ينتفض الشباب كما أعمارهم مع كل اضطهادٍ أو قمع، وتتعملق مشاعرهم الضارية لتحظى بسموٍ غابت عنه الماديات، فمنهم من يبحث عن مدىً يقذف بمشاعره إليه ومنهم من ارتضى أن يقبع في الصمت والاستسلام الحاقد، وفي كلتا الحالتين لا بد لهؤلاء من تخيّر قدوةٍ ينبهر بها وجدانهم.
ولكن الآن وبغير عادة، لن نتحدّث عمّن اتخذ الوجه السلبي للحياة بل سنلجأ إلى إيجابيات الشباب علّها تكون بذرة نهضة تغوص في النفوس العاجزة لتزهرها إقداماً وجهاداً.
بين صفحات هذه الأيام وبالتمحيص عن قدوة تتعاظم في أعين الشباب تجدنا لاجئين إلى ماضٍ أبى الشباب التخلّي عنه رافضاً اعتباره من الزمن الغابر بل «هو قلب الواقع وعين المستقبل»، إنه الإمام الخميني الذي لا زال بعد هذه السنوات من رحيله حاضراً في قلوب معظم الشباب في العالم الإسلامي وغيرهم ممن لم يحظوا «بشرف معاصرة الإمام الجسد فلم يكونوا من جيل الثورة» حسبما يعبّر أحدهم؛ ولكنهم شاهدوا الإمام الثائر، الإمام القائد، ذاك «الإمام الشاب في ثوب الشيخوخة».
هنا وبعد أن وجهنا الشباب إلى هذه القدوة العظيمة، تجدنا نسألهم: ومن هو هذا العظيم في أعينكم؟ وكيف عساها تتجلى مظاهر عظمته في أنفسكم؟
حار الكثير في الإجابة عن هذا السؤال ولكن الرد العفوي «كان يحضُر فيدخل برهبته مع عطفه إلى القلب». وسيرد معنا كيف عبّر بعض الشباب من مجتمعنا اللبناني كذاك المجتمع الإيراني الذي قَرُبت مسافات اطلاعه على ملامح هذه الشخصية علنا نستقرئ منهم ما يقرع أبواب ربيع النفوس لمعرفة وخطوة جديدتين.
التقوى والجهاد
اختارت أن تروينا طالبة إدارة الأعمال ملاك أنها ومنذ الصغر كانت ترى صورة الإمام الخميني على أنها رادعٌ عن كل شر فلم تكن تجرؤ على القيام بأي خطأ أمام صورة الإمام الخميني والتي كانت معلقة في منزلهم، وهذا الشعور تشكّل في الكبر هيبة ورهبة «وقدوة تسير بها نحو السلام النفسي. فالورقة البيضاء التي طلب الإمام الخميني رميها من النافذة لكل من أراد تغيير حكم الشاه، إنما تعبّر عن ذكاء وسلام وتصميم يرافقه نحو نهايةٍ تحمل الأمان لكل من أراد الحرية»، وهنا تتساءل أن «كيف يقف عاقلٌ دون أن يرى في حياة هذا الكبير قمة يطمح للوصول إليها بكلّ ما تشكله من قيادةٍ وخشية في الله التي لولاها لما أضحى الشباب في العالم الإسلامي يشكل رادعاً لأي اعتداءٍ غاشم يهدّد شرعيتهم الوجودية؟».
أما الموقف الذي تذكره الطالبة راغدة من أن الإمام لم تُسجَّل له غفوةٌ عن واجبٍ قط في سيرته، ما عدا ذاك الوقت الذي قضاه الإمام الخميني نائماً أثناء اعتقاله ونفيه في الطائرة إلى باريس، تلك اللحظات التي تكاد تكون الأقسى على الإنسان بينما حياته محاطةٌ بالخطر، فقد كان الإمام في سباتٍ عميق لم يشُبه توتر، فحتى القلق لم يعرف طريقاً إلى قلب الإمام، وإن دلّ ذلك على شيء إنما يدلّ على مدى ثبات رؤيته وعدم التذبذب الذي قد يصيب ضعاف النفوس، خاصةً أن موقفه كان عنواناً لشهادةٍ برصاصة على يد الغدر في أية لحظة، هذا ما جعل موقفنا الآن يعتمد بكل تفاصيله على الدين الحنيف مستنداً لمعنى التقوى المشبعة بروح الجهاد.
المصدر:دارالولاية