الامام الخميني من الولادة حتى الوفاة

   ولد الامام الخميني (قدس سره) يوم العشرين من جمادي الثاني، ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء، سنة 1321 للهجرة – 23 سبتمبر 1902 – في أسرة اشتهرت بالعلم والنضال والتقوى. وفي شهره الخامس، استشهد والده السيد مصطفى على ايدي أشرار المنطقة بسبب دفاعه عن المظلومين..

تربى روح الله في أحضان أمّ حنونة (السيدة هاجر)، وتحت رعاية عمّة مخلصة (صاحبه هانم)، ومرضعة متقية (الأم خاور)، وتعلّم المبادئ الاولية لركوب الخيل والرماية.

 

* المرحلة الاولى من حياة روح الله (1281 – 1300 شمسي)
انقضت طفولة وحداثة روح الله متزامنة مع الازمات السياسية والاجتماعية في ايران. ومنذ بداية حياته كان يتألم لآلام الناس ومشكلات المجتمع، وكان يعبّر عن تأثره بالخطوط والرسوم، وبنى نفسه برفقة أفراد الأسرة والاحبة في خندق الدفاع، وأضحى مجاهدا ً من الطراز الأول في خضم الاحداث والتطورات. وأن بعض الاحداث المستوحاة من هذه المرحلة نظير قصف البرلمان بالمدافع، انعكست في رسومه وخطوطه خلال مرحلة الطفولة والحداثة والتي لازال بعضها محفوظاً ومنها مقطوعة شعرية في دفتر ملاحظات مرحلة الحداثة (9 – 10 سنوات) بعنوان: (أين الحمية الاسلامية، اين الحركة الوطنية) يخاطب فيها الشعب الايراني:
يا أيها الايرانيون! أن ايران في مصيبة
بلاد داريوش يتلاعب بها نيقولا.

 


( كتاب الكوثر، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني ، الطبعة الاولى 1992، الجزء الاول، ص 615).

 

 


يمكن النظر الى هذه المقطوعة باعتبارها اول منشور سياسي أصدره روح الله في مرحلة الحداثة، وطبيعة هواجسه تجاه قضايا الوطن.. ان مشاعر روح الله تجاه الابطال والمناضلين قد بلغت حدا ً حتی أنه في (ثورة الغابة)، وفضلا ً عن الخطابة و نظم الشعر في وصف ميرزا كوجك خان _ قائد الثورة _، بادر الى جمع التبرعات الشعبية لدعم الثورة و أن يقرر في نهاية المطاف الالتحاق شخصيا ً بالثورة. وكلما سنحت له الفرصة کان يزور الغابة ويشاهد مقر الميرزا عن كثب.


(الخميني روح الله، الدكتور علي قادري، تعریب منير مسعودي، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام، الطبعة الثالثة، ربيع 2003، ص 232 – 236).

 



دراسة روح الله
نظرا ً لما كان يتمتع به روح الله من فطنة وذكاء خارق، استطاع أن يسمو في مدارج مختلف العلوم بسرعة فائقة. وفضلا ً عن الفقه والاصول والفلسفة، درس العرفان في أرفع مستوياته لدى اساتذة مبرزين آنذاك في خمين واراك وقم.
وأثناء دراسته في اراك، وكان حينها في سن التاسعة عشرة، ألقى روح الله اولى خطاباته في مراسم تأبين آية الله الطباطبائي احد قادة الحركة الدستورية (المشروطة)، ونال اعجاب واستحسان الحضور.. كان الخطاب في الحقيقة منشور سياسي في تثمين وتقدير جهود وخدمات رائد الحركة الدستورية باسم الحوزة العلمية في اراك، تمت قراءته من قبل احد طلبة العلوم الدينية الشباب. وفي هذا الصدد يتذکر سماحة الامام خاطرة موضحاً: (... اقترحوا عليّ أن أرتقي المنبر، فرحبت بذلك.. لم أنم تلك الليلة، ليس خشية من مواجهة الحضور، وإنما كنت أفكر مع نفسي بأنه ينبغي لي غدا ً أن أجلس على منبر رسول الله. ابتهلت الی الله أن يعينني حيث سأرتقي المنبر لأول وآخر مرة . لن ألقي خطابا ً لا أؤمن بجملة واحدة منه. وكان ذلك بمثابة عهد قطعته مع نفسي ومع الله.. كان الخطاب طويلا ً إلاّ أنه لم يبعث على ضجر أحد... بل كان البعض يردد: أحسنت... أحسنت. وعندما عدت الى قلبي رأيته سعيدا ً بهذا الاستحسان، ولهذا رفضت الدعوة الثانية والثالثة، وعلى مدى اربع سنوات لم أرتق منبرا ً).


(الخميني روح الله، تأليف الدكتور علي قادري، تعريب منير مسعودي، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام، الطبعة الثالثة، ربيع 2003، ص 260 ).

 

 
* المرحلة الثانية من حياة روح الله (1300 – 1320 شمسي)
بدأت هذه المرحلة من حياة روح الله بالهجرة الى مدينة قم، وتزامنت مع سياسات رضاخان _ والد الشاه محمد رضا بهلوي _ المعادية للدين، واستمرت حتى عام 1320. وخلال هذه الفترة كان روح الله منشغلا ً بالدراسة والتدريس والتأليف والتعرف على كبار العلماء المناضلين امثال الحاج السيد نور الله الاصفهاني والسيد حسن المدرس وغيرهم من كبار العلماء البارزين. وخلال هذه الفترة من الكبت والاضطهاد من حكم رضاخان، كان هدف العلماء المحافظة على حوزة قم وصيانتها. وأن اهمية هذه الخطوة يومئذ لا تقل عن تأسيس الجمهورية الاسلامية في عام 1979.

 



* المرحلة الثالثة من حياة روح الله (1320 – 1340 شمسي)
تبدأ هذه المرحلة من حياة الامام في سن الاربعين، والتي تزامنت مع حادثتين هامتين: اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال ايران، وخروج رضاخان من ايران وبداية حكم محمد رضا. وكان الامام يؤمن بأن هذه الفترة تشكل فرصة مناسبة للقيام بحركة اصلاحية.
وعلى الرغم من كل الجهود والتحركات التي قام بها سماحة الامام (قدس سره)، لم تتحقق النهضة الاصلاحية المنشودة.. و في هذه المرحلة، الامام عالم فذّ جامع للشرائط، وقائد محنّك ذو فكر ورؤية سياسية، وخبرة عشرين عاما ً من حكم رضاخان حيث يحتفظ باحاطة كاملة عن أوضاع ايران والعالم، ولهذا ومن خلال اصدار منشور – في 11 جمادي الأول 1363 للهجرة / الخامس من أيار 1944 – كان يرى الوقت مناسبا ً للنهوض والتحرك حيث يقول: (اليوم يوم هبّ فيه النسيم المعنوي الإلهي، وهو أفضل الأيام للقيام من أجل الاصلاح. فاذا ضيعتم الفرصة ولم تقوموا لله، ولم تدعوا للشعائر الدينية، فسوف تتسلط عليكم في الغد شلّة من الزناة المتهتكين وتجعل من دينكم وشرفكم لعبة لنوازعهم الباطلة).

 

(صحيفة الامام، الجزء الأول، الصفحة 44).

 



* المرحلة الرابعة من حياة روح الله (1340 – 1368 شمسي)
بدأت هذه المرحلة بالتزامن مع حادثتين مؤلمتين، الاولى وفاة آية الله السيد البروجردي (30 مارس/ آذار 1961)، التي شكلت خسارة كبيرة للعالم الاسلامي، وفي الوقت نفسه كانت بمثابة زوال عقبة كأداء بالنسبة لأعداء ايران والاسلام. والثانية وفاة آية الله الكاشاني بطل النضال ضد الاستعمار البريطاني الذي كان اسمه يرعب اعداء ايران والاسلام. وتزامنا ً مع فرض الهيمنة الاميركية على البلاد، تزايدت الضغوط على النظام لتنفيذ الاصلاحات الاميركية ممثلة في الاصلاح الزراعي ولائحة مجالس الاقاليم والمدن التي کانت تبدو في الظاهر لصالح المواطنين، غير أنها كانت تنذر في الخفاء عن اتحاد مشؤوم وهيمنة اميركا واسرائيل وأياديهما على كافة شؤون البلد. وفي هذه الفترة حاول الامام التصدي للاصلاحات الاميركية بكل حزم. وفي المقابل حاول النظام الشاهنشاهي تلافي ذلك من خلال الهجوم على المدرسة الفيضية في الثاني من فروردين عام 1342 (شمسي) الذي اقترن مع ذكرى استشهاد الامام جعفر الصادق (عليه السلام). وخلال هذه الحادثة استشهد عدد من طلبة العلوم الدينية ورجال الدين وجرح آخرون. وفي خطاب ألقاه الامام بمناسبة مرور أربعين يوما ً على مجزرة الفيضية، قال سماحته: (أنني عاقد العزم بأن لا يهدأ لي بال حتى تأديب الجهاز الفاسد)... ألقى الامام خطابه التاريخي في المدرسة الفيضية في الثالث عشر من خرداد عام 1342 شمسي) ، و في المقابل اصدر الشاه اوامره باسكات صرخة الامام. وفي ليلة الرابع عشر من خرداد تم اعتقال الامام ونقله الى سجن (قصر) في طهران. وصباح يوم الخامس عشر من خرداد وصل خبر اعتقال الامام الى اهالي طهران والمدن الأخرى، فنزلت الجماهير الى الشوارع تهتف (إما الموت أو الخميني) في مسيرات متجه صوب قصر الشاه. فتم التصدي للانتفاضة بالحديد والنار وسالت الدماء. وخف لهيب انتفاضة (الخامس عشر من خرداد 1342 ) في الظاهر مع نفي قائد الثورة الى تركيا ومن ثم الى مدينة النجف بالعراق.
وجاء الحادث الغامض باستشهاد السيد مصطفى نجل الامام في عام 1356 (شمسي) ليمد الحركة بروح جديدة. وفي 17/10/1356 نشرت صحيفة (اطلاعات) مقالا ً يسيء الى سماحة الامام وعلماء الدين، فأثار موجة من الاحتجاجات العارمة في اوساط المجتمع الديني التي أسفرت عن قيام 19/10/1356. وكانت مراسيم تأبين الشهداء بمناسبة مرور أربعين يوما ً على استشهادهم في قم، بمثابة رسالة تواصلت في تبريز واصفهان ويزد وشيراز ومدن أخرى، وأدّت الى مجزرة السابع عشر من شهريور 1357 البشعة. وتواصلت هذه الاحداث حتى هروب الشاه من البلاد وعودة الامام الى أرض الوطن..
استمعت الجماهير الى الخطاب التاريخي لإمامها في (جنة الزهراء) بعد استقبالها لسماحته استقبالا ً منقطع النظير، ورحبت بكل كيانها بالقرار المصيري الذي اصدره سماحته في (21 بهمن 57) والقاضي بإلغاء الاحكام العرفية التي فرضها النظام. ومع نزول الجماهير المضحية بأمر من الامام الى الشوارع والتواجد في المناطق الحساسة من العاصمة على مدار الساعة لإفشال أي هجوم لقوات النظام، تداعت مخططات الانقلابيين وفقدوا اية فرصة في نجاح انقلابهم. وفي النهاية تنادی الى اسماع العالم انتصار انتفاضة الخامس عشر من خرداد ليلة الثاني والعشرين من بهمن 1357 (11 شباط / فبراير 1979).
ومنذ صبيحة الثاني والعشرين من بهمن1357 وحتى الثالث عشر من خرداد 1368 شمسي– 3 حزيران 1989 – (رحيل الامام)، واجهت الثورة الاسلامية وقائع واحداث عاصفة لا تحصى وقفت وراءها اميركا والقوى الغربية بمساعدة الفئات والاحزاب اليسارية واليمنية داخل ايران. و کانت هذه الوقائع والاحداث بدرجة من السعة لا يتسع المجال لذكرها هنا، ويمكن القول في جملة واحدة أن كل واحدة من هذه الحوادث كان بامكانها أن تحرف مسار الثورة وتودي بها الى الهزيمة. غير أن الالطاف الالهية وحنكة الامام ووفاء ووعي الشعب الايراني، أحبطت كل هذه الدسائس والمؤامرات، حتى أن الحشود التي جاءت لتوديع جثمان امامها الطاهر عام 1989 بعد احد عشر عاما ًمن الصعاب والمعضلات، فاقت الحشود التي شاركت في استقبال سماحته لدى عودته الى الوطن الاسلامي اضعافاً مضاعفة. ان حبّ الجماهير وثباتها أضحى اكثر عمقا ً، واصرارها على مواصلة نهج الامام والثورة أمسى اكثر جدية، وأن نظامها الاسلامي بات اكثر استقرارا ً وثباتا ًرغم كل المؤامرات والاحداث.. سعدت روحه الطاهرة وتعاظم السائرون على نهجه.