الأنبياء بعثوا لهداية الناس ولإنقاذهم هذه الضلال:
«في المناجاة الشعبانية: (الهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور). إهدنا لأن تخرق أنظار قلوبنا وأبصار قلوبنا حجب النور لتصل إليك.
فالإسلام جاء لينقذ الإنسان من هذه الضلالة التي يعيشها، ومن هذه الحجب التي لديه، والحجب التي هي فوق كل الحجب كالأنانية والعجب بالنفس وداء العظمة. فما أن يحصل الإنسان على شيء حتى يعتريه الغرور وداء العظمة، ويرى نفسه أكبر من الآخرين. الإسلام جاء ليقمع هذا الغرور، فما دام الإنسان مغتراً بنفسه فلا يمكنه أن يصل إلى سبيل الهداية، يجب أن يسحق هذا الغرور، ويسحق شهواته وأهوائه النفسية».[1]
المناجاة الشعبانية خير طريق لتهيئ إلى ضيافة الله في شهر رمضان:
«إن شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان يستعد الناس فيه للدخول في ضيافة الله فمثلًا لو دعاكم أحدهم إلى بيته لأجريتم بعض التغييرات والمقدمات التحضيرية كتغيير نوع اللباس وحتى طريقة الكلام والسلوك، وشهر شعبان هو كذلك لأنه الشهر الذي يجب أن نهيء أنفسنا فيه للدخول إلى ضيافة الله. وخير طريقة لذلك هي المناجاة الشعبانية وأنا لم أر في الأدعية أي دعاء قيل بأن جميع الأئمة كانوا يقرأونه[2] إلّا دعاء المناجاة الشعبانية، ولم أرَ بأن الأئمة كانوا يدعون بدعاء آخر غير المناجاة الشعبانية، لأن المناجاة الشعبانية هي لإعدادكم، لإعداد الجميع لضيافة الله عز وجل.
تقوية الروح والوصول إلى ذروة الكمال في أدعية الأئمة(عليهم السلام)
هنالك الكثير من الجهل وسوء الفهم عند الإنسان والذي يزداد أحياناً يوماً بعد يوم. والكثير منا لا يعرف ماهية الدعاء وحقيقته ويظن أنه بوجود القرآن لا حاجة للأدعية. إن هؤلاء لا يدركون أهمية الدعاء وأثره في نفوس الناس والانعكاس الذي يسببه في سلوكهم وأفعالهم فالمناجاة الشعبانية مثلًا خير دليل على هذا، فلقد توارثها أئمتنا الأطهار وأكثروا من الدعاء بها وهي بحق كنز ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم، واستنبطوا منها الكثير والكثير، بالطبع فإننا عندما نتحدث عن العرفان فإننا نقصد العرفان الإسلامي وليس العرفان الهندي وغيره من أنواع العرفان.
يصف أحد علمائنا الدعاء[3] قائلًا: «القرآن قرآن نازل من السماء إلى الأرض، والدعاء يصعد من الأرض إلى السماء وهو القرآن الصاعد».
الدعاء يأخذ بيد الإنسان ويرفع من منزلته ويصل به إلى عوالم لا يمكن لي ولكم أن نفهمها وندركها. لو ترك الإنسان على حاله لكان أشد إفتراساً من الحيوانات الضارية، ولكن في الدعاء لغة خاصة تسمو بالإنسان وترفع من منزلته ومن مستوى وعيه وإدراكه.
كلنا يعرف قصة كسروي[4] وحرقه لمفاتيح الجنان ولكتب العرفان. لقد كان كسروي كاتباً ومؤرخاً فذاً ولكنه أصيب بنوع من الجنون في النهاية كغيره من الشرقيين الذين ما إن يتعلموا شيئاً ويحيطون به إلّا ويصيبهم الغرور والكبرياء ولقد وصل الأمر عند صاحبنا هذا إلى إدعاء النبوة أيضاً!
كتاب مفاتيح الجنان ليس من صنع الحاج الشيخ عباس القمي بل قام هو بتجميعه ليس إلا. فكسروي بحرقه لهذا الكتاب وللكتب الأخرى قد اعترف بجهله لمحتويات هذه الكتب ولعله لم يقرأ المناجاة الشعبانية في حياته مطلقاً. إن للأدعية الواردة في بعض الشهور والأيام وخصوصاً في رجب وشعبان ورمضان دور هام في تقوية النفوس وتهذيبها (وطبعاً ليس أمثالنا) وفتح السبل أمامها وتنوير وإضاءة الدرب وإخراجها من الظلمات إلى النور بصورة إعجازية بحق. إذاً اهتموا بالدعاء وتوسلوا به ولا تلتفتوا لكسروي وأمثاله المغرضين الذين يسعون لإضعاف الدعاء والإضرار بالإسلام».[5]
المناجاة الشعبانية، أعظم مصادر المعرفة الإلهية
إن كرامة هذه الأشهر الثلاثة[6] تعجز الألسن والعقول والأفكار عن استيعابها .. ولا شك أن من بركات هذه الأشهر الأدعية الواردة فيها. فالمناجاة الشعبانية تعتبر من أعظم المناجاة والمعارف الإلهية التي بوسع المهتمين بها النهل منها على قدر وعيهم واستيعابهم.
التوجه العرفاني في إدراك أسرار معارف القرآن ومناجاة الأئمة(عليهم السلام):
"كم من المسائل العرفانية في القرآن الكريم وفي مناجاة الأئمة- سلام الله عليهم-، لا سيما المناجاة الشعبانية، غير أن الأشخاص والفلاسفة والعرفاء الذين بوسعهم استيعابها إلى حد ما، غير قادرين على تجسيدها في الوجدان بسبب غياب التوجه العرفاني. انظروا إلى الآية الكريمة: (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى). لقد تحدث المفسرون والفلاسفة عن هذا الموضوع، غير أن الذوق العرفاني بات قليلًا.. (إلهي هبْ لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرقَ أبصار القلوب حُجُبَ النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك. إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك وناجيته فصعق لجلالك).
فهذه عناوين تبدو للإنسان سهلة متصوَّرة. غير أن أياً من العارف والفيلسوف والعالم ليس بوسعه أن يدرك كنه المسألة، مسألة (فصعق لجلالك)، التي مبدؤها القرآن. وكذلك (وخَرَّ موسى صعقاً)، حيث يتصور الإنسان بأنه سقط وأغمي عليه(صعق). ولكن ماذا كان الصعق؟ ما هو صعق النبي موسى؟ هذه مسألة لا يفهمها غير النبي موسى. وكذلك مسألة (دنى فتدلى) التي ليس بوسع أحد أن يفهمها ويدركها ويذوب فيها غير ذلك الذي حصل له (الدُنُوّ). إلى غير ذلك من العبارات الواردة في هذه المناجاة العظيمة، التي تبدو في الظاهر سهلة مفهومة غير أنها في الحقيقة ممتنعة على الفهم، وان الإنسان بحاجة إلى رياضات كثيرة حتى يتسنى له فهم (ناجيتَه) بفتح التاء، وليس (ناجيتُه) بضم التاء.
فماذا تعني (ناجيتَه)؟ هل المقصود أن الله تعالى يناجي الإنسان؟ وما هذه المناجاة؟ ما الذي أراده الأئمة من ذلك؟. إني لم أر مثل هذه التعابير في أدعية أخرى غير هذا الدعاء. لقد كان الأئمة جميعاً يقرؤون هذه المناجاة. وهذا دليل على عظمتها. جميع الأئمة كانوا يقرؤون هذه المناجاة، فماذا يعني ذلك؟ ما هذه المسائل التي كانت بينهم وبين الله تبارك وتعالى؟. (هَبْ لي كمال الانقطاع إليك). فما هو كمال الانقطاع؟ و (بيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي ونفعي وضرّي). فالإنسان- حسب الظاهر- يقول: إن كل شيء بيده. غير أن معنى ذلك هو: لن يصيبنا ضرر إلا بيده، ولن تتحقق أية منفعة إلا به، فهو الضار والنافع. ولكن أيدينا قاصرة عن أمثال هذه الأمور، واسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر الكريم وكذلك شهر رمضان المبارك، لتحقيق ولو لمحة بسيطة من هذه الأمور في قلوبنا. على الأقل أن نؤمن بما تعنيه قضية (الصعق). إن نؤمن بماهية مناجاة الله مع الإنسان. إن نؤمن على الأقل بالمناجاة ولا نقل عنها بأنها كلام دراويش.
كل هذه المسائل موجودة في القرآن بنحو لطيف، وفي كتب الدعاء المتوافرة بين أيدينا، والتي وصلت إلينا عن طريق أئمة الهدى. فهي ليست بلطافة القرآن الكريم ولكنها لطيفة أيضاً.
وان كل الذين استخدموا هذه الألفاظ فيما بعد كانوا قد استعاروها من القرآن الكريم والحديث الشريف سواء عن علم أو دون علم. وربما لا يعتبرون سندها صحيحاً أيضاً. وطبعاً فإن القلة هم الذين بوسعهم إدراك معنى ذلك. فكيف إذا ما تذوقته الروح وأنست به. فهذه مسألة تفوق تلك المسائل».[7]
بعثة الأنبياء، تجلٍ للمعنويات وتحرر الإنسان من العبودية
«إذا افترضنا استمرار بعثة الأنبياء إلى الأبد فلن تحيد سيرتهم عن ذلك. حيث الاهتمام بالجوانب المعنوية للإنسان بالقدر الذي يستوعبه الإنسان، والعمل على بسط العدل بين بني الإنسان وقطع دابر الظالمين. وعلينا نحن أن نعمل على تطبيق هذين النهجين». [8]
ولكن من أين أبدأ؟
فالأفضل أن أبدأ بالفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) «5» واكتفي هنا بالفطرة الإنسانية وإن كان ما ذكر عنها من خواص الخليقة (وإن من شيءٍ إلا يُسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، (فالجميع يقولون إننا نسمع ونبصر ونعي ولكننا نسكت عنكم لأنكم غير جديرين بمعرفة ذلك).[9]
إننا ننظر الآن إلى العرفان الفطري عند البشر فنقول بأن الإنسان لا يمكنه أن يتجه نحو شيءٍ غير الكمال المطلق حسب فطرته وخلقه ولا يمكن أن يتعلق بغيره، إن جميع النفوس والأفئدة تهوي إليه ولا تريد غيره فالجميع يحمدونه ويثنون عليه والثناء على شيءٍ يعني الثناء عليه فالذي يثني يظن بأنه يثني على غيره. مادام الحجاب يحيط بقلبه. وكذا الأمر في التحليل العقلي الذي هو حجاب آخر. إن من يطلب الكمال ـ كائنا ما كان ـ فإن في قلبه حباً للكمال المطلق لا الناقص. فكل كمال ناقص محدود بعدمه وإن الفطرة تكره العدم. إن طالب العلم يريد العلم المطلق وهو يحب العلم المطلق، وكذا طالب القدرة وطالب أي كمال آخر.
إن الإنسان بفطرته يحب الكمال المطلق، فهو يبحث في الكمالات الناقصة عن الكمال الذي ليس ناقصاً. فالفطرة تكره ذلك والحجب النورانية والمظلمة هي التي توقع الإنسان في الخطأ، فالشعراء المادحون يظنون بأنهم يمدحون الأمير القوي الفلاني، أو الفقيه العالم الفلاني، إنهم يمدحون القدرة والعلم لا بشكلهما المحدود وإن ظنوا بأن ما يريدونه محدود. فلن تتغير هذه الفطرة (لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).
وما دام الإنسان في حجابه مشغولًا بنفسه ولم يخرق الحجب النورانية فإنّ فطرته محجوبة، وإن الخروج من هذا المنزل يتطلب إضافةً إلى الترويض والمجاهدة، هداية الحق تعالى، فأنت تقرئين في المناجاة الشعبانية المباركة (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً).[10]
إن كمال الانقطاع هذا هو الخروج عن منزل النفس والأنا والجميع والالتحاق به، والانقطاع عن الجميع وهي هبة تمنح للأولياء المخلصين بعد أن صعقوا بملاحظة الجلال التي هي بمثابة غمزة منه في تعبير (لاحظته) ... الخ.
ما لم تشرق أبصار القلوب بضياء نظرته فلا تخرق حجب النور، وما دامت هذه الحجب باقية فلا يوجد طريق إلى معدن عظمته ولن تدرك الأرواح التعلق بعزّ قدسه فلا تحصل مرتبة التدلّي (ثم دنى فتدلّى)[11] والأدنى من ذلك هو الفناء المطلق والوصول المطلق. (أيها الصوفي لابد من التنعم بالحب والوفاء بالعهد الذي عاهدته، ومادمت (أنت) فانك لن تبلغ وصل المحبوب فلا بد من التفاني في طريق المحبوب). [12]
إن المناجاة السرية بين الحق وعبده الخاص لن تتم إلّا بعد الصعق واندكاك جبل الوجود[13]. رزقنا الله وإياك».[14]
"عندما ننظر إلى أصحاب المقامات الروحية والمعنوية، عندما ننظر إلى ادعيتهم نراهم أكثر عجزاً منّا لأنهم أدركوا حقيقة الأمر. فأنتم عندما تقرأون دعاء كميل، عندما تقرأون المناجاة الشعبانية والأدعية الأخرى الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) ترون أن لغة هؤلاء غير لغتنا العامة نحن الذين إذا ما علمنا مسألة فقهية تصورنا أننا أصبحنا شيئاً. ولو تسلمنا مقاليد الأمور في بلد تصورنا بأن ذلك أمر مهم. ولو حصلنا على مقام معنوي تصورنا أننا حققنا كل شيء. ولكن عندما ينظر الإنسان إلى أقوال أولئك الذين وصلوا إلى هذه المقامات التي يعجز عن الوصول إليها الآخرون، يجدها لا تكف عن تصوير عجزهم من أولها إلى آخرها، ويجب أن تكون كذلك لأنهم لم يصلوا ولن يصلوا أبداً. ولكننا ملزمون بأن ندعو، أمرنا بأن ندعو وان نحمد وان نسبّح، أمرنا بالصلاة».[15]
ضرورة اقتران الدعوة بالعمل
«إقرأوا المناجاة الشعبانية فإنَّها من المناجاة التي لو تتبّعها الإنسان وفكّر فيها لأوصلته إلى ما يريد إنَّ من أطلق هذه المناجاة وكان الأئمة كلهم ـ حسب الروايات ـ يقرأونها فهؤلاء أناس كانوا قد تحرّروا من كل شيءٍ ومع ذلك كانوا يناجون بهذا الشكل لأنَّهم لم يكونوا مغرورين ومهما كانوا فإنَّهم لم يكن أحدهم يري نفسه أنَّه الإمام الصادق أو غيره من الأئمة (عليهم السلام). كلا فالإمام الصادق(عليه السلام) يناجي الله كما يناجي الإنسان العادي الغارق في المعاصي لأنَّه يرى نفسه لا شيء وأنَّه كله نقص وأنَّ كل ما في الوجود فمن الله، وكل كمال من الله، وأنه هو لا شيء عنده وأيّ إنسان آخر لا شيء عنده، والأنبياء كذلك لم يكونوا يملكون شيئاً والكل هباء، الله هو وحده كل شيء والكل تابع له، وكل فطرة تابعة له، وبما أنَّنا محجوبون فلا نفهم أننا تابعون له. أمَّا الذين يفهمون فإنَّهم يتحررون من كل شيء، ويتبعونه هو. وهذا هو كمال الانقطاع الذي طلبوه، وكمال الانقطاع يعني التنحّي عن كل ما في وجوده، ويفسّر بعضهم قول الله تعالى: «ظلوماً جهولًا» الوارد في الآية الشريفة: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ...» ثم يقول: "إنَّه كان ظلوماً جهولًا». فسّروه بأنه على وصف الله به الإنسان وقالوا: إنه قال «ظلوماً» لأنَّه كسر الأصنام وكل شيء، و «جهولًا» لأنَّه لم يلتفت إلى أيَّ شيء ولم يلتفت إليه شيء وغافل عن الجميع، ونحن لا نقدر أنْ نكون هكذا، ولا نقدر أنْ نكون مؤتمنين، لكننا يمكن أنْ نكون في هذا الطريق.
وأنتم أيّها السادة الذين تريدون أنْ تدعوا الناس إلى الآخرة وإلى صفات كذا وكذا، عليكم أنْ تخطوا الخطوة الأولى أنتم أنفسكم لتكون دعوتكم دعوة حق، وإلّا فدعوة الحق تكون دعوة شيطانية وبلسان الشيطان تدعون الإنسان. وهذا الذي يدرس التوحيد كذلك إنْ كان أنانيّاً فلسانه لسان شيطان ويدرّس التوحيد بلسان الشيطان. وأنتم أيّها السادة الذين تريدون الذهاب إلى أماكن أخرى لتربية الناس، تنبهوا كي لا تتلوثوا وأنتم تدعونهم».[16]
القرآن الكريم مبدأ المعارف كلها ومركز العرفان
«ترون الإمام علياً (عليه السلام) يقول في دعاء كميل: (فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك فكيف أصبر على فراقك)؟
فماذا كان يقول هؤلاء العظام!؟
وماذا جاء في المناجاة الشعبانية من كلمات وأقوال؟
لقد وردت إشارات كثيرة في أدعية الأئمة عليهم السلام إلى أهداف الأنبياء عليهم السلام، وفي القرآن الكريم إشارات جدَّ لطيفة وبما أنها جاءت للناس كافة فقد قيلت بشكل يفهمه الخاص والعام، فالقرآن الكريم مركز العرفان كله ومبدأ كل المعارف، لكنَّ فهمها صعب. لقد فهمه من خوطب به ومن كان متصلًا برسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهؤلاء يعلمون الحقيقة ويعرفون ماذا كانت مقاصد الأنبياء(عليهم السلام) وأهدافهم. أمّا نحن فبعيدون عنه ومهجورون، لكنَّ عنايات الله تعالى كثيرة ويقبل منّا ما يتأتّى من أيدينا نحن المهجورين، لكنَّ علينا أن نتابع هذا المقدار الذي يتأتّى من أيدينا في العمل والعلم والأخلاق وفي سائر الأمور، ولو تحركنا بهذا المقدار فهو حسن وجنات عدن موجودة، وجنات موجودة، لكنَّ هدف الأنبياء(عليهم السلام) في الوقت الذي كان هو الجنة كان ثمة شيء آخر وراء ذلك، لم يكن الجنة ولا خوف من جهنم، ولا عشق الجنة بل كان مسألة أخرى فوق كل هذه المسائل، حسناً فأيدينا قاصرة عن نيلها ولكننا نحن أهل هذه المسائل فإن لم نكن جادّين فيها ولم نعمل بأحكام الأنبياء(عليهم السلام) الظاهرية ولم نعمل لا سمح الله بأحكام الإسلام فنحن على طريق ما هو موجود في الكتاب والسنّة». [17]
"شهر رمضان شهر ميمون لنزول القرآن فيه، وشهر شعبان ميمون أيضاً لورود أدعية الأئمة(عليهم السلام) فيه. شهر رمضان هو الذي أنزل القرآن، وهو يضم بين دفتيه تمام المعارف والعلوم وكل ما يحتاجه البشر، وشهر شعبان (شهر الأئمة الكرام) حلقة الوصل لتلك الحقائق والمعاني في جميع المراحل.
ما جاء في القرآن الكريم بشكل سرّ من الأسرار، ورد في أدعية الأئمة كذلك، فنرى في المناجاة الشعبانية الإمام (عليه السلام) يخاطب الله جل وعلا ويقول: «واجعَلْني ممّن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً وعمل لك جهراً».
فيأتي بالفعل «صَعِقَ» في البين، وهذا هو نفس المعنى الذي ورد في القرآن الكريم بحق النبي موسى(عليه السلام)، حيث قال تعالى: «فلمّا تجلّى ربُّهُ للجَبلِ جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً»[18]؛ فهذا شهر «الصعق»، وذاك شهر يتطلب «الصعق» أيضاً.
رمضان شهر التجلي الإلهي للنبي الكريم(صلى الله عليه وآله)، وشعبان شهر التجلي الإلهي للأئمة الكرام تبعاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله).
للإمام المهدي(عج) أبعاد مختلفة ينكشف بعضها بما حدث للبشر؛ ما اتضح للبشر من القرآن الكريم والنبي العظيم هو بعض أبعاد تلك المعنويات؛ ثمة معنويات في القرآن لم تكشف لبشر قط سوى النبي ومن تتلمذ عليه. وهناك أمور في أدعيتنا على هذا المنوال؛ فكما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاكم ومهيمن على كافة الموجودات فإنّ الإمام المهدي(عج) كذلك، فذاك خاتم الأنبياء وهذا خاتم الأوصياء، ذاك خاتم الولاية العامة بالأصالة وهذا خاتم الولاية العامة بالتبع.
إذن هذان شهران يستوجبان منا الاحترام والتبجيل، فلنقرأ الأدعية الواردة في هذا الشهر الميمون (شهر شعبان) وتلك التي وردت في شهر رمضان المبارك بتدبر وتمعن.
وليقم المفسرون بتفسير أدعية الأئمة الواردة؛ المناجاة الشعبانية من الأدعية النادرة، ودعاء أبي حمزة الثمالي المنقول عن الإمام السجاد(عليه السلام) دعاء لا يضاهى أيضاً. دعاء كميل ورد في شهر شعبان، وهو من الأدعية التي تقرأ في ليلة الخامس عشر منه، ويحتوي على أسرار نعجز عن إدراك كنهها.
ورد عن أئمة الهدى أدعية ذات مضامين عالية لا بد من التأمل فيها، وليقم العلماء والمفكرون بشرحها شرحاً وافياً ثم تقديمها إلى الناس، مع أنّه لا يتمكن أي شخص من شرحها بما يطابق الواقع.
يجب أن نكتفي بهذا المقدار ونقر بأنّنا تابعون فحسب، ونحن نؤمن بأنّ نور النبوة ونور الإمامة بدأ منذ صدر الخلقة وسيبقى حتى انتهائها». [19]
دليل منـزلة الأئمة(عليهم السلام)
من أراد أن يدرك منزلة الأئمة فعليه الرجوع إلىآثارهم، وما هي إلا أدعيتهم من قبيل المناجاة الشعبانية وأدعية نهج البلاغة ودعاء يوم عرفة، وفي الحقيقة لا يعرف الإنسان ما ذا يقول بشأنها.
علىأية حال، نحن نعجز عن شكر النعمة العظيمة بكوننا ننتمي إلى مذهب يعتمد علىمصدري الوحي والولاية، فأغلب الفرق تفتقر إلىالمصدر الثاني ونحن نعجز عن تقديم الشكر للباري جل وعلا علىذلك، ونسأل الله تعالىأن يوفقنا لذلك.
عندما نقرأ الآيات الشريفة أو نطالع سيرة الأنبياء نلاحظ أنّ جميعهم عملوا على إيجاد العدالة في الدنيا، مع أنّ هذا لم يكن هدفاً رئيسياً، بل عبارة عن مقدمة لتحقيق الأهداف المتوخاة، فالنبي الكريم(صلى الله عليه وآله) سعىلإقامة العدالة لتكون مقدمة لطرح مواضيعه الجوهرية نظير إصلاح وتهذيب الإنسان، ومنذ أن هبط الوحي على الأنبياء كان هدفهم الأول معارضة الظالمين والجائرين كل بطريقته الخاصة، فلا يُتصور أنّ النبي يجلس في بيته ويقرأ الأدعية ويصدر الأوامر والأحكام؛ كلا ليس الأمر كذلك، كانوا يصدرون الأحكام ويتابعونها من أجل تنفيذها».[20]
سيد الشهداء(عليه السلام)
«إن دافع سيد الشهداء سلام الله عليه ومنذ اليوم الأول لثورته، تمثل في إقامة العدل. إذ قال: ألا ترون لا يُعمل بالمعروف ولا يُنهى عن المنكر. فالدافع هو إقامة المعروف والنهي عن المنكر. لأن كل انحراف منكر وعدا نهج التوحيد المستقيم فهو منكر، لا بد من إزالته. ونحن الذين نعتبر أنفسنا أتباع سيد الشهداء يجب أن نتعرف على سيرته ونهضته وكيف انطلق للنهي عن المنكر والسعي لإزالته، بما في ذلك إقامة حكومة العدل ومقارعة الجور والقضاء على أركانه.
لنتأمل في مناجاته، المناجاة الشعبانية. فأنا لم أرَ في الأدعية الأخرى الواردة عن الأئمة شبيهاً لما موجود في المناجاة الشعبانية. إن الأئمة جميعاً كانوا يقرأون المناجاة الشعبانية، وهي تتضمن معاني ومعارف كثيرة. كما أنها تُعلم الإنسان كيف ينبغي له مناجاة الله تبارك وتعالى. غير أننا غافلون عن هذه المعاني التي تتضمنها المناجاة الشعبانية. ربما يتصور بعض جَهَلَتنا أن هذه الأدعية إنما هي أمر صوري يهدف الأئمة من ورائه إلى تعليمنا، والحال أن المسألة غير ذلك. المسألة هي كيف كانوا يقفون أمام الله سبحانه، حيث كانوا يدركون أمام أية عظمة ماثلين، إذ كانوا على معرفة بالله تبارك وتعالى وكانوا يدركون ماذا يفعلون.. إن المناجاة الشعبانية هي من المناجاة التي إذا ما أراد أحد العرفاء المخلصين الصادقين وليس العرفاء بالاسم فقط شرحها وسبر أغوارها، فسوف يكتشف الكثير لأنها مناجاة قيمة للغاية وبحاجة إلى شرح ـ حقاً ـ مثلما هي جميع الأدعية الواردة عن الأئمة (عليهم السلام).[21]
ـــــــــــــــ
[1] صحيفة الإمام ج12 405 خطاب ..... ص : 402
[2] إقبال الأعمال.
[3] الشيخ محمد علي الشاه آبادي(ره) – أستاذ الإمام الخميني(ره) في العرفان و السير و السلوك.
[4] أحمد كسروي التبريزي، مؤلف و مؤرخ معروف له 50 كتاباً، و كان ذو أفكار متطرفة لدرجة أنه لم يستفد في جميع مؤلفاته من أي كلمة عربية، كان يرتدي العمامة في شبابه و لكنه تحول إلى عدو للدين و إقترح أن تحرق جميع الكتب المكتوبة بالعربية كالقرآن و مفاتيح الجنان، قتله أحد المسلمين الغيارى على أبواب المحكمة.
[5] صحيفة الإمام ج13 32 حديث ..... ص : 26
[6] " أي شهر رجب وشعبان وشهر رمضان المبارك ".
[7] صحيفة الإمام ج17 372 خطاب ..... ص : 369 - خطاب- التاريخ 7 خرداد 1362 ه-. ش/ 15 شعبان 1403 هـ . ق
المكان: طهران، جماران - الموضوع: بركات أشهر رجب وشعبان ورمضان- المناسبة: ذكرى مولد الإمام الحجة بن الحسن صاحب الزمان (عج)
[8] صحيفة الإمام ج17 427 خطاب ..... ص : 424
[9] مثنوي معنوي، الدفتر الثالث 433/ 1019 وهو ديوان شعر للشاعر الصوفي مولانا جلال الدين البلخي الرومي.
[10] إقبال الأعمال 678.
[11] سورة النجم، الآية 7.
[12] بيتان بالفارسية ترجما نثراً إلى العربية( المترجم).
[13] إشارة إلى مضمون الآية 143 من سورة الأعراف( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرً موسى صعقا).
[14] رسالة من الإمام(ره) للسيدة فاطمة الطباطبائي (زوجة المرحوم السيد أحمد نجل الإمام). التاريخ 5 خرداد 1363 ه- ش/ 24 شعبان 1404 هـ- ق. المصدر: صحيفة الإمام ج18 350 رسالة ..... ص : 350
[15] صحيفة الإمام ج17 427 خطاب ..... ص : 424
[16] صحيفة الإمام ج19 223 خطاب ..... ص : 218
[17] صحيفة الإمام ج19 379 برقية ..... ص : 379
[18] سورة الأعراف، الآية 143.
[19] صحيفة الإمام ج20 205 خطاب ..... ص : 204
[20] صحيفة الإمام ج20 331 خطاب ..... ص : 329
[21] صحيفة الإمام ج21 11 نداء إذاعي - متلفز ..... ص : 9
المصدر:دارالولاية للثقافة و الاعلام