رابطة(جامعة) البلدان الاسلامية

العقبات والحلول

الكاتب: سيد عباس هاشمي

1. من الممكن ان يكون للاتحاد مصادر فكرية،عقيدية،اقتصادية،سياسية بل وحتى اجتماعية ؛ ومن الممكن ان يشكل المجتمعات البشرية او مختلف الافراد ويؤسس لذلك،وبالتالي أن يختصر المسافة الى الاهداف تحت لواء الرابطة . وقد تشكلت الرابطات في ظل "المصالح المشتركة" دوماً وقد تكون هذه المصالح المشتركة ثقافية،عقيدية،أو اقتصادية ،سياسية.
وقد وسعت الزيادة المتنامية للحاجات والمطالب البشرية في عالم اليوم و نمو مستوى الرفاهية في ظل التكنلوجيا الحديثة من وجود مجالات التبعية المتبادلة والمتعددة الجوانب . وتؤدي ارضيات التبعية المتبادلة هذه الى تأسيس المنظمات او الآليات التي تمثل جواً آمناً ومستمراً لتلبية الحاجات البشرية.


2. يرى البعض ان (العولمة) تسلتزم قبل كل شيء تحول العالم الى "اقليم واحد" وتأسيس رابطات كبيرة بين بلدان المنطقة في العصر الراهن في هذا المجال نفسه. وعلى هذا الاساس فإن العولمة ليست عولمة كل المناطق بخصوصيات مختلفة؛ بل ان العولمة هي تعميم الحاجات والمطالب والمصالح في المناطق والبلدان التي تتمتع بخلفيات وتاريخ مشترك وهذه المشتركات تمهد الطريق للائتلافات والاتحادات وتوحد الشعوب المختلفة لتحقيق المصالح والآمال والاماني المشتركة.


3. بإمكان "الهوية" الإسلامية بين البلدان المسلمة أن تكون محوراً وهدفاً مشتركاً لتحقيق الاتحاد بين البلدان الاسلامية وتوحيد البلدان المسلمة في ظل المعتقدات والقيم الدينية وتمهد الطريق لتحقيق" رابطة البلدان الاسلامية" عبر التأكيد على المشتركات الدينية . وقد كان لعنصر الهوية دور مهم في تشكيل هذه الرابطة وفي تشكيل الكثير من الرابطات والجامعات الحالية . ولكن يجب ان لانغفل ابداً عامل"الهوية" في استقرار هذه الجامعة . فالاحساس بالاصل الاوروبي هو احساس مشترك يسود بين البلدان الاوروبية ضعيفها وقويها ويؤكد الكثيرون فيما يتعلق بالاختلافات والنقاشات المتعلقة بضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي على أن تركيا هي بلد آسيوي عديم الهوية الاوروبية ؛ رغم أن قسماً من اراضيها يقع في القارة الاوروبية. ولذلك نرى الى أي مدى استطاعت الهوية والاحساس المشترك بالانتماء الى اوروبا أن تؤثر في تأسيس "الاتحاد الاوروبي" . وهنالك ايضاً بين البلدان الاسلامية إحساس وهوية اسلامية بشكل محسوس . ورغم ان الاعلام السلبي لوسائل الاعلام العالمية من اجل الاساءة الى الهوية الاسلامية تسعى منذ سنوات من خلال تضخيم الاختلافات من اجل تقديم صورة مظلمة عنها ؛إلا أن "الاحساس بالانتماء الى الاسلام" و"الهوية الاسلامية" مايزال متنامياً بين المسلمين يوماً بعد آخر .وهذا الاحساس يكون اكثر بروزاً وظهوراً عندما يكون في مقابل غير المسلمين . ولذلك فإن "الهوية" من شأنها أن تكون عنصراً اساسياً للوصول الى " رابطة البلدان الاسلامية" ؛شريطة ان لايكون بمقدور الاختلافات اللغوية،القومية،الاقتصادية وحتى الاقليمية ان تمنع ظهور الاحساس بـ" النحنية" والهوية الاسلامية . ومن جهة اخرى فإن معلومات الشعوب المسلمة حول هذه الهوية، يمكن ان تهيء ارضية مناسبة لمظاهر التوحد والانسجام بينهم.


4. بالاضافة الى عنصر الهوية، فإن وجود الارضيات الافتصادية والمالية بامكانها هي ايضاً ان تكون عاملاً مهماً ومؤثراً في تشكيل "رابطة البلدان الاسلامية" . وقد حصلت اليوم الكثير من البلدان الاسلامية على التكنولوجيات التقنية المؤثرة حيث إن بإمكانها ان تسهم بشكل مؤثر في مساعدة البلدان النامية عبر تبادل هذه التكنولوجيات والتقنيات .ومن جهة اخرى فإن الكثير من البلدان الاسلامية تتمتع بالموارد النفطية والغازية الغزيرة حيث إن الدورة الاقتصادية الصحيح لها بين البلدان الاسلامية يعتبر خطوة مؤثرة في التطور الاقتصادي لهذه البلدان ومن شأنه ان يهيء الارضيات الاقتصادية المؤثرة بينها . وإذا ما اتسع التعامل المالي والتجاري بين البلدان الاسلامية بالنسبة الى البلدان الاخرى واستطاعت هذه البلدان ان تقيم ميزاناً تجارياً على مستوى عال بينها ، فسوف تظهر تبعيات متبادلة حيث تتهيء نتيجة هذه التبعيات المتقابلة الارضية لإيجاد الوحدة الشاملة.
وفي الحقيقة فإن الوحدة الاقتصادية والسعي لتحقيق الاتحاد المالي، من شأنهما ان يكونا مؤثربن في الحد من الاختلافات الاقتصادية بين البلدان الاسلامية .ولا شك في أن هنالك بين البلدان الاسلامية ،بلداناً مختلفة ذات ارضيات و وامكانيات اقتصادية مختلفة حيث إن كلاً منها يتمتع بمقومات اقتصادية مهمة في العالم . ومن جهة اخرى فإن هنالك ايضاً بلداناً لا تتمتع بظروف مناسبة من الناحية الاقتصادية .ولذلك فإن اتساع التبادلات والتعاملات الاقتصادية بين البلدان الاسلامية من شأنه ان يسهم في تطوير كل البلدان الاسلامية فتتوفر بذلك امكانية التطور والتنمية للجميع من خلال النماذج والمقاييس الصحيحة.وفي حين أن البلدان الاسلامية بإمكانها ان توظف النموذج الاقتصادي الاسلامي للتعاملات والمعادلات التجارية والاقتصادية ، فإن الرضوخ للمقاييس والنماذج التي يمليها صندوق النقد الدولي والذي لايفكر الا في تطور ونمو الرأسمالية الغربية ،سوف يمنعها من تحقيق"رابطة البلدان الاسلامية" .


5. بإمكان "العملة المشتركة" بين البلدان الاسلامية ان تحد من الهيمنة التاريخية المالية للدولار . وقد تعرض النظام المالي العالمي الذي كان قد اعترف بالدولار على اساس معاهدة بيرتون وودز (woods Bertton) لأضرار فادحة على اثر التعامل بوحدة النقد الاوروبية منذ سنة 2002. ورغم ان معظم البلدان الاسلامية تستخدم الدولار في كل التعاملات التجارية والتبادلات الاقتصادية، فضلاً عن ان عدم ثبات قيمة الدولار من شأنه ان يفاقم في المستقبل المشاكل والتعقيدات الاقتصادية في هذه البلدان ،ولكن يبدو ان هنالك ظروفاً مناسبة قد ظهرت للاعلان عن " وحدة النقد الاسلامية" .ولذلك فقد وجدت البلدان الاسلامية ارضية مناسبة كي يكون بإمكانها من خلال توظيف الفرص المتاحة ان تنهي هيمنة الدولار الامريكي على اقتصاد بلدان العالم والتي استمرت للعديد من السنين.
وفضلاً عن ذلك فإن بإمكان البلدان الاسلامية من خلال الاستثمار والتبادلات التجارية بينها ان تهيء ارضيات الازدهار الاقتصادي في البلدان المسلمة ؛ وتحذر في نفس الوقت من الآفات والآثار السلبية للاستثمار الخارجي الذي تقوم به البلدان الغربية في البلدان الاسلامية وفضلاً عن ذلك فإن الائتلاف الاقتصادي من شأنه ان يؤدي دوراً مؤثراً في تحقيق الوحدة الاقتصادية والمالية بين الشعوب المسلمة واخيراً فإن ولادة المؤسسات الاقتصادية بين البلدان الاسلامية بإمكانها ان تنظم النشاطات الاقتصادية وتنسق بينها وبين هذه البلدان كي تحقق في المستقبل القريب ائتلافاً مالياً واقتصادياً كبيراً في العالم.


6. كما أن "السياسة الخارجية" الموحدة هي إحدى الارضيات المؤثرة التي من شأنها ان تسهل من عملية تأسيس "رابطة البلدان الاسلامية" . واستقرار السلام العالمي على اساس الايديولوجية البراغماتية الامريكية والتي تستخدم منطق التجربة والخطأ وتسعى لان تدفع البلدان الاخرى نفقات هذه التجربة والخطأ وتنفق ربح هذه المعادلة في تثبيت السلام العالمي ، لايمكنه ان يكون نموذجاً مناسباً للعلاقات الخارجية والعلاقات الدولية .ومن جهة اخرى فإن الوحدة في الرأي في السياسة الخارجية هي من الاسس الاولية للوحدة السياسية بين البلدان المختلفة . فقد كانت بلدان الاتحاد الاوروبي تبحث قبل الوصول الى "النظام النقدي الموحد" عن مشروع لوضع السياسات الخارجية المشتركة والتي توصلت اليها منذ سنين واستطاعت من خلال آلية معيّنة ان تنسق السياسات الخارجية الاستراتيجية بين الاعضاء . كما أن في العالم الاسلامي موضوعات كثيرة تتفق عليها معظم البلدان الاسلامية في الرأي ؛ ولكنها لاتتمتع بالكفاءة اللازمة لانها لا تطرح في العالم بشكل منسق وموحد . وموضوعات من مثل حكومة اسرائيل الغاصبة ، سياسة التدخل الامريكي ،دعم الشعوب المسلمة المظلومة وغير ذلك هي قضايا يمكن ان تنضوي في اطار وضع السياسات الخارجية الموحدة.


7. إيجاد الوفاق بين الاتجاهات الفقهية والكلامية في العالم الاسلامي ، من شأنه يحد من النزاعات والصراعات التقليدية بين الشيعة والسنة ( المذهب الحنبلي والمالكي وغيرهما) ويوحد المسلمين تحت مفهوم اسمى واشمل مثل الاسلام . والوحدة بين المذاهب الاسلامية لا تعني تجاهل الاختلافات القائمة بين المذاهب او غض النظر عنها ؛ بل إن المهم العثور على اسلوب وآلية للتعايش والتعامل بين المذاهب الاسلامية .والكثير من اعداء التقريب بين المذاهب الاسلامية يعملون على إغلاق طريق الاتحاد الاسلامي من خلال استغلال الاختلافات العقيدية والفقهية بين المذاهب الاسلامية حيث استطاعوا بالفعل تحقيق الكثير من النجاحات .ولكن نمو وعي الشعوب المسلمة من شأنه ان ان يقلل المسافات والفجوات ويتخذ موقفاً واحداً إزاء مصير العالم الاسلامي في محيط حر يخلو من الهاجس القومي ،اللغوي والتعصبات التقليدية . ولذلك يبدو من الضروري العثور على لغة بإمكانها ان تقرب بين المذاهب الاسلامية من الناحية العملية وتبرز المشتركات بين المذاهب وتؤكد عليها وتحد من الاختلافات بين المذاهب على مستوى الاختلافات الفقهية والكلامية . ولا شك في ان العثور على سبل التعاون بين المذاهب الاسلامية من شأنه ان يكون مؤثراً في إزالة سوء الفهم و الاستنتاجات التقليدية الخاطئة بينها و يؤدي بالتالي الى ايجاد رابطة البلدان الاسلامية.


8. إذا كانت العلاقات بين البلدان الاسلامية قائمة على وحدة العقيدة ،وحدة القبلة،الكتاب السماوي والمشتركات الاخرى، فإنها ستقلل من ارضيات الاختلاف؛ الاختلافات التي يمتد جذور الكثير منها في الطبيعة،الجغرافيا، الثقافات المحلية والتنوعات الطبيعية .وبناء على ذلك فإن هذه التنوعات الطبيعية لا ينبغي ان تتخذ ذريعة للاختلافات والانشقاقات وان تفسر اعمال هذه البلدان وسلوكياتها على انها عدائية . وقبل كل شيء ، فإن كان التعاون الدولي بين البلدان الاسلامي مقروناً بحسن النية وحسن التفاهم والادراك العميق للحاجات والمطالب ،فإن من شأنه ان يكون مؤثراً في ايجاد الوحدة الدولية.وقد أظهرت تجربة تشكيل الرابطات الاقليمية ان الخطوة الاولى في تشكيل هذه الرابطات ،تنظيم العلاقات الودية والتعاون المتبادل بين هذه البلدان وفي ظل التعاون المتعدد الجوانب يمكن تمهيد الطريق الوعر المتمثل في تشكيل الرابطة الاسلامية .


9.واخيراً فإن السعي لتأسيس "رابطة البلدان الاسلامية" في العالم الذي لم يقدم فيه نظام القطبين او القطب الواحد إجابة مناسبة للتحولات العالمية فأصبح مشروع العولمة الآن البديل عن الاساليب القديمة ، سيكون سعياً مبارك ومتميزاً وسيحقق الآمال والافكار العريقة التي كان الكثير من المفكرين والعلماء المسلمين ينتظرونها طيلة التاريخ الاسلامي .إن عالم اليوم الذي يعرف بخصوصية "العولمة" ،قد وسّع من ساحات المنافسة اعتباراً من المجالات الاقتصادية والسياسية وحتى المجالات الاجنماعية والفنية والثقافية وهنالك حاجة الى الاتحاد من اجل لـ"البقاء" و"التقدم" في هذه المنافسات المعقدة ، والسعي من اجل تأسيس "رابطة البلدان الاسلامية" هو جواب ايجابي لتأمين الحاجات المادية والمعنوية والفكرية للعالم الاسلامي.