آلام الدنيا طريق للآخرة‏

آلام الدنيا طريق للآخرة‏

فالإنسان إذا عاش هموم الدنيا وآلامها وأسقامها ومشاكلها وعناءها، وشعر بأنَّ أمواج الفتن والمحن تزحف نحوه، قلّ تعلقه بها، وقل ركونه إليها، وتنفَّر منها قهراً. وإذا اعتقد بوجود عالم آخر، وفضاء رحب فارغ من جميع أنواع الشقاء والتعاسة، ارتحل إليه قهراً.

الامام الخميني(قدس سره الشريف)

يهتم الإسلام بكلِّ شيء فيما يتعلَّق ببناء تربية الإنسان. فالإسلام يخطِّط-قبل الزواج-لذلك الطفل الذي سيولد بعد الزواج. فأيّ امرأة تختار؟ وأيّ رجل يُنتخب؟ كيف يجب أن يكون الرجل؟ وكيف يجب أن تكون المرأة؟ لأنّ هذا الإنسان ينمو كالنبتة، ومثله مثل ذلك الفلاح الذي يجب أن ينتخب الأرض المناسبة لإلقاء البذرة فيها والسماد المناسب وكمية الماء. فالإسلام يريد تهيئة جميع الأبعاد، يريد بناء الإنسان.‏
إنّ أي إصلاح يبدأ من الإنسان، فإذا لم يتربّ الإنسان لن يتمكن من تربية الآخرين.‏

إنّهم أحوج للدعاء‏

كان رسول الإسلام يتألَّم لعدم قبول الناس للتربية إلى حدّ أنَّ الباري تبارك وتعالى كان يسلّيه عن ذلك، وكان في مشقة، فجاءه الخطاب من الله تبارك وتعالى ﴿مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾(طه:2). فكان يتألم من أجل الناس أكثر من تألّم الأب الرؤوف لأجل أولاده، ويحزن لعدم قبول الكافرين الانضمام للمجرى الطبيعيّ الإنسانيّ، ويحب أن يكون كلّ إنسان كذلك فيشعر بالحزن للّذين لا يلتزمون بالخط الإسلاميّ والإنسانيّ. وكان بعض العلماء الكبار -كما سمعت-يقولون بأنّنا ندعو لأولئك المنحرفين لأنّهم أحوج إلى الدعاء.‏

أثر الملذات الدنيوية في النفس‏

إنّ كلَّ عملٍ يصدر عن الإنسان، بل كلّ ما يقع في عالم الجسم وكان مدرَكاً للنفس، يترك أثراً لدى النفس، من دون فرق بين الأعمال الحسنة أو السيئة، ومن دون فرق بين أن يكون العمل من نوع اللذائذ أو نوع الآلام. وقد عُبّر عن هذا الأثر في الأخبار بنقطة بيضاء ونقطة سوداء، مثلاً إنّ كلَّ لذَّة ممَّا يلتذُّ الإنسان به من المطعومات أو المشروبات أو المنكوحات وغيرها، يترك أثراً في النفس، ويوجب تعلقاً ومحبة في عمق الروح تجاهه، ويزداد توجه النفس إليه. وكلّما توغّل في اللذائذ والمشتهيات أكثر، ازداد تعلُّق النفس وحبّها لهذا العالم أكثر، وغدا ركونها واعتمادها على هذا العالم أكبر، فتتربَّى النفس وترتاض على التعلّق بالدنيا. وكلّما كانت المتع في ذائقته أحلى، كانت جذور محبّتها أكثر. وكلّما توفَّرت وسائل العيش والعشرة والراحة بشكل أوفى، أصبحت شجرة التعلّق بالدنيا أقوى. وكلّما أقبلت النفس على الدنيا أكثر، كلّما كانت غفلتها عن الله وعالم الآخرة أكثر. كما أنّ نفس الإنسان إذا ركنت إلى الدنيا كلياً، وصار توجهها مادياً ودنيوياً، سُلبت التوجه لله المتعال ودار الكرامة نهائياً }أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ{ (الأعراف: 176).‏
فالانهماك في بحر اللذائذ والمشتهيات يصرف الإنسان إلى حبِّ الدنيا من دون اختيار، وحبُّ الدنيا يوجب النفور عن غيرها.‏
فمثلاً: إذا دخل شخص إلى بلد، وابتُليَ بأسقام وآلام فيه وعانى من ورائه مشاكل داخلية؛ لكرهه وتنفّر منه قهراً، وكلّما كانت معاناته أكثر؛ كان هروبه ونفوره منه أكثر. وإذا وجد مدينة أفضل منها لأقبل عليها، وإن لم يستطع التحرك نحوها، لاشتاق إليها، وتوجه قلبه نحوها.‏

آلام الدنيا طريق للآخرة‏

فالإنسان إذا عاش هموم الدنيا وآلامها وأسقامها ومشاكلها وعناءها، وشعر بأنَّ أمواج الفتن والمحن تزحف نحوه، قلّ تعلقه بها، وقل ركونه إليها، وتنفَّر منها قهراً. وإذا اعتقد بوجود عالم آخر، وفضاء رحب فارغ من جميع أنواع الشقاء والتعاسة، ارتحل إليه قهراً. وإذا لم يتمكَّن من السفر بجسمه؛ لذهب بروحه وبعث بقلبه إلى ذلك العالم.‏
وواضح جداً أنَّ المفاسد الروحيَّة والخلقيَّة والسلوكيَّة بأسرها تنجم عن حبِّ الدنيا والغفلة عن الله سبحانه وعالم الآخرة، وإن حبّ الدنيا رأس كلِّ خطيئة.‏
في حين أنَّ جميع أنواع الصلاح الروحي والخلقي والسلوكي ينبعث من التوجّه نحو الحق، ودار الكرامة ومن اللامبالاة بالدنيا وعدم الركون والاعتماد على زخارفها. إنَّ لطف الله تبارك وتعالى وعنايته كلَّما كانا متعلِّقين بشخص أكثر، ووُجّهت إليه أمواج المحن والفتن أكثر، تنصرف روحه عن هذه الدنيا وزخارفها وتنـزجر، ويتوجه عندها بمقدار إيمانه إلى عالم الآخرة ويتوجه قلبه إلى هناك.‏

الابتلاء والامتحان‏

إنّ الإنسان في الدنيا هو محل للامتحان أيّاً كان، ابتداءً من أولئك الناس العظام كالأنبياء والأولياء وحتّى الآخرين أياً كانوا. فالامتحان يلازم وجود الإنسان، ولن يعيش إنسان في هذا العالم دون امتحان. ويكون الامتحان أحياناً على شكل خوف أو جوع أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات وأمثال ذلك.‏
قد يكون الأمن موضوعاً للاختبار أحياناً، فيُختبر الإنسان بالخوف وفقدان الأمن أحياناً، أو يُختبر بالاستقرار والأمن. ويكون الامتحان أحياناً من خلال النقص في الثمرات والأنفس فيذهب الشباب والأخوة، ويُمتحن الأطفال والنسوة من هذا الطريق، أو من خلال زيادة الثمرات أحياناً، وزيادة الأموال والتنمية وتحقيق الأمن. فلا بد أن يُمتحن الإنسان، ولا يُترك بمجرد الدعوى بالإيمان.‏
لقد تعرّض الأنبياء العظام وأولياء الله للامتحان. امتُحن إبراهيم الخليل (عليه السلام) في تلك القضية المحيّرة وهي أمره بأن يَذبَح ولده. لقد امتُحن الأنبياء العظام وأولياء الله. وكلّنا معرّضون للامتحان، وسوف يمتحن جميع البشر. وإنَّ الامتحان بالأمن والثروة والرئاسة وأمثال ذلك أصعب من الامتحان بالنقص في الأولاد والأنفس. فما أكثر الذين يدّعون أنَّهم مؤمنون ولكن عند الامتحان يظهر أنَّ إيمانهم مجرّد ادعاء، وما أكثر الذين يدعون أنهم أنصار للضعفاء، لكنهم يفشلون عند الامتحان. وما أكثر الذين يدّعون أنّهم سيكونون من السابقين عند قيام الحرب، لكنّهم لا يجتازون الامتحان بنجاح عند العمل.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء