سؤال وجواب

سؤال وجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ماهي خصوصیة المنهج العرفاني عند الأمام الخميني؟

الجواب

بغض النظر عن الجدل القائم بین علماء المناهج حول تحدید اسبقیه " الموضوع " و" المنهج " وای منهما یوثر في تحدید نوعیه الاخر، فان ما یهمنا في الاساس هو بیان الخصوصیة المنهجیة التي یمتاز بها خطاب الامام الخميني العرفاني.علما بان المنهج – علی حد تعبیر فخر الدین الرازي – هو "الطریق الواضح". وفی الاصطلاح المعاصر" في اشد معانیه عمومیه هو: وسیله تحقیق الهدف. وهو الطریق المحدد لتنظیم النشاط. اما معناه الفلسفي علی وجه التخصیص، فهو: وسیله المعرفه، فالمنهج هو طریق الخروج بالنتایج الفعلیه من الموضوع المطروح للدراس ".
ان المنهج بهذا المعنی ینطوی علی جانبین متناسقین، متلازمین متکاملین، بفضلهما تتحدد معالمه وتتوضح اتجهاته ومسالکه ومساربه وابعاده او مرامیه. احدهما، ظاهر مرئی، یتمثل في انه اداه ووسیله اجراء بید الباحث، یستعین بها علی تادیه اغراضه. ثانیهما، خفی مکنون، یتمثل في انه وجهه نظر، وخلفیه معرفیه، فهو (ای المنهج) لیس فقط – کما قد یظن بعض – " مجرد ادوات تساعد الباحثین علی ضبط خطواتهم في التعامل مع القضایا التي یدرسونها، سواء اکانت نصوصا او موضوعات، مما یبقی الخلفیه الابستمولوجیة الموطره لکل منهج خارج اطار تصورهم الضیق لحجم المشکل وتشعباته، ولا توخد بعین الاعتبار في اي تعامل عملي ملموس "؛ اذ علی النقیض من ذلك، فان ممارسه المنهج لیست منفصله باي حال عن وجهه النظر او الخلفیة المعرفیة الموطره له؛ ذاك (ان اختیار الوجه الظاهر لمنهج معین لیس عملیه اعتباطیة ولا مجانیة، وانما هو اختیار مقصود مرهون بتصور نظري، ضمني سابق، یحدده ویوجهه)
بناء علی ما تقدم، یمکن القول بان الحکم علی منهج ما بخصوصیة او قیمة، ایجابا او سلبا، لا تکمن فقط في تحدید مستوی قدرة المنهج الاجرائیه علی تلمس موضوعه، بل تکمن ایضا في تماسك رویته النظریه؛ التي تشکل الخلفیه او القاعده النظریه التي تستند الیها الممارسه الاجرائية المقصودة او الهادفة، والمرافقة لفرد باحث او عالم او فیلسوف او فقیه...الخ او لجماعة.
علی ذلك، ففي اطار قراءه الناحیة العرفانیة عند الامام السید الخميني یمکن للباحث ان یلحظ طابعا ممیزا لمنهجیة السید الخميني التي تصاحب خطابه من الفه الی یائه، وذلك یعود اساسا للاطار النظري الذي یحمله السید الخمیني وینطلق منه في بناء هذا الخطاب وغیره، ویجعل منه الاطار النظري والخلفیة المعرفیة لممارسة المنهج وتطبیقه علی موضوعه او موضوعاته.
والاطار النظری المؤطر لرویة السید الخميني من الخطأ قصره او اختزاله، فهو ذو ابعاد، ولا احسب ان القارئ یعارض ان یکون لمرء ابعاد فکریة او معرفیة متعددة، وهو ایضا من العلماء المبدعین المجددین الذين یدخلون في تصنیف الاستاذ الدکتور خلیل احمد خلیل لعلماء عصرنا في قوله: (ونری ان في عالمنا المعاصر علوما متحجره مثلما فیه فقه جامد وفقهاء متجمدون، والمقارنة الصحیحة او المقاربة السلیمة تقام بین علماء مبدعین وفقهاء مجددین.اما المقارنة الفاسدة فتقام اما بین علماء مبدعین وفقهاء متحجرین (اظهارا لتاخر الاسلام وهذا جهل وتجهیل)، واما بین علماء مقلدین (جهلاء) وفقهاء مبدعین (اظهارا لعجز العلم وتسفیها للعلماء المبدعین، وهذا ضلال وتضلیل)، ونحن نری من زاویة بحثنا الفلسفي/العلمي المستقل، ان نوعَي العلماء والفقهاء المبدعین یشترکان في انهما صنفان عقلانیان ینتمیان الی ما یسمی بصنف (العلماء العامین) او فلاسفة المعرفة العامة، وانهما یختلفان ویتمایزان، لیس فقط في حقول علمیهما، بل ایضا وایضا في درجات علمیهما الاجتهادي/ الابداعي وما یقابلهما من علم اعتقادي وفقه تقلیدي)
والأمام الخميني ایضا یختزن فکرا ویمتلك رویه تحرریة ،کما یشیر علی حرب، ( فانه بالرغم من صرامته الدینیة والفقهیة، قد انفتح علی الفلسفة والتصوف واثنی علی اهلهما، کما یبدو من رسالته الی الزعیم السوفیاتي غورباتشوف، فهو لم یکن فقط قائد ثورة ومؤسس دولة وصاحب رسالة فقهیة، بل کان له ایضا میله الی الفلسفة ووجهه الصوفي العرفاني، وهو یقوم بذلك شاهدا علی انه لاینبغی النظر الی شخص من الاشخاص نظرة وحیدة الجانب )
و علی ای حال، في اطار قراءتنا لخطاب السید الخميني نلحظ ثلاثة ابعاد رئیسیة ینطوي علیها، تشکل میزة اطاره النظري وخلفیته المعرفیة، وهی تتمثل بالابعاد التالیة :
- البعد الفقهي.
- البعد العرفاني (وضمنا الفلسفي).
- البعد السیاسي.
لقد استطاع الامام بما یمتلك من خزینة معرفیة وامکانیات علمیة وفقهیة وطاقات ثوریة تحریریة سیاسیة، ان یصالح بین الابعاد المذکورة اعلاه، ویوفق بینها، منهجا وموضوعا، ورغم التنابذ والمعارکة اللذین کانا سائدین من قبل بین علمائها بغالبیتهم، فربط بین الطریقة/الحقیقة (عبارة عن الطریق العرفاني) والشریعة، فجعل الشریعة طریقا للوصول الی الحقیقة، وجعل معیار ومقیاس صحة الطریقة السیر علی وفق الشریعة.
الطریقة والحقیقة لا تحصلان الّا من طریق الشریعة، فان الظاهر طریق الباطن …الظاهر غیر منفك عن الباطن، فمن رای ان الباطن لم یحصل له مع الاعمال الظاهرة واتباع التکالیف الالهیة فلیعلم انه لم یقم علی الظاهر علی ما هو علیه، ومن اراد ان یصل الی الباطن من غیر طریق الظاهر کبعض عوام الصوفیة فهو علی غیر بینة من ربه؛ ولذا اوجب الرجوع الی مصادر الاسلام الاصلیه لتحدید صواب او خطأ الممارسة العرفانیة، النقلیة (کتاب وحدیث) والعقلیة.وبالدرجه الاولی الی کتاب الله الکریم.
وفي هذا الصدد یقول: ( فوظیفه السالك الی الله هي ان یعرض نفسه علی القرآن الشریف، فکما ان المیزان في صحة الحدیث وعدم صحته واعتباره ان یعرض علی کتاب الله، فما خالف کتاب الله فهو باطل وزخرف، کذلك المیزان في الاستقامه والاعوجاج والشقاوة والسعادة هو ان یکون مستقیما وصحیحا في میزان کتاب الله ).
وهکذا، عارض بشدة التصوف السلبي القائم علی الاعتزال، والتفرغ للذکر والاوراد والغناء وغیرها من الاشکال الاخری، فلم یجد في الانخراط في السیاسه، والدخول في شوؤن المجتمع، وتحمل المسوولیات السیاسیة والاجتماعیة عائقا عن الوصول الی الهدف العرفاني، فاعتبر انه (لا الاعتزال الصوفی دلیل الارتباط بالحق ولا الدخول في المجتمع وتشکیل الحکومة شاهد الانفصال عن الحق.المیزان في الاعمال هو دوافعها).
ویمکن القول، بان هذه الابعاد الثلاثة تمثل قیمة المنهج العرفاني عند الأمام الخميني وخصوصیته الممیزة، کما ان هذه الخاصیة ربما شکلت مدخلا مناسبا – لو کان المقام متسعا – للدخول في قراءة واعیة معمقة لظاهرة الثورات العرفانیة التي عرفتها مجتمعات اسلامیة في حقبات زمنیة سابقة، وکذا العذابات والتشرید والتنکیل التي اَلَمّت بالعدید من اقطاب الصوفیة والتاریخ الصوفي حافل بمثل ظاهرة الحلاج او ما یقرب منها.
وبکلمة اخیرة، لم تجتمع في ایّ من مناهج الخطابات العرفانیة ما اجتمع في المنهج العرفاني عند سماحته، وقد مرّ الحدیث عن اشکال المعرفة العرفانیة، والفوارق القائمه بینها، سواء علی مستوی الموضوع او المنهج، وقد بدا واضحا ان لا صیغة مماثلة في تلك الاشکال او الصیغ الکبری او الرئیسیه لصیغة المنهج عند الأمام، لاسیما في ما یختص بالبعد السیاسي، ومردّ ذلك في الواقع الی شخصیته ذاتها والاطار المعرفي الذي تمتاز به، والذي یقرأ خطابه لا بد له من الوقوع علی الجوانب او الابعاد المعرفیة النظریة من خلال تجسیداتها الاجرائية، ومدی التلاوم الذي یقیمه بین هذه الابعاد، بوصفها الخلفیة النظریة للجانب المرئی من المنهج الاجرائي، وبین طبیعة او نوعیة الجانب الاجرائي المرئي الذي یمارسه للتوصل الی اهدافه المعرفیة بفضله والتوسل به للخروج بالنتائج الفعلیة من الموضوع الخاص للعرفان، وتتجلی هذه الحقیقة بدرجة کبیرة من خلال ( تطبیقه مبادئ العرفان علی دراسة اسرار الصلاة والدعاء، ايْ علی ابحاثه المتعلقة بالعبادات،  هي من ابواب الفقه...ان منهجه الذوقي واتجاهه العرفاني یظهر في سیرة حیاته وفي دراسته کما ان اجتهاده الفقهي یتضح في مباحثه العرفانیه التي تناولت ابوابا هی من خصائص علم الفقه ).کما یتجلی کذلك تضمینه الدائم لخطابه السیاسي مبادئ العرفان والفقه، والنماذج علی ذلك لا تحصی، وهذا ما تفتقد الیه معظم خطابات العرفاء الکبار.ان لم تکن جمیعها.ولئن کان السید الخميني یلتقي في هذا المنهج مع اخرین، فان ذلك في الحقیقة في بعض الجوانب او الابعاد، ولیس جمیعها، وبصورة خاصة في الجانب الاجرائي، کاستخدام المنطق الفلسفي، والیاته الاستدلالیة والبرهانیة، کما هو الحال عند صدر الدین الشیرازي مثلا، او استخدام المصادر النقلیة في دعم وتأیید مسائل قضایا خطابه، کما هو ادب معظم العرفاء السابقین، او غیرها من المسائل الاجرائيه التي تدخل في اطار الجانب المرئی من المنهج دون الجانب المخبوء او المخفي منه – کما بات واضحا مما تقدم – لا سیما في البعد السیاسي منه.

----------------------

- القسم العربي _ الشؤون الدولية _ مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني(قدس سره).بتصرف.

 

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء