المؤلفان: أصغر عرفان،محمد سبحاني نيا *
الحج هو النبع الإلهي الفياض،حقيقة توحيدية وركن اساسي من أحكام الاسلام .وهذه العبادة بجوانبها الواسعة والعميقة واحكامها المفعمة بالرموز والاسرار – والتي يبين كل منها رمزاً ظاهراً وخفياً- تمثل اكثر الفرائض الدينية عظمة. ويشكل الحج في صورته الرمزية مجموعة من الاعمال الخاصة بتركيبة وهيئة اجتماعية منظمة ودقيقة ،مع الالتزام بآداب وتعليمات خاصة حيث تكمن وراء هذه المناسك والحركات المنظمة مظاهر جليلة من التعاليم الصانعة للحياة والاسرار المعبّرة .ولعل بإمكاننا الادعاء أن الحج بجوانبه وابعاده الواسعة هذه هو عصارة الاسلام والمعادل للشريعة بتعبير آخر . حيث إن نبي الاسلام(ص) اعتبر في بيان اسباب الفرائض الالهية ،الحج المعادل لكل الدين والشريعة :"والخامسة الحج وهي الشريعة"(وسائل الشيعة ج1ص26). والحج هو انموذج ورمز صغير للاسلام الكبير .وسبب ذلك ان هذه العبادة الشاملة تشتمل على التوحيد،المعاد،النبوة،الامامة ،الاخلاق والقيم المعنوية،العبادة البدنية والمالية،التعاون والايثار،التعامل،الوحدة،السياسة،الاقتصاد وغير ذلك والبعد المعنوي والعرفاني هو من اهم ابعاد الحج الى جانب المجالات المختلفة المذكورة . إن الحج هو ميعاد عشاق الله والمتعطشين لرؤية الحبيب والوفود عليه:
وقد ذكر الامام الرضا(ع) هذا الامر كأول خصوصية للحج وقال:" علة الحج الوفادة الى الله"( وسائل الشيعة ج8ص5) فالسفر المعنوي الى الله عز وجل هو الذي أدى الى وجوب الحج.
كما يقول الامام في هذا المجال:
" إنتبهوا الى ان سفر الحج ليس سفر التجارة. وليس سفر الحصول على الدنيا.بل هو السفر الى الله ،أنتم في حالة التوجه الى بيت الله وكل الامور التي تقومون بها عليكم ان تقوموا بها بشكل إلهي وعندما يبدأ سفركم من هنا فإنه يكون وفادة الى الله .سفر نحو الله تبارك وتعالى " (صحيفة الامام ج10ص176)
وهذا الكلام مأخوذ من كلام المعصوم،إذ يقول علي(ع) :"الحاج والمعتمر وفد الله وحقّ على الله تعالى أن يكرم وفده ويحبوه بالمغفرة".(بحار الانوار ج96ص8)
ويتضح البعد المعنوي للحج عندما يقارن بالعبادات الاخرى .ويتمتع الحج بفضل مناسكه الخاصة،برياضات خاصة تؤثر في تزكية النفس وعلو الدرجات المعنوية : ترك الوطن،تجديد عهد الحضور في المشاعر والابتعاد عن الآمال والاماني وترك الانانية والاستبداد وغير ذلك هي من جملة تلك الرياضات. ويذكّر الامام قدس سره بجوانب الحج المعنوية فيقول:
" على الحجاج المحترمين ان يحذروا من ان يشركوا في اعمالهم رضا غير الله ،وجهات الحج المعنوية كثيرة والمهم ان يعلم الحاج اين يذهب ومن الذي يلبي دعوته ومن هو الضيف وما هي آداب هذه الضيافة وان يعلم ان كل انانية وعجب يتعارضان مع إرادة(الانسان)لله ويباينان الهجرة الى الله ويؤديان الى نقص الجانب المعنوي من الحج"(صحيفة الامام ج19ص338)
إن الحج هو درس تهذيب النفس وساحة محاربة الشياطين في الداخل والخارج. وكل واحد من المناسك والمشاعر هو خطوة باتجاه الغنى الروحي ،سعة الصدر و اكتساب الفضائل الاخلاقية وفي الحقيقة فإن الحج هو فرار الانسان من الظلمة الى النور. يقول الامام الباقر(ع) في تفسير الآية المباركة "ففروا الى الله":
من الظلمة الى الحج؛ فروا الى الله اي أقبلوا الى الحج من الظلمة(مستدرك الوسائل ج8 ص11)ويعتبر القرآن الكريم في تعبير آخر أن فلسفة التضحية التي هي من مناسك الحج الوصول الى التقوى والقرب الإلهي ويقول:
" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"(الحج 37)
وتبلغ اهمية البعد المعنوي للحج في الروايات الاسلامية حداً بحيث إن الحج يفقد معناه بدونه ومن النادر إطلاق الحاج على الشخص الذي لا يهتم بهذا البعد التربوي للإنسان . وقد روي أن شخصاً دخل على الامام السجاد(ع) في خلال مراسم الحج وقال:" ماأكثر الحجيج" فأجابه الامام:" ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج" (سفينة البحار ج2 ص71).
وقد أكد الامام الراحل قدس سره المحيي للحج الإبراهيمي في العصر الحالي ،على العمل بالمناسك بشكل صحيح من اجل الوصول الى اهداف الحج المعنوية،فأعلن قائلاً:
" لايمكن ان تتحقق المراتب المعنوية للحج التي هي اساس الحياة الخالدة،والتي تقرّب الإنسان من افق التوحيد والتنزيه إلا إذا تم العمل بتعاليم الحج العبادية يشكل صحيح وكما ينبغي وبشكل دقيق."(صحيفة الامام ج19 ص26)
كما اعتبر تحقق ابعاد الحج الاخرى سواء السياسية أم الاجتماعية متوقفاً على تحقق البعد المعنوي للحج فيصرح في هذا المجال:
" لايمكن ان يتحقق بعده السياسي والاجتماعي إلا إذا تحقق بعده المعنوي والإلهي وتكون تلبياتكم استجابة لدعوة الحق تعالى وتُحرمون لبلوغ عتبة محضر الحق تعالى وان تنفوا الشريك للحق بكل المراتب وأنتم ترددون التلبية وتهاجرون من النفس التي هي المصدر الاكبر للشرك نحوه جل وعلا... وإذا نسيت الجوانب المعنوية فلا تظنوا أن بالإمكان ان تتحرروا من قبضة شيطان النفس ومادمتم مقيدين بأغلال النفس والاهواء النفسية فلا يمكنكم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حريم الله."(صحيفة الامام ج19ص27)
* تلخيص وجمع: قسم العلاقات الدولية في مؤسسة نشر وتنظيم آثار الامام الخميني(رض)