يوم القدس العالمي

سيد محمد علي الموسوي

من الموروثات النفيسة التي لا بديل عنها،كما هو حال آثار الامام الخميني المنقطعة النظير، يوم القدس العالمي. فالاعلان عن مثل هذا اليوم في ظرف زمني خاص إنما يصدر من عمق الفكر السياسي والرؤية العرفانية الخالصة للامام الخميني؛ حيث امتزجت فيها السياسة مع الديانة بشكل بحيث لايمكن الفصل بينهما في أي شأن من شؤون الحياة والجوانب الفردية والاجتماعية.وتدل الرؤية الفريدة للخميني الكبير الى النظام الغاصب للقدس على معرفته العميقة والشاملة لحقيقة الصهيونية الإرهابية وذاتها ؛ ويوم القدس هو بمثابة معاهدة التطلعات السامية والخالدة لمؤسس الجمهورية الإسلامية ومبايعة قيادة الثورة . ففي هذا اليوم تعاهد الامة الاسلامية مرة اخرى الألفباء الفكرية لمنظّر الثورة الاسلامية ومؤسس يوم القدس العالمي وتنقل الى العالم هذه الرسالة وهي أن جبهة المقاومة وعدم المساومة التي فتحها الخميني الكبير في مقابل المحتلين الصهاينة، لا تغلق أبداً.

 


قدسية زمان إقامة المراسم
" أطلب من عامة مسلمي العالم والحكومات الاسلامية أن تتضامن لقطع يد هذه الغاصبة وحلفائها . وأدعو كل مسلمي العالم ان يختاروا آخر جمعة من شهر رمضان المبارك والتي هي من أيام القدر ومن شأنها ايضاً أن تعيّن مصير شعب فلسطين ، يوماً للقدس ،وأن يعلنوا من خلال بعض المراسيم التضامن العالمي للمسلمين في الدفاع عن الحقوق الشرعية للشعب المسلم . " صحيفة الامام ج9ص268
إن اختيار الجمعة الاخيرة من ايام شهر رمضان المبارك من قبل مؤسس الجمهورية الإسلامية يكتسب قدسية مهمة واهمية خاصة من حيث التوقيت ومع الاخذ بنظر الاعتبار صيام المشاركين في المسيرات .ويكفيه قدسية أن ليالي القدر وأيامه قد تضمنت يوم القدس. ليلة القدر التي هي بتعبير القرآن خير واكثر روحانية من الف شهر . ففي هذه الليلة نزل القرآن دفعة واحدة على النبي الاعظم(ص) وتهبط فيها ملائكة الله والروح الاعظم من السماوات لتعيين مقدرات البشر في استمرار الحياة الفردية والاجتماعية. والتي تضمن الامن والسلامة لكل البشر من المساء وحتى مطلع الفجر.


تأثير شعارات الصائمين
"على المسلمين ان يطلقوا صرخاتهم. وان لا يظنوا أن الصرخات والشعارات عديمة الجدوى ،كلا،فالشعار مجد."(صحيفة الامام ج13ص90)
إن كثرة الشعارات المنطلقة من صلب الاسلام المحارب للظلم والتي تتدفق كل سنة في يوم القدس من حناجر الصائمين في كل ارجاء العالم باتجاه نقطة واحدة، تضيق الخناق اكثر فاكثر على هذا النظام ؛ فمن شعارات صفوف المشاركين في المسيرات المتظاهرين يقام جدار الله اكبر حول رغبات المسؤولين الغاصبين في اسرائيل وتهتز بالفعل سيادة العساكر الاسرائيليين السفاكين للدماء تحت وطأة شعارات التوحيد القاصمة.


الإعلان عن خطر جرثومة الفساد
" لقد ذكّرت المسلمين منذ سنين طويلة بخطر اسرائيل الغاصبة." (صحيفة الإمام ج9 ص267)
إن يوم القدس هو الإعلان عن الخطر الذي يهدد العالم الإسلامي ومقدساته من ناحية الصهيونية . وفي هذا اليوم يتم تعريف الحميع وتذكيرهم بجريمة اسرائيل . ويزول من اذهان البشر وفكرهم إنكار حدوث الظلم والشك في شيوعه ،ليحل محله العلم بالاحداث الدموية والمؤلمة التي تتكرر كل يوم في الاراضي المحتلة . ويهتز ناقوس خطر ارتكاب المذابح في هذا اليوم ويحطم صوته جو الصمت الذي يسود الآذان ؛ فالشعوب تذكّر في هذا اليوم الجميع بخطر اسرائيل الغاصبة عبر تظاهراتها المليونية.


الكشف عن مظلومية فلسطين
"... وحدوا اصواتكم مع الشعب الثوري المظلوم في اراضي فلسطين المحتلة وادعموا عملياً تظاهراتهم وثورتهم في مقابل مظالم اسرائيل." (صحيفة الامام ج16ص159)
والوجه الآخر للعملة هو مظلومية السكان الأصليين في ارض فلسطين حيث ينطلق في مثل هذا اليوم الصوت المكتوم لآلاف الفلسطينيين الاسرى بيد الغاصبين الصهاينة من حناجر المسلمين الآخرين . ويجلجل نداء المتعرضين للضرب والجرحى بسبب رشاشات الغاصبين في اجواء المدن والشوارع في البلدان المسلمة . وتتردد الصرخات المطالبة بالعدالة والاستغاثة في آذان كل الاخوة والاخوات المسلمين خارج فلسطين . ويردد المسلمون الآخرون في هذا اليوم الصوت المطالب بالحق والعدالة للسجناء والمحرومين الفلسطينيين .
وفي مثل هذا اليوم تعود الى الاذهان ذكرى الأناس المحرومين من ابسط حقوق الإنسان. ويمارس التمييز بحقهم بالمعنى الحقيقي للكلمة في جميع شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية وتتسع كل يوم الفجوة بين الفقر والغنى،والحجارة والبندقية.


قطع يد الحقد والإرهاب
” نحن نقول إن اسرائيل يجب ان تزول من وجه الأرض".(صحيفة الامام ج16ص490)
إذا اختار المسلمون الصمت إزاء المذابح وعمليات إراقة الدماء التي ترتكبها ربيبة الاستعمار،فسوف لا يحال دون ممارساتها الوحشية وحسب بل إن سيوف ظلم الجلادين سوف تزداد حدتها . وتواصل المجاميع الخاصة بقتل البشر القتل والنهب دون رادع . وإذا علت صرخات إدانة مثل هذه الاعمال ووضعت علامات الاستفهام على اعمال سفك الدماء التي تمارسها المجاميع السرية الإرهابية ، فإن الحد الادنى لتأثير ذلك هو أن تتم توعية أحرار العالم بقبح سلوكهم وعنف ممارساتهم . في يوم القدس تقف صرخات الملايين من المتظاهرين الصائمين في وجه ممارساتهم التعسفية، وعدم اكتراثهم وتحول دون تقدم الجلادين في اسرائيل.


الفرق بين أتباع الحق والباطل
" يجب على الشعوب في يوم القدس ان تحذّر الحكومات الخائنة . فيوم القدس هو اليوم الذي سنكتشف فيه من هم الاشخاص وما هي الانظمة التي تتفق مع المتآمرين الدوليين وتعارض الاسلام." (صحيفة الامام ج9 ص279)


وفي يوم القدس يمتاز صف المؤمنين عن المنافقين وعديمي الجدوى . واولئك الذين يعارضون رموز الظلم في قلوبهم وافكارهم يعبرون عن تنفرهم في اللسان والعمل ايضاً ، كما أنهم يرفضون تيار الباطل في قلوبهم ويجسدون هذه العقيدة في سلوكهم وعملهم ايضاً. وفي يوم القدس العالمي يوضع الاشخاص على المحك من خلال مدى دورهم وقياس اعمالهم واقوالهم ويثبت للجميع مستوى حبهم واهتمامهم بفلسطين وشعبها المظلوم من جهة، وكراهيتهم وحقدهم على اسرائيل واعداء الشعب الفلسطيني من جهة اخرى . إن الاشخاص الذين يعتبرون اسرائيل عدوة الانسانية والمسلمين ينضمون الى الجموع المتدفقة من المتظاهرين ويحولون قطرتهم الى بحر من خلال الاتصال بالمحيط الشاسع للشعوب المسلمة ويترجمون الى الواقع المقولة الخالدة للإمام علي(ع) حيث يقول:" كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً".


تضامن المسلمين
” انا اعتبر يوم القدس يوم الاسلام ويوم الرسول الاعظم(ص) . على المسلمين ان لايسمحوا للاشخاص الآخرين بالتدخل في بلدانهم." (صحيفة الامام ج 9ص278)
إن الجداول الصغيرة والكبيرة من ارجاء العالم تتلاقى في يوم القدس لينطلق منها محيط الشعوب الضخم ؛ فامواج الموت لاسرائيل والموت لامريكا تغرق سفن العدو التي هي في حالة عبور حدود المسلمين البحرية . والمسلمون من كل لون وعرق ومذهب يتجاوزون في يوم القدس العالمي الحدود الجغرافية ، وينبرون خارج نطاق التركيبات الاجتماعية والسياسية للدفاع عن الشعب الفلسطيني ودعمه . ويطلق البحر الهائج من المتظاهرين بلغات ولهجات مختلفة وبصوت واحد صرخات الله اكبر،لا اله الا الله،محمد رسول الله، واسرائيل عدو الله . ومن هذا الرمز للأمة الواحدة والذي يذكَر بالفجر الإبراهيمي الآخر ، تنطلق بوارق الامل من قلوب المجاهدين الفلسطينيين لتمهد طريق النضال والجهاد امام المقاتلين الفلسطينيين.


تشكيل حزب المستضعفين
" يوم القدس يوم اسلامي ... وانا ارجو ان يكون ذلك مقدمة لحزب للمستضعفين في جميع ارجاء العالم ... ليشارك كل المستضعفين معاً في هذا الحزب ويزيلوا المشاكل في طريق المستضعفين ." (صحيفة الامام ج9ص280)
إن يوم القدس هو المقدمة لتشكيل حزب المستضعفين على الارض. وحفاة العالم ومظلوموه ينبعث الامل في نفوسهم من انضمام الافراد الى صفوف المتظاهرين لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني ويعم النشاط والحيوية كل ارجاء وجودهم . إن أولئك الذين يعين الآخرون مصيرهم ،يعودون اليوم الى رشدهم.
إن يوم القدس العالمي يتجاوز حدود المطالب المحدودة بنقطة جغرافية معينة بل هو رمز الفكر واستراتيجية أداء الواجب في مقابل المظلومين والمسحوقين في العالم. إنه الطريق الذي تكون نهايته الاتصال بمبدأ الوحي والموطن الاصلي لحياة البشرية الكريمة. والسائرون في هذا الطريق هم السالكون والعشاق الموحدون وحدهم والذين لايخشون في قلوبهم احداً سوى الله القهار ولا يعرفون مؤثراً في العالم سواه.