العزة في وصية الإمام الخميني (القسم الثاني)

العزة في وصية الإمام الخميني (القسم الثاني)

 العزة والقيادة

عز الشعب يبدأ غالبا من ممارسات قيادته، وكذا ذلها. فإذا كانت القيادة تقيم للإنسان وزنا وتؤمن بعزته وكرامته فإن التوجه العامة للامه ينحو باتجاه العزة. وان كانت القيادة تتخذ من الشعب خولا ومن ثرواته مغنما، فذلك أساس ذل المجتمع. الإمام الراحل في سلوكه مع الجماهير وفي لغة خطابه كان يعبر عن ثقة غير متناهية بالجماهير، يرى أن كل ما تحقق من نعم فبفضل الله وبواسطة هذه الجماهير. يتحدث عن الناس وكأنهم يعشقهم واحدا واحدا، ويتواضع أمام الناس تواضعا لا حد له دون تملق أو تزلف. يخاطب المسؤولين في وصيته يقول: "وأوصي المجلس والحكومة والمسؤولين أن يقروا هذا الشعب حق قدره، وان لا يألوا جهدا في خدمته وخاصة المستضعفين والمحرومين والمظلومين منهم، فهؤلاء ضياء أعيننا وأولياء نعمتنا جميعا، والجمهورية الإسلامية عطيتهم، وتحققها كان بفضل تضحياتهم وبقاؤها رهين خدماتهم. اعتبروا أنفسكم من الجماهير والجماهير منكم". (الوصية، ص 25). ثم يرتفع في مقطع آخر من الوصية لينظر إلى الشعب نظرة تاريخية، فيقارنه بالجيل الإسلامي الأول الذي تشرف بعصر النبوة أو بعصر الخلافة الراشدة، فيقول بجرأة: "أنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله (ص)، وأفضل من أهل) الكوفة في العراق على عهد أمير المؤمنين والحسين في الحجاز على عهد رسول الله (ص) منهم من أبوا أن يطيعوا الرسول ورفضوا  ــ  بذرائع مختلفة ــ التوجه إلى جبهات القتال حتى انزل الله آيات من سورة التوبة توبخهم وتعدهم بالعذاب، ثم إنهم كذبوا على (النبي) حتى روي انه دعا عليهم على المنبر، وأهل العراق والكوفة أساؤوا التعامل مع أمير المؤمنين وعصوه، وشكاوى الإمام منهم معروفة في المأثور وكتب التاريخ.

العزة والإعلام

للإعلام دور كبير في بناء شخصية أفراد الأمة، وخاصة في عصرنا حيث التطور التقني الهائل في وسائل الإعلام والاتصال. التلقين المستمر الذي توحيه للأفراد يمكن أن يصنع الشخصية المتحلية بالعزة والكرامة، ويمكن أن يذيب هذه الشخصية ويحللها، ويخلق روح الهزيمة والذل في أعماقها. معظم وسائل الإعلام في عالمنا الإسلامي لا تتخذ اتجاها رساليا هادفا، بل تتجه نحو تعميق روح الضعف والتبعية والهزيمة في المستمع والمشاهد والقارئ. الإمام في وصيته يعرض لما كانت عليه وسائل الإعلام في عهد الشاه، وما جرته من ضياع الذات والشخصية، ويحذر من انزلاق الإعلام في العهد الإسلامي إلى تلك الحالة باسم "الحرية"، يقول: "الإذاعة والتلفزيون والصحافة والسينما والمسرح من الأدوات الفعالة في افساد الشعوب وتخديرها خاصة جيل الشباب. ما أكثر المخططات الكبرى التي نفذت عن طريق هذه الأدوات خلال هذا القرن الأخير خاصة النصف الثاني منه، سواء ما استهدف منها معاداة الإسلام أو معاداة علماء الدين المخلصين أو ما اتجه للدعاية إلى المستعمرين الغربيين والشرقيين!! من هذه الأدوات استفادوا لرواج الأسواق الاستهلاكية للبضائع وخاصة الكمالية وأدوات الزينة بكل أنواعها (دافعين الناس) إلى التقليد في الأبنية والديكور والمظاهر، والتقليد في نوع المشروبات والملابس على طريقتهم (الأوربية)، حتى عاد التفاخر في تقليد الغرب سائدا في جميع شؤون الحياة، في السلوك والكلام وشكل الملبس، خاصة بين النساء المرفهات ونصف المرفهات. و(هكذا التقليد) في آداب المعاشرة وطريقة الكلام واستعمال الألفاظ الغربية في الحديث والكتابة حتى عاد فهم كلام هؤلاء صعبا على كثير من الناس بل على نظرائهم أيضا. الأفلام التلفزيونية كانت من منتجات الغرب أو الشرق، وكانت تبعد الشباب، ذكورا وأناثا، عن المسير الصحيح للحياة، وعن العلم والصناعة والانتاج، وتدفعهم إلى الجهل بذاتهم وبشخصيتهم، أو إلى التشاؤم وسوء الظن بكل شيء أصيل لديهم ولدى بلدهم، بما في ذلك الثقافة والآداب والمآثر القيمة التي انتقل الكثير منها بيد الخائنين إلى المكتبات والمتاحف الغربية والشرقية. المجلات، بمقالات وصورها الفاضحة والمؤسفة، والصحف بتسابقها في كتابة مقالات معادية للأصالة الثقافية والإسلامية، كانت تفخر بأن تدفع الجماهير وخاصة فئة الشباب نحو الغرب أو الشرق، أضف إلى ذلك الدعايات الواسعة في نشر مراكز الفساد والفحشاء، ومراكز القمار والميسر، وحانات الخمور، ومعارض البضائع الكمالية ووسائل التجميل واللعب والمشروبات الكحولية، وخاصة ما يستورد منها من الغرب. ومقابل تصدير النفط والغاز والثروات الأخرى كانت تستورد الدمى واللعب والتحف الكمالية ومئات الأشياء الأخرى مما ليس لمثلي اطلاع عليها. ولو قدر ــ لا سمح الله ــ أن يمتد عمر النظام البهلوي المأجور المخرب لأوشك شبابنا الأكفاء من أبناء الإسلام والوطن وممن تعقد الأمة عليهم الآمال، بما يحيطهم من دسائس وخطط شيطانية يديرها النظام الفاسد ووسائل الإعلام والمثقفون المتغربون والمتشرقون، أن يعرضوا تماما عن الأمة والإسلام، فيتلفوا شبابهم في مراكز الفساد أو ينخرطوا في خدمة القوى الطامعة، ويبيدوا بذلك البلاد.

لقد من الله علينا وعليهم ونجانا من شر المفسدين الناهبين.

والآن وصيتي إلى مجلس الشورى الإسلامي في الحال والمستقبل ورئيس الجمهورية ورؤساء الجمهورية التالين والى مجلس مراقبة الدستور ومجلس القضاء الأعلى والحكومة في كل زمان، هي أن لا يدعوا هذه الأجهزة الإعلامية والصحافة والمجلات تنحرف عن مصالح البلاد. وعلينا أن نعلم جميعا أن الحرية بشكلها الغربي المؤدي إلى افساد الشباب بذكورهم واناثهم، هي مدانة من وجهة نظر الإسلام والعقل، وكل دعاية ومقال وخطبة وكتاب ومجلة تتعارض مع الإسلام والعفة العامة ومصالح البلاد، حرام، ويتوجب علينا جميعا وعلى كل المسلمين أن يحولوا دونها، وأن يحولوا دون الحريات الهدامة. وإذا لم يتخذ موقف حاسم تجاه ما هو حرام شرعا، وما يتعارض مع مسير الشعب والبلد الإسلامي وكرامة الجمهورية الإسلامية فكلنا مسؤولون والجماهير وشبابا حزب الله، إن واجهوا احد الأمور المذكورة، عليهم أن يراجعوا الأجهزة المعنية، فإن قصّرت فهم أنفسهم مكلفون بصد (هذا الانحراف). كان الله في عون الجميع" ( الوصية، ص45 ــ 46). ويوصي الإمام وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي بأن تحمل كلمة الإسلام إلى العالم وتصد الدعايات المضللة، بل يحمل وزارة الخارجية وكل أصحاب الكلمة والقلم هذه المسؤولية في الكشف عن حقائق الإسلام الناصعة، يقول: " ووصيتي إلى وزارة الارشاد في جميع العصور، وخاصة العصر الراهن، بما له من خصوصيات، هي السعي من اجل تبليغ الحق أمام الباطل وعرض الوجه الحقيق للجمهورية الإسلامية. ونحن في هذا العصر، إذ قطعنا يد القوى الكبرى عن بلادنا، نتعرض لهجوم إعلامي من جميع وسائل الإعلام المرتبطة بالقوى الكبرى. ما أكثر الأكاذيب والتهم التي نسبها وينسبها المرتبطون بالقوى الكبرى، وبالكلمة المسموعة والمقروءة، إلى الجمهورية الإسلامية الوليدة!! أكثر حكومات المنطقة الإسلامية التي يجب أن تمد لنا يد الأخوة بحكم الإسلام قد ناصبتنا وناصبت الإسلام العداء مع الأسف، وشنت هجوما علينا خدمة للطامعين الدوليين. وقدرتنا الإعلامية ضعيفة جدا وهزيلة. وتعلمون أن العالم اليوم يدور حول محور الإعلام، ومن المؤسف أن من يسمّون بالكتاب المثقفين الذين تتجه ميولهم إلى احد القطبين، بدل أن يفكروا في استقلال وحرية بلدهم وشعبهم، لا تسمح لهم الروح الاستعلائية والانتهازية والاحتكارية بأن يفكروا لحظة وأن يأخذوا بنظر الاعتبار مصالح بلدهم وشعبه، وأن يقارنوا بين الحرية والاستقلال في هذه الجمهورية وبين (ما كان عليه الوضع في) النظام الظالم السابق، و(أن يقيسوا) الحياة المشرفة القيمة المقرونة بفقدان بعض وسائل الرفاه وبطر العيش (في ظل الجمهورية الإسلامية) بما كان عليه نظام الظلم الشاهي الذي كان يعطي (تلك الوسائل) مقرونة بالتبعية والرق وبكيل المدح والثناء لجراثيم الفساد ومنابع الظلم والفحشاء، وأن يكفوا عن الصاق التهم والأكاذيب بهذه الجمهورية الإسلامية الوليدة وأن يقفوا بأقلامهم وألسنتهم مع الشعب والحكومة صفا واحدا ضد الطاغوتيين والظلمة. ومسألة التبليغ لا تنهض بها وزارة الارشاد وحدها، بل هي مسؤولية كل العلماء والخطباء والكتاب والفنانين. يجب أن تسعى وزارة الخارجية لأن توفر نشرات تبليغ في السفارات تبيّن الوجه النير للإسلام، إذ لو سطع هذا الوجه بجماله الباهر الذي رسمه القرآن والسنة في كل الابعاد من تحت النقاب الذي ضرب عليه من قبل محاولات الأعداء وبلادة الأصدقاء، فإن الإسلام سيشع نوره على العالمين، وسترتفع رايته العزيزة خفاقة في كل مكان. أية مصيبة أعظم وأمرّ من أن يملك المسلمون متاعا لا نظير له من بدء العالم حتى منتهاه، ثم هم لا يستطيعون أن يعرضوا هذه الجوهرة الثمينة التي ينشدها كل إنسان بفطرته السليمة، بل إنهم هم أيضا عنها غافلون وبها جاهلون وعنها أحيانا معرضون" (الوصية، ص39ــ40).

 العزة والقضاء

الجهاز القضائي سند كل ذي حق ليأخذ حقه، وإذا أحس الإنسان بأن حقوقه محفوظة وأن روحه وماله وعرضه في مأمن من تطاول يد المعتدي، شعر بالعزة والكرامة والاستقرار، فالجهاز القضائي يصون عزة الناس وكرامتهم، والكارثة أن يتولى منصب القضاء من يتلاعب بمقدرات الناس، عندئذ يشعر الناس بأنه يجب أن ينحنوا أمام الأقوياء، ويستسلموا لابتزازهم، ويتملقوا لهم، كي يأمنوا شرهم، إذ لا مدافع لهم في المجتمع. وهكذا يسود الذل. الإمام الراحل في وصيته يركز على التزام القاضي... وتجربته القضائي.. وعلمه في"الأمور الشرعية والإسلامية والسياسية". أي انه يجب أن يكون ذا علم بالشريعة وذا بصيرة في المشروع الإسلامي برمته كي يفهم مقاصد الشريعة، ولا يعتمد في قضائه على نظرة تجزيئية للدين، كما ينبغي أن يكون على علم السياسة لأنه سيواجه قضايا ترتبط بالأمن الداخلي وبالتدخل الخارجي وبالمسائل الاجتماعية العامة، لذلك فالوعي السياسي يشكل محورا من محاور علم القاضي، يقول الإمام: "من مهمات الأمور، مسألة القضاء التي ترتبط بأرواح الناس وأموالهم وأعراضهم. ووصيتي إلى القائد ومجلس القيادة أن يبذلوا الجهد في ما عليهم من مسؤولية تتمثل بتعيين أعلى مسؤول قضائي بأن يكون من الأشخاص الملتزمين وأصحاب التجربة والنظر في الأمور الشرعية والإسلامية والسياسية. وأطلب من أعضاء مجلس القضاء الأعلى أن يجدّوا في اصلاح أمر القضاء الذي تدنى في عهد النظام البائد إلى وضع مؤسف مؤلم، وأن يبعدوا عن كرسي القضاء الهام من يتلاعب بأرواح الناس وأموالهم ومن لا يعير أهمية للعدالة الإسلامية، وأن يحدثوا التغييرات في (وزارة) العدل بهمة وجد وتدريج، وأن يتم بجد إن شاء الله تدريب وتعليم قضاة تتوفر فيهم الشروط اللازمة في الحوزات العلمية، وخاصة حوزة قم العلمية المباركة، وتقديمهم ليتعينوا بدلا من القضاء الذين لا تتوفر فيهم الشروط المقررة الإسلامية. وسوف يسود القضاء الإسلام إن شاء الله عاجلا في جميع أرجاء البلاد.

وأوصي القضاء المحترمين في العصر الراهن وفي العصور القادمة بأنه مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد من أحاديث عن المعصومين صلوات الله عليهم بشأن القضاء وما يتضمنه من خطر عظيم، وما ورد بشأن القضاء بغير الحق، عليهم أن يتصدوا لهذا الأمر الخطير وأن لا يدعوا المنصب يقع بيد غير أهله، وأن لا يرفض هذا الأمر من هو أهل له، وأن لا يفسحوا المجال لمن هو غير أهل له، وكما أن خطر هذا المنصب كبير، فإن الأجر والفضل والثواب فيه كبير أيضا وتعلمون أن تصدي القضاء لأهله واجب كفائي" (الوصية، ص35 ــ 36).

 -------------

القسم العربي، الشؤون الدولية.

 

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء