الحج الحقيقي هو ذاك الحج المصحوب بالبراءة من المشركين

الحج الحقيقي هو ذاك الحج المصحوب بالبراءة من المشركين

على أعتاب توجّه بعثات الحجاج الى بيت الله الحرام التقى الإمام الخامنئي يوم الاثنين 16/7/2018م القائمين على شؤون الحج في الجمهورية الإسلامية حيث اعتبر سماحته الحج الحقيقي هو ذاك الحج المصحوب بالبراءة من المشركين والذي يشكل أرضية لوحدة المسلمين واتحاد كلمتهم. و أشار الإمام الخامنئي إلى مساعي أمريكا الشيطانية وما يسمى صفقة القرن مؤكداً أنّه لن يكتب لهذه الصفقة النجاح بعون الله وسوف يُفشل الشعب الفلسطيني والشعوب المسلمة هذه المؤامرة كما أفشلوا غيرها فيما مضى.

جاء النص الكامل لكلمة سماحته على الشكل التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، خُدام فريضة الحج والحجاج الموفقين المُعززين، وخدماتكم هذه التي تقدمونها هي بحد ذاتها فخر كبير. تمهيد مقدمات ولوازم أداء فريضةٍ بعظمة الحج ـ وأبعادها حقاً أوسع بكثير مما نصفه نحن ـ والمساعدة على أدائها ونفس الخدمة من أجل إقامة هذه الفريضة، يُعدُّ ثواباً عظيماً وعملاً كبيراً وخدمة قيمة. إنني أوصي كلَّ الذين يقدمون الخدمة ويبذلون الجهود في الأقسام والقطاعات المختلفة ـ سواء في بعثة الحج، أو في منظمة الحج، أو في القوافل، أو في الأجهزة المعنية ـ حيث يتولى كل واحد من هذه القطاعات جزءاً من العمل، أوصيهم بأن يعرفوا قدر هذا التوفيق ويشكروا الله ويكونوا حامدين له لأنهم أحرزوا هذا التوفيق، وليحاولوا أداء هذا العمل بأفضل شكل [ممكن]. هذه التقارير التي قدمها سماحة السيد قاضي عسكر ورئيس منظمة الحج المحترم كانت تقارير جيدة، ولنفترض أنَّ بعض هذه الأعمال تتوقف في وسط الطريق أو تتعثر، ولكن مجموع هذه التقارير والأعمال التي تم إنجازها يمثل نتائج ملحوظة، لكنني أروم القول إنَّ كلَّ هذا الذي قيل بالمقارنة إلى الشيء اللازم لإقامة الحج الإبراهيمي والحج النبوي والحج القرآني، لا يزال في منتصف الطريق ولا يزال المجال واسعاً جداً لمزيد من العمل. 

أنه بالإضافة إلى كل الجوانب المتنوعة الموجودة في الحج - هذه الفريضة الكبرى – فإنَّ الحج يتميز بخصوصية أنه مظهر امتزاج المعنوية بالسياسة، و[امتزاج] المعنوية بالجانب المادي، و[كذلك امتزاج] الدنيا بالآخرة. «وَمِنهُم مَن يقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّار» (2). الذين يدعون الله هكذا في الحج ويسألونه تعالى حسنة دنيوية وحسنة أخروية هؤلاء ممدوحون ومقبولون في القرآن؛ بمعنى أنَّ الدنيا والآخرة مجتمعتان في الحج. الحج مظهر مثل هذا الشيء. حاول أشخاص طوال سنوات مديدة ويحاولون اليوم أيضاً أن يفصلوا في الإسلام بين المعنوية وبين شؤون الحياة وقضايا إدارة المجتمع، وهذا معناه «فصل الدين عن السياسة». على مدى سنين طويلة ـ ربما أمكن القول عشرات السنين، أو مائة سنة أو أكثر ـ عمل أعداء الإسلام والجهلاء الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، عملوا على هذه القضية، وعندما ظهرت الجمهورية الإسلامية وقامت الثورة الإسلامية بطلت كلُّ هذه الأقاويل وتبيَّن أنَّ الإسلام قادر على إدارة ساحة السياسة وساحة الحياة وساحة إدارة البلاد وساحة تعبئة الجماهير بكل قدراتهم وطاقاتهم، على أفضل وجه، فهو أكثر توفيقاً ونجاحاً في هذه المجالات من الشعارات التي كان الشيوعيون يطلقونها وصولاً إلى شعارات الليبراليين والشعارات التي يطلقها الغربيون. إذن، بطلت تلك المساعي التي كانوا يبذلونها لفترات طويلة، لكنهم استأنفوا عملهم مرة أخرى، بدأ [بعض] الأشخاص العمل من أجل صرف الأجيال الصاعدة عن امتزاج الدين بالسياسة والدين بالحياة والدين بالعلم والدنيا بالآخرة والمعنوية بالماديات، وهذه كلها موجودة في الإسلام؛ أي إنهم يريدون صرف الأذهان عن هذا الامتزاج، والحج ساحة عملية للدلالة على هذا الامتزاج. 

كيف ذلك؟ لديكم في الحج التضرع والدعاء والتوسل والبكاء والطواف والسعي والصلاة وأيضاً اجتماع الناس، وهذا مهم جداً. ليفكروا إذا كان الله تعالى في دعوته الناس إلى الحج كان يقصد فقط أن يأتي الناس إلى هناك ويقضوا أياماً في رحاب المعنويات لما كان من اللازم أن يحدد زمناً معيناً، بل كان يمكن لكل شخص أن يذهب في أي وقت أراد، ولكن لا، للحج زمانه المعين المحدد. في هذا الزمن المحدد يجب أن يأتي الناس من كل العالم الإسلامي، وليس لسنة واحدة، أو لسنتين، بل على طول التاريخ، على مدى أيام معينة يجتمع الذين يستطيعون في مكان واحد من كل العالم الإسلامي، فما معنى هذا؟ هذا معناه أن نفس هذا الاجتماع بين المسلمين هو ما يقصده الله تعالى، هذا ما يريده الله تعالى. وهذا معناه تشكيل الأمة الإسلامية، وهذه هي النظرة لاجتماع المسلمين وتجمعهم، والحج مظهر هذا الشيء. 
ثم عندما تذهبون إلى هناك «ثُمَّ أفيضوا مِن حَيثُ أفاضَ النّاس» (3)، الكلام هنا أيضاً عن الناس «سَواءً العـاكفُ فيهِ وَالباد» (4)، لا فرق بين أهل مكة وغيرهم، فهنا [هذه الأرض] ملكٌ للجميع، هذه الأرض لكل المسلمين. يجب أن لا يتصور البعض أنَّ هذه الأرض لهم ومن حقهم أن يتصرفوا فيها كيفما حلا لهم، كلا، كلُّ المسلمين لهم حق متساو في الكعبة الشريفة والمسجد الحرام وهذا الموطن الشريف والفضاء المقدس للحرمين الشريفين. وما هو موجود في الآية الشريفة هو مكة لكنَّ المدينة أيضاً على نفس الحال، فهي أيضاً لجميع المسلمين لأنَّ الرسول للجميع. 

لاحظوا، تجمع المسلمين هذا وتعاطفهم وانسجامهم وتناسقهم أحد الأهداف المهمة للحج والذي يجب أن يولى أهمية. ينبغي أخذ هذا المعنى بعين الاعتبار في كل برامج الحجاج المحترمين والمدراء المعنيين: الارتباط والتواصل والتفاهم والتوافق. طبعاً الدولة المسيطرة على تلك المنطقة لا تريد هذا، وتختلق العقبات بأي وسيلة ممكنة، والوسائل اليوم كثيرة. العلاقات وعمليات التواصل يجب أن تقام واجتماع الأمة الإسلامية ينبغي أن يحصل. إذن الذين يفصلون السياسة عن الإسلام ويرفضونها لم يفهموا الإسلام [بالشكل الحقيقي]، ولم يفهموا آيات القرآن. آيات القرآن سواء ما يتعلق منها بالحج أو ما يتعلق منها بالجهاد أو ما يتعلق منها بالعلاقات بين الناس في المجتمع، أو ما يتعلق منها بسيادة الحاكم الإسلامي في المجتمع، هذه كلها سياسات تختص بالإسلام. وسيادة الشعب الإسلامية التي تحدثنا عنها مستمدة من متن الإسلام ومتن القرآن. «وَأمرُهُم شورىٰ بَينَهُم» (5). هذه هي النقطة الأساسية في قضية الحج.

إحدى النقاط هي أنه يجب أن لا يمانع أيُّ شخص ويحول دون مفاهيم الحج والنقاط الموجودة في الحج. «إنَّ الَّذينَ كـفَروا وَيصُدّونَ عَن سَبيلِ اللهِ وَالمَسجِدِ الحَرام» (6) الذين يصدون عن سبيل الله ويصدون عن المسجد الحرام، هذا الصدُّ والمنع والحؤول لا يعني فقط أنهم لا يسمحون لكم بالذهاب إلى مكة، فقد يسمحون لكم بالذهاب إلى مكة لكنهم لا يدعونكم تستفيدون من مفاهيم الحج. هذا أيضاً صدٌّ عن سبيل الله، وهو أيضاً صدٌّ عن المسجد الحرام. الذين يقومون بهذا، تلك الدولة وتلك الحكومة التي ترتكب هذه الحماقة الكبرى إنما تصدُّ عن سبيل الله. ينبغي معرفة مفاهيم الحج والعمل والسلوك طبقاً لها. 

وحصيلة القضية هي أنَّ الكعبة ملك الجميع. ما نعتقده هو أنَّ الشعب الإيراني بعد انتصار الثورة وببركة هداية الإمام الخميني الجليل أدرك واكتشف وفهم معنى جديداً للحج. منذ السنة الأولى لانتصار الثورة حين توجّه بعض الأشخاص للحج وأرسل الإمام الخميني الجليل نداءً [للحجاج ولمسلمي العالم] تبينت واتضحت للشعب الإيراني مفاهيم جديدة [للحج]، فتابع تلك المفاهيم وسار عليها، الحج المصحوب بالبراءة، الحج المصحوب بالتفاهم مع المسلمين، الحج الذي هو مظهر «أشِدّاءُ على الكفّار» و«رُحَماءُ بَينَهُم» (7). الحج يجب أن يكون مظهر «أشِدّاءُ على الكفّار» و«رُحَماءُ بَينَهُم». والحالة المعاكسة لذلك هي أن يخلقوا الخلافات والفصل بين الإخوة لكنَّ هؤلاء مرتبطون بالاستكبار العالمي وبأمريكا. هذه هي الحالة المعاكسة لما أراده الحج من الناس وما أراده للناس، والشارع المقدس شرّع لخير الناس ولصالحهم. ينبغي أداء الحج بهذه الروح وهذه الحالة. 

والآن للأسف تصطنع الحكومة السعودية المضايقات والعراقيل وتمنع أداء بعض الواجبات والفرائض التي من الحق أداؤها. ينبغي أخذ هذه الأمور دائماً بعين الاعتبار باعتبارها مطالب للمؤمنين والمسلمين. قد يوجدون مانعاً ـ وإذا وجد ذلك المانع فستكون هناك مشكلة طبعاً ـ ولكن ينبغي عدم نسيان تلك المطالب أبداً. وكما أوضح السادة الآن في خصوص فاجعة المسجد الحرام ومنى في سنة 94 [2015 م] هذه القضية لا تنسى، ويجب متابعتها بالتأكيد، ويجب تشكيل مجموعة وهيئة لتقصّي الحقائق بحضور المُدَّعي الأصلي ـ وهو الجمهورية الإسلامية ـ ومراجعة المجامع والمحافل الدولية والاستعانة بكل الأطراف الممكنة من أجل إحقاق الحق، فقد وقع هناك ظلم كبير. الأمن هو حق الحجاج الكبير على الذين يسيطرون على تلك المنطقة، وهذا هو مطلبهم الأصلي. «الأمن» من الخصوصيات التي عيَّنها الله تعالى لبيته ولمدينة مكة وللحرم «جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأمنا» (8)، يجب أن يجتمع الجميع هناك ويجب أن يكون المكان آمناً. أمن الناس وأمانهم من أهم الأعمال وينبغي مراعاة هذا الأمان. وهذا بحاجة إلى مطالبة ومتابعة، فلا تتعبوا من متابعة هذه القضية، بل تابعوها وطالبوا بها. على المسؤولين المحترمين ـ سواء في بعثة الحج أو في منظمة الحج أو في الأجهزة المعنية أو في وزارة الخارجية أو في السلطة القضائية و غيرهم ـ متابعة هذه القضية. حسب ما رفعوا لي من تقارير فإنهم لا يسمحون لعوائل بعض الشهداء المدفونين هناك بالذهاب إلى هناك وزيارة قبور أحبتهم وشهدائهم! هذا أمرٌ غير مقبول، ينبغي العمل في خصوص هذه الأمور. ودية المقتولين أيضاً قضية أخرى. 

أيها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات، العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى وحدة الكلمة، وكل صوت تفرقة وتمزيق مبغوض يقيناً من قبل الشارع المقدس. التفرقة ممنوعة من أي طرف وبأي شكل وبأي نحو كانت، لماذا؟ لأنَّ العدو يُركِّز على العالم الإسلامي. لاحظوا ما الذي يجري في العالم الإسلامي. من جهة الضغوط التي تمارس ضدَّ اليمن، شعبٌ مظلوم يتعرض للهجمات بشكل مستمر منذ سنين، وهم طبعاً شجعان وأقوياء ومقاومون لكنهم يتعرضون للشدائد والصعاب. ومن جهة أخرى قضية فلسطين وهذه السياسة الشيطانية والخبيثة التي تنتهجها أمريكا حيال فلسطين، وأطلقوا عليها اسم «صفقة القرن». وليعلموا طبعاً أنَّ صفقة القرن هذه التي يتصورونها لن تتحقق أبداً بتوفيق من الله. على الرغم من أنوف الساسة الأمريكيين الذين راحوا يسعون بكل ما يمتلكون من قوة من أجل أن يفعلوا شيئاً في خصوص قضية فلسطين، قضية فلسطين لن تمحى من الأذهان ومدينة بيت المقدس المقدسة ستبقى عاصمة فلسطين وستبقى قبلة المسلمين الأولى. أضغاث الأحلام هذه التي يرونها ويتصورون خلالها أنهم يستولون على بيت المقدس ويقولون إنَّ ما فوق المدينة وما تحت المدينة وأعماق المدينة ـ شرقها وغربها و كل مكان فيها ـ يجب أن يكون في أيدي اليهود، هذه حماقة سخيفة. لن يحدث مثل هذا الشيء ولا شكَّ أن الشعب الفلسطيني سيقف بوجه هذا الشيء والشعوب المسلمة كلها ستقف سنداً للشعب الفلسطيني ولن يسمحوا بتوفيق من الله لمثل هذا الشيء أن يحدث. 

طبعاً بعض الحكومات الإسلامية للأسف ونتيجة لعدم الإيمان بأساس الإسلام ـ ناهيك عن قضية فلسطين ـ تحولوا إلى فدائيين للأمريكيين، لا تابعين لهم فقط بل راحوا يحوِّلون أنفسهم إلى قرابين لهم، عن حماقة وجهل ومطامع وأهواء دنيوية. بعض الحكومات ـ العربية للأسف ـ لها مثل هذا الوضع، وهذا أيضاً لن يؤثر ولن تكون له فائدة وهؤلاء أيضاً سيخفقون وسوف تنتصر الأمة الإسلامية وشعب فلسطين المسلم على أعدائه يقيناً بتوفيق من الله، وسوف يرى ذلك اليوم الذي تستأصل فيه جذور هذا الكيان الصهيوني الزائف من أرض فلسطين. 
أسأله تعالى أن يكون حجكم حجّاً مقبولاً، وأن يذهب حجاجنا الأعزاء بالسلامة والأمن، ويعودوا بزادٍ وفير إن شاء الله، فنكون شاكرين لله. 
والسّلام عليكم و‌رحمة ‌الله. ‌

الهوامش:
1-    في بداية هذا اللقاء تحدَّث حجة الإسلام والمسلمين السيد علي قاضي عسكر (ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة) والسيد حميد محمدي (رئيس منظمة الحج والزيارة). 
2-    سورة البقرة، الآية 201. 
3-    سورة البقرة، شطر من الآية 199. 
4-    سورة الحج، شطر من الآية 25. 
5-    سورة الشورى، شطر من الآية 38. 
6-    سورة الحج، شطر من الآية 25. 
7-    سورة الفتح، شطر من الآية 29. 
8-    سورة البقرة، شطر من الآية 125.

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء