذا التزمت والجمود والتحجر، العنف والتطرف. ان من جملة‌المسائل التي تحظي بأهمية فائقة في ديننا، العلم والعقل. فاذا ما تم تجريد الدين من العلم بمعني الوعي، ومن العقل بمعني العقلانية، فسوف تظهر الكثير من الجهالات باسم الدين.
أن جانباً‌من المبادئ الاسلامية والدينية التي نسميها بالشريعة، عبارة عن مجموعة من القوانين والضوابط التي تنظم علاقات الفرد داخل الأسرة وفي المجتمع. ولو أننا تجاهلنا عنصر العلمية والعقلانية ولم نحاول تطبيقها في فهم الشريعة وفي استنباط الفقه ، وبقي تراثنا الديني أسير الظروف والمعايير الماضية، فان مجموعة من الخرافات والتصورات الخاطئة سوف تتراكم بمرور الوقت، و أن نشهد ثانية الانحرافات، التي تتجلي اليوم في توجهات جماعة داعش و ممارساتها .  
الفراغ والتفاهة وراء انضمام الغربيين الي داعش
ان السبب الذي يقف وراء استقطاب المسلمين الغربيين والتحاقهم بالجماعات الارهابية، يكمن في الغالب في الفراغ والتفاهة التي يعاني منها الشباب في المجتمع الغربي. أنني علي معرفة تامة بهذه الاجواء. فطالما كانت الدول الشرقية تنعم بالاستقرار، فان الكثير من الاهداف والتطلعات  المتمثلة بالعدالة والايثار، ساعدت في الانضمام الي المعسكر الشرقي. اي أن الشاب عندما كان يرغب باعتناق هذه الافكار كان عليه ان ينتمي الي الشيوعية. وكان ذلك رائجاً‌في  اوساط الغربيين طالما كانت الافكار الشيوعية تستحوذ علي اهتماماتهم. وبعد إنهيار دول المعسكر الشرقي، فأن عدداً‌من الشباب في الغرب، خاصة الجيل الثاني من العوائل المسلمة، المرتبطين من الناحية‌الأسرية بالأسر الشرقية ولكن من ناحية الثقافة والتربية باتوا اوروبيين، اصيبوا بالاحباط إزاء توجهات ومتطلبات الحياة في الغرب، واخذوا يشعرون بافتقادهم للهدفية. ولهذا فان بعض هؤلاء‌الشباب أخذ يبحث عن مذاهب وافكار تبث لديه الآمال وتحي عنده الاهداف والتطلعات. و اتجه بعضهم صوب البوذية واتجه آخرون لاعتناق بعض الافكار العرفانية الحديثة. كما اتجه آخرون الي الافكار والمعتقدات الاسلامية. و في ظل هذه الاجوء، عندما ترفع جماعة مثل داعش شعارات تنسجم مع أذواق وأطباع هؤلاء، وتزعم بأنها تتطلع الي إقامة الخلافة الاسلامية وإنقاذ المسلمين من نير العبودية، فمن الطبيعي أن ينتاب هؤلاء الشباب المحبط شعور بأن بامكانهم التخلص من هذه التفاهة والفراع، و علي حد قولهم غياب الهدفية، وذلك من خلال الالتحاق بهذه الجماعات. ولا يخفي أن بعض هؤلاء الشباب يبحث عن المغامرة و البطولة ويعشقها.
الوحدة‌السبيل للحيلولة دون إساءة استغلال العدو
وبناء علي كل ذلك، لابد للشخصيات البارزة والمؤثرة، ولعلماء‌الدين من الشيعة والسنة، وللمراكز الفكرية والثقافية، لابد لهم من التضامن والاتحاد والارتقاء بمستوي الوعي والحيطة والحذر و وضع حد للصراع بين الشيعة والسنة‌و إنهاء الفتنة ‌الطائفية. ومما يذكر في هذا الصدد أن الامام الخميني (قدس سره) بذل جهوداً‌فذة‌في هذا المجال. وقد حرص سماحته علي‌أن يلفت الانظار الي أن الثورة الايرانية ثورة إسلامية وليست ثورة شيعية. وجعل من العالم الاسلامي مركز ثقله، إذ كان يؤكد سماحته علي الذين يذهبون الي الحج بالصلاة جماعة مع ابناء السنة. و كان واضحاً تماماً، لو أننا لم نتحل بالوعي ونتمسك بالاخوة الاسلامية، لحاول الاعداء استغلال ذلك الي‌اقصي حد ممكن.. يجب أن يعي المسلمون بأن المذاهب الفقهية تختلف فيما بينها، ومثلما أن لدي أبناء‌السنة اربعة مذاهب فكرية يتحمل بعضهم البعض، يجب أن يعلموا بأن هناك مذهباً اسلامياً آخر يتمثل في التشيع، ولابد لهم من التواصل والتفاهم معاً.
ينبغي لنا أن نتحلي بالوعي، ومن الضروري أن نضع أيدينا في ايدي بعض في مثل هذه الظروف التي تمر بها الامة‌الاسلامية،‌والحيلولة دون تأجيج نار الحرب الطائفية. يجب أن تدرك الشعوب الاسلامية بمختلف إنتماءاتها المذهبية والعرقية، بأننا أخوة ونتمتع بحقوق متساوية، ولابد لنا من التضامن والاتحاد وتوحيد صفوفنا. وهنا اود أن ألفت الانظار الي مقولة الامام الخميني (قدس سره) حيث يقول:‌أن هؤلاء‌الذين يسعون الي بث الخلاف والتفرقة بين الشيعة‌والسنّة،‌ليسوا من الشيعة ولا من السنة، وإنما هم اعداء‌الشيعة والسنّة.