لقد كان الإمام قدس سره العارف الحقيقي الواصل إلى كعبة مقصوده، يعلم ما يستوجب المقام الشامخ والمنزلة الرفيعة لأهل الولاية الإلهية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تقديس وتكريم واحترام بالغ يفوق العادات المعروفة والأنماط المألوفة بين سائر الناس، لذلك كان قدس سره إذا مرّ على ذكر اسم أحد المعصومين عليهم السلام أخذته الهيبة حينما يردّده بعزّة وتعظيم كاملين، مع التقدير العالي لأحاديثهم عليهم السلام واتباع مقاصدهم وأفكارهم وعقائدهم وإحياء مناسبات ولاداتهم وشهاداتهم. كيف لا وهذا إمامنا الصادق عليه السلام كان كلما لهج باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس يحني رأسه الشريف إلى مستوى ركبتيه.
والإمام قدس سره الذي لم يذكر أستاذاً من أساتذته الكرام إلا وعقّب بالقول "روحي فداه"، فكيف علاقته مع المعصومين عليهم السلام؟!
يذكر لنا أحد المتشرفين بخدمته، مدى اهتمامه بتعظيم وإحياء سائر ما يرتبط بأهل البيت عليهم السلام قائل: "طوال المدة التي كان خلالها الإمام في النجف الأشرف كان يقيم مجالس العزاء في منزله في جميع ليالي شهادة المعصومين عليهم السلام، وفي ذكرى رحيل السيدة الزهراء عليها السلام كان يستمر في إقامة المجالس لثلاثِ ليالٍ، وكان بكاؤه مشهوداً في جميع هذه المجالس دون استثناء". وبمجرد أن يشرع أحد الأخوة بقراءة مجلس المصيبة يبدأ الإمام بالبكاء بصوت عالٍ وتنهمر قطرات
الدمع على خديه كمثل حبّات اللؤلؤ. ومما تجدر الإشارة إليه أن كل الأعباء والعناء الذي عاناه الإمام قدس سره واهتمامه بالأمور السياسية وسائر شؤون البلاد والعباد، لم يكن ليمنع أو يحول بينه وبين المحافظة والحرص على إحياء وإظهار مظلومية الأئمة عليهم السلام، فنراه في التاسع من شهر محرم يأمر بإقامة مجلس عزاء في باريس بحضور جمع من المراسلين الذين جاءوا لمقابلته قدس سره قبل ساعة من وقت الظهر1.
________________________________________
1- المذكرات الخاصة ج1، ص 4948.