الرجل الصبور المثابر المتفاني..

الرجل الصبور المثابر المتفاني..

فقد كرّس ذلك الرجل الصبور المثابر المتفاني(السيد أحمد)، بما لهذه الكلمة من معنى، جُلّ عمره لخدمة الإمام وأهدافه، فيما كان الإمام (رحمه الله) بدوره يعرف قدر هذا الولد الكفوء؛ فلقد سمعت من الإمام ما لا يقل عن مرّتين أنه قال: إنّ أحمد أعزّ الناس عليّ.

تكريم السيد أحمد مسؤولية وواجب

بمناسبة ذكرى رحيل نجل إمامنا العظيم الحاج السيد أحمد[1] الخميني (رضوان الله تعالى عليه) فقد اخترنا أن تكون صلاة الجمعة لهذا اليوم إلى جانب مرقده ومرقد إمامنا العظيم.
إنّ تكريم عزيزنا الراحل هذا يُعدّ مسؤولية وواجباً نتحمله على الدوام، وذلك لسببين: أولهما: أداءً لحق الإمام، والثاني: أداءً لحقّه هو.
أما أداءً لحق الإمام فقد كرّس ذلك الرجل الصبور المثابر المتفاني، بما لهذه الكلمة من معنى، جُلّ عمره لخدمة الإمام وأهدافه، فيما كان الإمام (رحمه الله) بدوره يعرف قدر هذا الولد الكفوء؛ فلقد سمعت من الإمام ما لا يقل عن مرّتين أنه قال: إنّ أحمد أعزّ الناس عليّ.
ولم يكن الإمام من أولئك الذين يعبّرون عن مشاعرهم إزاء المقرّبين منهم بدافع العواطف والأحاسيس الشخصية، ولقد نطق بهذه العبارة؛ كي نقولها نحن أيضاً, لا أن نعلم بها وحسب، كما أنّ الإمام أعرب عن ثقته بالسيد أحمد في مناسبات عديدة، ولا أنسى ما صرّح به الإمام أثناء اجتماع مثير ضمّني وآخرين من أنه (رحمه الله) يولي ثقة كاملة بالسيد أحمد.
إذاً إنه لأمر حسن أن نحيي ذكرى نجل الإمام على الدوام؛ أداءً لحق الإمام.
وأما أداءً لحقّه هو, فلأنه كان ممتحناً فعالاً دؤوباً؛ فلقد كان يمضي في الطريق الذي يرى فيه أنه يمثّل طريق الثورة والإسلام الذي يدعو إليه الإمام (رحمه الله) دون محاباة؛ مما أثار عداء الكثيرين ضدّه، وقد كان هذا العداء يأتي تارةً باسم الإسلام وتحت غطاء الحرص وفي إطار عناوين برّاقة، لكنها إضغان شخصية ناجمة عن العُقَد التي تضمرها قلوبهم إزاء هذا العزيز المظلوم؛ وذلك لتصلّبه في المواقف التي كان يتخذها الإمام, وعدم مساومته وخضوعه للآخرين.
إنّ الذين يدخلون السرور إلى قلوب أعداء الإسلام بنَيلهم وإساءتهم للمرحوم السيد أحمد إنما يشعرون بالعقدة من الإمام والثورة؛ فلقد كانوا يحملون العداء الشخصي له؛ بسبب كونه مدافعاً حقيقياً عن الإمام والثورة، سواء في عهد الإمام أو بعد رحيله، حيث دافع عن القيم والمبادئ, وعمل عكس ما كان يتأمّله وينتظره الكثيرون، وبنفسه أظهر عندي مرّتين أو ثلاثاً تَوَجّده من بعض الذين يتوقّعون ويطمحون منه أموراً أخرى.
أللهم إنّا نتوسّل إليك بمحمد وآل محمد أن تنزل رحمتك ومغفرتك ورضوانك على روح السيد أحمد الخميني وروح إمامنا العظيم الذي كان ملهم وجوده وتربيته[2].


أعز الناس على قلب الإمام(رحمه الله):
لم يكن الإمام يريد شيئاً لذاته، وحتّى إنه لم يشترِ أثناء وجوده على رأس السلطة ولو داراً لنجله الوحيد المرحوم الحاج السيد أحمد الذي كان أعزّ إنسان إلى قلبه، وهذا ما سمعناه منه مرّات عديدة, حيث أكّد أنّ أعز الناس بالنسبة له هو السيد أحمد.
وقد ذهبنا مرّات عديدة ورأينا أعزّ إنسان على قلب الإمام يعيش في غرفتين أو ثلاث في الحديقة الواقعة خلف الحسينية التي كان فيها بيت الإمام.
لم يكن ذلك الإمام العظيم راغباً في كل زخارف الدنيا وزبرجها وأطماعها؛ لقد كانت تصله هدايا كثيرة، إلاّ أنّه كان يقدّمها في سبيل الله، حتى إنه كان يدفع أمواله الخاصة إلى بيت المال. هذا الشخص الذي لم يكن على استعداد لشراء دار مناسبة لنجله ولو بقيمة عشرة ملايين أو خمسة عشر مليون تومان من أمواله الخاصّة، كان ينفق مئات الملايين من تلك الأموال على شؤون الإعمار وإعانة الفقراء ومساعدة المتضرّرين بالسيول في نقاط مختلفة من البلاد[3].


دور بارز:
ـ المرحوم الحاج أحمد (رضوان اللّه عليه) ـ الذي كان له دور بارز في هذه الحركة, وفي النهج الذي سار عليه الإمام[4].
تذكار الإمام(رحمه الله):
ولده الجليل جناب حجة الإسلام الحاج السيد أحمد الذي هو التذكار النفيس لذلك الرجل العظيم[5].


مواقفه الصادقة بعد رحيل الإمام(رحمه الله):
من اللازم كذلك أن أتشكر في حضور إمامنا الجليل وفي محضر الرب المتعال من البيت المعظم لهذا الرجل الملكوتي، ومن ابنه العزيز جناب حجة الإسلام الحاج سيد أحمد الخميني بسبب المواقف الصادقة والحريصة التي اتخذها طوال الثلاث سنوات. هؤلاء الأعزاء أظهروا من أنفسهم ما كان يعجب الإمام وينتظره من أهله وعائلته، وتحركوا في نفس الطريق الذي يرتضيه، تحدثوا لله وعملوا لله، وآمل أن يوفقوا إن شاء الله[6].


الابن البار:
إنّ المرقد الطاهر للإمام الراحل قد ضم إليه الجسد الطاهر للابن البار المرحوم الحاج السيد أحمد.
ومن هنا كان عزاء شعبنا مضاعفاً، حيث امتزجت ذكرى الإمام بوفاة ابنه البار وفي أيام عاشوراء الحسين(عليه السلام)[7].  
أرى لزاماً عليَّ أن أذكر بالتكريم والتبجيل الابن البار واللائق والعظيم للإمام الراحل المرحوم حجة الإسلام السيد الحاج أحمد الخميني (طيّب اللّه رمسه وقدّس اللّه نفسه) إذ افتتح هذا المشروع المبارك (مؤتمر دراسة المباني الفقهية للإمام الخميني) بدرايته ووعيه وعلمه وإخلاصه، وأوجد فكرة إقامة مثل هذا المؤتمر، وأسال اللّه أن ينزل على روحه الفضل والرحمة، وأرى ـ واثقاً ـ أنَّ جزءاً عظيماً من الثواب الأخروي لهذا العمل الكبير وما يخلّفه من ذكرٍ دنيويّ طيب سيعود إليه[8].
ـــــــــــــــــ
[1]  سيرة حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد(رحمه الله):
ـ ولد المرحوم الحاج السيد أحمد الخميني عام 1945م بمدينة قم المقدسة في بيت للعلم والفضيلة والعرفان والجهاد.
ـ أكمل المرحلة الابتدائية والمتوسطة من دراسته في مسقط رأسه، وكان في أواخر دراسته الثانوية حين وقعت انتفاضة 15 خرداد الدامية مبدأ الثورة الإسلامية بقيادة والده العظيم.
ـ في أوائل السبعينات زار السيّد أحمد لبنان وحلّ ضيفاً على الإمام موسى الصدر، وتزوّج فيما بعد من السيدة فاطمة الطباطبائي ابنة السيدة صفية شقيقة الإمام موسى الصدر.
ـ بعد اكمال المرحلة الثانوية من الدراسة وعندما كان والده في المنفى (النجف الأشرف)، اشتغل الحاج السيد أحمد الخميني بتحصيل العلوم الإسلامية في الحوزة. وفي عام 1966م توّجه سراً إلى النجف الأشرف وذلك لزيارة والده، فواصل هناك دراسته الحوزوية، وبعد فترة عاد إلى إيران ليكون حلقة وصل بين العناصر الثورية وقائدها العظيم وليُنظّم القوى الدينية النشطة، والأهم من ذلك ليحافظ على نشاط بيت الإمام(رحمه الله) في قم الذي كان مركزاً للثورة.
ـ بعد إكمال مرحلة المقدمات والسطوح، شرع في بحث الخارج (الدراسات الحوزوية العالية) عند مشاهير الأساتذة في الحوزة: آية الله سلطاني، وآية الله الحاج الشيخ مرتضى الحائري(رحمه الله) وآية الله العظمى الحاج موسى الشبيري الزنجاني.
ـ في هذا العام 1977 وبعد اعتقال عدد من زملائه واطلاع المخابرات الإيرانــية (الساواك) على ارتــباطه بهــؤلاء، احتــمل أن يعتقل، لذا خرج سرّاً من إيران متوجّهاً إلى العراق والتحق بوالده العظيم في النجف الأشرف.
ـ بعد نفي الإمام(رحمه الله) من إيران، كان أهم دور قام بــه نجــل الإمام(رحمه الله) هو إيجاد رابطة بين سماحة الإمام(رحمه الله) وأتباعه الثوريين بالداخل والخارج، وقــد ساعدت شجاعته ومهارته وحذاقته وثقة الإمام(رحمه الله) وأنصاره المطلقة به على أداء هذه الرسالة والمسؤولية بصورة تامة، فكان محوراً لتنظيمات سريّة مؤثّرة وذلك بالتعاون والتنسيق مع جمع من الفضلاء والجامعيين في الحوزة العلمية بقم.
ـ كان له ارتباط بالنشاطات الثورية والفكرية لسائر الجماعات الدينية والثورية خارج إيران، في العراق ولبنان وأوروبا وأمريكا وكذا الخط الجهادي داخل البلاد.
ـ كان تدبير سفر الإمام من بغداد إلى باريس وتدبير بيت ومكتب الإمام هناك عملاً شاقاً استطاع السيد أحمد من التغلّب عليه بصورة جيّدة. وفي باريس كان أكثر العناصر ثقة في ربط الإمام(رحمه الله) بالثورة والعلماء في ساحة الكفاح، فتحمّل الثقل الأكبر في إدارة أمور الثورة في (نوفل لوشاتو).
ـ بعد العودة المظفّرة للإمــام(رحمه الله) إلى أرض الوطن، كان السيد أحمــد إلى جانبــه من اللحظة الأولى في مطار طهران إلى جــنة الزهراء(عليه السلام) حيث آلاف المخاطر التي كانت في طريق الإمام من قبل حثالات الشــاه، فكان كالظل للإمام(رحمه الله) ولم ينفصل عنه لحظة واحدة.
ـ استطاع إدارة بيت الإمام(رحمه الله) طوال عشر سنوات بعد انتصار الثورة وأبان الحرب المفروضة على أفضل وجه. فحضوره في جلسات كبار مسؤولي الدولة إلى جانب الإمام ومتابعة إرشادات وأوامــر الإمــام(رحمه الله) وإبلاغ أهم نداءات القائد بكل أمانة وبما يرتضيه الإمام، ولم يألُ جهداً عن القيام بأي عمل كانت فيه مصلحة للإسلام والثورة والنظام.
ـ بعد رحيل الإمام(رحمه الله) صرف كل وقته لتنفيذ وصــايا والــده(رحمه الله) وإبقاء مشعل الثورة وضّاءاً وسعى في تثبيت خط الإمام الذي كــان ميراث سنين مــن جهاد وقيادة الإمام الراحل(رحمه الله) ودماء الشهداء، فكان إلى جانب قائد الثورة سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) طوال فترة ما بعد الرحيل، وشعر بمسؤوليته الرئيسية في الدفاع عن النظام الإسلامي، فكانت كل أقواله دفاعاً عن قيادة الثورة الإسلامية وولاية الأمر، وكان يؤكّد دائماً على هذا الأمر، ولم ير سبيلاً في الاستمرار على نهج الإمام وبلوغ أهداف الثورة سوى هذا الطريق.
ـ رغم اقتراح كبار المسؤولين وإصرار الكثير من الزملاء في دخول المعترك والساحة السياسية وإدارة البلاد، إلا أنه أبى ذلك وعزم على انجاز عمل عظيم ألا وهو جمع وحفظ وتبيين ونشر آثار الإمام الراحل(رحمه الله)، هذه الأمانة النفيسة من جانب، ومن جانب آخر مواصلة الأعمال العلمية والفكرية والبناء الروحي بصورة أكثر جدّية من ذي قبل.
ـ التحق إلى جوار ربّه اثر نوبة قلبية بتاريخ 16 شوال 1415ﻫ.
[2]  المناسبة: صلاة الجمعة العبادية ـ السياسية
الزمان والمكان: 20 ذي الحجة 1421هـ ـ طهران
الحضور: جموع المصلين المؤمنين.
[3]  المناسبة: الذكرى السنوية العاشرة لرحيل الإمام الخميني(قدس سره)  ـ صلاة الجمعة
الزمان والمكان: 19 صفر 1420ﻫ ـ ق طهران ـ مرقد الإمام(قدس سره)
الحضور: الآلاف من المعزّين المشاركين في الذكرى.
[4]  المناسبة: الذكرى السنوية السابعة لرحيل الإمام(رحمه الله).
الزمان والمكان: 16 محرم 1417 ﻫ ـ ق/ طهران
الحضور: الاجتماع الجماهيري بحرم الإمام الخميني(رحمه الله).
[5]  المناسبة: الذكرى الثالثة لرحيل الإمام الخمينيٍ(رحمه الله).
الزمان والمكان: 2 ذي الحجة  1413ﻫ  ـ  مرقد الإمام
الحضور: الجموع الغفيرة المشاركة في مراسيم الذكرى الثالثة.
[6]  المناسبة: الذكرى الثالثة لرحيل الإمام الخمينيٍ(رحمه الله).
الزمان والمكان: 2 ذي الحجة  1413ﻫ  ـ  مرقد الإمام
الحضور: الجموع الغفيرة المشاركة في مراسيم الذكرى الثالثة
[7]  الموضوع: الثورة الإسلامية ورسالتها
المناسبة: الذكرى السنوية السادسة لرحيل الإمام(رحمه الله)
[8]  من بيان الإمام القائد الخامنئي(دام ظله) بمناسبة: مؤتمر دراسة المباني الفقهية للإمام الخميني(رحمه الله) الزمان والمكان:  24 شوال 1416 ﻫ ـ ق/ طهران.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء