تجارب سنوات الدفاع المقدس

تجارب سنوات الدفاع المقدس

مايلى، تلخيص لحوار مع السيد نجف قلي حبيبي، عضو مجلس مراجعة الدستور سابقاً، و احد مؤسسي كلية الامام الخميني (قدس سره) للأبحاث، حول ضرورة مراجعة تجارب سنوات الدفاع المقدس.

... كلما ابتعدنا عن سنوات الثورة الاسلامية وفترة الدفاع المقدس وحصلت فجوة تفصلنا عن تلك الاجواء.. واجهت بلادنا امور جديدة في الحقول الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية والعالمية، جعلت الوقوف بوجهها وصدها وحلها وبما تحمله من تحديات.. اصعب! لذا، فالافضل، القيام بالغور في اعماقها والتمعن بالروح التي كانت تسيطر عليها آنذاك، لنتمكن من الوصول الى طريقه حل لرفع ما يعتري ذلك مما يعيقها، بهدف استمرارية ورسوخ نظام الجمهورية الاسلامية وادخال اليأس على قلوب اعداء النظام.

عند مراجعة افكار مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية، يتوجب الالتفات الى مباني ذلك، والاهم فيها نوعية قراءة ايران للأسلام. تزداد اهمية هذا الموضوع، إذا ما اخذنا بعين الاعتبار، تعريف الدول الاسلامية الاخرى ونظرتها للأسلام. لقد التفت الامام (قدس سره)، خاصة، الى الاحكام وما ينهى ويأمر به الاسلام، والى المجتمع المنبثق منه، حيث حاول سماحته، احياء حرية، قدرة وهيبة مسلمي صدر الاسلام. فحين ظهور الاسلام في ارض الوحي، كانت هناك قوتان وامبراطوريتان كبيرتان، اي، الامبراطورية الرومية والفارسية، حيث تمكن الاسلام، رغم ضعف وفقر وحاجة المسلمين آنذاك، تمكن من القضاء عليهما على ايدي المسلمين الذين كانوا يتخبطون في مشاكل اقتصادية كثيرة.. فماذا حدث؟ انهم وبما كانوا عليه من حالة اقتصادية سيئة استطاعوا اسقاط الامبراطوريتين الكبيرتين المذكورتين!

اعتقد ان هناك عاملين بعثا على انتصار المسلمين في صدر الاسلام:

الاول، عدم التفاتهم الى ماتحمله الدينا من (زرق وبرق) وما شابه ذلك.

والثاني، الفساد الاخلاقي، الاقتصادي وملذات الدنيا.. مما كان يلف القوى العظمى في تلك الفترة.

لقد سعى الامام الخميني (قدس سره) سنوات متمادية الى لفت انظار المسلمين الى ما يتمتعون به من ثقافة، اصالة، خلفية تاريخية، وبما لديهم من مواهب فردية والهية وميّزات من الله تعالى من حيث مساحة الارض والثروات الطبيعية. كان هدف الامام (قدس سره)، ايجاد تغيير عند المسلمين فيما يتعلق بانفسهم وبما يحيط بهم.. مماثلاً لما قام به النبي الاكرم (ص). فعندما كان المقاتلون في الجبهات والحرب يلتقون بالامام (قدس سره) في حسينية جماران، كان يحدثهم، بما عُرف عنه من صدق الحديث: "... انني اخجل حينما اراكم..." او، عند حديثه سماحته، عن المجتمع الاسلامي والحكومة الاسلامية، يضرب مثلاً في ذلك عن الامام علي عليه السلام، الذي كانت لديه اكبر واوسع حكومة، ويسيطر على ارض اسلامية مترامية الاطراف. مشيراً الى قسم من رسالة الامام علي عليه السلام، رقم 45، في نهج البلاغة، يقول مُذّكراً " حين سمع الامام عليه السلام، ان عثمان بن حنيف عامله على البصرة، ذهب الى ضيافة قوم من اهل البصرة، مدعواً، وضُيّف باطعمة متنوعة، كتب اليه: "يابن حنيف، بلغني ان رجلاً من شباب البصرة، دعاك الى ضيافة ولَبيّت دعوته. بسط لك مائدة مُنوّعة ووضع امامك اوانٍ.. لم اكن اتصور ابداً، انك تلبي دعوة اُناسِ، ينهرون البؤساء من ابوابهم ويُجلسون الاثرياء على موائدهم!".

يدل ذلك على ان الامام علي عليه السلام، كان مشرفاً على تعالي المقربين اليه وبما كانوا يقومون به من سلوك يلفه الترف في كافة اصقاع الاراضي الاسلامية ويوأخذهم عليها. مثل هذه، كانت تطرق اسماع الشعب والمسؤولين، في فترة قيادة الامام الخميني (قدس سره) وكان يجري الحديث بذلك حتى في صلوات الجمعة، آنذاك، بعبارة، كان الامام الخميني (قدس سره)، يفكر بترسيخ ثقافة الزهد، تزكية النفس، مساعدة الفقراء والمعوزين، الورع والابتعاد عن ملذات الدنيا بالنسبة للمحسوبين على الحكم السياسي لسماحته.

كان هناك سوأل متداول، في تلك الفترة، وهو، ماهي المقاسات والمؤشرات التي يجب ان تتوفر لدى المسؤولين في النظام؟.. الالتزام او التخصص؟

كان البعض يؤكد على ضرورة الاختصاص والبعض الآخر على الالتزام، لكن الامام (قدس سره) اكّد على العاملين (الالتزام والتخصص)، بطبيعة الحال، عند تواجد (الالتزام) فـ (الاختصاص) يتبعه.. كما هو المفترض. فاذا ماكان الوزير او النائب (في المجلس) ملتزماً بالاسلام، لايقبل، بالطبع، المنصب او العمل المُنافي لتخصصه او استطاعته، وعلى عكس ذلك، ايضاً. من الواضح للعيان، ان الجمع بين المؤشرين المذكورين، لادارة البلاد، امر صعب للغاية! فقد ادّى ذلك، حقيقة، الى تفشي قسم ملفت للنظر من المفاسد الاقتصادية في البلاد، خاصة في المصارف، المؤسسات المالية وماشابهها، الشركات الحكومية، منظمات الخصخصة والمؤسسات الاقتصادية المباعة حسب البند 44 من الدستور... في ظل (عدم التزام) مسؤولين مترفين ومنحرفين. ان تقبل مسؤوليات ما، من قبل اناس لا تخصص لهم، يدل بوضوح على انهم غيرملتزمين بالنسبة للنظام والثورة، وانما شغلوا تلك المناصب الحسّاسة للوصول الى آمال واماني دنيوية واقتصادية فقط! وعند احتدام المعركة يتصرفون بما لايليق!

هؤلاء، لو كانوا ملتزمين، لأجابوا بالنفي بصدق حين يُطلب منهم ذلك.. قائلين" لامعرفة لنا بما تريدون منا".. ثم يبتعدون! لكن امنيات الدنيا ومنافعها تجرهم اليها! فيتقبلون مالايعرفون!

كان الامام الخميني (قدس سره) عندما يتكلم عن الاسلام، يقصد بذلك صراحة الاسلام الاصيل المحمدي، الذي طُرح على الساحة في تلك الفترة، حيث عرض سماحته، نظرية الاسلام الامريكي والاسلام  الاصيل المحمدي، في اوائل انتصار الثورة الاسلامية، ليتضح للشعب الايراني ولمسلمي العالم، ايضاً، ان الامام الخميني(قدس سره) اي مقاس عنده لقراءة الاسلام. فالاسلام الامريكي ميزة للفصل بين اسلام الرأسماليين والمترفين واسلام الفقراء والمستضعفين. لقد عرّى الامام (قدس سره) بذلك خطط المُرائين والمتدينيين الدنيويين.

كان الشعب المَسند الثاني للامام الخميني (قدس سره) بعد الاسلام. فالشعب كان ما استند عليه الامام، سواء خلال سنوات النهضة او فترة انتصار الثورة الاسلامية، فقد قال سماحته (قدس سره) مخاطباً رفاقة الذين دخلوا السجون وممن اصبح من مسؤولي النظام بعد ذلك، ان مناصبكم (التي تشغلونها) تستمد شرعيتها من هذا الشعب المظلوم والمستضعف، وابناء الشعب هم الذين رفدوا جبهات الحرب.

كان سماحته، يوصي باستمرار بمماشات الناس وخدمتهم. فقد كان اقتراحه، دائماً، باسناد المناصب الحكومية الى المستضعفين. ودليل تلك النظرة وذلك الاقتراح، هو، الرجل الذي كان بائع اوانٍ، في البدء، ثم اصبح معلماً وبعدها اصبح رئيساً للجمهورية الايرانية، وهو الشهيد رجائي. الهدف من ذلك، التصدي لأحساس الترف والقضاء على روحية التعافي والغطرسة لدى المسؤولين. كيف يمكن بعث الدور الاقتصادي الهام و الامل للشعب اليوم في بلادنا، للصمود في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، كما حدث ذلك في الظروف (الصعبة) خلال حرب الثماني سنوات المفروضة، وادّى الى عدم تحقق اهداف القوى الاستكبارية التوسعية؟

ان طريقة حياة المسؤولين لها اثر كبير على كيفية حياة الناس. قال حضرة الامام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة " الناس على دين ملوكهم". لذا، من الضروري العودة الى فكر ورؤية مؤسس الجمهورية الاسلامية، في العشرة الخامسة للثورة الاسلامية، لنطابق بذلك ما نحن عليه حسب مقاسات ومؤشرات سماحته (قدس سره)، ونسعى لازالة الفواصل، كما كان ظاهر وباطن حياة مؤسس هذا النظام، بالدفاع عن الفقراء والمعوزين. فقائد الثورة المعظم، ايضاً، يعيش ببساطة وزهد، مبتعداً عن كل مايمت الى الترف وماشابهه.

بالطبع، ان من اهداف الحرب الاقتصادية الامريكية والغربية، حرب سياسية ايضاً! وانجع مسار في مثل هذه الظروف، للصمود والمقاومة، هو، العمل بافكار ونظرات مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي تركها، كتراث لنا. فقد شاهد الامام (قدس سره) بعينيه ما يُحدثه السكن في بيوت مُترفة، عالية الصُروح، في قلوب وانفس الناس. لذا، فقد كان سماحته (قدس سره) يوصى المسؤولين باستمرار، بالعيش ببساطة، ومجالسة الفقراء، والاخذ بأيدي شرائح المجتمع الضعيفة، والابتعاد عن الدنيا وامانيها وعدم التعلق بالمناصب الدنيوية.

 

نقلاً عن موقع جماران، قسم الشؤون الدولية

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء