أكد زعيم النهضة الاسلامية في البحرين، "آية الله الشيخ عيسى قاسم"، أن الثورة الإسلامیة الايرانية هویتها قرآنیة، وهدفها إلهي، ومنهجها رباني، وقیادتها إسلامیة، وخطّها التوحید، وهدم کل أنوع الظلم.
وأشار الى ذلك، زعيم النهضة الاسلامية في البحرين، "سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم" في رسالة مرئية بعث بها الى مؤتمر "الامام الخميني(رض) والعالم المعاصر" الدولي الذي أقيم في مرقد الامام الخميني(رض) جنوب العاصمة الايرانية طهران، وذلك بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل مفجر الثورة الاسلامية في ايران الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه).
وقال آية الله عيسى قاسم في الكلمة التي ألقاها تحت عنوان "تأثیر الثورة الإسلامیة الإیرانیة علی صحوة الشعوب الإسلامیة" إنه جاءت الثورة الاسلامية الايرانية لتُعيد للإسلام الأصيل المغيّب حضوره الفاعل القويّ في الفكر والوجدان وعلى مستوى الإرادة والسلوك في الدائرة الخاصة والعامة في حياة الناس، ولتقيم العدل في الأرض وتفرد الحاكمية لمن هي له حقاً وهو الله وحده، وتنفيها عن كل المخلوقين إلّا من اصطفى اللهُ ورضي به، وبمقدار ما أعطاه من صلاحية في اطار وآخر.
فيما يلي النص الكامل لكلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم:
"بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
لم تكن الثورة الاسلامية الإيرانية مقطوعة عن الجذور وجذورها اكرم جذور، ولا لابتداع إسلام جديد مزوّر، ولا لتضيف للإسلام ما يكمّله، ويناسب بينه وبين الحاضر والمستقبل لانة الاسلام كامل وللزمن كله.
إنها من عطاء تربية إسلامية ممتدة من أول يوم لإسلام. من عطاء تربية قرآنية صادقة، وتربية سنّة المعصومين عليهم السلام، وثورة كربلاء العظمى، والدور الكبير للفقهاء الأمناء المخلصين، والعلماء الصادقين الأكفاء، والمنبر الحسيني المعطاء، ومركز الاشعاع الرضوي العلوي بما شارك كل ذلك في الصناعة الحية الإسلامية الرشيدة لقيادة هذه الثورة ونخبها وجمهورها العام، وحدّد هدفها ومنهجها، وفجّر ارادتها الالهية الكريمة.
وجاءت منتمية للإسلام بوضوح لا شرقيّة ولا غربية، غير محكومة لتقوقع قومّي ولا اقليمي، ولا منطلقة من روح التقديس للماضي بلحاظ ماضويته، ولا الاكبار للحاضر بلحاظ حداثته.
ميزانها الحق الذي لا يعرف الا بالانتماء لله والخضوع لالوهيته والتعلّق بربوبيته، واليقين بحق طاعته والاقتداء بدينه وشريعته.
هويتها قرآنية، هدفها إلهي، منهجها رباني، قيادتها إسلامية، خطّها التوحيد، مقاومتها للطاغوتيّة وهدم كل أنواع الظلم.
جاءت لتُعيد للإسلام الأصيل المغيّب حضوره الفاعل القويّ في الفكر والوجدان وعلى مستوى الإرادة والسلوك في الدائرة الخاصة والعامة في حياة الناس، ولتقيم العدل في الأرض وتفرد الحاكمية لمن هي له حقاً وهو الله وحده، وتنفيها عن كل المخلوقين إلّا من اصطفى اللهُ ورضي به، وبمقدار ما أعطاه من صلاحية في اطار وآخر.
وهذا لون فريد من الثورات في الأمة قد فقدته لزمن طويل وأحدث غيابه وغياب الدولة المنتمية له غربة شديدة بين الامة وبين الإسلام الحق خاصة في المجال السياسي بما امتدت آثاره السلبية على ارتباط الأمة به في كل مجالات إسلامها وواقع حاضرها في ذات إنسانها وخارجها بصورة ضاع منها الكثير من عظمة الاسلام ونورانيته وفاعليته وجاذبيته وحال بينه وبين تحقيق الكثير من أهدافه.
ومن أول آثار هذه الثورة المباركة أن أحيت الشعب الإيراني نفسه وخلقت فيه روح ثورة عامة على كل جاهلية في النفس وفي الخارج في إيران وغيرها وعلى مستوى العالم كلّه، وحوّلت الغربة عن الإسلام عنده ألفة، وأنسه بغيره إلى وحشة، وأرخصت حياته في نظره للإسلام، وقدمت الهدف الإسلامي المقدس عنده حتى على الأبناء والآباء والأزواج وحتى الحياة، وجعلته يبرأ ويلعن كل المناهج الجاهلية التي تزاحم الاسلام على قيادة الحياة.
هذه صحوة هائلة مثّلت ربحًا هائلًا لهذا الشعب والإسلام، وبسريان هذه الصحوة وتأثيراتها العملية في الأمة بدأت ولادة أمة إسلامية جديدة تقترب من إسلامها الحقيقي يومًا بعد يوم وتكفر بكل جاهلية من الجاهليات بثوب قديم أو جديد كانت وتعود إلى أصالتها.
وامتد اشعاع هذه الصحوة بمقدار وآخر إلى شعوب العالم الأخرى ليغيّر من النظرة إلى الإسلام، ولتكتشف هذه الشعوب من صدقه وإنسانيته وعظمته وكريم صناعته وعمله الشيء الذي لم تعرفه عنه من قبل وليطيح بالنظرة السلبية المعادية له عند هذه الشعوب بدرجة وأخرى رغم تشويش القوى الطاغوتية على الصورة الحقيقية للإسلام وثورته وقيادتها والأهداف الكبيرة التي تتمسك بها.
وهذا مكسب أساس يشارك ونتيجة إيجابية ضخمة من شأنها أن تشارك في انقاذ العالم وقد بدأت هذه المشاركة بالفعل.
أما الصحوة التي أحدثتها الثورة الإسلامية في صفوف الأمة فبقت رغم كل المحاولات المضادة زاحفة راسخة في البصائر والقلوب، في العقل والوجدان وعلى مستوى الموقف الخارجي ليحس ذلك العالم المضاد للاسلام وأمته بخطر منذر عظيم يتمثل في يقضة جدية عامة في الأمة تجمعها على كلمة اسلامية واحدة، وارادة اسلامية جادة تغييرية فاعلة، وتنتظم قواها الثورية وصفوف مقاومتها في وجود واحد فاعل قادر ضارب يقود حركة التحرير الحتمي بنجاح.
وما كانت الثورة لتؤدي إلى هذه النتائج الكبرى ولتبقى ثابتة ونامية لولا ما أنتجته من دولة أصيلة كالثورة التي ولدت من رحمها وهي دولة الولي الفقيه.
إنه لو سرقت الثورة وأقيمت دولة غير إسلامية على اثرها لعادت إيران إلى الوراء من جديد، للرجعية والخسران والتبعية الذليلة للقوى الشريرة في الغرب او الشرق، ولأعقب ذلك شعورًا بالاحباط في الشعب الإيراني وكل شعوب الأمة من قيمة أي ثورة وإن كانت إسلامية حقاً ذلك لهاجس أن يكون عطاء هذه الثورة لصالح الجاهلية بأي ثوب من أثوابها، وأي زي من أزيائها ذات الحقيقة الواحدة السوداء.
أقول باختصار شديد بأن الثورة الايرانية الاسلامية ودولتها المباركة قد ترتب عليهما الكثير من البركات ومن ذالك مع عدم الاستقصاء حتى لما يحضرني من هذه البركات:
1. أن تحرك الفكر الإسلامي والضمير الإسلامي عند جماهير الثورة، ومن ثمّ جماهير الأمة على مستوى القفزة الرفيعة في هذين المسارين معًا، ولحق بذلك بداية التغيير العملي لواقع الأمة، حتى بدأت تهب رياح التغيير هنا وهناك، وتحاول الزحف إلى الأمام.
2. تلقت الأمة درسًا عمليًّا مؤثرًا بدرجة دافعة باتجاهها إلى الوحدة على طريق نهضتها، واكسبتها ثقة بالغة بقدرتها على التغيير لو سلكت الطريق الصحيح إليه، وطلبت أسباب القوة بجد وذلك بسلوك طريق الاسلام.
3. خلّصت الثورة والدولة الكثير من أوساط الأمة من خداع القيادات الكاذبة والغريبة عن هويتها ودلتها على ان نوع الهدف والنهج والأطروحة والقيادة المنقذة لها والتي عليها أن تصدق بها وتلتف حولها وتحملّها أمانة قيادتها وحكمها وأن هذه القيادة محصورة في القيادة الاسلامية المباركة وخاصة على مستوى الولي الفقيه.
وبهذا لم يعد مكان لي أي تلاعب بنتائج ثورات شعوبنا لينحرف بنتائجها الى صالح غير الامة والاسلام.
4. بدأت تتأجج روح المقاومة والاقدام في التشكيلات الثورية الأولية على مستوى الامة من أجل الاستقلال والتخلص من الهيمنة الطاغوتية الداخلية والخارجيّة.
5. واليوم خَطَت الأمة خطوة واسعة على خط الثورة الإسلامية العامّة في اتجاه التحرير الكامل من كل هيمنة أجنبية فكرية ونفسية وإرادية وعلى الأرض، والتخلّص من أرجاس الطاغوتية الداخلية والخارجية في إدراك قوي وإيمان تام بضرورة العودة إلى الأصالة والتمسك بطلب التحرير والاستقلال الذي يعيد للأمة هيبتها وسيادتها.
هذه الخطوة قد اتخذها محور المقاومة بداية لطريق طويل لابد أن ينتهي إلى التحرير الكامل والاستقلال التام وإلى هدم الوجود الصهيوني في فلسطين وتطهير المقدسات والقضاء على وكر التآمر والافساد في أرض أمّتنا الوسط.
وهذه المقاومة وما أنجزته وتنجزه من مكاسب وانتصارات ضخمة وما تمثله من قدرة متميزة للرد على التحديات إنما هي من بركات الثورة الإسلامية في إيران والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيادتها الكبرى الرشيدة وصدقها مع الإسلام والأمة.
ومحور المقاومة هو الذي يقف اليوم بكل جديّة وحزم في وجه مشروع التطبيع مع العدو الإسرائيلي المستهدف لكلٍ من الوجود المادي والمعنوي للأمة وهذا هو مكسب أخر كبير من مكاسب الثورة الاسلامية المباركة.
ومن وراء هذا المحور كل المخلصين من أمة الإسلام من أي مكان وأي مذهب وأي قومية ولسان، وإيرانُ الإسلام في المقدّمة من قوى هذا المحور القويّ المخلص الرشيد القادر بإذن الله.
والجمهورية الإسلامية جمهورية لكل قوى المقاومة وأطرافها، وكل تلك القوى والأطراف لها.
النصر واحد، والهزيمة لا سمح الله واحدة.
ما من نصر لأي طرف من أطراف هذا المحور إلاّ فيه نصر للجميع، وأيّما هزيمة تصيب طرفاً لا أذن الله إلاّ ومنها هزيمة للبقية.
فلذلك كان على الجميع أن يحول بين الهزيمة وأن تقع لأي طرف، كما عليه أن يكون جهاده لتحقيق النصر للجميع وأن ينتصر لكل طرف من أطرافه.
ولابد أن تدرك الأمة بأن نصرها في نصر المقاومة، وأن هزيمتها في هزيمة المقاومة، وأن عليها ألاّ تتأخر أو تتوانى أو تكتفي بما دون كلّ ما في طاقتها في الانتصار لجبهة المقاومة بكل أطرافها.
لقد وصلت الأمة على يد الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة لحد الآن إلى مكاسب كبرى بذلت في سبيلها ما لا يعد من التضحيات وركبت كل صعب على طريقها، فلا تفريط على الاطلاق بهذه المكاسب ولا توقف عن تحقيق إنجازات أكبر والوصول إلى غاية النصر الشامل، وإن تضاعفت متاعب الطريق.
هذه مسؤولية إسلامية ثابتة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحور المقاومة والأمة بكل قواها الشريفة الباسلة المخلصة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".