بسم الله الرحمن الرحيم
تربية الإنسان هدف جميع الأديان الإلهية
عندما كنا في باريس كانت سوق الدعايات رائجة في مختلف المجالات، ومن جملة تلك الدعايات كان يقال إذا انتصر المسلمون في إيران سوف يوقعون المجازر باليهود والنصارى لأن المسلمين يخططون لقتل جميع اليهود!! لقد أوضحت مراراً في مقابلاتي التي اجريتها الحقيقة التي يؤمن بها الإسلام. وقد أتاني ممثل الطائفة اليهودية وتحدثت معه عن منهج الإسلام .. إن كل الأديان التي أنزلت من عند الله تبارك وتعالى وجميع الأنبياء العظام هي من أجل راحة الانسان وتربيته. إن الله تبارك وتعالى قد أراد بإنزاله الوحي على الأنبياء العظام هداية الناس وتربية الإنسان، الإنسان بجميع أبعاده، إن المذاهب والمسالك الأخرى لا شغل لها بماذا يكون عليه الإنسان في ذاته وجوهره ومع نفسه. إنهم يتطلعون إلى حفظ دنياهم، وحفظ النظم بينهم فحسب. فإذا كان النظم مستقراً فليفعل الإنسان ما يشاء وليرتكب كل ما يشاء من المخالفات بعيداً عن الأنظار، إذ لا ربط لذلك بالحكومة، فليس من قانون هنا- في النظم غير التوحيدية- يمنع الانسان من بعض الامور داخل بيته. فلا شغل لهم بما يقع في باطن ذاته، أو في من- زله، أو في الخفاء. وأساساً لا ربط لهم بهذه الأمور. وإنما المهم عندهم فقط هو أن لا يسير الانسان في الشارع معربداً ويخل بالنظم. إن جميع المسالك غير التوحيدية هي بهذا الشكل وهذا بخلاف المسالك التوحدية والأديان التي نزلت على الأنبياء العظام.
فالأديان تهتم بجميع أبعاد الانسان، وحتى قبل ولادته. فهي تبين كيف ينبغي ان يكون الزواج، وما هي شرائطه وأية امرأة يجب اختيارها، والمرأة أيضاً أي رجل يجب أن تختار. وذلك لأن الزواج مزرعة لظهور انسان آخر. فقبل أن يقع الزواج يوضح الإسلام الأمور التي ترتبط بولادة هذا الطفل بحيث يكون سليماً وتكون نفسه سليمة، ولهذا يهتم بأمور ما قبل الزواج أيضاً: شرائط الزواج، ثم بعد ذلك فترة الحمل وحتى قبل الحمل، عندما يراد التلقيح بأي شرائط ينبغي ان يكون وما هي احكامه، عندما يكون الطفل جنيناً ما هي الأشياء الجيدة التي ينبغي على الأم تناولها، وما هي الأشياء التي ينبغي لها اجتنابها، كيف ينبغي ان تكون حياتها أثناء الحمل وما هي الأمور التي ينبغي مراعاتها، ثم بعد ان يولد الطفل ما هي الشرائط التي ينبغي ملاحظتها في المرضعة فيما إذا أرادوا اتخاذ مرضعة له وكيف ترضعه، في أية أوقات، بأية شرائط، عندما يكون في حضن الأم كيف تتعامل الأم معه. وبعد أن يخرج عن حضانة أمه كيف ينبغي ان يكون الأب معه، كيف ينبغي ان تكون أجواء الأسرة من اجل تربية هذا الطفل، ثم كيف ينبعي ان يكون المعلم. وبعد ذلك وعندما يدخل إلى المجتمع كيف ينبغي ان يكون وضعه في المجتمع. ان جميع هذه الأمور من اجل ان يكون هذا الانسان الذي يُراد ايجاده انساناً مهذباً، صالح للعمل، متحلياً بمحاسن الاخلاق والاعتقادات الصحيحة، يقوم بأعمال حسنة ويعرف كيف ينبغي ان يكون سلوكه مع الناس، كيف ينبغي ان يكون سلوكه في المجتمع، كيف ينبغي ان يكون مع الجيران، كيف ينبغي ان يكون مع أبناء مدينته، كيف ينبغي ان يكون مع أبناء دينه، مع أتباع الأديان الأخرى، إن الأديان التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى إنما تهتم بكل هذه الأمور لان الله هو الذي خلق الانسان ويريد تربيته في جميع أبعاده ولهذا لافرق بين دين وآخر في هذه المسألة، لأنها جميعها جاءت لتربية الانسان.
الإسلام والأقليات الدينية
إن هذه الأمور التي أشرت إلى بعضها مطروحة في الإسلام، في أحكامه وفي القرآن، وتفيد الروايات بأن الإسلام يهتم كثيراً برفاهية الناس، براحة الناس، ولا يجعل فرقاً في هذه الأمور بين فئة وأخرى.
إن أبناء الأقليات الدينية الذين كانوا يعيشون بين المسلمين في صدر الإسلام بعد الفتوحات، وهم غير المشركين الذين كانوا يتآمرون وغير بعض الفئات التي كانت تتآمر وتريد إثارة القلاقل والاضطرابات، فهؤلاء الذين كانوا من الاقليات الدينية كانوا يحظون باحترام تام في الإسلام ...
ففي إحدى القضايا- ولعله كان جيش معاوية- تعرضت إمرأة يهودية للهجوم وسُلِبَ خلخالها- وبحسب ما ينقل- فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام إنني سمعت بأنهم قد هجموا وسلبوا خلخال إحدى النساء الذميات فإذا مات الانسان من سماع هذا غير ملام- قريب من هذا المعنى ( «106»)- لقد كانوا يهتمون بحفظ مصالح جميع الفئات إلى هذه الدرجة.
الصهاينة ليسوا يهوداً
إننا نفصل بين اليهود وبين الصهاينة، فالصهيونية لا علاقة لها باليهودية، لأن تعاليم موسى سلام الله عليه تعاليم إلهية، وقد ذكر القرآن موسى أكثر من بقية الأنبياء، كانت تعاليمه قيمة، وذكر القرآن تاريخ موسى وسيرته مع فرعون .. كان راعياً للغنم ولكن كان معه عالَمٌ من القوة والإرادة وقد نهض لمواجهة طغيان فرعون وقضى عليه. لقد كان الاعتماد على القدرة الإلهية والإهتمام بمصالح المستضعفين في مواجهة المستكبرين وعلى رأسهم فرعون والنهوض في وجه المستكرين، منهج موسى سلام الله عليه، وهذا المعنى مخالف تماماً للمشروع الصهيونين إذ ارتبط الصهاينة بالمستكبرين إنهم جواسيسهم وأجراء عندهم، ويعملون ضد المستضعفين خلافاً لتعاليم حضرة موسى عليه السلام الذي اعتمد على هؤلاء الناس العاديين- مثل بقية الأنبياء من أبناء السوق والأحياء الشعبية، ونهض بهم ضد فرعون وجبروت فرعون، وكان المستضعفون هم الذي تصدوا للمستكبرين واسقطوهم عن استكبارهم خلافاً لسلوك الصهاينة المرتبطون بالمستكبرين، ويعملون ضد المستضعفين.
كراهية اليهود للصهاينة
إن هذا التعداد من اليهود الذي خدع وجُمع من أقطار العالم في فلسطين، لعلهم الآن نادمون. إن من كان يهودياً ولا يريد أن يتبع غير تعاليم موسى السامية، لعلهم نادمون الآن لذهابهم إلى فلسطين، وذلك لأن من يذهب إلى هناك ويشاهد سلوك هؤلاء وكيف يقتلون الناس بلا مبر باسم اليهودية، لا يمكن أن يقبل بذلك. فهذه الممارسات تتعارض مع تعاليم موسى. إننا نعلم أن حساب المجتمع اليهودي غير حساب الصهاينة وإننا معارضون لهم ومعارضتنا نابعة من كونهم يعارضون جميع الأديان إنهم ليسوا يهوداً، بل هم أناس سياسيون يقومون بأعمالهم تحت غطاء اليهودية فاليهود يكرهونهم، وجميع الناس يجب أن يكرهوهم.
الاقليات الدينية في الجمهورية الإسلامية
وأما الطائفة اليهودية، وسائر الطوائف الموجودة في إيران وهي من هذا الشعب، فإن الإسلام يتعامل معهم كما يتعامل مع بقية طوائف هذا الشعب. إن الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداً، ولا محاربتهم في معيشتهم، فهذا مخالف لأصل التربية الإسلامية، مخالف لما يريده الله تبارك وتعالى من الرفاهية لجميع الناس. إن الإسلام يتبع الأحكام الإلهية، فكما أن الله تبارك وتعالى يفرض الاحترام لجميع طوائف الشعوب، كذلك الإسلام يفرض احترامهم. اطمئنوا لهذا، إنني قد ذكرت هذا حينما كنت في باريس للشخص الذي جاءني ممثل عنهم وقلت له بأن الإسلام لا يرضى بإيذاء أحد، الإسلام للجميع، وينشد السعادة للجميع، فلا معنى لما يثار من أن المسلمين سيفعلون باليهود كذا وكذا. لقد شاهدتم كيف انتصر المسلمون ومع ذلك لم يتعرضوا لليهود، ولم يتعرضوا للزردشتيين، لم يتعرضوا لبقية الطوائف، وقد رأيتم ذلك بأعينكم ... هل تعرض أحد ليهودي بعد انتصارنا؟ تعرض لنصراني؟ تعرض لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرض في البين. وبعد هذا أيضاً عندما تقام وتستقر الحكومة الإسلامية- إن شاء الله- بالشكل الذي يريده الله تبارك وتعالى، فسوف ترون أن الإسلام أفضل من جميع المناهج الأخرى فيما يرتبط بمراعاة حقوق جميع فئات الشعب، وسوف يعمل بشكل أفضل من الجميع.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون جميع الناس في رفاهية، وأن تتحقق لهم السعادة والهداية. هداهم الله جميعاً للصراط المستقيم، منَّ الله على الجميع بالسعادة واطمئنوا انه لا يوجد ظلم في الجمهورية الإسلامية. إننا لا نَظلم ولا نُظلم. هذا ما علمنا الإسلام: لا تَظلموا ولا تُظلموا. فبمقدار ما نستطيع لا نقع تحت الظلم، ولا نَظلم في أي وقت أبداً. وفقكم الله تعالى. احرصوا على مساهمتكم في هذه النهضة، كي يتسنى لها تحقيق أهدافها. إن هذه النهضة نهضة انسانية لذا يجب على جميع الناس تأييدها. منّ الله تعالى عليكم بالسعادة جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج7، ص: 219