اسرائيل تسعى للزج بالولايات المتحدة في صراع اقليمي

اسرائيل تسعى للزج بالولايات المتحدة في صراع اقليمي

في معرض تعليقه  على عملية  " طوفان الاقصى " قال وزير الخارجية الايراني السابق : ان الانجاز الاكبر الذي يمكن ان تحصل عليه اسرائيل خلال هذه العملية  ويحافظ  على اعتبارها، هو الزج بالولايات المتحدة في صراع اقليمي واسع النطاق لينسيها هزيمتها. وان موقف سماحة القائد الذي اعلن عنه في اليوم الثاني من العملية ، كان يشيرالى الحقيقة  ان لا يبادر احد لإنقاذ اسرائيل.

موقع جماران الاخباري ـ  افاد ذلك مراسلنا مشيراً الى ان محمد جواد ظريف كان يتحدث في الملتقى الذي نظمته مؤسسة حفظ  ونشر تراث الامام الخميني تحت عنوان "  اضواء على ما يحدث في فلسطين "، وحضره  السيد حسن الخميني، موضحاً : لقد شهدت فلسطين حدثاً في غاية الاهمية  يمكن ان يفهم من عدة جوانب. وما اريد التحدث عنه هو البعد الدولي لما حدث. ان الكيان الصهيوني ومنذ بداية تأسيسه، وضع نصب عينه شعارين : " شعار المظلومية، وشعار  اسرائيل لا يقهر " .

و أضاف : وبالاستفادة من النهج  الذي ربما  اخترعه الاسرائيليون  واطلق عليه خبراء العلاقات  الدولية ـ فيما بعد ـ  بعامل الامن  ومؤشر التحدي، حاول الذين عملوا على تأسيس اسرائيل استغلال الهولوكوست، التي كانت بمثابة جريمة كبرى في تاريخ البشرية إلا انها حدثت في اوروبا ولا علاقة للفلسطينيين بها، والتذرع بها والتظاهر بأنهم تعرضوا للظلم وبالتالي محاولة تبرير ضياع حق الآخرين .

و مضى يقول :  نداء (المظلومية) كان النداء الابرز الذي حرص الكيان الصهيوني على تداوله قبل وبعد تشكيل الكيان باعتباره مقولة عالمية. ان هذا النهج بدأ مع الهولوكست، واستمر من خلال اتهام العرب بالارهاب.  وإثر البدء بالتطبيع  في عقد التسعينات،  وفي ظل التهديد الايراني واتهام ايران بالسعي للحصول على السلاح النووي، تواصل وتعاظم هذا النهج.

و تابع ظريف : ( الحاجة الى عدو ) احد خصائص اسرائيل. كانوا بحاجة الى عدو ليتسنى لهم العمل على نظم اوضاعهم الداخلية، وكذلك احراز المظلومية والمقبولية الدولية. ان التظاهر بالمظلومية كان بدرجة دعت الامين العام للامم المتحدة الى اتخاذ موقف اولي لم يكن مقبولاً مطلقاً، وقد اعتبرته  أنا ( عار على الامم المتحدة ). الموقف الاولي للامين العام كان متأثراً بمناخ المظلومية الكاذبة للكيان الصهيوني. اساساً لم يكن موقفاً مقبولاً مطلقاً  بالنسبة لشخص يعتبر اميناً عاماً للامم المتحدة، ويعد  ممثلاً  لـمندوبي  195  دولة وليس  ممثلاً للكيان الصهيوني وحماته فحسب.  

و لفت ظريف الى ان العامل الثاني الذي تحاول اسرائيل الاستفادة منه على الدوام، هو اسطورة الكيان الصهيوني لا يقهر، موضحاً :  اسرائيل تحاول دائماً الاستفادة من ( اسطورة لا تقهر) لتحقيق اهدافها ومواصلة حياتها. لقد حاولوا الترويج عالمياً بأن اسرائيل لا تقهر، وليس بوسع اي مقاومة  الوقوف بوجه غطرسة اسرائيل  واميركا. غير ان سماحة الامام كان رائداً تبديد هذا الوهم. وان فلسطين مدينة للامام الخميني في تحطيم هذا الخيال الوهمي الفارغ.

و اشار وزير الخارجية الايراني السابق الى التوجه الذي كان يعتمده الكيان الصهيوني منذ البداية، قائلاً : منذ  بداية  تأسيس الكيان الصهيوني كان رأي بن غوريون  ان اي حرب يجب ان تكون  خارج حدود عام 1948، والحروب يجب ان تكون في حدود عام 1967  اومابعدها، حتى لا تتأثر فكرة اسرائيل لا تقهر. كما ان هذه الحقيقة غير قابلة للشك والترديد  وهي ان  سكان الاراضي المحتلة  يختلفون عن اهالي الضفة الغربية  وقطاع غزة الى حد كبير. إذ ان هؤلاء انتقلوا الى الاراضي المحتلة من حياة هانئة مرفهة كانوا يعيشونها  في الغرب، وان الكثير من سكنة عام 1948  اذا ما شعروا بانعدام  الامن سوف يقررون العودة الى بلدانهم الاصلية في اوروبا واميركا.

و اردف قائلاً : الاسرائيليون يستخدمون نصاً موجزاً  ( بعد الآن مطلقاً ) لتعميم هاتين الفكرتين. ومن خلال هيمنتهم على الماكينة الاعلامية العالمية، فان ما يسعون الى تعميمه  هو اعتبار وقوع الحدث بمثابة نقطة البداية. وان العملية  التي شهدتها غزة ، ينظر اليها باعتبارها حدثاً جديداً ونقطة البداية. غير انها من وجهة نظر القانون الدولي، طالما كان الاحتلال موجوداً، فان امكانية الدفاع المشروع قائمة ايضاً. الاحتلال وليد الهجوم المسلح، واستناداً للمادة 51  من ميثاق الامم المتحدة، يبقى الدفاع المشروع قائماً  طالما لم ينته العدوان، او عدم تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الامن بانهاء  العدوان. شروع التاريخ  من بداية غير حقيقية  انما هو اسلوب اسرائيل. بداية تاريخ فلسطين هو احتلال فلسطين. ان هذا الاحتلال حتى من وجهة نظر الذين يعتقدون بحل الدولتين، يبدأ عام 1967. السيد غوتيريش  الذي هو دبلوماسي وسياسي مخضرم، لم يتوصل الى حقيقة ان اسرائيل  دولة محتلة  موخراً، ومع ذلك فان تصريحا ت صدرت متأخرة.

ومضى ظريف بالقول : أما بالنسبة  لموضوع اسرائيل لا تقهر، نحن لا ننظر الى التاريخ.  كل الهجومات التي شنتها اسرائيل صحيحة، في البداية كانت ناجحة، غير انها انتهت بالهزيمة.  الهجوم  على لبنان عام 1982  الذي حدث في ظروف ساعدت  بوصول الاحتلال الى بيروت.  ولكن المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية  ولدت من صلب  الحدث. لقد ابعدوا المرحوم عرفات من بيروت الى تونس، واخرجوا المجاهدين الفلسطينيين وحركة فتح .غير ان ما حصل هو تشكيل المقاومة الفلسطينية والمقاومة  اللبنانية.

و أوضح  ظريف : ان نظرة عابرة  يمكن ان تعطي  تصوراً بان اسرائيل لا تقهر، ولكن  اذا ما اعتبرنا  التاريخ يبدأ من زمن بدء الاحتلال، فان اسرائيل هزمت مرات عديدة بما في ذلك خروجها من لبنان عام 2000  دون قيد أو شرط.  وفي فترة رئاسة شارون، الذي ربما يمكن اعتباره اكثر رؤساء وزراء اسرائيل تطرفاً ، وكان يعرف بـ "  قصاب صبرا وشاتيلا " ،  قرر عام  2005  الانسحاب من غزة من طرف واحد دون قيد او شرط. انسحبوا من المستوطنات  المحتلة  وخرجوا من غزة .

و اردف قائلاً: ان اية مقاومة واي تحرك لم يفند مقولة اسرائيل لا تقهر، مثلما  فندته عملية طوفان الاقصى. لم تحدث حتى الآن عملية  بهذه السعة وبهذا الحجم داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 . ومثل هذا يدل على ان اسرائيل المسلحة بالترسانة النووية  يمكن ان تقهر بشكل حقيقي، كما يدل على ان اسرائيل غير قادرة على الاحتفاظ بالاراضي المحتلة ومواجهة المقاومة الناتجة عن الاحتلال. مثلما  لم تتمكن  اميركا  من حماية نفسها  عام 2001  مقابل تنظيم القاعدة. أنا كنت في نيويورك في تلك الفترة، وكنت ارى انعدام الامن في وجوه الاميركيين. ثلاثة احداث كانت  مؤشراً  على هزيمة اميركا : حرب فيتنام، والاستيلاء على السفارة الاميركية  في ايران، واحداث الحادي عشر من سبتمبر.

و تطرق ظريف الى عملية طوفان الاقصى قائلاً: في الذهنية التاريخية للكيان الصهيوني  ان واقعة حدثت  في السابع من اكتوبر لا يمكن ان يطويها النسيان  ابداً. وهذا ما يكمن وراء وحشية وهمجية  الاسرائيليين غير المسبوقة في غزة. يريدون احياء صورة  اسرائيل  التي لا تقهر  من خلال الابادة الجماعية غير المسبوقة.  غير انه من وجهة نظري ليس بوسع اي تصرف ان يعيد الى الاذهان التصور بأن اسرائيل لا تقهر.

و في جانب آخر من  كلمته  لفت  ظريف الى ان اعداد قليلة جداَ من الغزاويين  لجأوا الى نقطة رفح الحدودية، موضحاً : لو ان اعداداً كبيرة كانت قد توجهت الى معبر رفح،  كان بوسع اسرائيل ان تزعم   بأنها استطاعت اخلاء غزة من اهلها.  ولكن وعلى الرغم من القصف الوحشي، لم تتمكن اسرائيل من تحقيق هدفها.  هذه هي الحقيقة.  بالنسبة للناس الذين كانوا يعيشون في سجن طوال سبعين عام، سواء كان الموت بشكل تدريجي أو مفاجىء، فهو  أمر اعتيادي، لذا فهم ليس على اسستعداد لتحمل اللجوء من جديد. ولهذا لم يكن احد حاضراً الذهاب الى مصر أو سوريا أو الاردن. وان السيد بلينكن وزير الخارجية الاميركي كان قد توجه الى المنطقة لتمهيد الارضية لقبول الغزاويين، غير ان لا الغزاويين  ولا الدول وافقت على ذلك.  

و ضمن تأكيده على ان صورة (اسرائيل لا تقهر ) لا يمكن ترميمها بالابادة الجماعية والهجوم البري، قال ظريف : بالهجوم البري دخلت اسرائيل في مصيدة ليس من السهل الهروب منها. ولا يخفى ان دخول الاجنبي الى اراضي الآخرين يوجب المقاومة. صحيح ان الامم المتحدة ومن عقد التسعينات فما بعد، تخلت عن موقفها الذي كانت تتخذه باستمرار، غير ان المنظمة  لا زالت تعتبر المقاومة في مواجهة الاحتلال الاجنبي والعدوان الخارجي  امراً مشروعاً .

و تابع ظريف : اسرائيل تواجه اليوم مثل هذه المشكلة، وهي بصدد البحث عن طريق للهروب. كما ان الغرب يواجه مشكلة من  حيث الاعتبار والحيثية. ان سعة حجم عمليات الابادة والتطهير العرقي االذي يمارس  الصهاينة ضد الفلسطينيين  اثارت  ضجة  ملفتة في الغرب لم تكن متوقعة. وفي هذا الصدد تحاول الماكينة الاعلامية للكيان الصهيوني تقديم صورة مقلوبة للعالم عما  يحدث. على سبيل المثال تقول ان المشفى قصف بصاروخ اطلقته حركة الجهاد الاسلامي  او حركة حماس. غير ان حجم الدمار لا يمكن ان يكون نتيجة صاروخ،  وانما هو من فعل الاسرائيليين دون ادنى شلك. والحقيقة ان شبكة ( الجزيرة ) غطت الحدث بشكل يستحق التقدير، ولم تسمح لجهاز الدعاية الاسرائيلية  بتشويه الصورة وقلب الحقيقة. وكما هو واضج ان اسرائيل تبذل ما بوسعها لتوسيع نطاق الحرب للحصول على امتياز. ان محاولة  زج اميركا بالحرب في غزة، والسعي لإدخالها في حرب مع ايران، امنية طالما سعت اسرائيل الى تحقيقها .. بعد  حرب العراق والكويت، اقصى ما كانت تتمناه اسرائيل هو مهاجمة اميركا لإيران.

و في جانب آخر من كلمته  تطرق ظريف الى الهجوم الاميركي ضد العراق عام 2003  قائلاً : في عام 2002   ذهب شارون الى اميركا وصرح هناك بان مهاجمة بغداد هدف  خاطىء، الهدف الصحيح هو  مهاجمة طهران. غير ان اميركا  لم تهاجم ايران  لأنها تعلم  ان الشعب  الايراني  لن يتردد عن المقاومة  وسوف يتصدى لها بكل  حزم.  هذه هي قوتنا الكبرى  في الرد. في تلك الفترة كانت قوة العراق العسكرية  تفوق قدرة ايران. غير ان ايران ومن خلال وجود السيد خاتمي، كانت تبرهن على صورة  اللاعب الموثوق الذي يدعو الى حوار الحضارات، فيما كان العراق يعاني بشدة من الاضطراب الامني. ومن جانب آخر ان الشعب العراقي لم يكن يدعم صدام.   

و اضاف يقول :  في التحليلات التي كانت مطروحة آنذاك، كات ثمة ملاحظة تحظى بالاهمية  وهي : ان اللوبي العربي واللوبي الاسرائيلي ولوبي المنافقين الذي كان يعمل بدعم من الاستخبارات الاسرائيلية والاموال العربية، كان يبذل كل جهوده  لكي تتم مهاجمة ايران. وفي هذا الوقت اثير الموضوع النووي  الايراني المزيف، في وقت حتى لم نكن نمتلك حتى دوربين واحد في منشأة نطنز .. الدول العربية لم تكن ترغب بسقوط صدام. ومنذ عام  2003  حيث  سقط  صدام، وحتى عام 2016  وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً  لم ترسل السعودية  سفيراً الى بغداد.  ومن مجموع  الـ 13 عاماً  هناك  ثمانية اعوام عملت السعودية  خلالها على اسقاط  الحكومة  العراقية .. وقامت اميركا بمهاجمة العراق  لأنها كانت تعلم ان تحقيق النصر في العراق امراً سهلاً لأن العراق كان منزوياً، وان الشعب العراقي لا يدعم حكومته.

و اختتم محمد جواد ظريف كلمته  بالقول : اخيراً ان الانجاز الاكبر الذي بوسع اسرائيل الحصول عليه في ( طوفان الاقصى ) ويعيد اليها اعتبارها، هو الزج  باميركا في صراع  اقليمي  واسع النطاق  لينسيها  هزيمتها. وما يذكر ان موقف  سماحة القائد الذي اعلن عنه في اليوم الثاني من العملية  يشير الى هذه الحقيقة وهي، ان لا يبادر احد لإنقاذ اسرائيل .. الشعب الفلسطيني  يقاوم، والجمهورية الاسلامية تدافع عن هذه المقاومة بكل حزم. غير ان هزيمة  ثنائية الكيان الصهيوني، أي المظلومية واسرائيل لا تقهر، حقيقة يجب ان لا نسمح  للهيمنة الاعلامية الصهيونية  بالتأثير عليها  أو تحريفها.  

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء