لماذا ترك الامام الخميني (قدس سره)العراق وتوجه الى فرنسا؟
في الفترة الاخيرة من حكم النظام البهلوي حيث كان سماحة الامام يعيش منفياً في العراق، و في لقاء تم بين وزيري خارجية البلدين ايران و العراق في نيويورك ، قرر مسؤولو البلدين إخراج الامام الخميني من العراق. وفي الاول من شهر مهر (الشهر السابع من السنة الايرانية)1357 ه.ش.، حاصرت قوات البعث العراقي منزل الامام في النجف. وقد لاقى هذا الخبر اصداءً غاضبة في اوساط المسلمين في ايران والعراق وبقية البلدان. ولدى لقائه الامام اشترط مدير الامن العام العراقي على سماحته إذا ما اراد البقاء في العراق، الكف عن النضال وعدم التدخل في السياسة. حيث ردّ عليه الامام بكل حزم بأنه نظراً للمسؤولية التي يتحمل أعبائها تجاه الامة الاسلامية فأنه غير مستعد لإلتزام الصمت و المساومة مطلقاً. في الثاني عشر من شهر مهر (الشهر السابع من السنة الايرانية)غادر الامام الخميني (قدس سره) مدينة النجف متجهاً الى الحدود الكويتية، غير أن الحكومة الكويتية امتنعت عن السماح للامام بدخول اراضيها بطلب من النظام الايراني. قبل ذلك كان قد دار حديث حول هجرة الامام الى لبنان او سورية، غير أن سماحته قرر بعد التشاور مع نجله حجة الاسلام الحاج السيد احمد الخميني، التوجه الى باريس، وفي الرابع عشر من شهر مهر (الشهر السابع من السنة الايرانية)وصل سماحة الامام الى باريس. وبعد يومين من وصوله حط الرحال في منزل احد الإيرانيين في نوفل لوشاتو( في ضواحي باريس)، حيث قام مبعوثو قصر الاليزيه بابلاغ سماحة الامام برأي الرئيس الفرنسي القاضي بالامتناع عن ممارسة اي نشاط سياسي. فأغاض ذلك الامام الذي ردّ بأن هذا النوع من المحدودية يتعارض مع مزاعم الديمقراطية، وأنه غير مستعد للتخلي عن اهدافه حتى لو اضطره ذلك للتنقل بين المطارات من بلد الى آخر. لقد مكث سماحة الامام في فرنسا اربعة أشهر تقريباً، تحولت خلالها قرية نوفل لوشاتو الصغيرة الى المركز الاعلامي الاول في العالم، وأخذت تبث المقابلات واللقاءات المختلفة مع سماحة الامام الى كافة انحاء العالم. حيث أخذ سماحته يتحدث الى العالم عن آرائه ونظرياته بشأن الحكومة الاسلامية، والاهداف المستقبلية للنهضة. بهذا النحو تعرّفت شعوب العالم على فكر الامام وثورته. لقد استطاع الامام من هذه القرية الصغيرة أن يقود اكثر مراحل النهضة التهاباً وحساسية في ايران.
الهجرة إلى باريس برواية الامام نفسه
ان لله تبارك وتعالى تقديرات لا نفهم سرها الا بعد حين. فبعد ان مارست الحكومة الايرانية ومحمد رضا شاه ضغوطهما على الحكومة العراقية وقامت الاخيرة بمحاصرة منزلي وبدأت مداولات بيننا وبين الحكومة العراقية انذرناهم خلالها بان ما نقوم به هو قضية شرعية ومسؤولية إلهية وانني لا استطيع ترك القضية الإلهية والمسؤولية الشرعية بناء على طلبكم. قلت لهم انني امارس مسؤولياتي وانتم بدوركم اتخذوا ما تريدون من قرارات. وقد قالوا لنا: اننا مرتبطون مع الحكومة الايرانية بمعاهدات وان هذه الاعمال التي تقومون بها انتم واتباعكم تتعارض مع هذه المعاهدات ونحن لا نستطيع تحمل ذلك.
واجبتهم: لا شأن لي بهذا الالتزام. انتم لديكم ألتزام! وأنا لدي تكليف شرعي، ولا يسعني الانصياع لالتزامكم، فسوف أخطب على المنابر واصدر البيانات وأسجل الاحاديث على اشرطة التسجيل وأرسلها، وهذا كله بوعي تكليفي، انتم ايضا اعملوا بتكليفكم.
وبعد المفاوضات لجأ هؤلاء [البعثيون] الى تهديد بعض اخواني الذين كانوا معي في النجف وبلغني انهم قالوا لهم: نحن لا شأن لنا به ولكننا سنفعل بكم ما نفعل. فرأيت ان من الممكن ان يلحقوا الاذى باصدقائي فقررت التحرك وجئت طبعا تحت مراقبة الحكومة العراقية الى حدود الكويت.
وعلى الحدود الكويتية ايضا مورست على الحكومة الكويتية الضغوط ذاتها التي مورست على الحكومة العراقية. ولم يسمح لي حتى بمجرد العبور من هذا الجانب من الحدود الى ذلك الجانب. وانني لست بعاتب على احد لان لديهم التزاماتهم وهم يعملون طبقا لمعاهداتهم. انني لست بعاتب لا على حكومة العراق ولا على الحكومة الكويتية ولكن الله تبارك وتعالى قدر امرا وكنا" نحن غافلون".
لقد كنا نعتزم البقاء في الكويت يومين او ثلاثة والاجتماع مع بعض السادة ثم مغادرتها الى سوريا للاقامة هناك، ولكن الله قدر امرا آخر تماما، ولم نكن نعلم اين سينتهي هذا التقدير.
صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج6، ص: 185
لم يكن من المقرر أن نذهب الى باريس. وحدثت امور لم يكن لإرادتنا فيها دخل. فمنذ البداية والى الآن كانت الأمور تسير بإرادة الله ولا أدعي بأنني عملت شيئاً ولا أنتم ايضاً. فكل شيء منه سبحانه!
صحيفة الإمام(ترجمة عربية)، ج10، ص: 141