* السبت 13 خرداد، الساعة 10:23
حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً حدثت بعض التغييرات في شريط تخطيط قلب الامام، فكانت مثار قلق وخوف بالنسبة للاطباء، حتى أني قلت للحاج السيد أحمد _نجل الامام _ الذي كان حاضرا ً هناك، بأن الوضع لا يطمئن، ومن الافضل أن يكون بالقرب من سماحته لوقت أطول، وإذا كانت ثمة ضرورة فليتحدث اليه، لأن هذه اللحظات لحظات غالية يجب أن لا يفرط بها.. استمر الوضع على هذه الحالة.
كان ضغط الدم منخفضا ً ولم يكن يستجیب للعلاج. كان يتم قياس ضغط الدم بشكل مستمر عن طريق شريان الساعد بواسطة جهاز قياس الضغط كل دقيقة، وكان ينخفض باستمرار، غير أن الامام كان يحتفظ بوعیه. ففي هذا اليوم كان قد صلى صلاتي الظهر والعصر، واستمر هذا الوضع حتى الساعة الثالثة عصرا ً، وفي هذه الساعة انتابت الامام نوبة قلبية وتوقف قلبه عن العمل. وعن طريق الصدمات والتنفس الصناعي عاد القلب ينبض من جديد، واستمر بالتنفس عن طريق الجهاز الصناعي. وقد وضع جهاز على صدره يساعد في تقوية نبضان القلب.
الامام كان فاقدا ً للوعي تقريباً، ولكن كان يبدو أن وعيه قد عاد اليه الى حدما بعد ساعات. وكانت تبدو عليه استجابة ما، غير أن الوضع كان متأزما ً ومأيوساً منه، واستمر هذا الوضع حتى الساعة المشؤومة (10:23) من مساء يوم السبت الثالث عشر من خرداد، حيث انخفض ضغط الدم اكثر فأكثر بالتدريج ووصل الى أدنى درجاته وتوقف قلب الخميني العزيز النابض عن النبض.
(الدكتور إيرج فاضل، رئيس الفريق الطبي المعالج للامام الخميني)
***
حكاية ذلك العارف !
أتذكر كنت يوما ً عند الامام فحكى لي حكاية عن احد العرفاء لا تذكر اسمه الآن. قال الامام: (كانت الأيام الاخيرة من عمر ذلك العارف وكان قد اختلى مع نفسه. رأى أنه استطاع أن يتخلص من كل تعلقاته الدنیویة لينتقل الى معبوده. اي لم يعد مشدودا ً الى شيء إلاّ أن شيئاً واحداً كان يحول دون إلتحاقه بمعبوده، وكان ذلك عبارة عن طفل صغير ضمن افراد أسرته كان يحبه و متعلقا ً به الى حد كبير، وكانت هذه العلاقة لا تدعه أن يتخلص منها كي يتمكن من الالتحاق بالرفيق الاعلى...).. مرّت فترة حتى أدركت فحوى هذه الحكاية، لأنه لم يتكلم سماحته اعتباطاً مطلقاً.. مرّت الايام حتى حلت أيام مرض الامام، وكان الاطباء يوصون أسرة الامام بأن يتحدثوا مع الامام على الدوام لأنه يساعد في تحسن حالته. وفي احد الايام ذهبت الى عند الامام فرأيته مكتئبا ً. حاولت أن اعمل بوصية الاطباء وأدخل الفرحة الى قلب الامام، فقلت له: آتي لكم بعلي؟ _ حفيد الامام _ فقال: كلا، لا تأتي به لأنه يتأذى! الطفل ينزعج!. أصريت عليه وذهبت وجئت بعلي.. قبّل علي وجّه الامام، فرأيت عيني الامام إغرورقت بالدموع، غير أنه لم يقبل عليّ! وكان ذلك ملفتا ًبالنسبة لي لأنه لم يسبق للامام أن امتنع عن تقبيل علي في مثل هذه الحالات !. ففي الايام السابقة كل يوم كنا نأتي بعلي وكان الامام يقبله. وكان يسأل عنه دائما ً وكان يقول: إذا استيقظ علي هاتوه! فما الذي حصل حتى يقول في اليومين الاخيرين الباقيين من عمره، لا تأتوا بعلي الى المستشفى لأنه يتأذى؟!. في تلك اللحظة انتبهت الى تلك الحكاية التي ذكرها عن ذلك العارف. إذ أن الامام كان يدرك تماما ً بأن منيته قد حانت، واراد أن يتخلص من آخر تعلقاته بهذه الدنيا في الايام الاخيرة من عمره.
(الدكتورة فاطمة طباطبائي عقيلة السيد احمد الخميني)
***
* إنها النهاية
قبل اسبوعين من اجراء العملية الجراحية اشتدت في احدى الليالي آلام القلب لدى سماحته، فذهبت أنا واثنين من الاطباء واثنين من الممرضات الى عند الامام، وبدأنا بالفحوصات على وجه السرعة. وفيما كان الامام مستلقيا ً على السرير، وأثناء محاولة قياس ضغط الدم ، قال: ( لكل شيء نهاية وهاهي النهاية). فأجبته: (سيدي لاتقل هذا الكلام، إنكم سوف تعمرون طويلاً إن شاء الله). لقد قلقنا جميعا ً. وعاد الامام ليقول ثانية: (أنها النهاية).. عندما عدّنا بكت الممرضتان كثيراً، غير أن احد الاطباء حاول تهدئتهما وراح يأول ويفسر كلام الامام موضحاً : ربما كان يقصد الامام أن المرض سيزول وان حالته سوف تتحسن كثيراً. كانت هذه المرة الاولى التي يتكلم فيها الامام بهذا الكلام ويبدو أنه ينعى لنا نفسه. وفي احد الايام أيضاً وفيما كان في طريقه الى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات ، وعندما وصلنا الى شجرة التوت هذه (في المنزل) كرر هذه العبارة أيضاً: (إنها النهاية).
(سيد رحيم ميريان، مقتطفات من سيرة الامام الخميني، الحزء 1، ص 304).