فلسطين و الثورة الاسلامية .. نظرة مختلفة

حميد انصاري

بدأت منذ اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الحادثة المحزنة المتمثلة في اغتصاب فلسطين بشكل سافر وآلام سكان فلسطين المظلومين اللانهائية . وقد ادى تقسيم المستعمرات المفصولة عن الامبراطورية العثمانية والذي حدث بفعل مؤامرات الاستعمار الى تسلط بريطانيا العسكري والسياسي في الشرق الاوسط،وتزامناً مع المبادرة الظالمة للحكومة البريطانية المستعمرة الى إخضاع ارض فلسطين للوصاية (1917م-1335هـ) فبدأت مساعي بريطانيا لمواجهة حركة الشعب الفلسطيني الاستقلالية والحيلولة دونها وتأسيس قاعدة تتوافق مع مطامعها في فلسطين ، بتحريض من فئة من المتطرفين اليهود وعلى اساس الفكرة الموهومة المتمثلة في "الشعب اليهودي الواحد" والاعتماد على اكثر افكار العنصريين الحزبيين الاستعماريين تطرفاً ، تحت عنوان "الصهيونية" . ولم يكن صوت مظلومية سكان فلسطين الاصليين يصل الى الاسماع في معمعة تفرق الحكام العرب في البلاد العثمانية المقسمة . وتم قمع اول انتفاضة دموية للفلسطينيين بنيران اسلحة الصهاينة والجنود البريطانيين سنة 1929 ، بعد تقديم 351 شهيداً واعتقال عدد كبير من من المجاهدين . واستشهد رائد الكفاح المنظم والتحرري لفلسطين، الشيخ عز الدين القسام بعد عقد ونصف من الكفاح ضد الصهاينة مع مجموعة من رفاقه وواجه زعماء الجهاد في فلسطين من بعده مصيراً مشابهاً هم أيضاً واستشهدوا على يد القوات البريطانية والارهابيين الصهاينة المدعومين من قبلها . ولم تكن نهاية الوصاية البريطانية في 14 آذار 1948(1367هـ) نهاية لمعاناة الفلسطينيين واغتصاب ارضهم وحسب بل ان حكومة بريطانيا الاستعمارية اوكلت ارض المسلمين المغتصبة الى الصهاينة في ذلك اليوم نفسه من خلال تشكيل "المجلس القومي لليهود" في تل ابيب والاعلان عن وجود دولة اسرائيل الفاشية وبعد ساعات اعترف "ترومان" الرئيس الامريكي آنذاك بدولة اسرائيل الجديدة والغاصبة .


وهكذا، ظهر نظام"اسرائيل" العنصري والارهابي باعتباره وليداً غير شرعي لمؤامرات الاستعمار البريطاني والدعم الامريكي وفتح فصل جديد في الاغتصاب السافر للحقوق الانسانية الاولية في مقابل الامة الاسلامية واحرار العالم. ومنذ ذلك الحين لم يتورع الصهاينة عن ارتكاب اية جريمة من اجل توسيع رقعتهم وقتل سكان فلسطين العرب واخراجهم وكانوا يتعاملون مع أبسط اشكال المقاومة والكفاح الشعبي باكثر المواجهات وحشية . واحتل النظام الصهيوني منذ ذلك الحين مكانة منيعة وكأنه حربة دموية في قلب الامة الاسلامية وتحول الى اداة لتحقيق اهداف امريكا والغرب في الشرق الاوسط.


وتدل نظرة عابرة الى تاريخ تطورات ازمة الشرق الاوسط بعد التأسيس غير الشرعي للنظام الصهيوني وحتى ما قبل انتصار الثورة الاسلامية على ان الحكومات العربية والاسلامية لم تستطع ولاسباب مختلفة ان تقوم ولو بنسبة طفيفة من واجباتها الاسلامية والعربية والانسانية في قبال ارض فلسطين الاسلامية،رغم امتلاكها للقدرات الخارقة المؤثرة التي لا تمكن مقارنتها مع قدرة النظام المحتل .


وبعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران والذي تم بأهداف دينية خالصة وبهدف ترسيخ احكام الاسلام وقطع يد امريكا والغرب من ايران واسقاط النظام الحليف لاسرائيل ونظام الشاه الاستبدادي – مع الاخذ بنظر الاعتبار الابعاد العالمية لخطابات قائد الثورة والتي كان من خصوصياتها البارزة إحياء الثقافة الدينية ورفض الخضوع للتسلط،وتقويض معادلات الحكام الظلمة على السياسة العالمية وإحياء السنن والشعائر الاسلامية مثل الحج الابراهيمي والبراءة من المشركين ،والقضاء على النظام الصهيوني غير المشروع وتحرير القدس ،والدفاع عن حركات التحرر في العالم والحركات الاصيلة في البلدان الاسلامية ،ونهضة العودة الى القيم المعنوية السامية للاديان الالهية – عبّر الامريكيون والعالم الغربي عن هذه الظاهرة بأنها زلزال في اركان الثبات والامن اللذين ينشدونهما وانبروا لمواجهتها بكل ما أوتوا من قوة .ولكن الشعوب وخاصة أفكار مسلمي العالم هبت لاستقبال ظهور الحكومة الدينية التحررية والمستقلة في ايران . ولم يفلح سعي امريكا والغرب في إضفاء الطابع الطائفي على ثورة ايران والذي كان يدعم من قبل الحكومات العميلة في بعض البلدان العربية في ان يمنع التصدير المعنوي للثورة ونداءات احرارها . وكان تواجد ابي عمار والوفد الفلسطيني المرافق له في الايام الاولى من انتصار الثورة الاسلامية في ايران والاستقبال الحار للشعب والمسؤولين الايرانيين والصدى الواسع لتلك الزيارة في ذلك الوقت الذي كان مايزال يعتبر فيه زعيم منظمة ثورية مكافحة ضد المحتلين وإغلاق سفارة النظام الصهيوني وإيكالها الى الممثلين الفلسطينيين ، كل ذلك كان يدل على ان الامام الخميني(رض) عازم على مواصلة وتحقيق اهدافه ووعوده في الدفاع الشامل عن حقوق الشعب الفلسطيني .


إن إعلان يوم القدس العالمي من جانب الامام الخميني(رض) في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان من كل سنة يبشر بتحرك جديد لإعادة مسار كفاح الشعب الفلسطيني ودعم العالم الاسلامي الى ينبوعه الاصيل اي الاعتماد على الايمان واستنفار امكانيات العالم الاسلامي لتحرير القدس الشريف .وقد تركت خطابات وأهداف الامام والثورة الاسلامية تأثيرها تدريجياَ في الطبقات المختلفة للمجتمعات الاسلامية وأوجدت موجة من الصحوة الاسلامية وحركة العودة الى الثقافة الدينية. وتزايدت التنظيمات الحديثة التأسيس بالاعتماد على النزعة الدينية الخالصة ورفض التأثر بالمذاهب الغريبة. وعبّرت الاحزاب الدينية والاتجاهات الاسلامية في الكثير من البلدان العربية والاسلامية عن تواجدها القوي . ويمكن في هذا الصدد اعتبار ظهور ظاهرة انتفاضة فلسطين وحزب الله في لبنان ومنظمة الجهاد الاسلامي والمنظمات الاخرى التي نظمت او اعادت تنظيم اهدافها وتنظيماتها من خلال كسب التجارب من حقائق الثورة الاسلامية في ايران وبالاعتماد على الدعم الديني لمسلمي العالم واتجاهها الى كفاح مواجهة محتلي فلسطين حتى مستوى القيام بالعمليات الاستشهادية وتوسيعها، كل ذلك يمكن اعتباره من التبعات البارزة لفشل امريكا في الحيلولة دون نفوذ ثورة ايران الاسلامية.


لقد كانت نظرة الامام الخميني(رض) والثورة الاسلامية الى ازمة الشرق الاوسط وقضية فلسطين نظرة حكيمة دوماً ومتطابقة مع الآيات القرآنية والاسس الدينية والارادة الفطرية للشعب الفلسطيني والرأي العام للشعوب المسلمة ومختلفة تماماً عن مواقف وتحليلات الكثير من الحكومات العربية ومختلفة عن مواقف المحللين الغربيين. لقد كانت مواقف الثورة الاسلامية وقيادتها سواء في عهد النضال ضد نظام الشاه ام في عهد ما بعد انتصار الثورة ثابتة دوماً كما ثبت سماحة قائد الثورة ومسؤولو نظام الجمهورية الاسلامية الآخرون بعد رحيل الامام على هذه المواقف نفسها ؛ ويؤيد الرجوع الى خطابات الامام ونداءاته وسلوكه العملي ودراسة الخطوط العامة لفكره ومبادئه ومواقفه الثابتة بشأن قضية فلسطين ، تميّز خط الامام وقيادة الثورة حيال فلسطين عن الخطوط والاتجاهات الاخرى التي تسير بما يتنافى مع الروح والثقافة الاسلامية والارادة الحقيقية للشعب الفلسطيني المظلوم .