الحج الابراهيمي حسب مايراه الامام الخميني

الحج الابراهيمي حسب مايراه الامام الخميني

شهر ذي الحجة الحرام شهر الله سبحانه وتعالي، شهر وصال المحبين على طريق المحبوب الحقيقي. ان الحجاج، الذين قد دعوا الي ضيافة الله تعالى، يستعدون للحضور في ضيافة خاصة الهية.

شهر ذي الحجة الحرام شهر الله سبحانه وتعالي، شهر وصال المحبين على طريق المحبوب الحقيقي. ان الحجاج، الذين قد دعوا الي ضيافة الله تعالى، يستعدون للحضور في ضيافة خاصة الهية. ملبين نداء النبي إبراهيم، خليل الرحمن، ليجددوا ميثاقهم مع محطم الأصنام لئلا يطوفوا غير الكعبة. فهم يقدمون الذبائح في مني ليضحوا بكافة ما لديهم من المظاهر غير الإلهية ويرمون الجمرات ليتبرؤوا من الشرك وكل صبغة غير الله معرضين عن جميع الأسباب والدواعي المثيرة للتفرقة بمشاركتهم في مؤتمر الحج العظيم وهم يتحدون صامدين بوجه الكفر العالمي ليعرضوا العزة الإسلامية بوحدتهم هذه ويزعزعوا أركان الكفر.
وبما أن الحج يعتبر مسألة عبادية – سياسية، فقد تبلورت فيه آثار وتداعيات سياسية وعبادية كثيرة. لقد جعل الله سبحانه وتعالي الكعبة ومناسك الحج مظهرا لجماله وجلاله؛ ويعني ذلك أن لزيارة بيت الله الحرام آثارها في تزكية النفس وتهذيبها، كما أن فيها علامات البراءة من الشرك والمشركين.
انَّ للحج دوراً هاماً ليس فقط في الحياة المسلمين السياسية – الاجتماعية، بل وفي مصير الانسانية. فالكعبة التي اُعتُبرت مشعل هداية للأنسان، اول بيت تم تشييده للناس. وبالنظر لذلك فقد تفضل الامام الخميني(قدس سره) قائلاً: "لقد أقام الإسلام تجمعات كالحج، لا يمكن لأي قوة أن تقيم مثلها. فلو أن كل البلدان الإسلامية وزعماءها اجتمعوا، فلن يوفقوا لجمع نصف مليون انسان في مكان واحد!"(صحيفة الامام الخميني،ج10،ص93).
قال سماحته في موضع أخر: "على المسلمين الوافدين من مختلف البلدان لأداء فريضة الحج خصوصا رجال الدين المحترمين أن يستغلوا فرصة إلتقائهم هناك، لمناقشة قضايا المسلمين وأوضاعهم. فالحج لهكذا أمور. ونوعاٌ من التدارس السنوي لمشاكلهم وقضاياهم والسعي لوضع حلولٍ لها ومعالجتها. لأجل قيام الناس، ليدرك المسلمون ويعوا مشاكل المسلمين، لترسيخ التفاهم والمودة والاخوة بين المسلمين." (صحيفة الامام الخميني،ج18،ص50).
واضاف حضرة الامام(قدس سره)، حول اهمية الحج من الناحية السياسية- الاجتماعية، وواجب الحجاج، قائلاً:" الحج ميدان تجلي ومرآة تعكس مؤهلات المسلمين وقدراتهم المادية والمعنوية .. الحج كالقرآن يستفيد منه الجميع، ولكن إذا ما حاول المفكرون والباحثون والمدركون لآلام الأمة الإسلامية الغوص في بحر معارفه ولم يهابوا الاقتراب من الخوض في أحكامه وسياساته الاجتماعية، فسوف يتسنى لهم الانتقال من اصداف هذا البحر إلى المزيد من جواهر الهداية والرشد والحكمة والتحرر، وسيرتوون من زلال حكمته إلى الأبد. ولكن ماذا ينبغي لنا أن نفعل، والى أين نتوجه بهذا الهم الكبير حيث بات الحج مهجوراً كالقرآن، ومثلما توارى كتاب الحياة والكمال والجمال وراء الحجب التي صنعناها بأنفسنا وتم‏ دفن واخفاء خزائن أسرار الخلقة تحت الانقاض التي أوجدها أصحاب الفكر المنحرف من مفكرينا، حتى تدنت لغة الأنس والهداية والحياة والفلسفة التي تبعث على الحياة، إلى لغة الغربة والموت والقبور. الحج أيضاً ابتلي بالمصير نفسه. حيث يذهب ملايين المسلمين كل عام إلى مكة وتطأ أقدامهم موطئ أقدام الرسول وإبراهيم وإسماعيل وهاجر، ولكن لا يوجد منهم من يسأل نفسه من هو إبراهيم ومحمد عليهم السلام وما الذي فعلاه وماذا كان هدفهما. وما الذي أرادوه منا؟ ويبدو أن الأمر الوحيد الذي لا يتم التفكير به هو هذا." (صحيفة الإمام، ج‏21، ص 75،76)
يعد الحج من أحد العوامل المؤثرة في إحباط المؤامرات المدبرة للتفرقة بين المسلمين. فإن هناك مساعي وجهود مبذولة، قد تأتي تحت عنوان المذهب، وهي تزمع علي المساس بالوحدة في المجتمع الإسلامي وإثارة التفرقة فيه. فإن لم يكن هذا المؤتمر السنوي العظيم لكانت تلك المؤامرات تخلف تأثيرها ولم نكن نشهد اليوم هذا التضامن الضعيف الموجود بين ملايين مسلمين بمختلف مذاهبهم. فإن هذا الاجتماع، بما يتميز به من عظمة، يحول دون ظهور الجماعات المنحرفة المتكونة أحيانا باسم الذود عن التوحيد.
يعتبر الحج استمرارا لفلسفة صلاة الجماعة والجمعة والأعياد الدينية وهو العامل الحاسم الأكثر شمولية للحيلولة دون تفرقة المسلمين من كل شعب وبلد.
وهكذا فإن للحج، بصفته أحد أركان الإسلام العملية، مكانة أساسية في توطيد الوحدة في المجتمع الإسلامي. كما يعد الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالي الصلة الوحيدة التي يمكنها أن تشمل قاطبة أفراد البشر.
هذا ويتجلي في كل من مناسك الحج توحيد المبدأ والمعبود والمقصد والمقصود؛ ولما يتفوه الحاج بالتلبية فهو يستجيب نداء الرب وحده ويرفض الشرك قائلا: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك". وعندما يطوف بالكعبة يجعل النقطة المركزية للتوحيد قبلة لقلبه وهو ينظر الي الكعبة كعلامة للتوصل الي المحل الأعلي. كما يتواضع الحاج لربه مصليا وهو يجعل خده علي عتبة باب المحبوب. كما لو قصد المذبح لا يريد الا ليذبح كافة تعلقاته المادية وجميع أحبائه الا الله سبحانه وتعالي. ثم نشهده عند رمي الجمرات وهو يرمي جميع مظاهر الشياطين.  


ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء