أهم احتياجات العالم الاسلامي

الدكتور حميد أنصاري

   إستناداً الى حقائق تاريخ المجتمعات البشرية وما تشهد به التجربة والمعرفة الاجتماعية دون اي اختلاف في الرأي فإن "الوحدة " حول الاهداف المشتركة اعتبرت في كل عصور التاريخ بمثابة اهم عوامل نجاحات المجتمعات البشرية ، وكان لها دور لابديل له حتى أن من الواجب القول بكل تأكيد إن أي نجاح في أي من التحولات السياسية والاجتماعية لم يحدث وسوف لا يحدث إلا اذا كان هنالك اشخاص قد اتحدوا قبله بأهداف معينة ولتحقيق أهداف مشتركة.


كما أن التوحيد هو ركن الايمان والاسلام من الناحية العقيدية ، و"توحيد الكلمة" والاعتصام بحبل الله ، هما في نطاق القضايا الاجتماعية في الفكر الاسلامي، حكم قرآني دائم :" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا". وقد اعتبر الله تعالى في القرآن " تأليف القلوب" والوحدة ، النعمة الالهية الكبرى والعامل الاساسي لانتصارات المسلمين المدهشة في صدر الاسلام حيث يقول مذكراً بلهجة إنذارية:  " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداءَ فألف بين قلوبك فأصبحتم بنعمته إخواناً و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون" (آل عمران :103).


وقد رأينا في تاريخ الثورة الاسلامية بأم أعيننا معجزة الوحدة المذهلة. ونحن لم ننتصر إلا عندما اتحدت اصوات وقلوب كل القوميات والنزعات والاحزاب والشرائح المختلفة للشعب نساء ورجالاً، حضريين وقرويين في اتباع الاهداف والتطلعات السامية لقيادة الثورة الاسلامية (الامام الخميني) . إن الاتحاد هو سر الانتصار ، سر البقاء، منجزات الانتصار وبشكل عام هو سر بقاء الشعوب والحضارات. وقد أوجد انتصار الثورة الاسلامية في ايران وبشكل منقطع النظير التآلف بين الشعوب المسلمة من اجل خلق هوية الامة الاسلامية الكبرى واستعادة المجد والحضارة الاسلامية. وها نحن نرى مئات الملايين من أتباع دين نبي الرحمة (ص) يعملون على إعادة بناء هويتهم المفقودة رغم الاعراق والالوان واللغات والمذاهب المختلفة ، في أقصى نقاط العالم بعد عدة قرون من المهانة والغربة الذاتية . وحركة هذه النهضة العظيمة تسير باتجاه التحرر من التبعيات . وقد شعرت امريكا واوروبا والشرق والغرب والقوى التي أججت لسنوات بانواع المؤامرات نار الاختلافات المذهبية وكانت قد عمدت على اثر ذلك الى نهب الموارد والثروات الضخمة في البلدان الاسلامية من خلال اقامة الحكومات التابعة والعميلة لها، شعرت الآن بالخطر الداهم. والآن وقد انتشرت موجة الصحوة الاسلامية والنهضة العامة في العالم الاسلامي للتحرر والخلاص  من خلال توظيف التجارب الناجحة للثورة الاسلامية ، فإننا نرى قوى التسلط وعلى رأسها امريكا ،بريطانيا واسرائيل الغاصبة تسعى للخروج من المستنقع الذي تورطت فيه وكرست جهودها لتنفيذ نفس تلك المؤامرة اي الاتجاه الواسع والشامل الى سياسة تصعيد الاختلافات الطائفية والصراعات المذهبية في الظاهر وتحريك المشاعر المذهبية في نطاق العالم الاسلامي. 


وبناء على ماذكرناه، فإن العالم الاسلامي بحاجة اليوم واكثر من اي وقت مضى الى نداء"الوحدة" القرآني من اجل مواجهة السياسة الامريكية والغربية الجديدة . وإن مسؤولية النخبة، رجال الدين ، والدعاة وعامة اتباع دين النبي الاعظم(ص) ، شاقة وبالغة الحساسية. وكل شخص يشعر بالمسؤولية إزاء الجهاد العظيم لنبي الاسلام والصبر المنقطع النظير لاصحابه الاوفياء وبطولات ائمة الدين وشهادتهم ومظالمهم فإن عليه ان يؤدي مسؤوليته في التوعية فيما يتعلق بمؤامرة اعداء الاسلام هذه . واليوم فإن كل صوت ونداء تصدر منه نغمة الاختلافات المذهبية ويؤدي الى حقد وعداء اتباع خاتم الانبياء(ص)، مهما كان شعاره وذريعته، فلا شك في انه عمل يتعارض مع الشريعة ومصالح المسلمين ويخدم مصالح اعداء الاسلام.


وفي الختام، ننقل فيما يلي جوانب من كلمات الرجل العظيم الذي اثبت معجزة الوحدة عملياً من خلال الايمان الحقيقي بـ"توحيد الكلمة" في مواجهة انواع مؤامرات اعداء الاسلام ضد تطلعات الامة الاسلامية كي تكون شهادة وحجة على اولئك الذين يشعرون بالمسؤولية إزاء قضايا" العالم الاسلامي":
" لو كان المسلمون قد عملوا بالامر والنهي بحسب الامر الذي ذكره الله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا" ، لحلّت كل مشاكلهم – المشكلات السياسية،الاجتماعية والاقتصادية- ولما استطاعت اية قوة مواجهتهم . الا انهم حرموا من ذلك للاسف بسبب غفلة البعض وعدم انتباه البعض وتغافل البعض ، ومالم يتحقق هذا الامر الالهي فإن علينا ان نتوقع المزيد من المشاكل".(صحيفة الامام ج9 ص 129)
" إن برنامجنا هو برنامج الاسلام، وحدة كلمة المسلمين،الأخوّة مع جميع طوائف المسلمين في جميع مناطق العالم ، التحالف مع كل الدول الاسلامية في جميع انحاء العالم، في مقابل الصهيونية،في مقابل اسرائيل، في مقابل الدول الاستعمارية".


" لا شك في ان واجب كل مسلم يعيش في ابعد مناطق العالم هو نفس الواجب المسؤول عنه الشعب الفلسطيني المسلم اليوم، المسلمون هم بمثابة اليد الواحدة والجميع متساوون في المسؤولية العامة. ولا وجود للتفرقة والتعصب القومي ولايوجد اي امتياز بين الشعوب الاسلامية سوى التقوى ، وأكرمكم عند الله اتقاكم".(صحيفة الامام ج2ص201)
" كما نعلم كلنا، فإن القوى الناهبة للعالم في الشرق والغرب هي التي أججت هذا الصراع الخطير ،فهم يخشون توحد اكثر من مليار مسلم،وهو يؤججون هذه الاختلافات بكل قواهم بشكل مباشر او عبر عملائهم المنحرفين، كي يهيمنوا على مقدرات مسلمي العالم ويتحكموا فيهم وينهبوا مواردهم التي لاتنتهي".(صحيفة الامام ج19ص321)