الجغرافيا السياسية لأرض بيت المقدس

نصرت الله تاجيك

يتركز الجهد في تحليلات الجغرافيا السياسية على أن تعقد علاقة بين مراكز القوة الاقليمية والدولية مع الموقع الجغرافي للمنطقة المعنية. ومن ناحية الجغرافيا السياسية تتمتع التركيبة الجغرافية للارض التي تشمل نطاق الحكم بأهمية بالغة . ومن اجل اتضاح الموضوع فإن الباحثين المتخصصين يضربون مثال (رقعة الشطرنج) والتي تولى فيها الاهمية لمواقع البيادق بالنسبة الى البيادق المنافسة فضلاً عن عدد البيادق الموجودة وانواعها .


ويمكن القول على ضوء المثال السابق إن الموقع الجغرافي لكل منطقة من شأنه ان يؤثر في مستوى تنافس القوى الكبرى للحصول عليها وتسلط الضوء على اهميتها من حيث جغرافيتها السياسية.
إن اهمية منطقة ما من ناحية الجغرافيا السياسية لاتعتبر بحد ذاتها عاملاً ايجابياً او سلبياً بل إن مدى اهمية المنطقة يختلف حسب مطالب سكانها واتحادهم وانسجامهم الفكري او بالعكس، تفرقهم او تنازعهم . وبالتالي فإن من الممكن احياناً ان تؤدي العوامل الجغرافية السياسية الى قوة منطقة ما وتطورها وقد تؤدي احياناً الى ضعفها وتخلفها.

 


خصائص الجغرافيا السياسية للقدس
إن ما يحظى بالاهتمام في دراسة الجغرافيا السياسية لكل منطقة من العالم هو مراحل تشكل تلك المنطقة على مر الزمن وانظمة الحكم القائمة فيها ولكن علينا ان ناخذ بنظر الاعتبار في الدراسة الجغرافية – السياسية لكل منطقة جميع العوامل المؤثرة في مستقبلها مع الوضع القائم. وبعبارة اخرى فإن الجغرافيا السياسية لكل منطقة هي حصيلة مجموع تركيبة معقدة من من القوى المعارضة السائدة في المنطقة والتي تقف في مواجهة بعضها البعض.
ومن اهم خصوصيات الجغرافيا السياسية للقدس العلاقة المتبادلة بين الأديان الإلهية اي اليهودية،المسيحية والإسلام والتي تؤدي بالطبع الى ايجاد ثقافات مختلفة مما يؤدي الى ظهور وضع جغرافي سياسي خاص.
ومن خلال دراسة التحولات والنزاعات التي حدثت في منطقة الشرق الاوسط طيلة التاريخ ندرك ان من الاسباب المهمة لتحولات هذه المنطقة التاريخية اي ارض فلسطين ،وجود بيت المقدس فيها ولذلك، فقد كانت ارض فلسطين في بعض المراحل من التاريخ الماضي،ساحة للنزاعات والصراعات بهدف السيادة على بيت المقدس.
وفي العصر الراهن ايضاً تحولت هذه المنطقة الى ساحة جديدة للنزاعات في الشرق الاوسط على اثر ظهور الاستعمار وتواجد المستعمرين في الشرق الاوسط واحتلال الاراضي الاسلامية .

 


الإسلام وارض القدس
يتلخص بشكل عام ما أدى الى اهتمام المسلمين بهذه المنطقة المقدسة في عاملين رئيسين،فضلاً عن الموقع الجغرافي والاهمية الاستراتيجية لمنطقة القدس: الأول هو ان القدس من مدن فلسطين المسلمة والتي احتلها العدو الصهيوني ولايمكن للمسلمين على اساس التشريعات الاسلامية ان يسكتوا ازاء هذه القضية ،ذلك لأن الارض المسلمة والمجتمع المسلم يجب ان لا يخضعا تحت امر غير المسلمين وحكمهم.
والثاني أن هذه المدينة تتمتع من الناحية التاريخية والمعنوية بمكانة خاصة عند المسلمين ذلك لأن اول قبلة للمسلمين تقع في هذه المدينة كما أن المسجد الأقصى ومسجد الصخرة يقعان في منطقة واسعة من هذه المدينة التي تسمى الحرم الشريف .


وفضلاً عن ذلك، فإن هذا المسجد يحظى بالاهمية الفائقة لدى المسلمين من جهة اخرى وهي قدسية معراج النبي الاعظم(ص) واهميته حيث بدأ من هذا المسجد إذ يقول الله تعالى في بداية سورة الإسراء في هذا المجال:
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"
ويوجد في مدينة القدس 36 مسجداً آخر فضلاً عن المسجد الأقصى حيث يقع 29 مسجداً في داخل المدينة و7 مساجد خارج النسيج القديم وضاحية المدينة . وبالاضافة الى ذلك،تقع في المدينة الكثير من المقابر والمزارات لكبار الشخصيات الاسلامية واصحاب النبي الاعظم(ص). ولذلك واستناداً الى كل المعلومات المذكورة ، فقد أدت المكانة التاريخية والروحية الخاصة للقدس الشريف الى ان يثير اي نوع من هتك حرمة الاماكن المقدسة في هذه المدينة والاعتداء عليها وإلحاق الأذى بسكانها المسلمين من جانب الصهاينة الى غضب كل المسلمين الشديد وكراهيتهم.

 


سياسة الثورة الاسلامية في ايران تجاه فلسطين والقدس الشريف
بما أن ثورة ايران الاسلامية انتصرت باعتماد مفهوم جديد ومأخوذ من الأفكار النضالية للإمام الخميني(رض) وكانت في الحقيقة قد استمدت قوتها المحركة من حركة الشعب وانسجامه على اساس المعتقدات والتعاليم الدينية ،فإن من الطبيعي ان لا تقف سياسات مثل هذه الثورة في كل الابعاد مكتوفة الأيدي وخاصة إزاء اهم قضايا العالم الاسلامي اي تحرير فلسطين من رجس الصهيونية وهذا الموضوع تمكن ملاحظته في كل مواقف الثورة ومسؤوليها. وعلى هذا يمكن القول إن سياسة الثورة الإسلامية في قبال قضية فلسطين والقدس هي في الحقيقة نفس سياسة الامام الخميني(رض) إزاء هذه القضية المصيرية للإمة الإسلامية.
لقد كان للثورة الاسلامية تأثير كبير في تعزيز جبهة محاربة المسلمين للصهيونية واحدثت تحولاً في هذا المسار ذلك لأن الشاه كان يعتبر احد الحلفاء المهمين للغرب واسرائيل في منطقة الشرق الاوسط الاستراتيجية . وكانت ايران في عهد الشاه أحد الاسواق الاستهلاكية للبضائع والمنتجات الاسرائيلية وكانت في الحقيقة تدعم اقتصاد النظام الغاصب للقدس . ومن جهة اخرى فقد كان الشاه يقدم العون للنظام الصهيوني من خلال تصدير النفط الى هذا البلد وكان النفط الايراني يتحول الى تركيبة اقتصادية وصناعية وسلاح بيد اسرائيل كان يستهدف صدور الفلسطينيين . وهكذا فقد كانت ايران تحولت الى قاعدة تتم فيها عمليات اسرائيل التجسسية ضد البلدان العربية.
وكان من دوافع ثورة الامام الخميني وادوات المضي بها الى الامام فضح العلاقات الخفية والعلنية بين الشاه واسرائيل والمساعدات التي كان الشاه يقدمها الى عدو المسلمين المشترك .يقول الامام في هذا المجال:
" من الاسباب التي وضعتنا في مقابل الشاه، مساعدته لاسرائيل . لقد قلت دوماً في خطاباتي ان الشاه تعاون مع اسرائيل منذ ان ظهرت اسرائيل وعندما كانت الحرب بين اسرائيل والمسلمين قد بلغت ذروتها ،كان الشاه مستمراً في اغتصاب نفط المسلمين وتقديمه الى اسرائيل وكان ذلك بحد ذاته من عوامل معارضتي للشاه . في حين ان شعب ايران المسلم لم يدعم اسرائيل ابداً". (صحيفة الامام ج5 ص187)


لقد كان الامام يسعى منذ بداية كفاحه الطويل لإقامة علاقة متينة مع فلسطين ، ذلك لانه كان قد ادرك بوضوح ان الكفاح في طريق تحرير فلسطين لايقتصر على منطقة جغرافية معينة بل ان الكفاح طريق الماضي والحاضر والمستقبل. وقد خرجت فلسطين من هذا المنظار من النطاق الوطني والاقليمي المحدود وطرحت على مستوى عالمي وباعتبارها مفهوماً انسانياً جديداً.
ولذلك فقد اعتبر الامام قضية فلسطين فوق حدودها الجغرافية ونظر اليها باعتبارها قضية تحظى باهتمام جميع الموحدين والمتدينين في العالم.
والتفت الامام بعد تحديد الاسس الانسانية لقضية فلسطين الى اسسها الاسلامية وأكد على دور الامة الاسلامية المهم في طريق تحرير فلسطين واعتبره مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الامة. حيث يصرح قائلاً:" القدس ملك كل المسلمين ويجب ان تعود اليهم" (صحيفة الامام ج 5ص82)


واعتبر الامام قضية فلسطين المحور الرئيس لنهضة الاسلام العالمية ووصف يوم القدس بأنه يوم إحياء الاسلام . واعتبره يوم تعيين مصير الشعوب المستضعفة وطلب من الشعوب ان تبادر بجد الى تحقيق هذا الهدف:
" ” يوم القدس” يوم عالمي . وهو ليس يوماً يقتصر على القدس . إنه يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين .يوم مواجهة الشعوب التي ترزح تحت ضغوط ظلم امريكا وغير امريكا ، في مقابل القوى الكبرى .اليوم الذي يجب فيه على المستضعفين ان يستعدوا لمواجهة المستكبرين ... اليوم الذي يمتاز فيه المنافقون عن الملتزمين . فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم يوم القدس ، ويعملون بما يجب عمله .والمنافقون – اولئك الذين يتعاملون وراء الكواليس مع القوى الكبرى وتربطهم الصداقة مع اسرائيل- يقفون مكتوفي الايدي في هذا اليوم، أو لا يدعون الشعوب تتظاهر. يوم القدس هو اليوم الذي يجب ان يتعين فيه مصير الشعوب ،يجب على الشعوب المستضعفة ان تعلن عن وجودها وعلى جميع الشعوب ان تثور في مقابل المستكبرين كما ان ايران ثارت ومرغت انوف المستكبرين في التراب وسوف تمرغه، وان تلقي بجراثيم الفساد هذه في المزابل . يوم القدس... هو اليوم الذي يجب ان تشمروا فيه ونشمر عن ساعد الجد كي ننقذ القدس ؛ وننقذ الاخوة اللبنانيين من هذه الضغوط . إنه اليوم الذي يجب فيه على الامة الاسلامية كلها ان تعبر عن وجودها وتحذر القوى الكبرى..." (صحيفة الامام ج9ص276)