بعد أن تم نفي الإمام من إيران إلى تركيا، وبسبب ضغوط المسلمين الإيرانيين والأجانب، رأت الحكومة التركية أنه ليس من الحكمة بقاء الإمام أكثر من عام، فطرحت الأمر مع أجهزة السياسة الأميركية والشاه، وقرّروا أن يذهب الإمام إلى العراق، لأنّ شخصيات النجف العلمية كانت معروفة عالمياً، مثل السيد الحكيم والسيد الشاهرودي والسيد الخوئي وغيرهم.
ظنّوا أنّه في النجف يمكن حصر الإمام وعزله، وألا يتمكّن من إصدار بيان أو كلام إلى أولئك العلماء.
وصل الإمام — بمرافقة المرحوم الحاج السيد مصطفى — إلى بغداد. عندما تمّ نشر خبر دخول الإمام إلى النجف، أول من تواصل معه كان المرحوم الشيخ نصرالله خلخالي، الذي أصبح لاحقًا وكيلاً عنه، وكان وكيلاً أيضاً لآخرين من بينهم المرحوم السيد بروجردي. كان خلخالي موثوقًا عند الإمام من حيث التدين والعلم.
يبدو أن السيد الحكيم لم يكن على معرفة كافية بالإمام، إذ روى خلخالي أن السيد الحكيم سأله: «أي شيءٍ فضيلةُ السيّد؟» أي: إلى أي مدى علم السيّد؟ فأجاب: «إن لم يكن أكثر من الآخرين فليس بأقل». فأومأ السيد الحكيم برأسه ولم يقل شيئًا. ومع ذلك، لم يقم السيد الحكيم بأيّ استقبال خاص للإمام. كذلك السيد الشاهرودي — الذي كان كبيرًا في السنّ ولم يرسَل أحدا لاستقباله.
الشخص الوحيد الذي قام بعمل من أجل استقبال الإمام كان السيد الخوئي، إذ أرسل عدة سيارات إلى بغداد. لكن هذا العمل لم يكن بدافع المودة، بل نتيجة خلافاته من جهة المرجعية مع السيد الحكيم، وكان في البداية يدعم الحركات ويعتقد أن التعامل مع جهاز الشاه حرام ومساعدة الظالم. بينما السيد الحكيم لم يشارك أبداً في الحركات.
على كل حال، وبعد فترة إقامة في الكاظمين، ذهب الإمام إلى سامراء، ثم مكث ثلاثة أيام هناك. من بين الحضور كان السيد محمد شيرازي يقوم بعمل كثير، ويساعد كثيرًا، وكتب العديد من الرسائل إلى الأمم المتحدة والدول العربية احتجاجاً على نفي الإمام، وللاستقبال أيضاً أرسل عدداً من السيارات إلى المسيب والكاظمين. عندما وصل الإمام إلى كربلاء ونوى الإقامة عشرة أيام، سلّم صلاة الجماعة إليه واستضاف جميع مرافقيه.
بعدها، تحرّك إلى النجف، وأُرسلت عدة سيارات لتوديعه. من النجف أيضاً وصل الاستقبال، السيد الخوئي أرسل أربع سيارات، وعدداً كبيراً من الطلاب بوسائل عدة لاستقبال الإمام. وعندما اقترب الإمام من مدينة النجف مع المرافِقين والمستقبِلين، قامت الحكومة العراقية لتفادي أن يدرك أهل المدينة عظمة الإمام، بتفريق السيارات وحولت جهتها إلى أزقّة وشوارع، وأدخلت سيارة الإمام من طريق فرعي إلى المكان المُعدّ له، بحيث لم يُعرف أبداً من أي طريق دخل إلى المنزل.
وبعد دخول الإمام إلى النجف، كان أول من قدم من العلماء للقاء الإمام هو السيد الخوئي. في اليوم التالي جاء السيد الشاهرودي مع أصحابه. وحتى اليوم الثالث لم يظهر السيد الحكيم إطلاقاً. خلال كل هذه الفترة، كان منزل الإمام يمتلئ بجمع من الطلاب. من اليوم الثالث علم أهل النجف بدخول الإمام، وتوجه عدد كبير من الناس من الإيرانيين والأفغان والباكستانيين والهنود وغيرهم من مختلف القوميات لرؤيته.
وأولئك الذين نظموا شعراً للإمام، كانوا يتلونه، وآخرون كانوا يصورون الحشد. في النهاية لا يدري أحد ماذا حصل، إلا أن السيد الحكيم أيضاً جاء لزيارة الإمام، والتقطت لهما صور معاً. وعندما خرج الإمام من الغرفة، أخذ السيد محمد باقر (ابن السيد الحكيم)الصور من المصوّر. كانوا يظنون أن هذه الصور ستُنشر في الصحف، وأن الإمام يُريد من خلالها أن يكتسب مكانة. ولا أحد يعلم مصير تلك الصور.
بعد أن زارت جميع الشخصيات الإمام، قرّر الإمام أن يزورهم، وبسبب مرجعية وتميّز السيد الحكيم، بادَر الإمام بزيارته أولاً، وبعد التحيّة اقترح على السيد الحكيم أن يسافر إلى إيران ويرى الأوضاع بنفسه، وألا يثق بما يُقال له من الآخرين. اما نظر السيد الحكيم كان أنّه لا ينبغي أن يتحدّث ضد جهاز ظالم، واعتبر نفسه تابعاً لـ الإمام الحسن (عليه السلام).
فقال الإمام : «الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن له أنصار ولو كان له لنفّذ ما قام به الإمام الحسين (عليه السلام). تقدّم ونحن خلفك، اذهب إلى إيران وشاهد الأمور بنفسك، وتقدّم وقِف في وجه جهاز الظلم وسأكون من أصحابك وأتبعك». لكن السيد الحكيم لم يقل شيئاً كجواب للامام.
---
القسم العربي، الشؤون الدولية، نقلا عن (جماران) بتعريب و تصرف.