في ذكرى استشهاد آية الله السيد مصطفى الخميني

في ذكرى استشهاد آية الله السيد مصطفى الخميني

انه كان أملاً لمستقبل الإسلام، فقيهاً متعمقاً ذا أساس راسخ، وفي علم الأصول عميق الغور ومتضلع ومبدع، إضافة إلى كونه فيلسوفاً ناقداً وعميق الفهم ومفسراً، وقد استطاع بفكره الواسع استيعاب القرآن وتفسيره بأفق جديد.

الشهيد السيد مصطفى الخميني..مصداق الألطاف الإلهية الخفية

حياة الشخصيات الكبرى صفحات ذهبية وبارزة في التاريخ تشد إليها أنظار الأجيال المبصرة للحقيقة، والضمائر الحية والنقية لأبناء الإنسانية.
كان الشهيد آية الله سيد مصطفى الخميني (قدّس سرّه) كوكباً ظل نوره القدسي مشعلاً يهتدي به أنصار الإمام (قدّس سرّه) والسائرون على خطّه إلى حين انبلاج فجر الثورة في سماء إيران التي كانت ملبّدة بالظلام.
دراسة الآثار العلمية والنشاطات السياسية والسجايا الأخلاقية للشهيد مصطفى الخميني (قدّس سرّه) حسنة مؤجّلة إذ بقيت الكثير من آفاق شخصيته مجهولة حتى بعد مرور هذه السنوات على استشهاده.
كان هذا الرجل، الذي قال فيه إمام العارفين: انه كان أملاً لمستقبل الإسلام، فقيهاً متعمقاً ذا أساس راسخ، وفي علم الأصول عميق الغور ومتضلع ومبدع، إضافة إلى كونه فيلسوفاً ناقداً وعميق الفهم ومفسراً. وقد استطاع بفكره الواسع استيعاب القرآن وتفسيره بأفق جديد.
ومع أنّ الأيدي الأثيمة الجائرة تسببت في طمس الكثير من آثار هذا الفقيه المجاهد إلاّ ان المتبقّي منها يعد بحد ذاته سبيلاً موثوقاً للتعرف على مدى عظمته العلمية ونبوغه الفائق.
استشهد العلاّمة  سيد مصطفى الخميني في الأول من شهر آبان عام 1356 للهجرة الشمسية بنحو غامض في النجف الأشرف على يد جلاوزة السافاك (مديرية مخابرات وأمن النظام الشاهنشاهي) وكانت شهادته حسب التعبير العرفاني لوالده الجليل سماحة الإمام الخميني، من الألطاف الإلهية الخفية وبمثابة حلقة وصل بين الخامس عشر من خرداد عام 1342 والثاني والعشرين من بهمن عام 1357.
يوم قال  سيد مصطفى: «سنقدّم المزيد من الشهداء على طريق الحرية، وأن ثمرة النصر لا تأتي إلاّ بالصمود» طالما كان يأمل حينها أن يكون هو أحد هؤلاء الشهداء، ولكن لعله لم يكن يحسب أن سيغدو بمثل هذه السرعة حاملاً راية شهداء فصل انتصار الثورة. ومع كل هذا لم تنل شخصيته السياسية والعلمية نصيبها المطلوب من التحليل والدراسة.

الشهيد مصطفى الخميني(ره) في كلام القائد الامام الخامنئي (حفظه الله)
 
كان النجل الأكبر لسماحة الإمام(رض) يتمتع بخصائص بارزة، فهو بالإضافة إلى الجانب العلمي أظهر براعة واستعداداً باهراً في الفقه والأصول والعلوم العقلية على مستوى الحوزة العلمية.
لقد طالع الشهيد جميع الكتب المهمّة في عهده. لقد كان شخصية شمولية ومتعددة الجوانب.
وكان يبدو أن جميع الصفات الايجابية كانت تنمو في شخصيته نحو التطوّر والتكامل.
لقد سطعت شخصية الإمام الخميني(ره) أمام أنظار الشعب الإيراني كالشمس المشرقة في صبره وتحمله فقدان نجله السيد مصطفى. ومعنى هذا أنّ تكريم منزلة ومكانة السيد مصطفى تمثل في الواقع احتراماً لسماحة الإمام(رض) وتكريماً للقيم الإسلامية والثورية.

محطات علمية في حياة الشهيد

* ولد في مدينة قم المقدسة يوم 12 رجب 1349 هـ ق.
* ابتدأ دراسته في المدارس العصرية الحديثة في السابعة من عمره.
* بسبب شغفه الشديد للدراسة في الحوزة العلمية، انضم إلى مسلك العلم والعلماء ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره.
* أنهى مرحلتي المقدمات والسطوح في مدة تقل عن تسع سنوات.
* شرع حضور بحث الخارج في الواحدة والعشرين من عمره.
* بلغ مرتبة الاجتهاد ولم يتجاوز سن الثلاثين.
* ألقى دروس بحث الخارج في النجف الأشرف لمدة تسع سنوات وتربى على يده جمع من الفضلاء.
* اشتهر بذكائه الخارق وذاكرته القوية وتضلّعه في مختلف العلوم.
* كانت له اليد الطولى في علم المعقول وكان له تعمق وتبحر في التفسير والتاريخ وعلم الرجال.
* خلف كتباً كثيرة في مختلف المجالات العلمية.

مجتهد بمعنى الكلمة

مقتطفات من مذكرات آية الله سيد عباس خاتم اليزدي
...عند قدومي من يزد إلى قم لأجل الدراسة حصل نوع من المعرفة بيني وبين السيد مصطفى، إلا أن معرفتي به تعمّقت أثناء وجودنا في النجف الأشرف.
كان سيد مصطفى معروفاً بسعة مؤهلاته وقوّة ذاكرته، وكنّا آنذاك نعرفه عن بُعد بهذا المقدار، كان متوهج الذكاء وشديد التواضع، وسريع التفاعل مع طلاب العلوم الدينية على الخصوص.
كان الإمام يشعر بحالة من الغربة الحقيقية في النجف؛ فالفضلاء لم يحيطوا به كما كان ينبغي. كان يتردد عليه بعض الطلبة الذين تحدوهم رغبة عميقة إلى التعلم. الشبان الذين أحاطوا بالإمام هم أولئك الطلاب الذين قدموا من إيران إلى النجف وراء التوجهات السياسية للإمام. وهناك تجلّت شخصية المرحوم سيد مصطفى في الجانب السياسي وفي مجال علمه وفضله؛ إذ كان ناشطاً في كلا المجالين السياسي والعلمي.
في الجانب العلمي يمكن القول انه كان عالماً بمعنى الكلمة؛ فقد كان عالماً حقاً في أبواب الفقه، والأصول، والفلسفة، والأدب العربي، والأدب الفارسي، وقد كان مجتهداً في درجة عالية من الاجتهاد، أي كان مجتهداً بمعنى الكلمة، ويمكن القول انه قل نظيره في عصره في باب الفقه والأصول.
إحدى السجايا التي كانت فيه هي شدّة حبّه للإمام وحرصه على عدم حصول أي إزعاج له. ذكر في أحد الأيام، أنّه دخل على الإمام يوماً فقال له الإمام: لقد جاءت رسالة من الحاج مهدي الحائري ابن المرحوم الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري بعثها من أمريكا ويقول فيها: لو إنني أعلم شخصاً على وجه الأرض يمكنني أن أعرض عليه سؤالي هذا لما عرضته عليك؛ تقديراً لكثرة مشاغلكم ولأنكم تعيشون في النجف ظروف النفي والغربة، ولكني لا أعرف على وجه الأرض شخصاً أسأله سواكم. وكان في رسالته يسأل عن معنى عبارة لابن العربي.
يقول: ناولني الإمام الرسالة وقال لي: انظر ما فيها.
وبعد أن قرأتها سألني الإمام عن فحوى الإجابة، فعرضت عليه الجواب، فقال: هذا هو الصحيح.
لقد كان سيد مصطفى بارعاً حقّاً في الفقه والأصول، كما انه كان بارعاً في علم الرجال أيضاً.

أستاذ في شتّى العلوم

آية الله محمد حسن قديري
المرحوم آية الله سيد مصطفى الخميني (قدس سره الشريف) من روّاد هذا الطريق، بل ومن قادة الأمة الإسلامية، ومصداق لهذه الآية المباركة. لقد استقبل مفهوم «ربّنا الله» عن اخلاص وظل يُنافح عنه بصلابة حتى نهاية عمره الشريف، ولم يكن يخشَ الطاغوت، وواجه كل مصاعب الحياة بإيمان بالله وعزم راسخ. ويمكن القول بحق انه عاش سعيداً ومات سعيداً. اسأل الله أن يحشره مع أجداده الطاهرين.
ومع إنني لا أدّعي الإحاطة بكل أبعاد حياته ونشاطاته السياسية والاجتماعية والعلمية وسلوكه الأخلاقي والعملي والعرفاني، ولكن بما إنني عاشرته مدّة في النجف الأشرف وكنت معجباً به، أرى من حقّه عليَّ أن أتحدث عمّا أعرفه عنه.
أنا أرى أنّ المرحوم سيد مصطفى كان من الأركان الأساسية في النهضة الإسلامية، وكان له دور مؤثر في تلك النهضة وديمومتها، وكان استتار دوره أمراً طبيعياً بسبب أنّ دوره الفاعل كان في مرحلة الكبت أولاً، وثانياً لأن الشمس الساطعة لوالده الكريم حينذاك كانت تغني عن اشراقات الشموس الأخرى؛ وإلاّ فانَّ الخدمة التي أداها المرحوم سيد مصطفى للنهضة في عهده لم تكن أقل مما قدّمه الآخرون؛ فقد كان نصير الإمام وعضده، وكان هو المعين له في غربته، بل كان هو أنيسه الوحيد.
أتذكر جيّداً إنني كنت في مدرسة المرحوم آية الله البروجردي في النجف الأشرف، حين بلغنا في عصر أحد الأيام خبر قدوم الإمام من تركيا إلى العراق وأنّه في الكاظمية، واتصل المرحوم سيد مصطفى بدار المرحوم آية الله العظمى الخوئي هاتفياً طالباً تهيئة دار لسماحة الإمام. فتوجهنا في اليوم نفسه إلى بغداد ووصلنا ليلاً إلى الكاظمية إلى حيث الفندق الذي نزله الإمام؛ فكان سماحته في غرفة، وفي غرفة أخرى كان سيد مصطفى وحده مستيقظاً، وكانت عمامة الإمام في غرفة السيد مصطفى.
لم نستطع مقابلة الإمام في تلك الليلة. وفي صباح اليوم التالي ذهب الإمام برفقة سيد مصطفى لزيارة ضريح الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. وهناك التقى به عدد من العلماء وبقوا في رفقته.
وقد سمعت من الإمام نفسه أنه قال عن أهمية وجود سيد مصطفى إلى جانبه أثناء وجوده في تركيا: «كان وجود سيد مصطفى إلى جانبي في تركيا ضرورياً بالنسبة لي». أضف إلى أن وجوده معه في النجف أزال عنه مشاعر الغربة. وكان هو الأمين على أسراره في شؤون النهضة، وهو ثقته وموضع اعتماده. وهو وان كان لا يتدخل في الأمور ظاهرياً، لكنه في الحقيقة هو الذي يتولى إدارة الشؤون السياسية والاجتماعية للإمام.
وخلاصة القول هو انه لولا وجود سيد مصطفى إلى جانب الإمام لكثرت عليه المشاكل، وان للسيّد مصطفى حقاً على الثورة. وإذا كان سماحة الإمام قد قال إنّ مصطفى كان أملاً لمستقبل الإسلام، فانه لم يكن يُثني على مجرد رجل عالم أو عابد أو عارف، بل كان يشير بذلك إلى دوره الفاعل في الثورة.
كان سيد مصطفى عالماً ومجتهداً، وكان يبدي اهتماماً كبيراً للعبادات والزيارات، ويساعد المساكين والمعوزين، وكان ملاذاً لأصحاب الإمام الذين لم يكن لهم ملاذ يومذاك إلاّ أميرالمؤمنين(ع) ودار الإمام.
وفي مجال البحث كانت له اليد الطولى، ومع براعته في النقاش إلاّ أنه كان منصفاً في قبول الحق؛ فان رأى المقابل على صواب أذعن لرأيه.
كان استاذاً كفوءاً في مختلف العلوم. ومن جملة الذكريات العالقة في ذهني منه، هو انني رافقته عند الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام حيث كُنّا وصلنا إلى بساتين كربلاء وقضينا تلك الليلة هناك، وتحلّق حوله رفاق السفر، وتقرر أن يعرض له كل واحد منهم سؤالاً في أحد أبواب العلوم.
ولا أنسى أنهم عرضوا عليه أسئلة في شتى مجالات العلوم وكان هو يجيب عنها، واستمر ذلك المجلس حوالي أربع ساعات. وفي الحقيقة إني لازلت إلى الآن أتعجب عند استذكار ذلك الموقف، وان يكون لمثل هذا الشخص كل تلك الكفاءة في الإجابة على تلك الأسئلة كافّة بدون مطالعة.

محطات جهادية

* برز دور الشهيد في مواجهة النظام بعد اعتقال الإمام الخميني(رض) عام 1383، فكان له دور مهم في حركة 15 خرداد (12 محرم 1383 هـ. ق)، فقد خطب في أهالي مدينة قم المقدسة، وفي صحن فاطمة المعصومة ى خطاباً حماسياً، هاجم فيه حكومة الطاغوت واستنكر اعتقال الإمام وشرح للجماهير كيفية الاعتقال.
* بعد إبعاد الإمام الخميني إلى تركيا أقدمت السلطة حينها على اعتقال الشهيد يوم 28 جمادى الثانية 1384 هـ. ق بعدما اطلعت على نشاطه المتواصل وعلمت انه عامل أساسي في تقدم التحرك الثوري.
* كان للشهيد خلال فترة اعتقال الإمام تحركات ونشاطات واسعة أقلقت جهاز الأمن الإيراني (السافاك) فأمر الجنرال نصيري بإحضاره، ثم هدّده شخصياً باعتقال إذ لم يكفّ عن نشاطه السياسي والثوري.
* في سجن قزل قلعة سلّموا للشهيد قرار اعتقاله الخطي فكتب تحته بخط يده هذه الجملة: «إنني معترض بشدة على أصل القرار وكيفية تنفيذه. سيد مصطفى الخميني». وبعد ذلك استجوب الشهيد لمدة تسعة أيام من السجن:

أهداف الاغتيال


يبدو أنّ النظامين البهلوي و البعثي  كانا متواطئين على اغتيال سيد مصطفى الخميني. ويمكن تبيان أهدافهما من وراء هذه الجريمة كالآتي:
1 ـ إيذاء سماحة الإمام(رض) نفسياً:
كان نظام الشاه واستجابة للسياسة الأمريكية الجديدة في عهد كارتر، بصدد ايجاد جو سياسي منفتح في إيران يمنح بموجبه الشعب شيئاً من الحرية بهدف خداع الجماهير. واستناداً إلى ما لديهم من سابق تجربة منذ عام 1341 [هـ ش] ـ حين وقف الإمام الخميني(رض) ضد المبادئ السياسية للرئيس كندي، ولم يفسح المجال أمام الشاه لاستغفال الشعب الإيراني، بل وقاد الجماهير لمناهضة سياسة الشاه وأمريكا أكثر من ذي قبل ـ كانوا على معرفة تامة بأنّ الإمام سيقف أيضاً بوجه المبادئ السياسية للرئيس كارتر، وانه سيستثمر الانفتاح السياسي لتعبئة الشعب ولإنضاج حالة الثورة، مما يقود إلى مخاطر جادّة على عرش الشاه.
وانطلاقاً من هذه الرؤية استقر عزمهم على اغتيال سيد مصطفى لتوجيه ضربة نفسية مؤلمة لسماحة الإمام لا يستطيع بعدها النهوض على قدميه، وتفقده القدرة على مجابهة الشاه.
2 ـ توقّي المخاطر المستقبلية:
كان النظامان العراقي والإيراني واقفين على حقيقة ان سيد مصطفى يحمل نفس الخصائص التي كانت في شخصية الإمام، ومن المؤكد انه سينتهج في المستقبل ذات النهج الذي يسير عليه سماحة الإمام(رض)؛ ولهذا السبب قرّرا تصفيته، لكي لا يواجها في المستقبل خمينيّاً آخر في سن الشباب.
3 ـ إيجاد حالة من الذعر والخوف:
ولكي لا يستغل العلماء المجاهدون والملتزمون حالة انفتاح الأجواء السياسية في إثارة الجماهير، فكّر نظام الشاه في بث الرعب والذعر في الحوزات والأوساط الدينية، وفرض حالة من الكبت على العلماء لتجريدهم من قدرة النشاط السياسي، وإزاحتهم من الساحة حتى تخلو الأجواء أمام التيار القومي وأنصار المجابهة البرلمانية التدريجية، وليتاح للسلطة السيطرة على الأوضاع وفقاً لمشيئة أمريكا، وإنقاذ الشاه من خطر الثورة العارمة ـ التي قد تبيد بحكمه ـ الذي خلقته النهضة الإسلامية.
كان نظام الشاه يعتقد أن اغتيال سيد مصطفى الخميني سيخلق مثل هذه الأجواء ويسيّر الأوضاع السياسية حسب مرامه.
4 ـ تعميم الثقافة الملكية:
كان نظام الشاه يتصور أنّ اغتيال سيد مصطفى الخميني سينزل ضربة مؤلمة بالنهضة الإسلامية تمكنه من إزاحة الثقافة الإسلامية الثورية، ولتحل محلها الثقافة العنصرية البالية والأفكار الملكية، ويتسنى لها السيادة في الساحة الإيرانية.
5 ـ القضاء على منهج التوعية المعادي له في النجف:
كان النظامان الإيراني والعراقي في هلع وذعر جاد من الآراء التجديدية وأساليب التوعية التي كان سيد مصطفى الخميني يمارسها في حوزة النجف. وكانا يعلمان أنّ الأوضاع إذا بقيت تسير على هذا المنوال فلن يمضي طويلاً حتى يفقد المتحجرون وطلاب العافية، وبائعو الدين بالدنيا قدرتهم في السيطرة على الحوزة وتهميش دورها، وستتحول حوزة النجف أيضاً كما هو الحال في حوزة قم إلى معقل للثورة التي سيمتد زلزالها ليهدم عروش بغداد وطهران. ولهذا السبب عقدا العزم على قتل هذا الرجل الحكيم المهذب العارف التقي الورع الذي كان شديد التفاعل مع الجيل الصاعد في الحوزة، ولم يكن يتوانى أو يقصر في العمل على توعيته؛ ظناً منهم أن عملهم هذا سيؤدي بالحوزة إلى الوقوع في الظلمة والانتكاس الكبير، ويمكنهم في النهاية من إطفاء نور الله.

شهادة سيد مصطفى في نظر الإمام(ره)

بعد أن اطّلع سماحته على استشهاد نجله لم يغيّر حتى منهاجه اليومي. وفي الوقت الذي نقل فيه جثمان الشهيد إلى كربلاء، كان هو يحضر صلاة الظهر والعشاء جماعة كعادته يومياً، ثم قصد بعد ذلك دار نجله الشهيد وعزّى أسرته وأمرهم بالصبر، وقال لوالدة الشهيد الثكلى:
«انه أمانة أودعها الله عندنا، الآن أخذه منا، وإنني قد صبرت، فاصبري أنت أيضاً، وليكن صبرك لوجه الله».
حينما ذهب الإمام لأول مرّة إلى مثوى نجله الشهيد، وكانت تحيط به مجموعة من الناس، جلس على الأرض بكل بساطة، ووضع أصبعه على القبر وقرأ سورة الفاتحة بكل طمأنينة، ثم التفت إلى الحاضرين وأوصاهم بقراءة سورة الفاتحة على أرواح سائر العلماء المدفونين هناك.
عزم علماء الحوزة في النجف على إقامة مجالس التأبين على روح المرحوم حتى يوم أربعينه، لكن الإمام(رض) قال لهم في هذا الصدد: «يجب أن لا تعطل الدروس، على السادة أن يبدأوا بالتدريس». وفي ذلك الوقت أعلن لتلاميذ سيد مصطفى ومحبيه: «يجب أن تتحلوا بالروح الخلاقة، عليكم بالصبر في مثل هذه المواقف، ولا تجزعوا. واصلوا دراستكم وبناء ذاتكم».
خلافاً لما كان يتصوره نظام الشاه، بادر سماحة الإمام الخميني(رض) في يوم 10 آبان عام 1356 [هـ ش] أي بعد عشرة أيام من استشهاد نجله، إلى إلقاء خطاب حماسي اعتبر فيه فقدان أعز الناس إليه من الألطاف الإلهية الخفية، وقال:
«... لو كنا على معرفة بالألطاف الإلهية الخفية التي خبّأها الباري تعالى لعباده وانه لطيف بهم، لما جزعنا إلى هذا الحد على هذه الأمور الصغيرة التي لا تحظى بشيء من الأهمية، ولفهمنا ان وراءها مصالحاً وألطافاً».
وعلى الرغم من أوهام نظام الشاه، لم تؤد شهادة المرحوم إلى إخماد لهيب الثورة، بل على العكس جعلتها تزداد وَهَجاً يوماً بعد آخر، وتوّج هذا الوهج والضراوة بالواقعة الكبرى في يوم 19 من شهر ذي في ذلك العام احتجاجاً على مقالة بذيئة نشرت في صحيفة «اطلاعات» بتاريخ 17 من شهر دي 1356 [هـ ش].
سارع أبناء الشعب الإيراني الغيارى بعد سماعهم خبر استشهاد سيد مصطفى إلى إقامة مجالس الفاتحة على روحه. وفي أول مجلس تأبين وتجليل اضطربت مدينة قم، وفي أعقاب ذلك انتفضت المدن الأخرى وأخذت تفضح مثالب النظام. فلجأ العدو إلى استخدام القوّة ونزل إلى الساحة مدججاً بالسلاح، لكن الشعب نزل إلى الساحة أيضاً متدرعاً بدرع واجه به ذلك السلاح بل وابطل مفعوله؛ وذلك هو شعار «الله أكبر».
وتحول الشعار إلى شعور، وامتزج صوت الشعب بالإيمان فتوارى العدو. وهكذا تهاوى ذلك النظام، وكان ذلك في الحقيقة ولادة جديدة للإسلام والمسلمين.
كان نداء الشهيد آية الله سيد مصطفى الخميني هو: «سنقدم الكثير من القرابين على طريق الحرية، والانتصار في نهاية المطاف يأتي كثمرة للصمود».

ذكريات حول الشهيد

حجة الإسلام والمسلمين المرحوم سيد أحمد الخميني(رض):
كان المرحوم سيد مصطفى الذي يبدو لي شخصاً فذّاً، يأتي إلى والدي أسبوعياً ويقبض نفقة أسبوعه، ولم يكن الإمام يمنحه أيَّ مبلغ إضافي قط، وحينما أراد سيد مصطفى الذهاب إلى الحج، جمع مصاريف الحج من ثمن داره التي باعها في قم، وبقية المبلغ حصل عليه من زوجته.
كان الإمام يقول: لا يحق لأحد الإكثار من استخدام الهاتف هنا. كان يسمح باستخدام الهاتف للمكالمات في داخل النجف فقط، ولم يكن باستطاعتنا الاتصال هاتفياً بكربلاء أو أي موضع آخر؛ لأن الإمام كان قد حرم ذلك علينا.
صفة التعبّد:
كان المرحوم مصطفى الخميني(ره) يقول: كان من عادة أبي الذهاب إلى الصحن الشريف الساعة التاسعة مساءً، وقراءة الزيارة الجامعة ثم العودة إلى البيت. وذات ليلة عاصفة وباردة تساقط فيها الثلج، رأيت والدي يستعد للذهاب إلى الصحن الشريف، فقلت له مبتسماً: يا أبه إن أميرالمؤمنين لا فرق لديه بين البعيد والقريب، وأنت بإمكانك قراءة الزيارة الجامعة هنا في البيت. فابتسم الإمام وقال جملة واحدة لكنها ذات قيمة تعدل العالم بأسره، قال: اطلب منك يا مصطفى أن لا تسلب منّا هذا الاندفاع العامّي.

حجة الإسلام والمسلمين سيد محمود دعائي:
لدي ذكريات كثيرة عن المرحوم سيد مصطفى، ولكن أرى من الأفضل ذكر تصوراتي العامة عن حياته وعن مواقفه مع الإمام وازاء النهضة في إيران.
كان المرحوم سيد مصطفى من أبناء الذوات والشخصيات الذين يمقتون التكريم والاحترام على أساس كونه من أبناء شخصية ما. ولم يكن هذا يعني طبعاً عدم إدراكه لمكانة والده، بل انطلاقاً من الإدراك المستقل والتمتع بشخصية أصلية، كان المرحوم رجلاً ورعاً ومهذباً مثالياً يطمح إلى أن يكون كما هو، لا كما يمليه نسبه وارتباطاته العائلية، وهذا دليل على اقترابه من درجة الكمال.
فهو مع إدراكه لمدى ما تستحقه شخصية والده الرفيعة من الثناء، كان ينفر ممّا يحظى به من الاحترام والتكريم على أساس كونه ابناً له. وهذا السلوك متحد مع نهج الإمام نفسه حيث لم يكن الإمام يسمح للعلاقات العائلية والعاطفية بالتأثير على قضايا الجهاد أو قضايا الحوزة والأوساط العلمائية.
سعى الإمام منذ البداية أن لا يترعرع نجله خارج إطار الحوزة ولا يُنظر إليه كما يُنظر إلى الآخرين. ونتج عن هذا النمط من التربية أنّ المرحوم استطاع صقل شخصيته في أجواء من الحوزة بعيدة عن التبعية، وان ينال تلك الدرجة العلمية المستقلة بكفاءته وهمته.
لهذا السبب كان الإمام يكنُّ لولده احتراماً وافراً في الجوانب العلمية والأخلاقية، وكان واثقاً بما له من مكانة مستقلة وقيّمة.
لا يخفى أنّ ظروف حياة تلك العائلة وخاصة أثناء فترة نفي الإمام إلى تركيا، سنحت فيها فرصة ثمينة أمام سيد مصطفى لاكتساب العلوم من محضر أبيه فكان بالنسبة للإمام كالأنيس والمستشار العلمي، وزميل الدراسة، وكان وجوده مفيداً للإمام في لحظات الغربة والانقطاع عن الشعب الإيراني، وانقطاع الشعب عن الإمام. وهو قد جنى في تلك الفرصة فوائد جمّة من وجوده إلى جانب أبيه.
الصفة البارزة الأخرى التي شاهدتها في شخصية سيد مصطفى هي الأناة وسعة الصدر في التعامل مع شتى الفئات ومختلف الشخصيات والعلماء الذين كانوا في النجف وكانت لكل منهم صلة مع المرحوم بنحو أو آخر. كان يتصف بسعة الصدر إلى حد يفسح المجال أمامهم جميعاً لإقامة علاقات معه والحصول على الإرشادات والإمكانيات التي كان بوسعه تقديمها لهم.
كنت ذاهباً صباح ذلك اليوم لجلب الخبز ولم تكن الشمس قد أشرقت بعد، فرأيت الحاجّة صغرى ـ التي كنا نحترمها جميعاً ـ تركض حافية وتلطم على رأسها وتصرخ! ذهلت حينما شاهدت ذلك الموقف.صرخت الحاجة صغرى: يا ويلتاه، تعال، أركض يا سيدي. أصابني ذعر شديد وخطرت على ذهني أمور أخرى. فسألتها عما جرى، قالت: إن السيد مريض ـ وكانت تقصد سيد مصطفى ـ فناولت الخبز لمن يوصله إلى البيت، وسرت مضطرباً ودخلت الدار فوجدت السيد مطروحاً على سجادته.
حاولت في بداية الأمر الاتصال بأطباء مستشفى النجف لكنني لم أفلح في ذلك. لم يكن هناك طبيب ماهر يمكن الركون إليه. ذهبت بنفسي إلى المستشفى، لكن الأوضاع لم تكن مهيئة ليرسلوا سيارة أسعاف، كانت تلك اللحظات عصيبة عليَّ. وقررت هناك إيصال هذا الخبر إلى دار الإمام بشكل لا يثير الذعر والقلق؛ فمثل هذه الأخبار يجب إيصالها إلى ذوي الشخص بمنتهى الحيطة والدقّة.
كان هناك أحد طلبة العلوم الدينية، طلبتُ منه أن يذهب إلى دار الإمام ويخبر سيد أحمد فقط ويطلب منه الذهاب إلى دار أخيه فوراً. ذهب ذلك الطالب وأخبر سيد أحمد، وجئنا بسيارة أجرة كانت تشق طريقها بصعوبة عبر الأزقّة الضيّقة، ونقلناه إلى أحد المستشفيات. وبعد أن أجرى عليه الطبيب الفحوصات الأولية أخبرنا، انه ومع كل الأسف قد توفي.
كان واضحاً من خلال الأعراض البارزة على جلده أن موته لم يكن طبيعياً، بل ناتجاً عن حالة تسمّم. كانت تقف قرب المستشفى، سيارة تحمل رقم طهران، وبعد سماع خبر وفاته انطلقت من ساعتها نحو بغداد. كما كان هناك شخص متلبّس بزي علماء الدين ومرتبط بالبلاط، وكان قد تعرّض فيما مضى لسيد مصطفى وأساء إليه مرّات عديدة، هذا الرجل حاول مستميتاً أن يرى الإمام في اللحظات الأولى التي بلغهُ فيها وفاة ولده، ليرى عن كثب حالة الإمام بعد سماعه لخبر الوفاة. ولكن ما تعلمونه من صلابة مواقف الإمام، لم تترك الفرصة أمام أحد لمشاهدة دموعه على فقد ولده. فقد صمد كالطود الشامخ، وبرهن على أن قضية الولد والعلاقات العاطفية المادية لا يمكن أن تثنيه عن السير صوب هدفه. وقد أدى موقف الإمام ذاك إلى إخفاق العدو،من دم سيد مصطفى الذي أريق ظلماً ريّاً كشجرة الثورة، وكان مصدراً لكل هذا العطاء.
أتذكّر ذلك اليوم جيّداً حين جاء سيد أحمد ـ محبوب الإمام وعزيزه الآخر ـ وكان في حيرة من كيفية إبلاغ الخبر لسماحة الإمام.
وما أن دخل الدار حتى صعد إلى الطابق العلوي، وحين شعر الإمام بمجيئه صاح: يا أحمد، ماذا عن مصطفى؟ فأجابه: لا شيء. فسأله ثانية، فلم يجبه. ويبدو أن الإمام حين سأله للمرة الثالثة لم يستطع أحمد إخفاء مشاعره فانفجر باكياً، فقال له الإمام: «إن كان قد مات، قل لي، فان الموت حق». ومع استمرار بكاء سيد أحمد أدرك الإمام حقيقة الأمر.
ومن جملة الذين لم يتركوا الإمام وحيداً في تلك اللحظات المرحوم الشيخ حبيب الله الاراكي وسيد عباس خاتم وكانا من الشخصيات المرموقة ومن المقربين إلى الإمام. ولاحظوا حينها ان الإمام نظر إلى يده لحظات، وبعد أن قال: «لا حول ولا قوة إلاّ بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون» قال: «لقد كان مصطفى أمل مستقبل الإسلام، لكنه كان أمانة وذهب من أيدينا».
والعجيب في الأمر أن أحداً لم يذكر ـ ولا حتى من أفراد عائلة الإمام ـ انه بكى على مصيبة فقد ابنه. كانوا في تلك الفترة يخشون أن تؤدي هذه الصفة التي يتحلّى بها الإمام من الصبر والتحمل إلى الإضرار به، ولهذا السبب كان أحد الخطباء يعرّج على ذكر مصيبة أهل البيت ـ عندما يأتي الناس لمواساة الإمام بفقد ولده ـ لكي يذرف الإمام الدموع بسبب ما يعلمونه من رقّته ازاء مصائب أهل البيت وخاصّة جدته فاطمة الزهراء (عليها السلام).
كان سماحة الإمام نادراً ما يشارك في شعائر الدفن والصلاة على الأموات، إلاّ في حالات استثنائية حينما يكون المتوفى من الشخصيات العلمائية البارزة أو من أصدقائه وأنصاره. وكانت مشاركته بالشكل التالي: كان يأتي قبل نقل الجنازة بخمس دقائق وبعد أن تحمل يسير خلفها عشرين أو ثلاثين متراً ثم يتنحى جانباً ويركب سيّارة أجرة ويعود إلى داره. وفي اليوم الذي شيّعت فيه جنازة ولده مصطفى قام بالعمل ذاته بلا أي تمايز.
خلال جميع هذه الأحداث كان الجميع ينظرون إلى سلوك الإمام هذا بكل دهشة؛ وكيف انه يبدي هذه الدرجة من الصبر والتحمل في سبيل الله ويبقى يسير كالجبل الراسخ من دون أن يتزعزع.
في الليلة الأولى لدفن المرحوم ذهب الإمام إلى داره لتسلية زوجته وحينما دخل من الباب التي كان سيد مصطفى يخرج منها لاستقباله، رمت زوجته بنفسها عند قدميه وقالت: ماذا أفعل؟ أين مصطفى؟ كان هذا المشهد كافياً ليذيب الصخر الأصم. لكن الإمام حافظ على صلابته ولم يذرف دمعة واحدة، مخاطبها وأعضاء الأسرة بطمأنينة وحزم: «إصبروا، وليكن صبركم قربة إلى الله. لقد كان أمانة وذهب من أيدينا».
هذه الواقعة لم تؤثر على حالة الإمام الروحية والفكرية، بل ولا حتى على برنامجه اليومي. فهو كان قد خصص ساعة من النهار لمطالعة الكتب الجديدة التي تصله. وهو على سبيل المثال طالع جميع كتب المرحوم الدكتور علي شريعتي، وكان مولعاً بمؤلفات الشهيد المطهري، وكان يرتضي آثار المطهري وكتب السيد الطالقاني. وكان يرى بالنسبة لكتب الدكتور علي شريعتي: أن لا داعي لكل هذه الهجمات والاعتراضات الموجهة ضدّها، لأنها لا تحتوي على ذلك الحد من الانحراف.
أتذكر انه كان في تلك الأيام يطالع كتاب سيد جوادي الموسوم بـ«طلوع انفجار».يقول سيد أحمد الخميني: حين عاد الإمام من تشييع الجنازة كانت قد حانت ساعة مطالعته اليومية؛ ففتح الكتاب المذكور، وأخذ يطالعه. وهذا يعكس مدى ولع الإمام بتنظيم منهجه بحيث لا تترك أية حادثة تأثيراً سلبياً على حياته. وطوال تلك المدّة لم يُسمع من الإمام بشأن ولده إلا جملتان:
الأولى قوله: كان مصطفى أملاً لمستقبل الإسلام.
والثانية: كلمته القصيرة التي ألقاها عند بداية شروعه بالتدريس بعد تلك الواقعة وشكر خلالها كل من قدّم له التعازي أو زاره، وجاء في كلمته تلك: إنّنا لا ندرك الكثير من الألطاف الإلهية؛ فلله تعالى ألطاف خفية وأخرى جلية، ولعل هذه الأحداث من جملة ألطافه الخفية التي لا نفهمها الآن ولكنها في الواقع لطفاً ورحمة إلهية، وعلى كل الأحوال فكل ما يأتي من الحبيب محبوب.
من جملة الذكريات التي لا أنساها ابداً، موقفان:
الأول: كان يقترن ذكر السيد مصطفى عند الإمام بحالة شعور عاطفي تعتريه، بل وكثيراً ما كان مقروناً بالألم والحسرة.
والآخر: لم أشاهد قط إن الإمام بكت عينه دمعة واحدة على استشهاد ولده مصطفى الخميني. وقد أثارت صلابته هذه الرعب في قلب العدو. كان العدو يتربّص، وقد أرسل بعض من كانوا آنذاك خارج البلد ليحضروا تلك اللحظة ويشاهدوا رد فعل الإمام عند قبر ولده. كان الجميع قد ضجّوا بالبكاء، إلا الإمام فقد بقي شامخاً كالجبل، وتصرف ازاء ذلك الموقف بشكل طبيعي جدّاً، وشق طريقه إلى غرفة المقبرة بين بكاء وضجيج الحاضرين، وسأل ـ بكل صلابة ووقارـ أين قبر مصطفى؟
دلّه الأشخاص الذين كانوا يواصلون البكاء والنحيب، على قبر الشهيد مصطفى؛ فجلس إلى جانب القبر وقرأ سورة الفاتحة.
وكان هناك أيضاً قبر الفيلسوف الكبير المرحوم الكمباني، فأشار الإمام إلى الحاضرين أن يقرأوا على روحه سورة الفاتحة.
كان هناك مراقد شخصيات أخرى طلب الإمام قراءة سورة الفاتحة على أرواحهم. وبقي طوال تلك المدّة كالجبل الأشم لم تدمع عيناه حتى قطرة واحدة، وكان هذا درساً بليغاً لمن شهده.
كان لهذا الموقف سببان:
الأول: إن لا يكون شخصية تابعة.
والثاني: أن لا يُتهم الإمام ـ وهو ما كان يؤكد عليه شخصياً ـ لا يُتهم بوجود عقل موجِّه إلى جانبه يشاركه في اتخاذ القرارات. كان السيد مصطفى يحرص على الابتعاد عن الإمام في قضية اتخاذ القرارات، وحتى في المواقف السياسية، ليتسنى للإمام اتخاذ القرار بمفرده. وكان الإمام يتصرف في هذا السياق بشكل لا يجد معه سيد مصطفى مجالاً للتدخل حتى لو قرر التدخل يوماً ما.
وهذا ما يدفعنا إلى الاعتراف بالشخصية البارعة والمستقلة للحاج سيد مصطفى باعتباره شخصاً ذا رؤية ومسار خاصّين.

الشهيد مصطفى في كلام الإمام الخميني(قده)

كان مصطفى أمل مستقبل الإسلام. كانت شهادته من الألطاف الإلهية الخفية.
... كنت أتأمل أن يكون هذا المرحوم [آية الله الشهيد سيد مصطفى] خادماً ونافعاً للإسلام والمسلمين، ولكن لا راد لقضائه، وان الله لغني عن العالمين.
نحمد الله أنّ الشعوب الإسلامية وخاصّة في إيران اتجهت صوب التحرك الواعي. وهي غير قائمة أبداً بشخص. ويؤمل أن تبلغ طموحها المرجوّة وهي تطبيق الأحكام الإلهية وقطع أيدي الجبابرة والمترفين في القريب العاجل.
المصدر:دارالولاية للثقافة والاعلام

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء