وصايا وكلمات الامام الخميني، سراج طريق مستقبلنا
سید حمید طباطبایی
اشار سماحة الامام في وصيته الى الخطر المحدق بنا اليوم، بدقة وحصافة:
1- من المؤامرات الخطيرة التي ظهرت بوضوح في القرن الاخير خصوصاً في العقود الاخيرة منه وبالاخص بعد انتصار الثورة الاسلامية الحركة الاعلامية الواسعة النطاق وذات الابعاد المختلفة الهادفة لاشاعة اليأس والقنوط من الاسلام في اوساط الشعوب، خاصة الشعب الايراني المضحي.
2- فتارة يصرح هؤلاء بسذاجة بان احكام الاسلام التي وضعت قبل الف واربعمائة عام لا يمكنها ادارة الدول في العصر الحاضر، او ان الاسلام دين رجعي يعارض كل معطيات التقدم والتمدن، او انه لا يمكن للدول في العصر الحاضر اعتزال الحضارة العالمية القائمة ومظاهرها، الى غير ذلك من امثال هذه الدعايات البلهاء.
3- وتارة اخرى يعمدون بخبث وشيطنة الى التظاهر بالدفاع عن قدسية الاسلام، فيقولون: بان الاسلام وسائر الاديان الالهية تهتم بالمعنويات وتهذيب النفوس، وتحذّر من طلب المقامات الدنيوية، وتدعو الى ترك الدنيا والاشتغال بالعبادات والاذكار والادعية التي تقرب الانسان من الله، وتبعده عن الدنيا، وان الحكومة والسياسة وادارة الامور تتعارض كلها مع ذلك الهدف وتلك الغاية المعنوية السامية، وهي امور يراد بها بناء الدنيا، الامر المغاير لسيرة جميع الانبياء العظام.
4- ومما يؤسف له فان الجهد الاعلامي المبذول بالاتجاه الثاني ترك اثره على بعض علماء الدين والمتدينين الجاهلين بالاسلام، الى حد جعلهم يعتبرون التدخل في الحكومة والسياسة معصية وفسقاً، ولعل البعض لازال الى الآن يرى الامر كذلك، وهي الطامة الكبرى التي ابتلي بها الاسلام. (صحيفة الامام، ج21، ص 364)
في كلام الامام (قدس سره) عدة نقاط هامة:
اشارت الى الدعايات التي تطرح ان الدين لايلائم المجتمع! بطبيعة الحال، وبتبع ذلك، تعني عدم استطاعة المتدينين! فالدين دون المتدينيين لاهوية له.
على ضوء هذا الكلام الحكيم، علينا القبول بأن اعداء الحكومة الدينية، لافرق في ذلك بين المعارضين للدين او الموافقين له، ظاهراً، كما اُشير اليه في الفقرة الرابعة، ولأثبات مايدّعون، يستندون وقبل اي شيئ آخر على اعمال وتصرفات الحُكام الدينيين. بداهةً، اننا، كمحبي مسار الامام العقلاني، اذا ما اردنا الدفاع عن افكار الامام، يجب القيام بذلك باعمالنا. ان المدافعين عن فصل الدين من الحكومة والسياسة، اذا ماواجهوا حكومة مقتدرة، قوية، فان ماعندهم من براهين فلسفية يذهب ادراج الرياح!.. تقبلوا.. ان العمل بوصية الامام (قدس سره) فيما اشرنا اليه في الفقرة الاولى.. هل يتم الاّ في مسار مشرق ومرجو؟
من جهة اخرى: لعله يمكننا القول بان الشيئ الذي يعيق الدين بل ويجعله قبيحاً، ليس دخول الدين السياسة! بل دخول الابتلاء بالسياسة، الدين! لعل السياسة، لايمكنها ان تكون ضد الاخلاق التي هي جوهرة الدين، لكن الابتلاء السياسي لايتمسك بالاخلاق! مما يجعل ذات ووجه الدين في مسار خاطئ وممقوت.
لذا، على مدافعي الحكومة الدينية، الابتعاد، تماماً، عن التلاعب بالسياسية في مجال الحكم.
يبدو ان القسم الثاني جاء كدليل على القسم الاول، اي ان مخالفي حضور الدين في حقول الاجتماع والسياسة، عندما زعموا، بما ان الذين ليس باستطاعة التناغم مع مظاهر العالم المعاصر.. فالنتيجة هي ان الاسلام لايرتبط بعصرنا الراهن! وقد انتهى زمنه!
لقد لفت سماحة الامام (قدس سره) الانظار الى ذلك بقوله " ان الاسلام لايتعلق بزمن خاص. لانه، باستطاعة، قادر على مماشاة الحضارات واحتوائها وفي الوقت ذاته محو عيوبها واخطائها." علينا في هذا المجال، دراسة كلام الامام، على عدة تيارات:
- الذي هم، جذرياً، يعارضون التدين.. وقد وجدوا ضالتهم في التحديث والعولمة ويقومون باشاعة ادعائهم السابق.
- المنبهرون "بسذاجة" بحضارة الغرب! وينيل مكاسب العالم الحضاري! يريدون ان يصبحوا غربيين من فرق الرأي الى اخمص القدمين!.. هؤلاء، وبمشاهدة التطور العلمي الغربي- تقهقروا امام الفلسفة الغربية! فاصبح عدد منهم دعاة للعلمانية.. ولامعارضة لهم، لحضور الدين في حقل الشؤون الفردية! الاّ انهم لايتحملون نشاط الدين وليس المتدينين، في مجال السياسة.
- المتحجرون والسطحيون الذين لايريدون الانصياع الى ان العالم الجديد له ميزاته الخاصة به. هؤلاء، وبعدم الالتفات الى حقيقة الدين، يعتبرون طقوسهم التقليدية ديناً! لذلك فهم في حالة مقارعة وصراع مع العالم الجديد! يوماً، يحرّمون (رشاش ماء) الحكام! ويوماً يعترضون على مكبرة الصوت! ويوم آخر يعتريهم القلق والاضطراب فيما يتعلق بحقوق النساء!.. ويوماً لايتحملون الموسيقى!.. وتارة يقارعون الفن الفلسفة واتحاد السنة والشيعة!
الجدير بالذكر، ان ماتقوم به هذه الفئة، تبعث على تقوية ودعم المجموعة الاولى اي معارضي التدين، وذلك باقناع المجموعة الثانية اي المنبهرين.. لطي المسار معهم. بداهة، ان العلم الجديد، حقق مكاسب كثيرة لايمكن نفيها.. واذا ما انكر الاصوليون ذلك فانهم سيجدون انفسهم في متاهة!.. هذه المكاسب ليس على تضاد مع الدين، فقط، بل حتى لاتستطيع ان تزلزل التدين، اذا ماعُرفت حقيقة الدين بصورة صائبة وواضحة. لذا، فان المتدينين الحقيقيين يتحملون واجباً بالغ الصعوبة. عليهم، مقارعة الجمود والتحجر، من جهة، لاثبات قدرة حضور الدين في المجالات الحديثة، للدلالة على ان الدين كقوة ثقافية غير محدودة، يتمكن التناعم مع (شتى التقاليد) في (عصور مختلفة) وفي (ساحات جغرافية متنوعة)... لاثبات ان تغيير كل سُنة قومية او محلية في اي مكان، لايعني تغيير القيم الدينية.. ومن جهة اخرى عليهم التصدي للذين يعتبرون نهاية التدين في العصر الحديث.
قال سماحة الامام (قدس سره)حول ذلك: "كمثال، في صدر الاسلام، وبسبب ضِيق الدولة الاسلامية، لم تكن هنالك حاجة لايجاد مصرف، دائرة تسجيل عقارات واحصاء وماشابه ذلك المعدات العسكرية في ذلك العصر تختلف عما هو موجود من معدات في عصرنا الراهن، ولم تكن هناك وزارة بريد ومواصلات او لم تكن فيها مراسم كما هي الآن. فقانون الاسلام، لم يمنع ذلك، في الاصل. في الوقت الراهن، على الخبراء الدينين الذين هم على الاسلام، ان ينظروا الى انّ اي تشكيلة لا تخالف قوانين الاسلام وتحتاجها البلاد، ان يوافقوا على ذلك. ان قانون الاسلام، قط، لم يعارض ولايعارض مثل هذا التطور، ولم يقف سداً امام التقدم السياسي او الاجتماعي".
المرجع: موقع جماران - بتصرف