معضلات العالم الاسلامي ومشاكله

الکاتب: ناصر مظاهري طهراني

المقدمة
يعاني العالم الاسلامي اليوم على المستويات المختلفة والأبعاد المختلفة السياسية والإقتصادية وغيرها من معضلات ومشاكل عديدة تسببت  بها في الغالب القوى الكبرى والحكومات الاستعمارية بهدف الحيلولة دون نفوذ الإسلام وانتشاره على مستوى العالم واستمرار نهب موارد الشعوب المسلمة وذخائرها. وما العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الواسعة ضد البلدان المسلمة ،الإعتداءات العسكرية وارتكاب المذابح بحق المسلمين نهب الأموال والموارد الطبيعية ،الغزو الثقافي وإغفال الشباب سوى جانب من من المصائب التى ابتلي بها مسلمو العالم . ولاشك في أن خلاص المسلمين والحكومات الاسلامية من الوضع الحالي يستلزم المعرفة والدراسة الدقيقة للمعضلات والمشاكل القائمة وإزالة كل الموانع عن طريق تكامل المجتمعات المسلمة وتناميها .
ويمكن طرح دراسة هذه المشاكل وتحليلها مع الأخذ بنظر الاعتبار آراء محيي الفكر الاسلامي الأصيل في العصر الحالي من جوانب وابعاد مختلفة حيث إن هذا الموضوع المهم حظي باهتمام بعض الباحثين آخذين بعين الاعتبار المشكلات والعوامل الداخلية والخارجية ،المجالات الثقافية والسياسية المختلفة . وفي مطلع هذا الإصدار الخاص سوف نتناول باختصار في ثلاثة أقسام مصائب العالم الاسلامي ومشاكله من وجهة نظر الامام:


أ) حقيقة مشاكل العالم الاسلامي وماهيتها
بالتظر الى ان الاسلام هو من منظار الامام: 1- مذهب شمولي وذو رسالة عالمية حيث قدم برنامجاً كاملاً وشاملاً لتوجيه وإدارة كل الشؤون المادية والروحية للبشر بغض النظر عن الفروقات القومية والعرقية وغيرها وأن 2- الإسلام الحقيقي يلبي كل الاحتياجات البشرية وقادر على تأمين منافع البشرية وسعادتها في هذا العالم المادي والآخرة ،فإن أهم مشكل المجتمعات البشرية وخاصة البلدان الاسلامية والتي تصدر منها المعضلات الاخرى بنحو من الأنحاء هي: عدم الاهتمام بالله تعالى والاعتماد عليه وعلى الامور المعنوية ، عدم المعرفة والإدراك الحقيقي لتعاليم الاسلام في أبعاده وعدم العمل بالأوامر والأحكام الإسلامية.
وعلى المدى البعيد لفكر الامام فإن حل أكثر مشاكل العالم المعاصر تعقيداً يتوقف على الإيمان الحقيقي بالذات الربوبية الواحدة . فإذا دخل الايمان بالله والعمل لله في النشاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وشؤون الحياة الاخرى للبشرية فسوف تحل أعقد المشاكل الراهنة للعالم بسهولة " نحن نؤمن بأن المذهب الوحيد الذي يمكنه قيادة المجتمع والمضي به الى الامام هو الإسلام وإذا أراد العالم الخلاص من وطأة آلاف المشاكل التي يعاني منها اليوم وأن يعيش بشكل إنساني فإن عليه أن يتجه الى الإسلام " (صحيفة الإمام ج5ص437) وقد أعلن الامام في رسالته التاريخية الى رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك قائلاً: حضرة السيد غورباتشوف إن مشكلة بلدك الرئيسة ليست مشكلة الملكية والاقتصاد والحرية بل إن مشكلتكم عدم الاعتقاد الحقيقي بالله . وهي نفس المشكلة التي جرت الغرب ايضاً الى الابتذال والطريق المغلق أو سوف تجره (صحيفة الامام ج 21ص221) وفي ظل هذا الفكر نفسه إعتبر الإمام أن أهم مشاكل البلدان الاسلامية وأكبرها هي الابتعاد عن الإسلام وتعاليم القرآن الكريم.


ب) كيفية ظهور المشاكل
   تعد كيفية ظهور المشاكل وطرق نفوذها في المجتمعات الاسلامية المحور الأساسي الثاني في تحليل معضلات العالم الاسلامي والملاحظة التي تستحق التأمل في فكر الإمام التفاته الى مستوى خلق الافراد للأدوار بلحاظ مكانتهم ومركزهم كرؤساء عشائر ،ممثلين لمجموعة من الشعب،رؤساء جمهوريات أو حكام للمجتمعات على المستويات المختلفة الوطنية الاقليمية أو خارج النطاق الوطني . ويرى الامام أن تعاسات المجتمعات البشرية وسعاداتها ومشاكلها تكمن في " البشر"و"الأفراد"أنفسهم مع الاخذ بنظر الاعتبار نظرته المتدرجة الى عالم الوجود ومكانة الانسان باعتباره أول الاجزاء المكونة للتجمعات البشرية.
والبشر هم المصدر الرئيس للتغيير والتحولات الإجتماعية وحدوث المعضلات والبلايا البشرية بالنظر الى مدى قربه أو بعده عن الذات الإلهية الأزلية ومدى انتفاعه من المعارف الحقة واكتساب الفضائل الخلقية والابتعاد عن الرذائل .وكل إصلاح يكون منطلقه الإنسان نفسه (صحيفة الإمام ج 15ص491) ومبدأ كل الاخطار للإنسان هو الإنسان نفسه كما أن مبدأ الإصلاح يجب ان يبدأ من الانسان نفسه (صحيفة الإمام ج 17ص193) وكل بلاء ينزل على الانسان أو المجتمع أو يراه المجتمع بسبب الأقوياء يكون حسب فكر الإمام على أثر هوى النفس والأنانية . وفي هذا الاطار،فقد تم بيان تأثير الافعال والسلوكيات البشرية غير المهذبة في حدوث المشاكل والبلايا للمجتمعات البشرية في العبارات التالية مع الأخذ بنظر الإعتبار مكانتها ومسؤوليتها ونطاق تأثيرها على المستويات الوطنية والاقليمية والعالمية المختلفة:
" سبب جميع البلايا التي تعاني منها الشعوب أنها لم تقم بتزكية نفسها إن مصدر كل هذه الابتلاءات في كل مكان هو أن أولئك الذين يتولون امور الشعوب لم تتم تزكيتهم "(صحيفة الإمام ج 9ص135) . " لقد أوصلتنا الأنانية وترك القيام لله الى هذا المبلغ من التعاسة فتغلب علينا العالم كله وجعل البلدان الاسلامية تحت نفوذ الآخرين لقد كان المسلمون والاسلام مبتلين بالأهواء النفسية منذ البدء وكان مصدر هذه الابتلاءات التي نعاني منها الأهواء النفسية"  (صحيفة الإمام ج1ص22)...
وتمكن الإشارة من منظار آخر في تحليل كيفية ظهور المشاكل في العالم الإسلامي الى مجموعتين من العوامل الداخلية والخارجية في حدوث المشاكل في المجتمعات المسلمة ويرى مؤسس جمهورية ايران الإسلامية أن المصدر الرئيس لمشاكل الأمة الإسلامية تدخل الأجانب والقوى الاستعمارية في مقدرات البلدان الاسلامية وبالطبع فإن ذلك يتم عبر العملاء الداخليين المرتزقة . " كل بلايا المسلمين بسبب القوى الكبرى وتحريضها لعملائها في المناطق وكل البلايا التي يعاني منها المسلمون بسببهم ومالم ينجوا منهم فإن المشاكل لاتزول" (صحيفة الامام ج17 ص208)
وقد اشار الامام في معرض حديثه عن العوامل الداخلية المعضلات البلدان الاسلامية الى اسباب مثل عمالة رؤساء الحكومات الاسلامية وتبعيتهم للقوى الكبرى ،عدم اهتمام المسؤولين الحكوميين بمشاكل المسلمين ،الإختلاف بين رؤساء الحكومات الاسلامية ،عدم التفاهم والانسجام بين الحكومات المسلمة والشعوب، تفرق المسلمين وعدم اتحادهم وضعف إدارتهم . وقد رأى في كلمة له أن أهم المشاكل الداخلية للبلدان الإسلامية متفرعة من أمرين أساسيين:
" أرى أن مصدر المشاكل التي تعاني منها البلدان الاسلامية، مشكلتان؛ إحداهما المشكلة بين الحكومات والشعوب حيث إن الحكومات منعزلة عن شعوبها حسب الاسم، أي لا الحكومة تعتبر نفسها من الشعب ولا الشعب يعتبر نفسه من الحكومة . ومفتاح هذه المشكلة بيد الحكومات ، وإذا ماكانت الحكومات بشكل بحيث يشعر الشعب بأنها خادمة له فستكون الشعوب مستعدة للتعاون ...والمشكلة الثانية التي هي ايضاً من المشاكل الاساسية للحكومات والشعوب المسلمة ؛المشكلة بين الحكومات نفسها . وفي نفس الوقت الذي دعا فيه الإسلام الى الاتحاد ،واعتبر القرآن الكريم المسلمين والمؤمنين اخوة ، نرى في نفس الوقت أن هنالك اختلافات بين بعض الحكومات الاسلامية وبعضها الآخر . فلماذا يجب أن لاتذعن حكومتان اسلاميتان – كلتاهما اسلاميتان، وكلتاهما تعودان الى ظاهرة واحدة هي الظاهرة الاسلامية ،ومنتميتان الى حقيقة واحدة ، وقرآنهما واحد ،ونبيهما واحد – لدعوة الإسلام ؟ في حين أنها لصالحهما. وإذا ماقبلت هذه الدعوة واتحدت الحكومات الاسلامية مع بعضها البعض ، ولو على صعيد حفظ حدود بلدانهم، ولكن توحّدت، لو حصل هذا الاتحاد ، فحينئذ سيكون مليار نسمة من المسلمين قوة كبرى أكثر وأكبر من كل القوى . رغم أنهم مجهزون بالإيمان الذي هو أكبر من كل التجهيزات.
إن هاتين المشكلتين اللتين تحدثت عنهما بكل مجمل ؛ هما الاساس الاكبر للمشاكل التي يعاني منها المسلمون وإذا ما حلت هاتان المشكلتان ،فسوف تحل كافة مشاكل المسلمين ، ويعود ذلك المجد الذي كان للمسلمين في صدر الإسلام". (صحيفة الامام ج10 ص486)


ج) سبيل علاج معضلات العالم الاسلامي
   إن الدراسة الدقيقة لأزمات العالم الإسلامي ومعضلاته وتحليل كيفية ظهورها ونموها في مجتمعاتنا الاسلامية سوف يدلانا على طرق الخلاص منها أيضاً. واستناداً الى الاسس المذكورة ،فإن العودة من جديد ،حسب فكر الامام بشأن أهم عوامل حدوث المشكلات، الى نفس تلك الاصول المحورية في سعادة البشرية ونموها هي العلاج الوحيد للآلام البشرية للشعوب المسلمة ومظلومي العالم ." فمالم نعد الى الإسلام إسلام رسول الله مالم نعد الى اسلام رسول الله فإن المشاكل ستبقى على حالها"(صحيفة الامام ج13ص89).
" لو عمل المسلمون بهذه الآية الواحدة فقط" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" لحلّت كل مشاكلهم الاجتماعية والسياسية الاقتصادية وكل امورهم دون التشبث بالغير"(صحيفة الإمام ج13ص275)
ويعتبر الامام ،استناداً الى ارضيات ظهور المشاكل في العالم الإسلامي، عوامل مثل : الاهتمام بتعاليم القرآن والاعتماد على الإسلام،إحلال الثقافة الإسلامية محل الثقافة الأجنبية والاستعمار ،إتحاد المسلمين واتفاقهم مع الحكومات الاسلامية ،تجنب الاختلافات،يقظة الحكومات الإسلامية، كسب رؤساء البلدان الإسلامية لقلوب الشعوب ،التفاهم واتنسيق بين الحكومات الاسلامية والشعوب وغير ذلك الأرضية لخروج الشعوب المسلمة من أؤماتها ومصائبها الراهنة . ويرسم الامام الراحل في عبارات قصيرة سر إنتصار الشعوب المسلمة أو هزيمتها كالتالي:
" يا مسلمي العالم ويا أتباع عقيدة التوحيد ! إن سر كل مصائب البلدان الإسلامية ،اختلاف الكلمة وعدم التنسيق وسر الإنتصار ،وحدة الكلمة وإيجاد التنسيق. حيث بيّن الله تعالى ذلك في كلمة واحدة :" واعتصموا بالله جميعاً ولاتفرّقوا". " الاعتصام بحبل الله" هو بيان التوحد بين كل المسلمين .(فليعمل) الجميع للإسلام ونحو الإسلام ولمصالح المسلمين ،وليتجنبوا الفرقة والانقسام والتشرذم – الذي هو اساس كل المآسي ومظاهر التخلف-. أرجو من الله تعالى العظمة للإسلام والمسلمين ووحدة الكلمة بين مسلمي العالم ". (صحيفة الإمام ج 10 ص 160)