محمد صدقي*
للحج الابراهیمي دور كبیر في حیاة المسلمین السیاسیة والاجتماعیة. وقد أدت الاهمیة الكبیرة للحج ودوره العظیم الی ان لایكون بمقدور أي عمل عبادي آخر أن یضاهیه أو یحل محله. وقد نقل عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال:" ... «اَما اِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ اَفضَل مِنَ الحَجِّ اِلاَّ الصَّلاةُ ،في الحج ها هنا صلاة و ليس في الصلاة حج»(وسائل الشیعة ج9ص77)
ذلك لأن الحج هو قیاساً الی الاعمال العبادیة الأخری العبادة الوحیدة التي إذا تمّت بروح وتحرك وكانت مقترنة بشكل خاص بالبراءة من المشركین،فسوف لا تكون الامة الاسلامیة اسیرة بید یهود العصر ولایمكن لأي عمل ان یكون له مثل هذا الاثر. یقول الامام الخمیني في هذا المجال:
" تتمتع فریضة الحج بین الفرائض بمیزة خاصة ولعل جانبها السیاسي والاجتماعي یغلب علی جوانبها الاخری ،رغم أن جانبها العبادي له هو ایضاً میزته الخاصة." (صحیفة الامام ج 15ص168)
وقد اعتبر الائمة ،نظراً الی هذه الاهمیة، الحج وسیلة لتعزیز الدین الإلهي ،واعتبروا الكعبة اللواء الشامخ للإسلام . أي إن الدین المقتدر ولواءه سوف یظل خفاقاً ماأقیم الحج وما دام یحمل العظمة .
ومن الطبیعي أن هذا الدور لا یمكن ان یتحول الی واقع عملي إلا إذا أقیم الحج بروح وتحرك وظهرت الوحدة الحقیقیة التي لا یمكن ان تتحقق إلا بطرد الأجانب واعداء الإسلام والبراءة منهم. ولذلك فإن اعداء الاسلام یسعون لأن لا تنكشف للمسلمین ابعاد الحج الاجتماعیة والسیاسیة بل إنهم أحیاناً یعتبرون التحرك السیاسي في الحج متناقضاً مع روح الحج المعنویة وهو ما یشكل أحد الآلام الكبری للمجتمع المسلم.
ولذلك فإن أعداء الاسلام یسعون لأن یقللوا من أهمیة تجمع المسلمین الهائل فی شعائر الحج وأن یفرغوه من محتواه السیاسي-الاجتماعي السامي وأن یجرّدوا آثاره المهمة ودوره الكبیر من إضفاء العزة علی المسلمین وترسیخ الدین الإلهي.
وبناء علی ذلك فإن الحج الذي بإمكانه أن یقوم بمثل هذا الدور هو – كما قال الامام الخمیني(رض)- الذي یجب أن لا یكون عدیم الروح والتحرك والثورة البراءة والوحدة. وبكلمة واحدة فإنه الحج الذي یهز اركان الكفر والشرك وأعداء كیان المسلمین وعزتهم.وعلی هذا الاساس فإن المنفعة السیاسیة للحج ستكون كبیرة للغایة وعلی المسلمین ان یشهدوا هذا المؤتمر الكبیر ویحققوه.
وهذه الروح الكفاحیة المحاربة للباطل هي واجب كل مسلم . فعلی الانسان المؤمن بحكم الدافع الایماني وباتباع الله ورسوله(صلی علیه وآله) ان یتبرأ من كل ما یقف عقبة في طریق الله ومن كل شخص یعادي خلقه وان یقطع علاقته الروحیة والعملیة بهم.
وبناء علی ذلك، فإن البراءة من اعداء الله وما یمنع نمو الانسان وتكامله ویغلق طریق سعادته، لها جانب اعتقادي وتربوي قبل ان تكون قضیة سیاسیة واجتماعیة ویمكن القول إن البراءة هي السیاسیة الاصولیة للعقیدة الاسلامیة وخاصة في فریضة الحج. وعلی هذا الاساس، فإن علی الحجاج والمؤمنین ان بتبرؤوا من اعداء الله واصنام العصر وأقطاب الشرك والالحاد ،الذین قرروا القضاء علی الاسلام وإذلال المسلمین وتعاستهم.
إن إعلان البراءة هو الإقدام العملي والدفاع الإعلامي-النفسي ضد الكفر والشرك ومواجهة الاستكبار والفساد وهو ما یحدد سیاسة الاسلام الخارجیة مع عالم الكفر علی نطاق العلاقات الدولیة والاعلام والجهاد.
یقول الامام الخمیني في خطابه التاریخي حول البراءة من المشركین مستلهماً من آیات القرآن الكریم:" حاشا لخلوص عشق الموحدین ان یتیسر إلا بالتجسد الكامل لكراهیة المشركین والمنافقین وأي بیت أجدر من الكعبة وبیت الأمن والطهارة و"الناس" والذي یُعرَض فیه عن كل اعتداء وظلم واستثمار وعبودیة أو صفة دنیئة عملاً وقولاً ویتحطم في خلال تجدید المیثاق " ألست بربكم" أصنام الآلهة والارباب المتفرقین وتبقی ذكری اكبر حركة سیاسیة للنبي حیة في " وأذان من الله ورسوله الی الناس یوم الحج الاكبر" ، ذلك لأن سنّة النبي صلی الله علیه وآله وإعلان البراءة لا یتقادم علیهما الزمن وإعلان البراءة لا یقتصر علی ایام الحج وشعائره بل علی المسلمین أن یملؤوا جمیع ارجاء العالم بالمحبة وعشق ذات الحق والكراهیة والبغض العملیین لأعداء الله ولا یصغوا لوسوسة الخناسین وشبهات المرجفین والمتحجرین والمنحرفین ولا یغفلوا لحظة واحدة عن هذا النداء التوحیدي المقدس والشمولي للإسلام ." (صحیفة الامام (رض) ج 20ص314)
ویقول مضیفاً:" إن صرخة براءتنا هي صرخة أمة ترصد لموتها كل الكفر و الاستكبار وصوّبت كل السهام والحراب باتجاه القرآن والعترة العظیمة وهیهات ان ترضخ امة محمد(ص) – صلی الله علیه وآله- والمرتون من كوثر عاشوراء ومنتظرو وراثة الصالحین للموت المذل والوقوع أسری بید الغرب الشرق وهیهات أن یسكت الخمیني ویهدأ إزاء اعتداء المتشیطنین والمشركین والكفار علی حرمة القرآن الكریم وعترة رسول الله وأمة محمد-صلی الله علیه وآله- أو یتفرجوا علی مشاهد ذل المسلمین وتحقیرهم."(صحیفة الامام(رض) ج20ص318)
إن تجمع الحج العظیم هو –فضلاً عن خصوصیاته الفریدة- من العوامل المؤثرة في إفشال المؤامرات التي تحاك لبث الفرقة بین المسلمین وتدمیر وحدة المجتمع الاسلامي . ولو لم یكن هذا المؤتمر التوحیدي العظیم ،فلاشك في أن المؤامرات سوف تترك أثرها ولما كان هنالك التضامن الذي هو لیس بالمستوی المطلوب بین المسلمین والسائد الیوم بین ملایین المسلمین بمذاهبهم العدیدة .
یقول الامام الخمیني مستلهماً مما قاله نبي الاسلام الكریم-صلی الله علیه وآله- في أن الحج عامل الوحدة:
" الحج تجلي وتكرر كل مشاهد الحب في حیاة الانسان والمجتمع المتكاملین في الدنیا. ومناسك الحج هي مناسك الحیاة . وبما أن مجتمع الامة الاسلامیة ، من كل عرق وقومیة، یجب أن یصبح إبراهیمیاً كي یرتبط بركب أمة محمد-صلی الله علیه وآله- ویتحد معها ،ویصبح یداً واحدة،فإن الحج هو تنظیم هذه الحیاة التوحیدیة والتمرن علیها وتشكلها." ( صحیفة الامام (رض) ج21ص77)
* التلخیص والجمع: قسم الشؤون الدولیة في مؤسسة تنظیم ونشر آثار الامام الخمیني(رض)