كما هو واضح أن استراتيجية الامام الخميني لتحقيق الوحدة، تقوم على رؤيته الى عوامل الفرقة في العالم الاسلامي والعامل الرئيس للفرقة في العالم الاسلامي من وجهة نظره هو العامل الخارجي حيث يعمد الى تقويض وحدة الامة بواسطة عملائه الداخليين باستخدام الاداتين المهمتين القومية والاختلاف المذهبي ، والآن فإن من الواجب ان نعمد الى دراسة هذا الموضوع وهو تحديد طريق بلوغ الوحدة او استراتيجية وحدة العالم الاسلامي من وجهة نظر الامام الخميني(رض).
إن دراسة الآثار المنشورة للامام ا.لخميني(رض) تدل على ان اسسه الاستراتيجية بهدف تحقيق الوحدة في العالم الاسلامي تقوم على اساسين سلبيين يمكن معهما ومن خلال استخدام مجموعة من الادوات الايجابية تحقيق وحدة العالم الاسلامي:
أ) الكفاح والبراءة من القوى الكبرى المتسلطة
اذا اخذنا بنظر الاعتبار رؤية الامام الى عامل الفرقة الرئيس فإن من البديهي انه يعتبر الصدام مع القوى الكبرى والقوى المتسلطة اهم استراتيجية لتحقيق الوحدة ويرى ان نبذ تسلط هذه القوى ونفوذها اهم عامل في اعادة الوحدة الى العالم الاسلامي. يقول الامام الخميني في هذا المجال:
" على الشعوب المسلمة ان تفترض عداء القوى الكبرى وخدعها لها الا اذا شاهدوا ولمسوا وصدّقوا خلاف ذلك بشكل عملي وعيني." (صحيفة الامام ج21ص 121)
ويقول في موضع آخر:
" إن من يتبع الدين الاسلامي عليه ان يعارض القوى الكبرى وينقذ المظلومين من قبضتها." (صحيفة الامام ج13ص69)
ويذكر الامام في هذا الصدد محاربة امريكا بشكل خاص باعتبارها اهم مصداق للتسلط في العالم الاسلامي واهم عامل للتفرقة ويؤكد على محاربتها فيقول:
" إن اهم وأفجع القضايا التي تواجهها الشعوب المسلمة وغير المسلمة والبلدان الخاضعة للهيمنة هي قضية امريكا... فامريكا هي العدو اللدود لشعوب العالم المحرومة والمستضعفة . وامريكا لاتتورع عن ارتكاب اية جريمة من اجل سيطرتها السياسية والاقتصادية والثقافية على العالم الخاضع للهيمنة." (صحيفة الامام ج13ص212)
وعلى هذا الاساس فإن الامام الخميني(رض) لايرى الصدام مع امريكا وقاعدتها في المنطقة أي اسرائيل من وجهة نظر العلاقات مع بلد قوي في نظام غير مشروع، بل من وجهة نظر استراتيجية فيما يتعلق بوحدة العالم الاسلامي. ويعتبر رفض ونبذ نفوذ امريكا وتسلطها في البلدان الاسلامية مؤديين الى تجديد حياة العالم الاسلامي والقضاء على التفرقة في هذه البلدان. وبناء على ذلك يبدو أن الامام يرى ان احدى العقبات الاساسية امام الوحدة سوف تزال الى حد كبير من خلال تجنب نفوذ القوى المتسلطة وتسلطها ويمكن على اثر ذلك توجيه الوجوه المشتركة للبلدان الاسلامية وحاجاتها نحو بعضها البعض.
ب)المحافظة على انسجام الامة الاسلامية ومحاربة العناصر المفرّقة
يرى الامام الخميني (رض) أن رفض الادوات الداخلية للقوى الكبرى فضلاّ عن رفض هذه القوى نفسها، هو خطوة اساسية اخرى للمحافظة على تماسك العالم الاسلامي ووحدة الامة الاسلامية . فنحن إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الامام الخميني(رض) ذكر الاداتين المهمتين للتفرقة في العالم الاسلامي باسم التفرقة القومية والتفرقة المذهبية فإن من الطبيعي ان يعتبر محاربة هذين الاسلوبين للتفرقة من اسسه الاستراتيجية المهمة ويؤكد على حفظ انسجام الامة الاسلامية ومحاربة العناصر المثيرة للتفرقة . وهو يسعى في هذا المجال لأن يصور اختلافاتهم المذهبية على أنها عديمة الاهمية عبر طرح الاسس المشتركة بين المسلمين ويوحد الجميع حول محور القرآن والتوحيد. يقول في هذا المجال:
" علينا أن نلتفت الى هذا المعنى وهو أننا كلنا مسلمون . كلنا أهل القرآن وأهل التوحيد وعلينا ان نبذل الجهد للقرآن والتوحيد ونخدمهما..." (صحيفة الامام ج13 ص54)
" إن أصل هذه القضية هو ان الشيعي في طرف والسني في طرف آخر بسبب الجهل وبسبب الاعلام الذي قام به الأجانب ... واليوم هو اليوم الذي يجب على كل المسلمين أن يتحدوا."(صحيفة الامام ج13ص152)
كما أن سلوكه العملي يدل دوماً على إزالة هذه الاختلافات. وهو يرى الاختلافات الفقهية في المذاهب الإسلامية أصغر من أن تؤدي الى تشتت المسلمين في مقابل الكفار .
ومن جهة اخرى فقد اعتبر الإمام الخميني (رض) في مواضع مختلفة وضمن معارضته لأي فئوية في العالم الاسلامي، هذه الفئوية سبب تفرق المسلمين وضعف قوتهم ويرى وجوب الحيلولة دون نشاط بعض الأحزاب التي تؤدي الى ظهور الفجوة الاجتماعية بين المسلمين ويعتبرها مؤدية الى تجزئة الشعب والحيلولة دون وحدة الشعوب الاسلامية.
" إن مخطط القوى الكبرى والمرتبطين بها في البلدان الاسلامية أن يفرقوا بين هذه الشرائح المسلمة التي أوجد الله تبارك وتعالى الاخوة بينها ، وذكر المؤمنين باسم الأخوة ، ويفرقوا بينهم باسم القومية الكردية،القومية التركية،القومية العربية،القومية الفارسية بل وأن يجعلوهم أعداء .وهو ما يناهض خط الاسلام تماماً وخط القرآن الكريم. إن جميع المسلمين إخوان ومتساوون ، وأي واحد منهم ليس منفصلاً عن الآخر ،وكلهم يجب ان يكونوا تحت لواء الاسلام ولواء التوحيد .واولئك الذين يقومون بالتفرقة باسم القومية والفئوية والوطنية ، هم جنود الشيطان وانصار القوى الكبرى ومعارضو القرآن الكريم."(صحيفة الامام ج13 ص444)
ويرى الامام ومن خلال التأكيد على مصالح الاسلام بدلاً من المصالح الوطنية،أن بإمكان القوميات المختلفة ان تجتمع حول المحور الاسلامي فقط وتؤمن مصالحها الاسلامية وعلى هذا الاساس فإنه يرى ان العقبات الاساسية امام الوحدة بين الشعوب الاسلامية لاتزول الا برفض القوى الكبرى والعوامل الداخلية للتفرقة. وبإمكان مسلمي العالم أن يشهدوا مرة أخرى مجد وعظمة تحقق الحكم الإلهي الواحد.