إن قوة العالم الاسلامي هي من التطلعات الاساسية في الفكر السياسي للامام الخميني. وفي هذا النطاق فإن قيام الوحدة والاتحاد في صفوف المسلمين الداخلية يعتبر من منظاره من اهم عوامل القوة وخاصة في محاربة العدو العالمي. وعلى هذا الاساس، يعد الامام الخميني احد اكبر الدعاة الى الوحدة في العالم الاسلامي حيث اكد كثيراً في خطاباته، رسائله وآرائه الفقهية وسيرته العملية على ضرورة اتحاد الشعوب والمذاهب الاسلامية والحيلولة دون التفرق في صفوف الامة الاسلامية.
وتظهر دراسة آثار الامام الخميني(رض) أن التأكيد على الوحدة في آثاره يصدر من اساس نظري محكم وهذا التأكيد يقوم على المذهب الفلسفي العرفاني للامام الخميني القائم على الوحدة الحقيقية لعالم الخلق والامر لعالم الوجود . ويرى الامام أن فطرة البشر الالهية تميل الى التوحيد وأن الانسان مشى على ضوء هذا الميل في جميع عهود حياته ما لم يتلوث بالاغراض والنزعات النفسية والشيطانية . كما أن الانبياء الالهيين اعتباراً من آدم وحتى الخاتم صلوات الله عليهم اجمعين بنوا أساس دعوتهم الدينية على التوحيد ورفض مظاهر الشرك والثنوية والتثليث والنفاق في كل الابعاد. والاعتقاد بالتوحيد هو غاية الحدود بين الاسلام والكفر بل إن النزعة الى الوحدة الحقيقية في المجتمع البشري هي من مظاهر الاعتقاد بالتوحيد وفي المقابل فإن النزعة الى التعددية هي من الخصائص البارزة للمادية والشرك.
وتقوم استراتيجية الامام الخميني لتحقيق الوحدة على رؤيته الى عوامل الفرقة في العالم الاسلامي. ولذلك فإننا سنعمد أولاً الى بحث مختصر حول عامل أو عوامل الفرقة في العالم الاسلامي بهدف إدراك سبب هذه الاستراتيجية.
يعتبر الامام الخميني(رض) أن العامل الخارجي هو السبب الرئيس للاختلافات في العالم الاسلامي ويرى ان هذا العامل قام ويقوم بعملية تدمير الوحدة في المجتمعات الاسلامية . وهو يعتبر أن هدف العوامل الخارجية من التفرقة التسلط على مجتمعات المسلمين ونهب مقدراتهم حيث يقول في هذا المجال:
" إن اولئك الذين يريدون استغلال بلاد المسلمين ، واولئك الذين يريدون نهب موارد المسلمين، واولئك الذين يريدون ان يضعوا الدول الاسلامية تحت نير تسلطهم سعوا هم انفسهم وعملاؤهم لان يبثوا الفرقة بين المسلمين ."(صحيفة الامام ج13ص339)
ويذكّر الامام من خلال الاشارة الى العناصر الداخلية التي يرى انها تعمل باعتبارها عميلة للعوامل الخارجية وتؤجج الفرقة في العالم الاسلامي ، بأن هذه العناصر الداخلية هي في خدمة العامل الرئيس للتفرقة أي العامل الخارجي:
" إن اولئك الذين يريدون إيجاد الاختلافات ، ليسوا سنة كما أنهم ليسوا شيعة. إنهم عملاء حكومات القوى الكبرى وفي خدمتها." (صحيفة الامام ج13 ص133)
ويضيف في موضع آخر:
" لقد دعا الشيطان الاكبر عملاءه الصغار كي يبث الفرقة بين المسلمين بكل وسيلة ممكنة ويجر أمة التوحيد واخوة الايمان الى الاختلاف والعداء ويمهد الطريق اكثر فأكثر لتسلطه ونهبه ." (صحيفة الامام ج13ص208)
ويشير الامام الخميني(رض) بشكل خاص الى فئتين من هذه العناصر الداخلية ويعتبر احداهما بعض الرؤساء المسلمين ، فيقول:
" من اكبر المشكلات واهمها، انعدام الاتحاد بين المسلمين حيث إن البعض مما يسمى رؤساء البلدان الاسلامية هم مصدرها وللاسف فإن أي إجراء ملفت للنظر لم يتم من اجل حلها، بل إن المجرمين النفعيين الذين يستغلون اختلافات الشعوب والحكومات لصالحهم ، يؤججون الاختلافات على يد عملائهم العديمي الضمير ،وكلما وضع اساس الوحدة بين المسلمين،فإنهم ينبرون للمعارضة بكل قوة وينثرون بذور الاختلاف."( صحيفة الامام ج15ص169)
ويرى الامام أن العنصر المهم الثاني الداخلي الذي ينشط باعتباره المنفّذ للعامل الرئيس هو العناصر الثقافية ويشير اشارة خاصة الى بعض اجراءات رجال الدين الذين يصفهم بصفات مثل " المرتزقة" و" المثيرين للنفاق" و"وعاظ السلاطين" وهو يشير من جملة ذلك الى إقدام هذه العناصر على ايجاد الفرقة بين ايران الاسلام والبلدان المسلمة الاخرى فيقول:
" إن طرح الاختلاف بين المذاهب الاسلامية هو من الجرائم التي ارتكبت على يد المتجبرين الذين يستغلون الاختلافات بين المسلمين وعملائهم الغافلين عن الله ومنهم وعاظ السلاطين الذين اسودّت وجوههم اكثر من سلاطين الجور ويؤججونها يوماً بعد آخر ويقدمون في كل مرحلة مشروعاً لايجاد الاختلافات على امل ان يقوضوا من الاساس دعامة الوحدة بين المسلمين ." (صحيفة الامام ج15ص170)
ويرى الامام الخميني(رض) ان هذا العامل الخارجي استخدم من خلال عملائه الداخليين اداتين مهمتين لايجاد التفرقة في العالم الاسلامي وهاتان الاداتان المهمتان هما الاختلاف القومي (القومية) والاختلافات المذهبية.
ويوظف الامام بعض التجارب التاريخية لبيان هذين العاملين . ويذكر تجربة انهيار الامبراطورية العثمانية الكبرى فيما يتعلق بأداة القومية ويرى ان القوى الكبرى استخدمت هذه الاداة للقضاء على امبراطورية اسلامية كبرى وتجزئة المسلمين وعمّقت الفرقة بين الاكراد والاتراك والعرب في العالم الاسلامي عبر طرح قضية القوميات المختلفة ، ويضيف:
" لعل الكثير منكم يتذكرون الحرب العالمية الاولى وما فعلوه بالمسلمين والدولة العثمانية . وقد كانت الدولة العثمانية من الدول التي لو انها كانت قد واجهت الاتحاد السوفياتي لكانت طرحتها ارضاً أحياناً ، ولما كان بامكان الدول الاخرى منافستها ... لقد رأوا أن لاسبيل الى قهر هذه الدولة الاسلامية وهي بهذه القوة ،ولايمكن نهب مواردها. وبعد ان تغلبوا في الحرب بتلك الامكانات ، قاموا بتجزئة الدولة العثمانية الى دول صغيرة للغاية. وجعلوا لكل منها اميراً او سلطاناً او رئيس جمهورية حيث كانوا في قبضة المستعمرين فيما كانت الشعوب المسكينة في قبضتهم. وبذلك فقد اسقطوا الدولة العثمانية بتلك الحدود."(صحيفة الامام ج1ص375)
ويذكر في كلمة اخرى القومية باعتبارها من المخططات الكبيرة للقوى العظمى لنهب المسلمين فيقول في هذا المجال:
" من المخططات الكبيرة للقوى العظمى التي تريد اخضاع المسلمين لتسلطها و اغتصاب مواردها ونهب اموالها ،قضية القومية ...إن مخطط القوى الكبرى وعملائها في البلدان الاسلامية أن يفرقوا بين هذه الشرائح المسلمة ...أن يبثوا الفرقة بينها باسم الشعب التركي،الشعب الكردي،الشعب العربي،الشعب الفارسي بل أن يبثوا العداء بينهم وهو ما يتعارض تماماً مع طريق الاسلام ... إن اولئك الذين يريدون بث الفرقة باسم القومية والفئوية والوطنية بين المسلمين ،هم جنود الشيطان وأنصار القوى الكبرى ومعارضو القرآن." (صحيفة الامام ج13ص443)
ويشير الامام الخميني في حديثه الى اداة الاستعمار الثانية اي ايجاد الاختلافات المذهبية بين طوائف المسلمين ويعتبرها من جرائم المتجبرين لهدم اساس وحدة المسلمين، ويقول:
" إن الاخطر والاكثر اثارة للحزن من القومية، ايجاد الاختلاف بين اهل السنة والجماعة وبين الشيعة ، ونشر الاعلام المثير للفتنة والعداء بين الاخوة في الاسلام والايمان."(صحيفة الامام ج13ص209)
ويصرح في جانب آخر :
" لو اتحد مسلمو العالم ولم تفرقهم الاختلافات، لما حدث اي من الازمات لهم،... علينا كلنا اليوم ان نلتفت الى عمق القضايا وان نعلم ان القوى الكبرى تدفع الشعب الى الاختلاف من اجل ان تستغل الوضع وتحقق مصالحها المادية من الشعب.إن هذا اليوم ليس باليوم الذي يختلف فيه المسلمون . وعلى الشيعي والسني كليهما ان يجتمعا وينبذوا الاختلافات جانباً وينشطوا معاً في المجالات الاجتماعية والسياسية وبإذن الله سوف تزول البلايا بزوال الاختلافات." (صحيفة الامام ج15ص464)