بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحديث عن الاعجاز، او المعجزة، او وقوع وظهور ذلك، في الفترة الراهنة التي نعيش فيها، وهي متلاطمة الامواج، في محيط لا رؤية لاوله واخره، تتلاعب فيه الرياح والعواصف، بمركبات تختلف مسمياتها، تلاعب الصبيان بالكرة وتقاذفها بين ايديهم وارجلهم ! ... الحديث عن الموضوع انف الذكر، قد يكون صعبا او حتى مستحيلا، ليس فقط لمن يسرده وياتي بالف دليل حوله ! بل، لمن يسمعه وينصت لما يمليه القائل او الكاتب، ايضا ! ... انني، هنا، لست بصدد الاتيان بذريعة لتمهيد السبيل لذلك ! ولكني اتطرق الى واقعة ملموسة، محسوسة، لمسها كل فرد في ايران بل والعالم اجمع، واحس بها، وبالنسيم الذي غطى وجهه، وايقظه متلائما معه، فافاق، ومرغ عينيه، ليرى ان ما امامه على امتداد نظره، ليس حلما شيقا ! بل حقيقة، ناصعة، ساطعة كالشمس، وان لم يكد يصدق ذلك ! لان الظلمات التي احاطت به، من كل حدب وصوب، ولفته وغيره، لا يمكن ازاحتها بايد خالية من السلاح، واناس جردهم الطغيان والطغاة، من كل ما يملكونه حتى عقولهم وافكارهم ! ... الا ان يكون العامل الدخيل، ات من ملكوت اعلى وقدرة ازلية لا تقهر، وعلى يد رجل من عباد الله المخلصين ... وهكذا تحققت الارادة الالهية، رغم " نفاثات العقد " وعبدة المردة وشياطين الانس والجن. لقد ارادوا شيئا واراد الله عز وجل شيئا اخر ... " يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " _ (1) ... وحدثت المعجزة ... معجزة انتصار الثورة الاسلامية المظفرة، التي لم يتصورها فراعنة العصر، والدمى التي تتحرك بايديهم هنا وهناك ! ... وهكذا تحقق النصر، لان الانسان حينها، نظر الى ربه ومعبوده باخلاص وصدق نية، فمنحه تعالى انتصارا لم ير مثله انسان قط، في فترة حياته المعاصرة ! ...فخرج ليشهد بام عينيه، معجزة الله جل جلاله بعودة الاسلام ثانية الى الساحة، لا سيما في ايران، بعد 2500 عام، من حكم الاكاسرة ومن تبعهم على تيجانهم وعروشهم المرصعة، وملابسهم المزركشة بخيوط الذهب ... وظهر عبد من عباد الله الصالحين، كقائد للانتفاضة العظمى، مضح في سبيل الله عز وجل، بكل ما لديه، ليقول كلمة الحق وهي العليا، لانها كلمة الله تعالى ... وينفض الغبار عن كل شيئ علق بالاسلام المبين، الدين القويم، وغطى وجهه الناصع، ويعلنها جهرة " ان الدين عند الله الاسلام ..." _ (2) ... و(... بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل ... " _ (3) ، فهل، فيما مضى ريبة، بمعجزة وقعت ؟ وهل شهد التاريخ، الاسلامي منه خاصة، حدثا كالذي ارتجت له ايران، بل والدنيا باسرها، سنة 1979 م. ؟ ... انه الاسلام الاصيل، دون شائبة، انتفض ليقولها، كلمة حق تدحض باطلا ويقود امة اخلصت لدينها، وقدمت الاف القرابين، على مسلخ الحرية الحمراء، ليسقي ويروي بذلك، الارض الطاهرة التي دنسها الطغاة، ويحييها مرة اخرى، لتتنقل عليها خطوات الاحرار المسلمين خاصة، وتقام صلوات خاشعة، وترتفع اكف نحو السماء بادعية، وفاء للخالق الاكرم، الذي اسبغ عليهم نعما لا تحصى. نحن اليوم على اعتاب الذكرى الثانية والاربعين، للثورة الاسلامية المجيدة، نحتفي بها ونجدد العهد لها وللقائد الفذ، الذي رعاها وهي شجيرة يانعة، واغدق عليها حبا صادقا من القلب، فاصبحت شجرة طيبة المنبت، عظيمة في هيكلها وغصونها وما يتفرع منها، ممتدا في ارجاء المعمورة بما رحبت، ذلك، هو الامام الخميني (قدس سره) ، رجل الدين المجدد، النافض غبار الياس عن الاسلام، والمدافع المستميت عنه، داعيا الفقهاء، خاصة، الى الحفاظ على تراث السلف الصالح، لالا يخسر الاسلام كل شيئ ! ... قال سماحته : " اذا خسر الاسلام كل شيئ، لا سمح الله، وبقي فقهه بالطريقة الموروثة على الفقهاء العظام، فسيستمر في طريقه. اما اذا ما حصل الاسلام على كل شيئ وخسر، لا سمح الله، فقهه على طريقة السلف الصالح، فلن يمكن الاستمرار في الطريق الصحيح، وينتهي الامر الى الضياع ." _ (4) ... وحظي نداءه هذا، بالعناية، وكان محط انظار فقهاء الحوزات العلمية، التي قامت بدورها، بتنقية الفقه مما علق به. ان المتتبع لمسار الثورة الاسلامية، منذانطلاق شرارتها الاولى قبل سبعة وخمسين عاما، وعلى هامتها اسم القائد المظفر، الامام الخميني (قدس سره)، يرى بوضوح، انها خطت خطوات ثابتة، متجذرة على الارض، تحيطها وترعاها، افئدة طوابير المسلمين الغيارى في ايران، والموالين لهم في ارجاء شتى من العالم ...لتكون سراجا منيرا، وهاجا، ينير مسار الثوار في كل مكان، بما انضم الى صفوفها المتراصة، من اتباع الديانات الاخرى كالمسيحيين واليهود والزرادشت، لانها جاءت للجميع ولانقاذ الجميع ... ولم يعجب ذلك، كبار وصغار الشياطين والدائرين في افلاكهم، فارادوا اجهاض الثورة وهي فتية، فاوعزوا الى عملاء لهم من العسكريين، في قاعدة (نوجه) الجوية في همدان، لضرب الثورة المباركة، والانقضاض عليها، بانقلاب عسكري، باء بالفشل الذريع ... وقامت مجموعات من المتربصين بالثورة في كردستان، خاصة، مرتكبين جرائم بشعة، يندى لها جبين الانسانية، وفي خوزستان ومناطق اخرى ... ولم يفلح الظالمون العبيد وارتد السحر على الساحر ... واشار الطغاة الكبار، بعد ذلك، الى دمية تاتمر بامرهم وتطمح للنيل من عظمة الثورة المجيدة، معتبرا نفسه (قائد العروبة ومنقذها !) وجاء لاحیاء مجد الامة العربية، بما انها ذات رسالة خالدة !، متبعا نظرية، جاهلية، متهرئة، عفى عليها الزمن ... فقام بحرب ضروس، مفروضة على ايران الثورة و" ... زين له سوء عمله فراه حسنا ." _ (5) على امل اجتثاث جذور الثورة الاسلامية وهي في طليعتها، فارتكب ما ارتكب، لثمان سنوات عجاف، فما وصل الى ما اراد، وما وصل اسياده الذين اوقعوه في " غياهب الجب "، كذلك ... ف " ... خاب كل جبار عنيد. " _ (6)، وارتد على عقبيه، صفر اليدين ! حيث انتهى به المطاف، الى الاختباء في جحر، يخرج منه مذعورا، مرعوبا، تائه الفكر والذهن، ملتمسا بصيصا من نور، يرى طريقه فيه ! ... ولم يعتبر الطغاة، بذلك، وعلى راسهم الامبريالية الامريكية، والكيان الصهيوني الغاصب، فاقاموا الدنيا واقعدوها، بصراخهم وضوضائهم، كذئاب مفترسة، مكشرة عن انيابها ... ضد ايران، يساعدهم، في موامراتهم المتواصلة، لحد الان، شيوخ (البعران) وليتهم ک (بعرانهم) يفهمون ما يريدون ! وما عادوا الا بخفي حنين !، لان الشهادة والاستشهاد، ركن من اركان الاسلام العتيد والثورة الاسلامية، فقد روي عن رسول الله (ص) : " من سال الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه ." _ (7) ... وما دام ذلك ساريا، في عروق الاحرار، مفجري الثورة الاسلامية، وعلى راسهم الامام الخميني (قدس سره)، فهي في مسيرها، منتصرة، مقتدرة، باذن الله تعالى. ان الاهداف التي اعلنت عنها، لن يثنيها عواء الذئاب عن مسيرتها الظافرة، وتحقيق اولوياتها، بما فيها قضية فلسطين المغتصبة، ولا سيما القدس. وما تسمية الامام (قدس سره) لاخر جمعة من شهر رمضان المبارك، بيوم القدس، الا ادل برهان على ذلك، ليهب الجميع، خاصة، الشعوب المسلمة، بكافة شرائحها، لتحريرها وانقاذها من براثن الصهيونية، والابتعاد عن القومية التي تعني العنصرية، والانضواء تحت راية الاسلام الاصيل وتعاليمه السمحاء. قال الامام (قدس سره)، في نداء له مخاطبا، حجاج بيت الله الحرام، في ذي الحجة، عام 1400 ه. ق. : " ... ان حب الوطن، وحب اهل الوطن وصيانة حدود البلاد، مسالة لا نقاش فيها، ورفع شعار القومية، امام الشعوب المسلمة الاخرى، مسالة تخالف الاسلام والقران الكريم، وتعاليم النبي الاكرم (ص)، والقومية التي تؤدي الى العداء بين المسلمين، والانشقاق بين صفوف المؤمنين، مخالفة للاسلام، ولمصلحة المسلمين، وهي من حيل الاجانب الذين يؤلمهم الاسلام وتوسعه ." _ (8) ... فالثورة الاسلامية، اذن، لا تزال ثورة المستضعفين والحفاة في ايران، والوطن الاسلامي، بل والعالم باجمعه، رغم ظهور فقاعات من اشباه الرجال والنساء، وهي ضئيلة، ضامرة، لا قيمة لها، كجرذان تثب، ساعية، للنيل من ليث، وهي عاجزة حتى عن بلوغ اعلى قدميه ! ... وما انجزته الثورة الاسلامية العظيمة من مكتسبات في شتى الحقول، الا معالم في الطريق ... طريق الحق القويم والصراط المستقيم والاسلام الاصيل ... وهي معجزة القرن، التي لا تدركها ادمغة الطغاة الخاوية !.
_____
1_ الاية 8، سورة الصف.
2 _ الاية 19، سورة ال عمران.
3 _ الاية 62، سورة الحج.
4 _ من نداء في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة الاسلامية، 1983م.
5 _ الاية 8، سورة فاطر.
6 _ الاية 15، سورة ابراهيم .
7 _ بحار الانوار، المجلسي، ج 67، ص 201.
8 _ سلسلة الحياة الطيبة، خط الامام الخميني (قدس سره) .
____
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني(قدس سره) .