الامام الخميني والثورة والاتصالات

الدكتور حميد مولانا

البروفيسور حميد مولانا أستاذ إيراني متخصص في العلاقات الدولية بجامعة اميريكان في مدينة واشنطن.دي.سي. وهو نائب الجمعية الدولية للبحوث والدراسات في مجال الاتصالات حيث يبلغ عدد اعضائها اكثر من ثلاثة الآف استاذ من مائة واربعين بلداً .
فيما يلي نص الحوار الذي اجرته فصلية (حضور) الصادرة عن مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني(قدس سره) مع البروفيسور مولانا حول شخصية الامام الخميني والثورة الاسلامية :

 

حضور: سمي العصر الحالي عصر الاتصالات ، كيف ترون موقع الجمهورية الاسلامية الايرانية في عالم الاتصالات هذا؟
البروفيسور مولانا: لعالم الاتصالات جانبان رئيسان احدهما الجانب التكنولوجي والآخر الجانب الانساني . وأن معظم المقالات والكتابات التي صدرت في العقود الاخيرة في الغرب وحتى في الشرق ، قائمة على التطور التكنولوجي للاتصالات وتغيره بالنسبة للمؤسسات والمجموعات والافراد. وانا ارى اننا اذا استخدمنا مصطلح ومفهوم" عالم الاتصالات" او " عصر الاتصالات" فان علينا ان نهتم بجانبه الانساني اكثر،وان نسأل الى اي مدى كانت ظاهرة الاتصالات ودوافعها الانسانية مؤثرة في تعميم هذا المفهوم؟ . ورغم ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران كان قد اقترن بعصر شهد تطورات مهمة في تكنولوجيا الاتصالات ، الا ان خدمة هذه الثورة الاسلامية واثرها الكبير كانا في الجانب الانساني من الاتصالات في العالم . فقد عززت هذه الثورة الفريدة تضامن الامة الاسلامية ، اي عززت الاتصالات على صعيد الوحدة واوجدت مكانة كبيرة في التاريخ المعاصر في ثورة الاتصالات بالمعنى الكامل. لقد كانت ثورة ايران الاسلامية نموذجاً بارزاً لمطالب كل شعوب العالم في مصداقية وثبات العدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم وخاصة للمجتمعات الاسلامية وآمالها وتطلعاتها. ومع الاخذ بعين الاعتبار ان جمهورية ايران الاسلامية تمثل الحكومة الاولى والوحيدة في العالم التي تطبق فيها المثل الاسلامية ويتم ترسيخها، فان من الطبيعي ان تكون مطمح انظار شعوب العالم بشكل عام والامة الاسلامية الكبيرة خصوصاً . ولقد احدث فشل النظام الاشتراكي والشيوعي في اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق والمناطق الاخرى والتزلزل في انظمة الحكم الرأسمالية الغربية وخاصة مع الازمات الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية ، فراغاً لايمكن ان يملأه شيء سوى الددين والشريعة الاسلامية – القائمة على التوحيد وتشكل الامة الاسلامية – حيث يمكنها الاجابة عن تساؤلات البشرية وتلبية حاجاتها. وانا ارى اننا نقف من هذه الناحية عند انطلاقة الحركات الاسلامية الكبرى التي سيكون لها آثار كبيرة في تغيير الانظمة العالمية والدولية في المستقبل.

حضور: كيف كان - في رأيكم - اسلوب ارتباط الامام(قدس سرره) باعتباره قائداً مع جماهير الشعب؟ و بتعبير آخر : ماهو سبب الارتباط العميق بين الشعب والقيادة من وجهة نظركم؟
البروفيسور مولانا: هناك عادة رؤيتان عامتان ومختلفتان في فلسفة التاريخ: الاولى ترى ان التاريخ هو حصيلة الافكار . و الاخرى ترى ان التاريخ هو الذي يصنع الافكار. ويميل النموذج الاسلامي الى النظرية الاولى وهي ان الافكار هي التي تصنع التاريخ . وقد شيد الامام الخميني (قدس سره) قيادته على اسس مدرسة وسنن كانت قد أرست اصولها التاريخية منذ قرون طويلة في هذه الارض . والملاحظة الثانية هي ان مكانته العلمية والروحية و كفاحه الطويل والمستمر ، كل ذلك كان قد اضفى شرعية خاصة على قيادته وهو ما لا نجد له نظيراً في تاريخ المجتمعات وثورات العالم . وفضلاً عن ذلك فان شخصيته الفريدة و ما اتسمت به من التقوى والورع النادرين ،والاستقلال والدراية النموذجية ، كل ذلك كان قد اوجد تضامناً نفسياً بين القيادة والشعب لا نظير له في عصرنا ينبغي للمفكرين والباحثين في العلوم الاجتماعية والانسانية دراستها. وفضلاً عن ذلك فقد استطاع أن يقدم الكفاح ضد الاستبداد الداخلي والخارجي على صعيد البلد والعالم الى الشعب الايراني والمسلمين وشعوب العالم بشكل شامل وبلغة تفهمها كل فئات الشعب وتدركها. وانا ارى ان خطبه الثورية فتحت فصلاً جديداً في تحليل الاتصالات الاجتماعية ونظريات الثقافة والمجتمع. ولاشك في ان مفهوم ومراحل السياسة والاخلاق والديانة والمجتمع والعدالة والانصاف متجهة نحو التغيير لا في ايران وحسب بل في المجتمعات والبلدان الاسلامية الاخرى . وهو مؤسس النهضة الاسلامية العالمية في القرن العشرين حيث ستتجلى نهضاته المتعددة الوجوه في العقود والقرون القادمة. ان اسباب الارتباط العميق بين الشعب وقيادته كثيرة ولامجال لذكرها هنا ، ولكن اسمحوا لي بأن الفت الانتباه الى ان من بين اهم النقاط البارزة الاخرى في قيادته، الانسجام والتناغم بين اقواله وافعاله طيلة كفاحه الطويل. وهذه الخصوصية الكبرى كانت ومازالت نموذجاً للاعتبار والقيمة الالهية – الانسانية للقائد ، بالنسبة للافراد والمجموعات والامة الاسلامية بشكل عام. وهو الامر الذي لانشاهده في القرون الماضية لدى القادة والافراد الا بشكل نادر.

حضور: ألم يحن الوقت برأيكم لأن تؤسس البلدان الاسلامية وكالة انباء مشتركة، وماهي العقبات التي تحول دون ذلك ؟
البروفيسور مولانا: انا ارى أنه و نتيجة للتطورات والتغيرات التي حدثت في الانظمة السياسية والاقليمية في العالم وخاصة في البلدان الاسلامية والشرق الاوسط ، فإن الوقت قد حان الآن لأن نتحدث عن اتحاد البلدان الاسلامية . فتشكيل اتحاد اقتصادي ،سياسي،ثقافي بل وحتى عسكري بين البلدان الاسلامية اعتباراً من اندونيسيا وحتى الجزائر ،ومن اوزبكستان وطاجيكستان وحتى وسط افريقيا وجنوبها ، ليس بأمنية بعيدة المنال ، بل هو احتمال حقيقي وضروري في ظل الظروف الحالية إلا أنه بحاجة الى قيادة وذكاء هذه البلدان ودرايتها باستغلال الظروف الحالية . إن تأسيس وكالة أنباء اسلامية تشترك فيها البلدان المختلفة امر ضروري و أحد اساليب التصدي للغزو الثقافي والاعلامي لامريكا واوروبا والبلدان المسماة بالغربية بشكل عام . وللاسف فان الوعي بذلك ليس ملفاتاً بين البلدان الاقليمية والاسلامية وخاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار البرمجات والخطط المعلوماتية . إن تأسيس مثل هذه المؤسسة من شأنه أن يشكل خطوة مهمة في طريق الاواصر العامة المستقبلية بين الامة الاسلامية.

حضور: ماهو برأيكم دور الجمهورية الاسلامية في التحولات الاخيرة في المنطقة والعالم؟
البروفيسور مولانا: لم يكن الكثير من التغيرات الحالية متوقعاً إلا أن قسماً ملفتاً للنظر من هذه التغيرات كان من الممكن تحديده من قبل. وترى الكثير من البلدان أن النظام الدولي دخل في الحقيقة مرحلة القطب الواحد او هيمنة امريكا والعالم الغربي . وفي نفس الوقت فإن الصراعات الداخلية والانحطاط الاجتماعي والاخلاقي في الغرب تحول الى قضية لايمكن إنكارها للجميع وللغرب نفسه. و رغم ان ادارة الكثير من الامور الاقتصادية والمالية في العالم خرجت عن سيطرة الحكومات واصبحت بيد الشركات العالمية الكبرى ، الا ان التنافس بين هذه الحكومات والبلدان ازداد من جهة اخرى للسيطرة على الاسواق . وكما قلت فقد حدث من جهةٍ فراغ كبير في النظام العالمي . وإزاء هذه التحولات والتغيرات، استقطبت الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تعد انطلاقة الحركة الاسلامية و مؤسسة الحكومة الاسلامية المستقلة ، الاهتمام الآن اكثر من اي وقت مضى ، لأن نجاح ايران الاسلام والدور الذي من شأن هذا النظام ان يلعبه في العالم الراهن وتحولاته وتركيبته ، يمكن أن يكون انموذجاً ورائداً للبلدان الاخرى. والجهد الذي يبذل لتشكيل الاتحادات السياسية والاقتصادية والثقافية بين ايران والبلدان الاسلامية والمنطقة، يعتبر خطوة كبيرة لإقامة نظام اقليمي بل وحتى عالمي. وهذه الفرصة التاريخية قد لاتتكرر لمدة طويلة اخرى.