ج: بالنظر لرسالة الانبیاء عليهم السلام الرئيسية وهي الابلاغ، حيث يتوجب على المتدينين الخطو على هذا المسار وتوعية الاجيال الآتية حول مضامين الرسالة المذكورة، احتل التبليغ في كافة الاديان، تقريباً، اهمية خاصة، الى حد اصبح فيه في الاسلام مقترناً بالجهاد، احياناً، فهو (اي التبليغ) متجذر في غريزة الانسان، وطالما نشاهد كثيراً من الناس يركنون اليه، بشكل فطري، لايصال آرائهم ونظراتهم حول مواضيع مختلفة الى الآخرين.
مما يلفت النظر، اضافة الى ان ذلك تعدى المسائل النظرية والاعتقادية، خلال القرون الاخيرة، واتخذ مساراً واسعاً جداً لتبليغ وترويج البضائع التجارية. لذا، وبالالتفات الى اهمية الموضوع المُشار اليه، ظهرت ادوات وطرق دعائية كثيرة، ايضاً. على الرغم من ان (التبليغ) من حيث المفهوم اللغوي، يتمتع بمعنى ايجابي ويُشير الى ايصال شيء ما.. وهكذا فكلمة (بلوغ) تنحدر من هذا الجذر، الاّ ان قسماً من الدعاية، من حيث الاصطلاح، عندما يُتّخذ لخداع الرأي العام، يصبح سلبياً!. يبدو ان موضوع التبليغ حسب رؤية الامام الخميني (قدس سره)، يحتاج الى عدة كتب من نواحٍ شتى، واذا ما اعتمدنا بعض المقاسات لذلك، بشكل عام، يمكننا الاشارة الى عدد منها، بما يلى:
- ان التبليغ، بما تحمله الكلمة من معنى حقيقي، كفريضة دينية لايصال رسالة الوحي لجميع الناس.
- عدم حصر رسالة الوحي في المباحث الكلامية والفلسفية. (بل و شمول ذلك مضمون الدين، بشكل كامل، سواء المباحث الاعتقادية التي يهتم بها الناس، مثل: نظر الاسلام بالنسبة لكرامة بني آدم، حق تعيين المصير، الشراكة في مسألة ادارة المُلك (الحكم)، حقوق الانسان، تعريف الناس بزوايا حقوقهم، معرفة الوحدة ومتابعتها ومعرفة الاعداء ودعاياتهم المسمومة وكذلك، كيفية الدعاية الانتخابية...)
- الاستفادة من اية امكانية واداة مشروعة لايصال مضمون الدين وكُنه حقيقة (ذلك) الى الناس.
تناسب موضوع التبليغ والاداة المستخدمة لذلك:
- تناسب الموضوع المذكور والنفقات والعوامل المرتبطة به.
- الالتفات الى القيم التي تستدعي التبليغ.
- معرفة تبليغات العدو وكيفية إفشالها.
من الجدير بالذكر، ان الامام الخميني (قدس سره) كان نفسه، يستخدم جيداً اساليب وامكانيات مختلفة فيما يتعلق بذلك.
كان سماحته يتبنّى عرض مواضيع ضرورية خلال التدريس، الخطابة، التراسُل مع الافراد، لقاءات صحفية، تدوين بيانات، استخدام اجهزة التسجيل، الاذاعة والتلفزيون... حتى انه (قدس سره) استطتع ايصال رسالة النهضة الى العالم، جيداً، عن طريق وسائل الاعلام الاجنبية عند مهاجرته الى باريس.
مما يلفت النظر، ان سماحته، فيما يتعلق بالتبليغ، كان يجيد لغة و زمن ذلك، لهذا، فقد كان لما يقوم به تأثير واسع النطاق، وكان (قدس سره) يُوصى الاخرين، مؤكداً، عدم الغفلة عن التبليغ الصحيح، حيث انه كان منشغلاً بالقيام بمسائل اهم. فرسالته الى غورباتشوف كانت نوعاً من تبليغات ذات ابعاد شتى. فقد اوقفت (الرسالة) ترميم الشيوعية في الاتحاد السوفياتي (السابق)، وافشلت، من جهة اخرى الى حد كبير تبليغات الماركسية في كثير من البلدان، والتي استمرت على امتداد سبعين عاماً! ولم تكن ( اي الرسالة) ذات مضمون مسموم او عدائي بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفياتي حيث لم تسبب بانزعاجهم منها... واختار الامام (قدس سره) زمن ارسالها، بداية السنة الميلادية (المسيحية) الجديدة... لتُعتبر هدية.
لقد تحدث الامام الخميني (قدس سره)، حول اهمية (التبليغات) مرات عديدة، لكنّ المهم في ذلك هو ان سيرته العملية، تدل على انه سماحته، كما يبدو، لم يحدد لنفسه غير واجبين رئيسيين:
الاول كشف الحقائق والاحداث والثاني ايصالها، في البدء الى الشعب الايراني وبعد ذلك الى كافة المسلمين.