الحج أداة مهمة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للإسلام

مريم السادات حسيني

 

 

استناداً الى الآية الثالثة من سورة التوبة المباركة فقد أبلغ الله النبي الأعظم(ص) قائلاً:" وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله"
كما خاطب إبراهيم خليل الله (ع) أن يدعو الناس الى الحج كي يشهدوا منافع لهم . وهذه المنافع هي منافع المجتمع – المنافع السياسية والإجتماعية والثقافية- فليأتوا ويروا أنك أنت النبي قد قدمت أعز ثمار حياتك في سبيل الله وعلى كل ذرية آدم أن يقتدوا بك ويروا كيف حطمت الاصنام و ونبذت ما هو غير الله.
ومنذ سنين اوربما قرون وهذا المؤتمر السياسي-الاجتماعي-العبادي العظيم والذي كان من شأنه ان يحقق كل اهداف الدين الإسلامي ، كان قد اقتصر على الجانب العبادي الفردي فحسب ونسيت رسالته الحقيقية التي هي الاعتقاد الحقيقي بالله وتجنب اي نوع من الشرك وتوحيد الجهود وحل مشاكل المسلمين حتى تناول الخميني محطم الأصنام مرة اخرى قضايا العالم الإسلامي وذكّر المجتمع الإسلامي برسالة هذا العصر في اعماله واقواله وكتاباته .
وقد بادر الامام الخميني (رض) في عيد الاضحى من الحج الاول بعد انتصار الثورة الاسلامية (30آبان 1358هـ ش)(21تشرين الثاني 1979) في خطاب الى الحجاج، الى تحليل شامل للكعبة والحج واعتبرهما موضع نشر التوحيد ورفض الشرك . وكان تأكيده على ان الكعبة هي المنطلق الرئيس لنداء التوحيد ومركز تحطيم الاصنام في جميع ارجاء العالم واستناداً الى آيات القرآن فإن تطهيرها من كل الارجاس والخباثات والتي يقف الشرك في مقدمتها،واجب. ثم استنتج بعد الاشارة الى اعلان البراءة من المشركين في سورة التوبة وقيام المهدي الموعود عليه السلام من جوار الكعبة ودعوة الناس الى التوحيد ،أن كل مظاهر تحطيم الأصنام انطلقت وسوف تنطلق من الكعبة وعلى الامة الاسلامية ان تقتدي بذلك.
وقد بين الامام في سنوات عمره المبارك الأخيرة في الخطابات والنداءات المختلفة التي كان يوجهها الى مؤتمر الحج السنوي ،كل الجوانب التي يمكن ان تطرح و تستثمر في هذا المؤتمر بل إنه أوضح في الحقيقة ميثاق الحج الإبراهيمي في هذه النداءات . وسنشير هنا الى ثلاثة نداءات مهمة تضم كل قضايا العالم الاسلامي ومشاكله وكل الجوانب المتصوّرة تقريباً لشعائر الحج السياسية والعبادية .
1- يتمتع الإسلام بثقافة غنية تصنع الإنسان حيث تقود الشعوب الى الامام دون ميل الى اليمين او اليسار ودون اخذ اللون واللسان والمنطقة بنظر الاعتبار وتقود الانسان في الجانب العقيدي والاخلاقي والعملي وتوجهه من المهد الى اللحد نحو تلقي العلم والبحث عنه .إن الإسلام يهدي البلدان في البعد السياسي في كل المجالات دون التشبث بالكذب والخديعة والمؤامرات الخادعة الى إدارة الحكومة النزيهة والتمسك بها ويعزز العلاقات مع البلدان الاخرى الملتزمة بالتعايش السلمي الخارج عن الظلم ويجعلها اخوية . ويغني الاقتصاد بشكل نزيه ودون تبعية لصالح الجميع ولرخاء كل الناس مع إيلاء الاهمية للمحتاجين والضعفاء ويسعى من اجل تحقيق المزيد من التطور في الزراعة والصناعة والتجارة ويدرب في الجانب العسكري كل الاشخاص القادرين على الدفاع عن البلاد في الاوقات الاضطرارية ويجعل التعبئة العامة في هذه الظروف اختيارية وإلزامية احياناً ويدرب في الظروف العادية قوة مؤمنة وماهرة للدفاع عن الحدود وتنظيم المدن وامن الطرق والمحافظة على النظام والانضباط.(صحيفة الامام ج19 ص343)
2- في فريضة الحج التي هي التلبية للحق والهجرة نحو الحق تعالى ببركة ابراهيم ومحمد، تعلو مكانة "لا" على كل الاوثان والطواغيت والشياطين وابناء الشياطين. واي صنم اعلى من الشيطان الكبير المتمثل في امريكا الناهبة لثروات العالم والاتحاد السوفياتي الملحد المعتدي الاكبر واي طاغوت وطاغوت صغير من طواغيت عصرنا اكبر منهما؟. أطلقوا في التلبية "لا" ضد كل الاصنام ورددوا صرخات"لا" ضد كل الطواغيت الكبار والصغار وأفرغوا القلب من الآخرين في الطواف حول حرم الله والذي هو دليل حب الحق، وطهروا الروح من الخوف من غير الحق وتبرؤوا بموازاة حب الحق من الاصنام الكبيرة والصغيرة ومن الطواغيت والتابعين لهم والذين تبرء منهم الله تعالى ومحبوه وكل احرار العالم بريئون منهم . وبايعوا الله عند لمس الحجر الاسود بأن تعادوا اعداءه واعداء رسله والصالحين والاحرار ولا تطأطئوا الرؤوس في طاعتهم والعبودية لهم مهما كانوا واينما كانوا وطهروا القلوب من الذل فاعداء الله وعلى رأسهم الشيطان الاكبر أذلاء ، رغم أنهم يفوقونهم في صنع أدوات الموت والقمع والجريمة. واسعوا في السعي بين الصفا والمروة لإدراك المحبوب بصدق وصفاء فبالعثور عليه تتحطم كل العلائق الدنيوية وتزول كل الشكوك وكل الخوف والرغبات الحيوانية وتنفك كل الارتباطات الدنيوية وتزدهر مظاهر التحرر وتتحطم قيود الشيطان والطاغوت واغلالهما والتي تأسر عباد الله وتستدرجهم لطاعتها. وتوجهوا الى المشعر الحرام وعرفات بحالة الشعور والعرفان وزيدوا في كل موقف من اطمئنان القلب بوعود الحق وحكم المستضعفين وتفكروا في آيات الحق بسكوت وسكون وفكّروا في انقاذ المحرومين والمستضعفين من مخالب الاستكبار العالمي واطلبوا من الحق طرق الخلاص في تلك المواقف الكريمة . فاذهبوا الى منى وادركوا هناك الاماني الحقة وهي التضحية باحب الاشياء اليكم في سبيل المحبوب المطلق .واعلموا انكم مالم تتخلوا عن هذه الاشياء التي تحبونها والتي يقف حب النفس على رأسها وحب الدنيا تابع لها،فإنكم لاتصلون الى المحبوب المطلق وارجموا الشيطان في هذه الحال فيهرب الشيطان منكم.وكرروا رجم الشيطان في المواضع المختلفة حسب الاوامر الالهية كي يهرب كل الشياطين وأبناء الشياطين".(صحيفة الإمام ج20 ص90)
3- الحج مركز المعرفة الإلهية حيث يجب البحث من خلاله عن محتوى سياسة الإسلام في جميع جوانب الحياة . والحج هو المبلِغ بتأسيس وبناء مجتمع بعيد عن الرذائل المادية والمعنوية. الحج هو تجلي وتكرار كل المواقف المشيعة للحب في في حياة الانسان والمجتمع المتكامل في الدنيا ومناسك الحج هي مناسك الحياة ولأن جامعة الامة الاسلامية من كل جنس وشعب يجب أن تكون ايراهيمية كي تلتحق بركب امة محمد وتوحد وتصبح يداً واحدة فإن الحج هو تنظيم هذه الحياة التوحيدية والتمرين عليها وتشكلها وهو ساحة عرض الاستعدادات وقدرة المسلمين المادية والمعنوية ومرآة مقياسها. (صحيفة الاما ج21 ص78)