المقدمة
أدت الثورة الاسلامية في ايران الى تحول واسع في المجالات السياسية ،الثقافية،الاجتماعية والاقتصادية في ايران واوجدت تأثيراً عجيباً على مستوى العالم . ورغم ان ثورات كثيرة حدثت في العالم الا ان الثورة الاسلامية في ايران تعتبر فريدة من نوعها تماماً بسبب روحها الدينية وطبيعتها المحاربة للظلم والدفاع عن المحرومين في المجتمع وخاصة محاربة القوى الشيطانية .
وسنحاول في هذه المقالة ان ندرس التأثيرات الثقافية العميقة للثورة الاسلامية على المستويات المختلفة خارج المنطقة ونطاق العالم الاسلامي وخاصة من حيث الأبعاد الخمسة التالية:1)إحياء الهوية الدينية. 2) طرح فكرة الحكومة الاسلامية. 3) الدفاع عن الانموذج المقدس المتمثل في فلسطين في العالم. 4) ايجاد الوحدة والتضامن الاسلاميين. 5) طرح الحوار على المستوى العالمي .
انتصرت الثورة الاسلامية في ايران تحت قيادة الامام الخميني(رض) باعتبارها حدثاً كبيراً في النصف الثاني من القرن العشرين في الساحة الاقليمية والعالمية في الثاني والعشرين من شهر بهمن عام 1357ش(11شباط1979) . ولم تغير هذه الثورة الاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية داخل البلد فحسب بل اوجدت تحولاً ضخماً وتأثيراً مدهشاً على المستوى العالمي.
كما ان التاريخ الماضي شهد ثورات مثل الثورة الروسية عام 1917 ،الثورة الفرنسية1789، ثورة الجزائر 1954 وغيرها ولكن الثورة الاسلامية في ايران لاتمكن مقارنتها مع الثورات الاخرى في العالم من حيث الميزات الخاصة بها والفريدة من نوعها . وقد ادت الشخصية الكبيرة للامام الخميني(رض) وقدرته النافذة في قيادة النهضة الكبيرة للشعب الايراني المسلم، تقدير الشعب وتبعيته لقائده ومقتداه ،الايمان والاعتقاد العميق بالدين الاسلامي المبين ووحدة كل ابناء الشعب وانسجامهم كل ذلك ادى الى ان يسقط احد اقوى الانظمة المرتبطة بامريكا واهمها في المنطقة .
وقد بلغت جاذبية هذه الثورة واقتدارها حداً بحيث اجتذبت منذ البدء الكثير من المدافعين عنها والمعجبين بها في جميع ارجاء العالم . وبالتالي فقد اعلنت الشعوب الحرة والمطالبة بالعدالة والمحاربة للظلم في العالم تضامنها مع الثورة الاسلامية في ايران وقيادتها. وقد اثبتت هذه الثورة انها لاتقتصر على داخل ايران بل ان تأثيرها ومنجزاتها تجاوزت الحدود وجالت بشكل مباشر العالم والبشرية من اقصاهما الى اقصاهما .
ويدل التعبير عن الحب والتعلق القلبي لمئات الملايين من الاحرار والمطالبين بالحق بالامام والثورة الاسلامية والذي لم نر له نظيراً في تاريخ اي ثورة ، على التأثير العميق لافكار الثورة في عمق ارواح شعوب العالم . والنفوذ المعنوي والتأثير العظيم الذي تركته الثورة الاسلامية في ايران في العالم الاسلامي بل وحتى الفئات والمجتمعات غير المسلمة لايخفى على اي احد. ولعل بالامكان ان نذكر باختصار بعض التأثيرات الثقافية لثورتنا الاسلامية على الاصعدة العالمية وهي:
إحياء الهوية الدينية
من اهم الآثار الثقافية للثورة الاسلامية ،إحياء الفكر والهوية الدينية في العالم . ففي تلك الظروف الصعبة التي كانت خلالها الاصول والمبادىء الدينية تتجه نحو النسيان على اثر مساعي الحكومات الطاغوتية والزعماء العلمانيين وكانت المذاهب المادية والإلحادية تعتبر الدين "أفيون الشعوب" المفتقر الى القدرة اللازمة على تحريك الجماهير والثورة وكانت الهوية الدينية بالتالي ينحسر دورها يوماً بعد آخر ، أحدثت نهضة الامام الخميني (رض) تحولاً عظيماً على مستوى العالم وحولت بالاعتماد على القدرة الإلهية ،الايمان بالله والايديولوجية الاسلامية ، حوّلت الهوية العلمانية الى هوية اسلامية ودينية . وببركة هذه الثورة الكبيرة ادرك الشعب الايراني المسلم والبلدان الاسلامية الاخرى ان حل كل مشاكل المسلمين يكمن في العودة الى الاسلام والتمسك بالقرآن.
وفي الحقيقة فقد استطاعت الثورة من خلال الإضرار بالمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للغرب ان تحطم هيبة الهيمنة العالمية الثقافية الإمبريالية للغرب والتي كانت تسحق القيم السامية للمستضعفين واثبتت لشعوب العالم ان بإمكانها ان تتحرر من هيمنة الشرق والغرب ونفوذهما وان تعيش مستقلة وحرة. وقد تمكن الامام من ان يحيي ويعيد بناء كل ما كان قد هجر بين الامة الاسلامية واودع في عالم النسيان وان ينزل الاسلام العزيز الذي كان قد هجر الى الساحة من جديد على اثر انتصار الثورة الاسلامية في ايران.