أهداف الإمام الخميني في كلام الإمام الخامنئي

أهداف الإمام الخميني في كلام الإمام الخامنئي

قائد الثورة الإسلامية الكبير الذي كان يعتبر نفسه تعبوياً ويفخر بذلك، عبّأ عالماً كاملاً لمواجهة الاستكبار والقوى الظالمة في العالم، وسلب أعين المتجبرين النوم الرغيد، وأشاع أنوار الأمل وهي مفتاح جميع الانتصارات والتقدم في قلوب الشعوب. ولا شك أن جميع أجهزة الاستكبار لن تستطيع التغلب على البذور التي زرعها، وتحطيم الصرح الذي شيده، رغم أنهم يكافحون ويعارضون بشدة وقسوة عنيدة نتائج وثمار جهاده الكبير.

ألف - الشخصية المميزة للإمام الخميني (قدس سره)
الأهداف الكبرى للإمام الخميني
الأهداف الكبرى التي عرضها الإمام هي: مكافحة الاستكبار العالمي، والحفاظ على الاعتدال الأكيد على منهج »لا شرقية ولا غربية« والإصرار الكبير على الاستقلال الحقيقي والشامل للشعب - الاكتفاء الذاتي بالمعنى التام للكلمة - التشديد الأكيد واللامتناهي على حفظ المبادئ الدينية والشرعية والفقهية الإسلامية، وتحقيق الوحدة والتضامن، والاهتمام بالشعوب المسلمة والمظلومة في العالم، وإعزاز الإسلام والشعوب المسلمة وعدم الفزع من القوى العالمية الكبرى، وتوفير القسط والعدل في المجتمع الإسلامي، والدعم السخي الدائم للمستضعفين والمحرومين والطبقات الضعيفة من المجتمع وضرورة الاهتمام بها. كلنا كان شاهداً على أن الإمام واصل مسيرته في هذه الخطوط بكل إصرار وبلا أي تردد. وعلينا متابعة سبيله وأعماله الصالحة ومسيرته الدؤوبة.
من كلمته في مراسم بيعة رئيس الوزراء وهيئة الحكومة 17/3/1368ش (6/6/1989م)
سمات عصر الإمام الخميني (قدس سره)
افتتح إمامنا الكبير عصراً جديداً، واليوم إذ تفيض قلوبنا وأرواحنا بالحسرات على فقدان هذا العزيز الفذ في الأمة الإسلامية، فإن أكبر واجباتنا هو أن نتعرف على سمات العصر الذي ابتدأه الإمام وأدخل الشعب في أجوائه وأعلنه للعالم كله، وأن نحافظ على هذه السمات. التعزية الحقيقية تتم حينما نعمل بهذه الفريضة.
للعصر الذي بدأه إمامنا الكبير العظيم سمات أهمها: إيجاد روح العزة والاستقلال والاستغناء والثقة بالذات لدى شعب جرت محاولات عدة طوال سنوات متمادية لسلب هذه الروح منه وتسليط الأغيار على مصيره...
السمة الأخرى للعصر الذي أطلقه الإمام الخميني هو الميل للقيم الإنسانية والعدالة والحرية وأصوات الشعب واحترامها. الشخصية العظيمة التي يعترف سكان العالم وحتى أعداؤها اليوم بعظمتها، كان يقول: أفضّل أن يقال عني خادماً على أن يقال قائداً. وقد كان صادقاً وبلا أي مجاملة أو تظاهر. لقد كان يحترم الشعب إلى درجة أنه يعتبر نفسه خادماً له. وهذا نموذج لا نجد له مثيلاً في العالم والتاريخ.
من كلمته في مراسم بيعة القادة وممثلي الولي الفقيه و...28/3/1368ش (17/6/1969م)
رسم خط الإمام
عظمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن المحرومين والمستضعفين في كل العالم هو الخط الذي رسمه الإمام للثورة، وما انفك الشعب الإيراني يسير عليه منذ عشرة أعوام. إنه الخط والطريق الذي جعل شعب إيران شعباً حياً شامخاً في العالم وصيّره أكثر شعوب الأرض استقلالاً وحيوية ونشاطاً، وأخرجنا من واقع الشعب المتخلف التابع الميت... الخط الذي حفّز إيمان الجماهير ومحبتهم وعشقهم للإسلام وحضهم في هذا السبيل على تضحياتٍ باهرة نادرة. إنه خط يمثل حياتنا وكل وجودنا وهويتنا الوطنية والثورية، وسيستمر هذا الخط في تقدمه إلى الإمام بفضل من الله بكل حسم وقوة وأمل وبنفس المعنويات التي علّمنا إياها الإمام عملياً طوال فترة النهضة والثورة. نحن مستعدون لتكريس طريق الإمام والثورة والتضحية والسعي والجهد الدؤوب. أرواحنا ودماؤنا فداء لهذا الطريق وهذا الخط. سعادتنا رهن في أن نقضي حياتنا في هذا السبيل. هذا مما لا شك فيه أبداً...
من كلمته في مراسم تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية 12/5/1368 (2/1/1989م)
الهادي الحقيقي
الطريق الذي قطعناه طوال هذه السنوات الإحدى عشرة خلف الإمام لم يكن طريقاً يمكننا قطعه بشكل طبيعي ومن دون الهداية والدعم والعون الإلهي. اجتزنا منعطفات عجيبة بفضل قيادة الإمام، ولم يكن هذا إلا لأن الهداية الإلهية كانت في عوننا.
كانت هذه عقيدته هو أيضاً، وقد سمعت منه قوله: »أشعر منذ بداية الثورة أن يد هدي تساعدنا وتتقدم بنا للأمام وتفتح الطرق أمامنا«. وقد كانت هذه هي الحقيقة؛ الله تعالى يمن بهذا الهدي لقاء الجهاد والإخلاص والنقاء والنورانية.
الهداية الإلهية لا تشمل الناس الغافلين. حين نقول في المناجاة الشعبانية: »وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك« فإن تنوير أبصار القلوب وإجلاء الحقائق لقلب المؤمن اليقظ وعينه البصيرة، لا يتأتّى بالمجان ومن دون جهاد وسعي وارتباط بالله.
من كلمته بمناسبة ولادة الإمام الحسين (ع) يوم الحرس الثوري 10/12/1368 (28/2/1990م)
عقد من حياة الإمام نموذج لحياة المجتمع الثوري
الكلام هو أن فترة العقد [الأخير] من الحياة المباركة للإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) تعد نموذجاً لحياة مجتمعنا الثوري، والخطوط الرئيسية للثورة هي تلك التي رسمها الإمام. أعداؤنا ذوو الأطماع الساذجة والقلوب العمياء الذين تصوروا أن فقدان الإمام الخميني كان بداية عصر جديد بخصائص مختلفة عن فترة الإمام الخميني (قدس سره) كانوا بذلك على خطأ شديد. الإمام الخميني حقيقة حية دائماً. اسمه راية هذه الثورة، وطريقه طريقها، وأهدافه أهدافها. أمة الإمام وتلاميذه الذين ارتووا من الينبوع الفياض لذلك الموجود الملكوتي، ووجدوا فيه عزتهم وكرامتهم الإسلامية والإنسانية، يشهدون اليوم الشعوب الأخرى بما في ذلك الشعوب غير المسلمة، وهي تعتبر وصفة التعاليم الثورية لذلك القائد العظيم سبباً لنجاتها وخلاصها، وتجد فيها حريتها وعزتها.
لقد استيقظ المسلمون اليوم في كل مكان بفضل نهضة تلك الشخصية الفذة في زمانها، وآلت قصور امبراطوريات الهيمنة الظالمة إلى السقوط والانهيار. أدركت الشعوب قيمة الانتفاضة الوطنية وجربت انتصار الدم على السيف، وراح الجميع في كل مكان يحدّقون في الشعب الإيراني المقاوم الشجاع.
من كلمته بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الإمام الخميني 10/3/1369 (30/5/1990م)
العناصر الرئيسية في تأسيس الجمهورية الإسلامية
النقطة الأولى التي تمثل العناصر الأهم في تشكيل النظام هي النـزعة الإسلامية والتوكؤ على المرتكزات الإسلامية والقرآنية المتينة...
لقد استند الإمام إلى الإسلام، ولم يقنع باسم الإسلام، بل أصر على سيادة القوانين الإسلامية في كل ركن من أركان وأجهزة الدولة والحكومة. طبعاً كان هذا مشروعاً طويل الأمد، وقد كان الإمام على علم بأن الهدف لن يتحقق على المدى القصير، لكنه فتح الطريق وبدأ المسير، وأشار نحو الاتجاه، وأدرك الجميع ضرورة أن يتحركوا - بالمعنى الحقيقي للكلمة - نحو الأحكام والتعاليم الإسلامية والبنية الإسلامية للنظام والمجتمع حتى يستطيعوا تأمين العدالة، ومحو الفقر، واستئصال الفساد، وتعويض الآلآم المزمنة التي فرضت على هذا الشعب...
العنصر الثاني الذي أولاه الإمام أقصى درجات الاهتمام هو عنصر »الجماهير«...
لقد كان الإمام مؤمناً بأصالة عنصر الجماهير في النظام الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وركّز اهتمامه الدقيق على الجماهير في عدة مجالات...
المجال الأول مجال اعتماد النظام على أصوات الجماهير...
المجال الثاني مجال واجبات المسؤولين حيال الجماهير...
المجال الثالث - الدائر أيضاً حول محور الجماهير - هو الانتهال من أفكار الجماهير وجهودهم في سبيل رفعة البلد؛ بمعنى تفجير المواهب وعدم تجميدها.
المجال الرابع فيما يتصل باهتمام الإمام بالجماهير هو ضرورة توعية الجماهير بنحو مستمر...
العنصر الثالث الذي كان مهماً بالنسبة للإمام هو النظام والقانون. لذلك عيّن الإمام الحكومة حتى قبل أن تنتصر الثورة.
العنصر الأساسي الرابع الذي رسخّه الإمام في مرتكزات نظام الجمهورية الإسلامية - وكان والحمد لله سبباً في استمرار النظام - هو قضية مكافحة الأعداء ومقاومة الهيمنة. لم يغفل الإمام ولا لحظة عن كيد الأعداء ومكرهم وحيلهم، ولم يسمح للمسؤولين أن يغفلوا.
من كلمته في زوّار مرقد الإمام الخميني 14/3/1380 (4/6/2001م)
الميزة الكبرى للإمام
النظام السياسي الذي قضى عليه إمامنا الجليل بنهضته وبمساعدة هذا الشعب - أي النظام الملكي الفاسد التابع - نظام لم يكن ساسته ومسؤولوه ورؤساؤه يعيرون مصير الشعب الإيراني وشباب البلد أية أهمية، ويدفعون البلد والشعب نحو مزيد من التبعية. سعادة الناس لم تكن هدفاً يفكرون به إطلاقاً. إدارة البلد كانت تتم وفق نماذج خاطئة وغير متناسقة استعيرت بشكل منقوص من البلدان الأجنبية، وحتى هذه النماذج الخاطئة لم تطبق؛ أي إنه كان نظاماً استبدادياً ودكتاتورياً مطلقاً يتسمّى بمسميات مختلفة ويتخذ أساليب شتى لم ينبع أي منها من إرادة الشعب ولم يستهدف تحقيق مصالح الشعب.
في النظام التابع المنسوخ المنهار الذي ساد قبل الثورة، عانى الناس من الفساد والتحلل، وبتعبير أصح سيقوا نحو الفساد والتهتك والانهزام النفسي واللاإيمان. أي إنهم رسموا مسيرة الشعب بحيث يعمّ اللاإيمان في البلاد أكثر فأكثر كل يوم، ويبقى الناس محرومين من الإيمان المعنوي السليم وينجرفوا نحو الفساد والتهتك وتتكرس هزيمتهم النفسية حيال الأجانب، ولا يكون للاستقلال الاقتصادي والثقافي معنى في البلاد. هذا هو الاتجاه العام للمسيرة في ذلك النظام المنسوخ الفاسد.
في هذه الفترة، كانت الميزة الكبرى للإمام الجليل أنه أحل مكان ذلك النظام الفاسد في هذا البلد نظاماً سياسياً يسوده حب الجماهير بدل عدم الاكتراث للجماهير، ويغمره حب مصير الشعب ومصير شبابه والاهتمام البالغ بهم بدل عدم الاهتمام لمصير الشعب وخصوصاً شبابه، وتعمه الثقة بالذات بين الجماهير أكثر فأكثر بدل الانهزام النفسي مقابل الأجانب، ويتخذ الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي هدفاً بدل التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للأجانب.
من كلمته في زوّار المرقد الطاهر للإمام الخميني 14/3/1376 (4/6/1997م)
الإمام تلميذ مدرسة القرآن
اتخذ إمامنا الكبير في التخطيط لهذه الثورة وفي تصميم النظام السياسي على أساس الثورة - أي تأسيس الحكومة ونظام الجمهورية الإسلامية - بفضل وهدي من الله تعالى، اتخذ منهجاً هو منهج الرسل وعباد الله المتصلين بمصدر الغيب. هذا لأن الإمام كان يحب القرآن، وكان تلميذاً لمدرسة القرآن، وكان يستأنس بالقرآن ويستمد منه، ويعده برنامج حياته. هذه إحدى النتائج والآثار الكبرى والعظمى لتلك الحقيقة.
النقطة الثانية حول الإمام، والتي أردت إثارتها اليوم باختصار، هي أن مثل هذه الحركة العظيمة تواجه عادةً إحدى آفتي »التحجر« و»الانفعال«. مثل هذا المشروع الهائل له آفاته، والآفة الكبرى لهذا التحرك العظيم بهذه الأبعاد الواسعة - كما ذكرت - هي إما التحجر أو الانفعال...
معنى التحجر أن يكتفي الشخص الذي يريد الاغتراف من مباني الإسلام والفقه الإسلامي لبناء المجتمع بظواهر الأحكام، فلا يستطيع استيعاب المرونة الطبيعية للأحكام والمعارف الإسلامية في المواطن التي تتمتع فيها بالمرونة، فيعجز عن تقديم العلاج والحل الذي يحتاجه الشعب والنظام والبلد في كل اللحظات. هذه بلية كبيرة.
إذا سادت هذه الروح على رأس الأنظمة السياسية التي تأسست على أساس الإسلام أو يراد لها أن تتأسس مستقبلاً على أساس الإسلام، فسوف تتشوه سمعة الإسلام يقيناً، ولن يستطيع المصدر الخالد للمعارف والأحكام الإسلامية أن يتقدم بالمجتمع نحو الأمام. وقد نـزّه الإمام نفسه من هذه الآفة...
الآفة الثانية التي تهدد المسؤولين والقادة ومدراء المسيرة في مثل هذه الحالات هو أن يصابوا بالانفعال والانهزام النفسي ويكونوا في موقف التأثّر اللاإرادي بإرادة الآخرين. وقد وقف الإمام العظيم كالجبل بوجه هذه الآفة الثانية.
هذا هو الخطر الكبير الذي يهدد أصحاب الفكر والمعرفة في البلدان. وقف الإمام مقابل هذا الخطر كالجبل الأشم: »كالجبل لا تحركه العواصف«.. منذ الساعة الأولى؛ من اسم نظام الجمهورية الإسلامية وإلى سائر القضايا والأمور.
من كلمته في زوّار المرقد الطاهر للإمام الخميني 14/3/1376 (4/6/1997م)
المستضعفون والمحرومون جيش الثورة الإسلامية
ثمة نقطتان في حركة الإمام الكبير كانتا وإلى الآن رصيداً قيماً لهذه الثورة: الأولى هي أن الإسلام هدف هذه الثورة. والثانية هي أن جنود هذه الثورة وجيشها هم المستضعفون والحفاة وكذلك شريحة الشباب. الحفاة هم الذين حققوا النصر لهذه الثورة. والشباب هم الذين أداروا الحرب المفروضة الطويلة التي استمرت ثمانية أعوام. واليوم أيضاً يسير الشباب في سبيل الله والإسلام. واليوم أيضاً، إذا هدد هذه الثورة خطر فسيكون الشباب أول من يتواجد في الساحة.. شباب الحوزات، والجامعات، والشباب من كل أنحاء البلاد ومن مختلف الطبقات.
لقد نادى الإمام بالإسلام من أعماق كيانه. والجميع اليوم يؤمنون بالإمام من أعماق كيانهم وقلوبهم. كلمات الإمام كانت واضحة.. كلمات محكمة وبينة.. أقوال الإمام لا تزال تدوي في الأجواء. وصيته هي ميثاقه الدائم مع الأمة. علينا جميعاً أن نفهم هذه الكلمات بصورة صحيحة ونتدبر فيها حتى لا نضيع درب الإمام. مخطئون أولئك الذين ينادون بالإمام لكنهم غير مستعدين لتقبل أفكاره ودربه والسير فيه.
من كلمته في الجماهير التي أحيت الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الخميني 14/3/1377 (4/6/1998م)
العدالة الاجتماعية والاعتماد على الشعب
أريد أن أشير إلى عدة سمات مهمة في المنظومة التي نسميها طريق الإمام أو خط الإمام. ثمة أمور حظيت باهتمام من الدرجة الأولى لدى الإمام. الأمر الأول هو الإسلام والدين. ما من قيمة فوق قيمة الإسلام لدى الإمام. ثورة الإمام ونهضته كانتا من أجل سيادة الإسلام. والجماهير التي تبنّت هذا النظام وفجرت هذه الثورة وآمنت بالإمام، فعلت كل ذلك بمحفزات إسلامية.
إذن، الأمر الأهم في خط الإمام هو السير نحو الأهداف الإسلامية وتسويد الإسلام على مستوى الإيمان والعمل.
الأمر الثاني هو الاعتماد على الشعب، فكما سبق أن ألمحت لا ينبغي لأي كان في النظام الإسلامي التنكر للشعب وأصوات الشعب. البعض يعتبرون أصوات الشعب أساس الشرعية، أو هي أساس استخدام الشرعية على الأقل. من دون أصوات الشعب وتواجدهم في الساحة وتحقيق إرادتهم لن تقوم خيمة النظام الإسلامي ولن تستمر. الشعب طبعاً شعب مسلم وإرادته هذه تدخل ضمن إطار القوانين والأحكام الإسلامية...
السمة الثالثة التي تميّز خط الإمام هي العدالة الاجتماعية ومساعدة الطبقات المستضعفة والمحرومة التي عدها الإمام صاحبة الثورة والبلاد. كان الإمام يرى الحفاة العنصر الأهم في انتصارات هذا الشعب.
العنصر الآخر هو معرفة الأعداء وعدم الوقوع في أحابيلهم وخدعهم. أول ممارسات الأعداء هي دعاياتهم بعدم وجود أي أعداء! كيف لا يوجد للنظام الإسلامي عدو؟! إنه نظام حرم الناهبين العالميين هذه المائدة التي ظلوا ينهشونها سنين طويلة؛ واضح أنهم أعداء.. نلاحظ أنهم يمارسون عداءهم - في الإعلام والحظر الاقتصادي - ويفعلون كل ما يستطيعون لتقوية العدو ضد النظام؛ ويذكرون ذلك بصراحة...!
من خطبتي صلاة الجمعة 14/3/1378 (4/6/1999م)
الإسلام والشعب محور كافة المبادئ
يتلخص محور كافة المبادئ والقواعد في مشروع إمامنا الكبير في أمرين: الإسلام والشعب. حتى الإيمان بالشعب استقاه إمامنا الكبير من الإسلام. الإسلام هو الذي يشدد على حق الشعوب وأهمية أصواتها وتأثير جهادها وتواجدها. لذلك جعل الإمام الجليل الإسلام والشعب محور مشروعه.. جعل المحور عظمة الإسلام والشعب، واقتدار الإسلام، واقتدار الشعب، وصلابة الإسلام، وصلابة الجماهير.
من كلمته في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية 14/3/1382 (4/6/2003م)

ب - خصائص منهج الإمام الخميني (قدس سره)
خصائص المدرسة السياسية للإمام
أريد التأكيد على المدرسة السياسية للإمام. لا يمكن لمدرسة الإمام السياسية أن تنفصل عن شخصيته الجذابة القوية. سر نجاح الإمام يكمن في مدرسته التي عرضها أمام أنظار العالم بشكل متجسد على شكل نظام. انتصرت الثورة الإسلامية العظيمة على يد الجماهير طبعاً، وأبدى الشعب الإيراني عمق قدراته وإمكاناته الهائلة؛ بيد أن هذا الشعب ما كان قادراً على مثل هذا العمل الجبار لولا الإمام ومدرسته السياسية. تفتح المدرسة السياسية للإمام ساحة تمتد حتى لأكثر وأوسع من تشكيل النظام الإسلامي. المدرسة السياسية التي أطلقها الإمام وجاهد من أجلها وجسّدها عينياً، لديها أفكار جديدة وطريقاً جديداً للبشرية والعالم. ثمة أشياء في هذه المدرسة تشعر البشرية بالظمأ إليها، لذلك فهي لا تبلى ولا تخلق. الذين يحاولون تصوير إمامنا الجليل باعتباره شخصية تنتمي للتاريخ والماضي لن ينجحوا في مساعيهم. الإمام حي في مدرسته السياسية؛ وطالما بقيت هذه المدرسة السياسية حية سيبقى وجود الإمام وحضوره في أوساط الأمة الإسلامية، بل في أوساط البشرية، مصدر خيرات وتأثيرات كبرى وخالدة. لمدرسة الإمام السياسية سمات وعلامات معينة، وأريد أن أعرض هنا بضعة خطوط بارزة لهذه المدرسة. من هذه الخطوط أن المعنوية ممتزجة بالسياسة في مدرسة الإمام السياسية. ليست المعنوية بمعزل عن السياسة في هذه المدرسة؛ السياسة والعرفان، السياسة والأخلاق. الإمام الذي كان بنفسه تجسيداً لمدرسته السياسية جمع بين السياسة والمعنوية وتابع هذا الطريق. حتى في كفاحه السياسي، كانت معنوية الإمام المحور الرئيس لسلوكه. كل سلوكيات الإمام وجميع مواقفه كانت تدور حول محور الله والمعنوية. كان مؤمناً بالإرادة التشريعية للخالق ومعتمداً على إرادته التكوينية، ويدري أن من يسير في سبيل تحقيق الشريعة الإلهية ستتدخل قوانين الخلقة وسننها لصالحه ومن أجل مساعدته. كان يؤمن أنه: »لله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً«. كان يعتبر قوانين الشريعة أرضية لتحركه والعلامات الإرشادية لمسيرته. قامت حركته من أجل سعادة البلاد والشعب على أساس هداية الشريعة الإسلامية، لذلك كان »التكليف الإلهي« بالنسبة للإمام مفتاح السعادة الذي يبلغ به الأهداف المبدئية الكبرى...
الخصيصة الثانية هي الإيمان الراسخ الصادق بدور الشعب؛ بكرامة الإنسان وبالدور المصيري لإرادته. الهوية الإنسانية في المدرسة السياسية للإمام لها من جهة قيمتها وكرامتها، وتتحلى بالقدرة والفاعلية من جهة ثانية. حصيلة القيمة والكرامة هي أن تلعب أصوات الشعب دوراً أساسياً في إدارة مصير البشرية والمجتمع. لذا كانت الديمقراطية في المدرسة السياسية لإمامنا الجليل - المستمدة من كيان الإسلام - ديمقراطية حقيقية. وليست مجرد شعارات وخداع وتضليل لإذهان الناس كما هي الديمقراطية الأمريكية وأمثالها.
الخصيصة الثالثة في المدرسة السياسية للإمام الخميني هي رؤيتها الدولية والعالمية. فالبشرية كلها هي التي خاطبها الإمام في كلامه وأفكاره السياسية، وليس الشعب الإيراني وحسب. أصغى الشعب الإيراني لهذا النداء بأسماع روحه، وثبت عليه، وكافح من أجله، واستطاع إحراز عزته واستقلاله، بيد أن الإنسانية كلها هي المعنية والمخاطبة بهذا النداء. أرادت مدرسة الإمام السياسية هذا الخير والاستقلال والعزة والإيمان لكافة الأمة الإسلامية ولجميع البشرية. هذه هي الرسالة التي تقع على عاتق الإنسان المسلم. طبعاً، الفرق بين الإمام والذين يرون لأنفسهم رسالة عالمية هو أن المدرسة السياسية للإمام لا تريد فرض أفكارها وطريقها على شعب بالمدافع والدبابات والسلاح والتعذيب. الأمريكان أيضاً يقولون لدينا رسالة، ونروم نشر حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم. وهل سبيل نشر الديمقراطية استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما؟! وهل هو المدافع والدبابات وإشعال الحروب وتدبير الانقلابات في أمريكا اللاتينية وأفريقيا؟! واليوم أيضاً نلاحظ كل هذا المكر والخداع والظلم والجرائم في الشرق الأوسط. يريدون نشر حقوق الإنسان ورسالتهم العالمية بهذه الأدوات! بينما تطلق المدرسة السياسية الإسلامية أفكارها الصحيحة وكلامها الجديد بأسلوب الشرح والتبيين في مناخ الذهن البشري فينتشر في كل مكان كما تنتشر نسائم الربيع وأريج الزهور...
الخصيصة المهمة الأخرى لمدرسة الإمام السياسية هي الدفاع عن القيم، والتي أوضح إمامنا الجليل مظهرها المميز في تبيينه لقضية ولاية الفقيه. منذ مطلع الثورة الإسلامية وانتصارها وتأسيس النظام الإسلامي، حاول الكثيرون تصوير ولاية الفقيه على أنها قضية خاطئة وسيئة ومعارضة للواقع؛ فكانت هناك تصورات مناقضة للواقع وإرادات وتطلعات غير متطابقة مع النظام السياسي في الإسلام والفكر السياسي للإمام الجليل. وحين تسمعون الإعلاميون المتحيّزين للأعداء يبثون هذه الأقاويل، فهذا ليس فعلهم اليوم فقط، فقد أطلقت هذه التيارات والدعايات الأجنبية وتلاميذها هذا الكلام منذ البداية...
والنقطة الأخيرة التي سأذكرها كسمة لمدرسة الإمام السياسية هي قضية العدالة الاجتماعية. العدالة الاجتماعية من أهم وأرسخ الخطوط في المدرسة السياسية لإمامنا الجليل، إذ ينبغي أخذ العدالة الاجتماعية وردم الفوارق الطبقية بنظر الاعتبار وجعلها هدفاً منشوداً في جميع برامج الحكومة من تشريع وتنفيذ وقضاء.
من كلمته في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الإمام الخميني 14/3/1383 (4/6/2004م)
سبيل سعادة الشعب الإيراني
طريقنا - كما رسمه لنا هذا الرجل الكبير - طريق الصمود ومتابعة أهداف النظام الإسلامي. هذا هو طريق الشعب طبقاً لدروس إمامنا الكبير ووصيته. ليتنبه أخوتي وأخواتي الأعزاء في كل أنحاء البلاد إلى أن سبيل سعادة الشعب الإيراني هو الاعتصام بالأحكام الإسلامية الإلهية. سبيل سعادة الشعب الإيراني اعتماده على نفسه وقدراته ومواهبه. طريق سعادة الشعب قطعه الأمل بالقوى العالمية المهيمنة وكذلك عدم الفزع منها. لا تخافوهم قيد أنملة ولا تعقدوا عليهم آمالكم قيد أنملة.
أعزائي، أكبر هدية قدمتها الثورة الإسلامية لهذا الشعب هي دفعها عن الشعب والبلد شرور الحكومات الفاسدة العميلة التي هيمنت سنوات طوالاً على هذا البلد والشعب ومواهبه الإلهية الطبيعية. مدراء البلاد اليوم هم من صميم الشعب بفضل الله. وتتوفر حالياً في هذا البلد وبهمة ويقظة شعبه أفضل أشكال الحكم الديمقراطي والمساهمة الجماهيرية.
من كلمته في الذكرى الخامسة لرحيل الإمام الخميني 14/3/1373 (4/6/1994م)
مكتسبات الشعب الإيراني العظيمة
أقول إن الشعب الإيراني إذا أراد مواصلة طريق العزة والتقدم - كما حصل والحمد لله خلال هذه الأعوام بفضل السواعد القديرة والخدومة العاملة بجد في حكومة الجمهورية الإسلامية وفي مختلف القطاعات - وإذا أراد مواصلة طريق التنمية، والبناء، والرفاه المعيشي، والوصول فيه إلى نتيجة معينة، فعليه الصمود والثبات حيال الأعداء والاستكبار. حقق الشعب الإيراني خلال هذه الأعوام مكتسبات هائلة، لذا فإن من واجبه المحافظة على هذه المكتسبات. من واجب الشعب ولاسيما مسؤولي الجمهورية الإسلامية عبر أدائهم العقلاني المتدبر والحكيم الحيلولة دون إهدار مكتسبات الشعب الإيراني لا سمح الله. سواء المكتسبات التي تأتّت للشعب مباشرة بفضل الثورة - كالحكومة الشعبية، والدولة الديمقراطية، ورئيس الجمهورية المنتمي للشعب، والنواب الشعبيين وما إلى ذلك - أو المكتسبات التي حققتها الثورة لهذا الشعب بشكل غير مباشر، كحركة الإعمار والبناء التي تعود بمجملها إلى فعل الثورة وتميّزها، وقد تمت على يد العناصر الثورية في الحكومة والقطاعات المختلفة الأخرى.. ينبغي على الشعب والمسؤولين المحافظة بكل حكمة وعقلانية على مثل هذه المنجزات.
ومن البديهي أن سبيل الحفاظ على هذه المكتسبات ومضاعفتها هو أن يواصل الشعب الإيراني ومسؤولوه الخط الذي رسمه الإمام الكبير بعمله وممارساته، ألا وهو خط الصمود والثبات مقابل أطماع الأعداء والوقوف بوجه تخرصات وهراء من يتوقعون الغرائب من هذا الشعب من خارج الحدود. ولكن، ما هو المراد مما يقال دائماً إنه طريق الإمام وخط الإمام؟ إن قلنا إنّ خط الإمام هو الإسلام والثورة فهذه فكرة عامة. واضحٌ طبعاً أن خط الإمام هو الثورة والإسلام! وما من أحد يعارض الإسلام والثورة. العامل الذي بمستطاعه تحقيق غاية الإمام الجليل - رائد الثورة ومهندس إيران الإسلامية - هو الصبر الذي أبداه في سلوكه وأدائه. لم يتراجع حيال الأعداء، ولم يخشهم أو يفزع منهم، ولم تزلزله التهديدات.
من كلمته في زوّار مرقد الإمام الخميني 14/3/1375 (4/6/1996م)
ج - نتائج وخيرات السير في طريق الإمام الخميني (قدس سره)
لقد كان روحَ الله الذي شمّر بالعصا واليد البيضاء الموسوية، والبيان والفرقان المصطفوي، عن سواعده لإنقاذ المظلومين، فزلزل عروش فراعنة العصر، وأنار قلوب المستضعفين بأضواء الأمل. منح الناس الكرامة، والمؤمنين العزة، والمسلمين القوة والهيبة، والعالم المادي الميت المعنوية، ودنيا الإسلام الحركة، والمجاهدين في سبيل الله الشجاعة والشهادة.
لقد حطّم الأصنام وأزاح معتقدات الشرك، وأفهم الجميع أن التكامل الإنساني والعيش على طريقة الإمام علي، والاقتراب من تخوم العصمة ليست من قبيل الأساطير. وقد أفهم الشعوب أيضاً أن بالمقدور أن ينالوا العزة والقوة، ويحطِّموا أغلال الأسر، ويلاووا أذرع المهيمنين. لاحظ أصحاب البصائر إشراقات قرب الحق في وجهه النير، وذاق الجميع طعم البرِّ الإلهي الذي هطل عليه في حياته ومماته. لقد استجيب دعاؤه إذ قال: »إلهي لم يزل برّك على أيام حياتي، فلا تقطع برّك عنّي في مماتي«.
من ندائه للشعب الإيراني بمناسبة أربعين رحيل الإمام الخميني 23/4/1368 (14/7/1989م)
المنجزات العشرة الكبرى للإمام
أول أعماله الكبرى هو إحياء الإسلام. منذ 200 سنة وأجهزة الاستعمار تحاول أن ينسى المسلمون إسلامهم. أعلن أحد رؤساء الوزراء البريطانيين في حشد الساسة الاستعماريين في العالم أن علينا عزل الإسلام في البلدان الإسلامية! وقد أنفقت قبل هذا وبعده أموال طائلة لانتزاع الإسلام من ساحة الحياة بالدرجة الأولى، ومن ذهن الأفراد وممارساتهم الفردية بالدرجة الثانية. فقد كانوا يعلمون أن هذا الدين يمثل أكبر عقبة في طريق النهب والغصب الذي تمارسه القوى الاستكبارية. أعاد إمامنا الحياة للإسلام ثانية، كما أعاده لأذهان الناس وسلوكياتهم وللساحة السياسية في العالم.
إنجازه الكبير الثاني هو إعادة روح العزة للمسلمين. لم يُطرح الإسلام في النقاشات والبحوث والتحليلات الجامعية وفي الساحة الاجتماعية والحياتية وحسب، وإنما شعر المسلمون في كل أنحاء الأرض بالعزة نتيجة لنهضة الإمام.
قال لي أحد المسلمين من بلد كبير يمثل فيه المسلمون أقليةً: لم نكن نجهر بإسلامنا أبداً قبل الثورة الإسلامية. وفقاً لثقافة ذلك البلد، كان لجميع الأفراد أسماؤهم المحلية، ومع أن العوائل المسلمة تختار لأبنائها أسماءً إسلامية، لكنها لا تتجرأ على الجهر بتلك الأسماء، بل تخجل من ذلك! ولكن بعد ثورتكم، رحنا نعلن عن أسمائنا الإسلامية بفخر، وإذا سألونا من أنتم نذكر أولاً الاسم الإسلامي بكل اعتزاز.
إذن، بالإنجاز الكبير الذي حققه الإمام (ره)، شعر المسلمون في كل مكان من العالم بالعزة، وراحوا يتباهون بإسلامهم وكونهم مسلمين.
عمله الكبير الثالث هو أنه منح المسلمين الشعور بالأمة الإسلامية. فقبل ذلك لم يكن للمسلمين أينما كانوا من العالم مفهوم اسمه الأمة الإسلامية، أو أنهم لم يكونوا ينظرون لهذا المفهوم بجد. واليوم يشعر كافة المسلمين من أقصى آسيا إلى قلب أفريقيا، وكل الشرق الأوسط، وفي أوربا وأمريكا، أنهم جزء من مجتمع عالمي كبير اسمه الأمة الإسلامية. أوجد الإمام الإحساس بالأمة الإسلامية وهو أمضى سلاح للدفاع عن المجتمعات الإسلامية حيال الاستكبار.
أما إنجازه الكبير الرابع فهو إسقاط أحد أكثر أنظمة المنطقة والعالم رجعية وقذارة وتبعية. الإطاحة بالملكية في إيران من أعظم الإنجازات التي يمكن لإنسان أن يتصورها. كانت إيران أهم قلاع الاستعمار في منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط. وقد انهارت هذه القلعة على يد إمامنا.
إنجازه الخامس تأسيس نظام حكم على أساس الإسلام؛ وهو الشيء الذي لم يكن ليخطر على بال المسلمين وغير المسلمين، بل كان حلماً وردياً لا يراود حتى السذّج من المسلمين. فجاء الإمام (ره) وخلع فيما يشبه المعجزة لبوس الواقع على هذا الخيال الأسطوري.
العمل السادس الذي قام به هو إطلاق نهضة إسلامية في العالم. كانت المجاميع والشباب والمعارضون وطلاب الحرية في كثير من البلدان، بما في ذلك البلدان الإسلامية، ينـزلون إلى الساحة قبل الثورة الإسلامية بإيديولوجيات يسارية؛ أما بعد الثورة الإسلامية فقد أضحى الإسلام أساس وركيزة التحرك والنهضات التحررية. حيثما نشطت اليوم جماعة أو فئة في أي منطقة من العالم الإسلامي الفسيح بدوافع تحررية ولمعارضة الاستكبار، كان الفكر الإسلامي ركيزتهم وأساسهم ومنطلق أعمالهم وآمالهم.
عمله الكبير السابع هو الرؤية الجديدة في فقه الشيعة. كان ولا يزال لفقهنا أسس متينة جداً، فالفقه الشيعي من أمتن أنماط الفقه ويعتمد على قواعد وأصول ومبانٍ جد محكمة. عالج إمامنا العزيز هذا الفقه المتين بنظرة عالمية وحكومية واسعة، وأجلى لنا أبعاداً منه لم تكن جليةً من قبل.
عمله الثامن دحض جملة معتقدات خاطئة بخصوص الأخلاق الفردية للحكّام. فقد ساد في العالم أن يكون لرؤساء المجتمعات أو الجماعات أخلاق فردية خاصة! فالتكبر، والتمتع بحياة الترف والإسراف، والبذخ، والاستبداد بالرأي، والأنانية وما إلى ذلك أخلاق تعوّد الناس في العالم أن يلاحظوها فيمن يرأسون الحكومات. حتى في البلدان الثورية، نرى الثوريين الذين عاشوا بالأمس تحت الخيام واختبأوا في الأقبية والطوامير يتغير واقعهم المعيشي بمجرد أن يستلموا زمام السلطة، وتتغير بذلك أخلاقهم الحكومية ويتخذوا لأنفسهم ذات الوضع الذي كان لسائر السلاطين ورؤساء العالم! لقد شاهدنا مثل هذه الحالة عن كثب، وهي ليست عجيبة لدى الناس.
لكن إمامنا غيّر هذه الفكرة الخاطئة وأثبت أن القائد المحبوب من قبل الشعب وسائر المسلمين في العالم يمكنه أن يعيش حياةً زاهدة ويستقبل ضيوفه في حسينية بدل القصور الفاخرة، ويتعامل مع الناس بلغة وأخلاق وثياب الأنبياء. لو تنوّرت قلوب الحكام والساسة بنور المعرفة والحقيقة، لما عادت الكماليات والتشريفات والإسراف والثراء الهائل والاستبداد بالرأي والتكبر والاستكبار من ضروريات رئاستهم. من المعاجز الكبرى لذلك الرجل العظيم أن أنوار المعرفة والحقيقة تجلّت في حياته وفي الأجهزة التي أوجدها.
وإنجازه التاسع إحياؤه لروح الكبرياء والثقة بالذات لدى الشعب الإيراني. أيها الإخوة الأعزاء! حوّلت الحكومات الاستبدادية والفردية شعبنا، الذي تحلّى بمواهب دفاقة، وخصال ممتازة، وحقق كل تلك المفاخر العلمية والسياسية طوال تاريخه بعد الإسلام، حوّلته طوال سنوات مديدة إلى شعب ضعيف مستضعف خاضع ذليل. لقد أهانت القوى الأجنبية - الإنجليز لفترة والروس لفترة، وسائر الدول الأوربية، ومن ثم الأمريكان - شعبنا، فاقتنع أنه غير قادر وغير مؤهل للمشاريع الكبرى، ولا يستطيع البناء أو الإبداع وللآخرين أن يسودوه ويحكموه ويتجبروا عليه! إذن، قتلوا في شعبنا روح الكبرياء والفخار الوطني، لكن إمامنا العزيز أحيى وأيقظ روح الكبرياء والفخار الوطني لدى شعبنا.
في حين تنـزّه شعبنا عن المشاعر والنخوة القومية الفارغة - التي حفّزها الاستكبار وروّج لها النظام البهلوي المشؤوم - إلا أنه يشعر بالعزة والاقتدار. شعبنا اليوم لا يهاب تحالف الشرق والغرب والرجعية ومؤامراتهم، ولا يشعر بالضعف. يشعر شبابنا أن بوسعهم بناء بلدهم بأنفسهم. وتشعر جماهيرنا أن لديها القوة والقدرة للوقوف بوجه غطرسة وعنجهية الشرق والغرب. روح العزة هذه والثقة بالنفس والكبرياء الوطني والمفاخر الحقيقة الأصيلة أحياها لدى شعبنا الإمام الخميني (ره).
وبالتالي فإن إنجازه الكبير العاشر إثباته أنَّ »لا شرقية ولا غربية« مبدأ عملي ممكن. تصوّر الآخرون أنه لابد من الاعتماد إما على الشرق أو على الغرب؛ إما أن نكون عالة على هذه القوة ونمدحها ونثني عليها، أو على تلك القوة! لم يكونوا يظنون أن بوسع شعب أن يقول »لا« للشرق والغرب على السواء، فيقف ويصمد ويعمّق جذوره أكثر فأكثر. غير أن الإمام أثبت إمكانية ذلك.
من خطبتي صلاة الجمعة 23/4/1368 (14/7/1989م)
الإمام يفخر بتعبويته
أجل، قائد الثورة الإسلامية الكبير الذي كان يعتبر نفسه تعبوياً ويفخر بذلك، عبّأ عالماً كاملاً لمواجهة الاستكبار والقوى الظالمة في العالم، وسلب أعين المتجبرين النوم الرغيد، وأشاع أنوار الأمل وهي مفتاح جميع الانتصارات والتقدم في قلوب الشعوب. ولا شك أن جميع أجهزة الاستكبار لن تستطيع التغلب على البذور التي زرعها، وتحطيم الصرح الذي شيده، رغم أنهم يكافحون ويعارضون بشدة وقسوة عنيدة نتائج وثمار جهاده الكبير.
من ندائه للملتقى العام لقادة التعبئة 2/9/1368 (23/11/1989م)
الإمام حي في طريق الثورة
أجل، إمامنا العزيز الكبير ليس بيننا الآن، والشهداء أيضاً ليسوا بيننا، لكنه وأياهم حاضرون أحياء وناشطون في أذهاننا، وقلوبنا، وطريق حياتنا، وصراط الثورة المستقيم. آثار وجود ذلك الرجل الكبير وصحبه الشهداء لم تقتصر على فترة حياتهم كما لم تقتصر على إيران. فالإسلام اليوم يتألق وغيوم التحريف والجهل والفتنة تتبدد وتتقشع أكثر فأكثر بفضل وجوده وعمره المبارك وجميع الشهداء. الثورة التي أوجدها الإمام وصبغتها دماء الشهداء بلون الورود وضوّعتها بأريج الورود، تفصح عن نفسها راهناً في كل أرجاء العالم، في صحوة الشعوب المظلومة، وفي انبعاث المجتمعات المسلمة، وفي المتانة المضطردة لأسس المعنوية، وفي انهيار المادية الصريحة والمنافقة، وفي شموخ الحق وانتكاس الباطل. راية عروج الإنسان نحو أعالي المعنوية المرفرفة اليوم في مختلف أنحاء الأرض، هي في الحقيقة راية إمامنا وشهدائنا. إنهم أحياء ويزدادون حياةً يوماً بعد يوم.
من ندائه في تكريم الشهداء، والمعاقين، والأسرى 19/11/1368 (8/2/1990م)
الميزة الكبرى للإمام
الميزة الكبرى والخدمة الفذة لإمامنا الجليل هي إخراج الإسلام من غربته وعزلته. كان المسلمون غرباء حتى في بيوتهم ومدنهم. كان الإسلام غريباً حتى في مواطنه الرئيسة. سلب أعداء الإسلام بثقافتهم الإلحادية وفسادهم والأنظمة الطاغوتية المسلمين فرصة التفكير في أنفسهم. في مثل هذه الظروف مسح إمامنا الجليل سليل الأنبياء ويد القدرة الإلهية في عصرنا غبار الغربة عن وجه الإسلام.
من كلمته في المجموعة الأولى من ضيوف الذكرى الثانية لرحيل الإمام الخميني 15/3/1370 (5/6/1991م)
الإمام أستاذ ثورة »نحن قادرون«
بعد الثورة، علَّمت الثورةُ ومعلمها - وهو إمامنا الجليل - شعبنا أن بوسعنا أن نعمل ونسعى ونبني ونؤسس لقاعدة البناء والإنتاج والاستهلاك. علينا أن نستثمر هذا الشيء في عهد البناء الآن. نحن لا نتنكر أبداً لما يمتلكه الآخرون. إذا استطعنا توظيف كل ما يمتلكه الآخرون من علم، وإمكانات، وتكنولوجيا، وصناعة - حين نضطر لذلك - لصالح أهدافنا، فلن نتردد في ذلك لحظة واحدة. علينا أن نجعل كل هذا جسراً لتفجير مواهب البناء في الداخل. حينما استطعنا الإنتاج في داخل البلد، يجب علينا ترجيح إنتاجنا على الصناعات الأجنبية. كل ما يتم إنتاجه داخل البلد نباركه أكثر من مثيله الأجنبي. فهو أفضل مما نأخذه من أيدي الآخرين مما يفد إلينا من الخارج.
من كلمته في مسؤولي وخبراء وزارة النفط 12/9/1370 (3/12/1991م)
التشخيص والتنوير عند الإمام
جهاد البناء من المؤسسات التي تذكّرنا بإمامنا العزيز أكثر من غيرها. كم كان يهتم بهذه المنظومة الشبابية الثورية المخلصة الكفوءة، وكم كان يستئنس حين يسمع بنجاحات جهاد البناء في جبهات الحرب والمناطق القروية البعيدة. ذلك القلب الكبير كان يمتلئ بالفرحة والأمل لمشاهدة كل هذه المساعي. كانت نظرته الثقافية وتشخيصه وتنويره في محله تماماً، فقد كان يعلم أن هذه المنظومة المتشكّلة من العناصر المؤمنة، والثورية، والشابة، والفعّالة، والكفوءة، والمتعلِّمة يمكنها أن تنفع البلاد إلى حدود كبيرة.
أنتم يا من كنتم ولا زلتم تعشقون الإمام، ويا من انعقدت شرايين حياتكم بالإمام، واعتبرتم الارتباط به الهوية الأصلية للجهاد، عليكم من الآن مضاعفة جهدكم لتعظيم وإسعاد روح ذلك العارج إلى الملكوت الأعلى، وهو بلا شك ينظر أعمالنا ويقلق لها.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين لجهاد البناء 20/3/1368 (10/6/1989م)
تأسيس صلاة الجمعة
من أعظم إنجازات إمامنا الكبير (رضوان الله تعالى عليه) إيجاد وتأسيس صلوات الجمعة. هو الذي منح صلاة الجمعة لهذا الشعب. لقد حُرمنا سنوات مديدةً من صلاة الجمعة. لم تكن لنا صلاة جمعة، أو إنها في الأماكن التي تقام فيها كانت تفتقر للتأثير الذي يمكن أن تمارسه في الحكومة الإسلامية. وقد كانت هناك عناصر غير صالحة في بعض المناطق ليسوا موضوع نقاشنا الآن. هذه هي قضية صلاة الجمعة.
من كلمته في أئمة الجمعة من مختلف أنحاء البلاد 7/3/1369 (28/5/1990م)
الإمام عزّة للمسلمين
أذكر اليوم عدة حقائق بديهية واضحة أخلص بعدها إلى نتيجة تخص الشعب الإيراني، ونتيجة أخرى لكل الشعوب المسلمة في العالم.
الحقيقة الأولى التي لا يرفضها أحد وليس بمستطاع أي إنسان منصف إنكارها هي أن إمامنا الجليل منح الإسلام والمسلمين القوة والعزة. أعداء الإسلام كانوا يريدونه ضعيفاً. حاولوا إقصاء الإسلام عن ساحة العمل، بل من أذهان الشعوب المسلمة، ناهيك عن الشعوب غير المسلمة. وقد نجحوا إلى حد كبير للأسف، وكانت الحكومة الفاسدة العميلة متناغمة تماماً مع الاستكبار والشبكة العالمية لأعداء الإسلام في هذه السياسة القذرة.
وقد أضفى الإمام الكبير بهذه الثورة الجد والفاعلية على المسلمين وأحيى الإسلام. الإسلام اليوم هو الأمل والطموح لدى جيل الشباب والشرائح الثائرة والمستنيرة في كثير من البلدان. ومن نماذج ذلك فلسطين العزيزة. جرى التحدث والكفاح باسم فلسطين سنوات طويلة، لكن تلك الجهود لم تثمر شيئاً. والشعب الفلسطيني يكافح ويقاوم اليوم باسم الإسلام، لذلك انتقل الكفاح من أطر المنظمات والجماعات والشخصيات والزعماء إلى عامة الناس. مثل هذا الكفاح لن يُخفق أبداً. الكفاح الشعبي إذا استمر فسينتهي إلى النصر دون ريب. كان هذا ببركة الإسلام الذي أحياه الإمام، وأيقظ الضمير الإسلامي لدى المسلمين.
في البلدان الإسلامية بشمال أفريقيا، تكافح اليوم جماعات باسم الإسلام وبهدف تأسيس حكومة ونظام إسلامي، وقد حققوا بعض التقدم. فمن كان يخطر على باله مثل هذا الشيء قبل نهضة إمامنا الكبير؟ استيقظ المسلمون في شرق العالم الإسلامي وغربه. والأقليات المسلمة في البلدان الأوربية وغير الأوربية التي يحكمها الكفر والإلحاد يشعرون بشخصيتهم. لقد تم إحياء الهوية والشخصية الإسلامية بين المسلمين، وكان هذا بفضل الإمام وحركته العظيمة.
البصيرة والصبر في الكفاح عوامل نجاح الإمام والأمة
الحقيقة الثانية هي أن ما تسبب في نجاح إمامنا الجليل وشعبنا الشجاع في طريق هذا الكفاح الكبير هو البصيرة والصبر - مقاومة تصحبها البصيرة - وكما قال الإمام علي (عليه الصلاة والسلام): »ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصيرة والصبر«.(9) والسبب هو أن الكفاح في الوقت الراهن ليس ضد الكفر الخالص والشرك الخالص حتى تتبينّ الأمور وتتمايز الصفوف، إنما الكفاح اليوم ضد النفاق، والتلوّن، والتزوير والشعارات الفارغة، والكذب، والخداع الذي يملأ وسائل الإعلام الاستكبارية في كل أنحاء العالم. الكثيرون يتشدقون بحقوق الإنسان وهم كاذبون. وكثيرون يتشدقون بالإسلام وهم يكذبون. إسلامهم الإسلام الذي يرغب فيه ساسة الاستكبار. الكثيرون نادوا وينادون بالمساواة بين البشر وهم يكذبون. إذن، الكفاح في الحقبة الراهنة تعتوره صعوبات كثيرة، وذلك بسبب القدرات المالية والعسكرية للاستكبار، وأيضاً بسبب القدرات المالية والعسكرية للاستكبار، وأيضاً بسبب إمكاناته وإمكانات عملائه الإعلامية والتبريرية وقدرتهم على الكذب والنفاق.
الأفراد عديمو البصيرة سريعاً ما يخدعون. يوجد اليوم أشخاص مخلصون وقعوا في أحابيل الخدعة، فلم يعرفوا العدو ولم يميزوا الصفوف والجبهات. في إيران، سار إمامنا العظيم هذا الدرب بفضل بصيرة الشعب وصبرهم ومقاومتهم، واستطاع تحقيق النجاح. وكان له التأثير الأكبر في خلق هذه البصيرة والصبر لدى الجماهير. في أي مكان من العالم تجري فيه فصول الكفاح والتحرك، وينشط إنسان مخلص لإنقاذ الجماهير، عليه أن يعلم أن هذا الطريق لا يمكن أن يقطع إلا بالوعي والبصيرة والصبر والمقاومة.
إيران الإسلامية محور التحرك العالمي الهائل للمسلمين
الحقيقة الثالثة هي أن العالم برمته - الشرائح والقطاعات المسلمة والمستضعفة والمحرومة في العالم، ومعسكر الاستكبار أيضاً - عرف وأدرك أن الجمهورية الإسلامية هي مركز ومحور هذا التحرك المشهود اليوم نحو المطامح الإسلامية في العالم. لذلك فإن العداء العالمي كله موجّه ضدنا بالدرجة الأولى. نستطيع دوماً تمييز علامات الخصام والحقد في ثنايا الكلام الحميم والودّي في ظاهره. نحن ندري كم يعادي الاستكبار الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني والإمام الكبير. ولأن العدو يعلم أنه حي لذلك لا يُقلِّل من عدائه له قيد أنملة. لو اقتنعت أبواق ومعسكر الاستكبار وأعداء الإمام أنه مات وانتهى، لما أبدوا بعد سنتين من رحيله المفجع كل هذا العداء الذي يبدونه اليوم لشخصه واسمه.
إيران الإسلامية، إيران الإمام، إيران الثورة محور ومركز حركة المسلمين العالمية العظيمة، لذلك فهي هدف العداء بنفس الدرجة. وهذا يفرحنا بدل أن يحزننا، ويبعث فينا الأمل عوض أن يفزعنا، لأنه يدل على أننا أقوياء ولا نزال نُعدُّ خطراً كبيراً يهدد مصالح الاستكبار والناهبين والسراق. عداء الاستكبار يطمئننا أكثر بأن الطريق الذي اخترناه في المسيرة المتقدمة والبناءة للثورة والبلد والمجتمع طريق سليم وناجح وصائب. لو كنا قد سلكنا الطريق الخطأ في مسيرتنا ضد مصالح أعداء الإنسانية وباتجاه مصالح الثورة والشعب، لما أبدى الأعداء كل هذا الخصام ضدنا.
كل الإعلام العالمي بأساليبه المختلفة موجّه ضدنا في الوقت الحاضر. قد لا تشتمنا بعض الإذاعات والأجهزة الخبرية والإعلامية بنحو صريح، بيد أن هذا لا يعد دليلاً على صداقتهم. يعلمون أن شتمهم الصريح لنا يقرِّب قلوب الشعوب في العالم إلينا أكثر. لذلك يوجهون التهم لنا بدل الشتائم الصريحة. يقربون أنفسهم إلينا ويصوروننا متفائلين حسني الظن بهم! وهذه واحدة أخرى من حيلهم وأساليبهم الخبيثة.
من كلمته في الذكرى الثانية لرحيل الإمام الخميني 14/3/1370 (4/6/1991م)
الحرية والاستقلال إلى جانب المعنوية والأخلاق
كانت الميزة الكبيرة لإمامنا الجليل هي أنه أوجد إطاراً متيناً لهذه الثورة، ولم يسمح بتفككها وتهروئها في هاضمة القوى والتيارات السياسية. شعار »لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية« أو شعار »إستقلال، حرية، جمهورية إسلامية« الذي علّمه الإمام لشعبنا بتعاليمه وتوجيهاته، معناه أن هذه الثورة تعتمد على مبادئ ثابتة وقوية لا صلة لها بمبادئ الاشتراكية في المعسكر الشرقي آنذاك، ولا بمبادئ الرأسمالية الليبرالية لدى المعسكر الغربي. وهذا هو سبب عداء وعناد الشرق والغرب لهذه الثورة.
قامت هذه الثورة على أسس متينة، فأخذت تطبيق العدالة بنظر الاعتبار، وكذلك الحرية والاستقلال - وهي من أهم القيم لدى الشعوب - إلى جانب المعنوية والأخلاق. هذه الثورة تركيبة من طلب العدالة والحرية والديمقراطية والمعنوية والأخلاق.
من كلمته في زوّار مرقد الإمام الخميني 14/3/1381 (4/6/2002م)
الإمام وإحياء حقائق الإسلام المنسية
العمل الأهم الذي اضطلع به إمامنا الجليل على مستوى العالم الإسلامي هو أنه أحيى الأبعاد السياسية والاجتماعية للإسلام. منذ أن دخل الاستعمار البلدان الإسلامية انصبت كل جهود المستعمرين والمهيمنين على إقصاء الأبعاد السياسية، والاجتماعية للإسلام، من قبيل طلب العدالة والحرية والاستقلال عن الإسلام. من أجل أن يكرس المهيمنون استيلاءهم على الشعوب ومصادر البلدان الإسلامية أكثر فأكثر، وجدوا أنفسهم مضطرين لسلخ الإسلام عن أبعاده السياسية، وتفسيره على أنه استسلام حيال الحوادث والمحتل والعدو الظالم القوي. وقد أحيى الإمام حقائق الإسلام المنسية، فرفع مفهوم العدالة الإسلامي، وأعلن معارضة الدين الحنيف للتمييز والتباين الطبقي والارستقراطية. منذ اليوم الأول وإلى الأيام الأخيرة من عمره، اعتمد الإمام الجليل على الشرائح المستضعفة والحفاة والمحرومين. شدد مراراً على المسؤولين وعلينا جميعاً في مستهل تأسيس النظام الإسلامي وطوال عشرة أعوام من عمره المبارك حين كان قائداً للنظام الإسلامي أن لا بد لكم من مراعاة حال الضعفاء، فأنتم رهن بطبقة الحفاة في هذا البلد. أعزائي أيها الشعب الإيراني الكبير! إينما وحيثما راعينا وصية الإمام هذه وعملنا بهذا النصح في تخطيطاتنا، وتشريعاتنا، وتنفيذنا، وعزلنا، ونصبنا، كان النصر حليفنا...
بخصوص الجماهير، كان العمل الأهم الذي نهض به الإمام هو فصل مفهوم الديمقراطية عمّا أراد مخططو الديمقراطية الغربية وعملاؤهم تكريسه في الساحة العملية. انصبت مساعيهم على الإيحاء بأن الديمقراطية لا تنسجم والتدين والحكومة الدينية. لكن الإمام أزاح هذه الفكرة الباطلة وطرح الديمقراطية الدينية - أي الجمهورية الإسلامية - في العالم. ولم يكتف باللسان والبيان والاستدلالات الفكرية، بل أثبت ذلك عملياً.
من كلمته في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني 14/3/1382 (4/6/2003م)
د - واجبنا حيال خط الإمام الخميني (قدس سره)
انتظر أعداء الثورة الحاقدون المتربصون هذه الأيام سنوات، وهم اليوم يمارسون تحركاتهم الخبيثة القذرة كخفافيش تترقّب غروب الشمس. ومع أن طوفان المشاعر الشعبية المقدسة التي تلهب أجواء البلاد كالبركان هذه الأيام، لن تسمح للمسيئين وأرباب الفتنة الداخليين وكذلك الأعداء الحاقدين الأجانب بممارسة أية شرور، وستحرق أي تحرك ضد نظام الجمهورية الإسلامية المقدس أثمن تراث تركه لنا قائدنا الفقيد الكبير، إلا أن الحفاظ على مستوى الجهوزية واليقظة والمشاركة في الساحة والتيقّظ إزاء التحركات المشبوهة، يعد من الفرائض العامة في الوقت الراهن.
لم يخرج الاستكبار العالمي منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية وإلى اليوم فكرة تضعيف الجمهورية الإسلامية بل محوها من رأسه إطلاقاً. كما لم يُحجم عن أية خطوة متاحة ومجدية في هذا السبيل، وسيبقى يحمل هذه المحفزات طالما التزم الشعب والمسؤولون في الجمهورية الإسلامية بالاستقلال والعزة الوطنية والمبادئ الإسلامية، ولكن بفضل وعون من الله وحسب سنن الخلقة والتاريخ لم يستطع فعل شيء حيال عزيمة الشعب وإرادته وجهوزيته، ولم يثمر كيده ومكره عن شيء، وسيكون الحال كذلك دائماً إن شاء الله.
لذا أطلب من كل أبناء الشعب وشرائحه المختلفة أن يعتبروا الحفاظ على جهوزيتهم ويقظتهم وانتباههم لمؤامرات الأعداء فريضتهم الثورية، ويكتشفوا النوايا السيئة للأعداء من مواقفهم السياسية والإعلامية العالمية ومن بثهم للشائعات وفرضهم المضايقات الاقتصادية، وليعلموا أن جميع مؤامرات العدو ستُحبط في حال الاستعداد واليقظة، وسيكون النصر من نصيب الشعب الإيراني.
كما كرر قائدنا الكبير العزيز مراراً، وأكد في وصيته السياسية الإلهية، فإن وحدة الكلمة ووحدة صفوف شعبنا التي كانت رمز انتصار الثورة، هي أيضاً رمز بقاء الثورة وسلامتها ودوامها. انقسام الشعب إلى فئات ومجاميع متعارضة، وتضخيم الخلافات التافهة والمشاعر غير المنطقية، ونسيان المبادئ المهمة المشتركة بين الشعب كله أو بين الأغلبية الساحقة منه على الأقل، ونسيان تواجد العدو والأخطار الفادحة الناجمة عن هذا التواجد، هو في الواقع أكبر وأعظم فاجعة لشعب يروم إحياء حقه المضيّع والتحرر من التبعية للأجانب.
من ندائه للشعب الإيراني في تكريم مكانة الإمام الخميني 18/3/1368 (8/6/1989م)
الوفاء للإمام والسير في خطه
إنْ كنا نحب الإمام - وهذا هو الواقع وما من أحد بوسعه الشك في صدق الشعب الإيراني في حبه وعشقه للإمام - فعلينا الحفاظ على سبيله ودروسه حية، واعتبار أهدافه الأهداف الحقيقية والأصلية للثورة والتحرك باتجاهها، وعدم اختلاق هدف آخر من أنفسنا. أهداف الإمام (ره) جلية وواضحة ولا تحتاج لكثير من التمعن. وما دام الله تعالى قد قدّر أن يترك هذا العبد الصالح الأعباء للآخرين في منتصف الطريق ليلتحق هو بالملكوت الأعلى وينعم بالسكينة إلى جواره، فلن نسمح ببقاء هذه الأعباء على الأرض. يجب على كل أبناء الشعب - صغاراً وكباراً - والمسؤولين في مختلف المستويات وكل من يستطيع فعل شيء أن يجعل هذه النقطة نصب عينيه ويتعاهد على مواصلة طريق الإمام والتحرك نحو أهدافه. عندئذ سيكون عشقنا وحبنا وتتلمذنا له صادقاً.. وإلا إذا بكينا في فراقه ولطمنا الرؤوس والصدور، لكننا واصلنا طريقه باتجاه آخر، فلن يكون حبنا واحترامنا ووفاؤنا له صادقاً. الوفاء هو أن نسير تحديداً في خطه ونحو أهدافه بدقة ولا ننحرف عن الطريق.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين للجان الثورة الإسلامية 18/3/1368 (8/6/1989م)
إخلاص الإمام (ره) من أسباب النجاح
أيها الإخوة الأعزاء، عامل الإخلاص لدى الإمام (ره) وصلته بالله، وكذلك إخلاص الجماهير هو الذي بلغ بنا هذه المرحلة لحد الآن. وينبغي أن يكون الوضع كذلك بعد اليوم أيضاً. إنْ كانت أهدافنا وطريقنا أهداف الإمام وطريقه، فيجب أن تكون وسائلنا أيضاً وسائل الإمام. وقد كانت وسيلة الإمام الاستعانة بالله. تعالوا نطلب العون من الله. وهذه العملية غير متاحة باللسان فقط، إنما بالنقاء والإخلاص في العمل وترك المعاصي و...
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين للجان الثورة الإسلامية 18/3/1368 (8/6/1989م)
عهدنا مع طريق الإمام الخميني (ره)
لقد عاهدنا الله أن نواصل طريق الإمام الخميني (أعلى الله قدره) وهو طريق الإسلام والقرآن وعزة المسلمين. سياسة »لا شرقية ولا غربية«، ودعم المستضعفين والمظلومين، والدفاع عن وحدة وحركة الأمة الإسلامية الكبرى، والتغلب على عوامل الاختلاف والفرقة بين المسلمين على مستوى العالم، والجهاد لتحقيق المدينة الإسلامية الفاضلة، والاعتماد على التحيّز للشرائح المحرومة وسكّان الأكواخ، واستخدام كافة العوامل والإمكانات لإعادة بناء البلد على المستوى الداخلي، هذه كلها الخطوط العامة لبرامجنا. والهدف الرئيس من كل هذا هو إحياء الإسلام والعودة لقيم القرآن، الهدف الذي لن نتراجع عنه قيد شعرة.
من ندائه لحجاج بيت الله الحرام 14/4/1368 (4/6/1989م)
درس الإمام للأمة: الاتصال بالله وإيمان الجماهير بالإسلام ووحدة الكلمة
ثمة عبارة في وصية إمامنا العزيز ينبغي أن لا ننساها أبداً. يقول: العامل الذي جعل الثورة تنتصر هو الذي يجعلها تستمر. أي إن الاتكال على الله وإيمان الجماهير بالإسلام والتصميم الحاسم على تنفيذ الواجب الإلهي والإسلامي، ووحدة الكلمة، رمز انتصار الثورة واستمرارها. هذا درس دائم بالنسبة لنا جميعاً.
نشهد اليوم أن بلادنا تسودها الوحدة والصميمية والمودة العامة؛ هذا حدث كبير جداً ومن بركات الروح الطاهرة لإمامنا العظيم. إخلاص ذلك الرجل الإلهي الكبير بقي مؤثراً في مناخ المجتمع حتى بعد رحيله، وراح يؤلف بين القلوب ويوطّد الأواصر بين النفوس. اتحاد الكلمة وانسجام الجماهير مع بعض والرباط الوثيق بينكم وبين المسؤولين شاهده العالم كله وبث اليأس في نفوس الأعداء.
بدخول الإمام لساحة البلاد الداخلية في عام 57(1) اكتسبت الثورة حيوية أخرى وأورقت وأزهرت وأثمرت. شمل اللطف الإلهي إمامنا فبثّ في وجوده كل هذه البركات. وقد شملت البركات واللطف الإلهي روحه الطاهرة عند وفاته وعروجه الملكوتي أيضاً وجعل الثورة تورق وتزهر من جديد في أيام رحيله كما كانت في أيام انتصارها الأولى، وتكتسب الهيبة والشموخ الذي زرع اليأس في نفوس أعدائها.
نستطيع اليوم ببركة الإمام (ره) أن نتحدث مع العالم من موضع القوة والاقتدار. يجب أن لا يتصور إنسان في العالم أن الجمهورية الإسلامية تشعر في نفسها ولو بدرجة ضئيلة من الضعف. سوف ندبّر أمورنا الداخلية بفضل من الله وبقوة واعتماد تام على الذات، وسوف نطور علاقاتنا الخارجية من منطلق القوة والاقتدار والعلو إلى الحد الذي تتطابق فيه مع مبادئنا وتكون فيها منفعة ومصلحة للإسلام والمسلمين والشعب الإيراني والثورة والجمهورية الإسلامية. تذكروا هذه العبارة التي شدد عليها إمامنا الجليل مراراً وتكراراً: سر الانتصارات كلها هو وحدة الكلمة والتواجد في الساحة. لولا وحدة الكلمة ومشاركة الجماهير في الساحة لما استطاع الشعب الإيراني التقدم خطوة إلى الأمام، ولكن إذا عرف الشعب كله هذا السر وحفظه فسوف يعينه الله طبعاً. إنه وعد إلهي »والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا«، »من كان لله كان الله له«. هذه وعود إلهية حقة وصادقة وقاطعة.
نحمد الله على أنه مع الشعب الإيراني، والوجود الجليل لذلك القائد المتسامي والإنسان الرفيع الفذ كان أعظم النعم علينا بحق. واليوم أيضاً تعد كلماته ونصائحه المتبقية لنا أكبر نعمة نمتلكها؛ لأنها كلمات الله وأنبيائه ويجب أن نعرف قدرها وسنعمل بها إن شاء الله.
من كلمته في مراسم بيعة الأهالي والمسؤولين في محافظة خوزستان 21/4/1368 (12/7/1989م)
ضرورة مراجعة دروس الإمام والتدبر فيها
أكبر واجباتنا اليوم نحن الشعب الإيراني محبّي الإمام الخميني القدماء وأول أنصاره هو أن نراجع دروس ذلك الإمام الكبير. الشخصية العظيمة لقائد الثورة الكبير والجوهرة المتألقة التي أثّرت في العالم كله تتجلى في دروسه وكلماته وتوجيهاته. طبعاً نحن جميعاً بعيدون جداً عن المعرفة الكاملة بتلك الشخصية العظيمة، وينبغي القول دون مبالغة إن أبعاداً كثيرة من شخصية تلك الروح الملكوتية والإنسان العظيم المتسامي لا تزال غير معروفة عندنا.
كنا نشاهد الوضع عن كثب، وليس لكل من يشاهد الوضع عن هذا القرب القدرة على الإحاطة به بسهولة. الإحاطة بتلك الشخصية وتحليل الأبعاد المختلفة لذلك الإنسان الكبير المتسامي يستدعي شيئاً من التدبر والتأمل لا يتاح لنا بسرعة نحن الذين عشنا عصر الإمام وكنا مقربين منه . بيد أن كلماته درس لنا، والدرس شيء متوفر ومتاح لنا.
التدبر في دروس ذلك العظيم بوسعه تعريفنا على أبعاد شخصية ذلك الراحل الجليل وإجلاء الطريق لنا. إنها دروس لا يمكن تلخيصها في بضع جمل. في كل مقطع من الزمن وفي كل حادثة من الأحداث يمكن لأحد تلك الدروس أن يكون دليلنا المرشد للطريق.
بالنظر للظروف العالمية التي تواجه بلدنا راهناً، والموقع العظيم للشعب الإيراني في أذهان العالم، فإن الدرس الكبير الذي يقدمه لنا إمامنا العزيز هو تثمين الوحدة والانسجام الذي حققته لنا الإرادة الإلهية. قلوب الشعب الإيراني اليوم قريبة من بعضها أكثر من أي وقت مضى طوال الأعوام العشرة من عمر الثورة. وهذا أيضاً من بركات الروح الملكوتية لإمامنا الجليل.
من كلمته في مراسم بيعة أهالي محافظة زنجان، ونهاوند، وكاشمر و... 15/4/1368 (6/6/1989م)
اليوم وإلى جانب الذكرى المريرة للرابع عشر من خرداد(2)، تنتصب أمامنا حقيقة عذبة هي أن الإمام معنا بفكره وطريقه ووصيته الحية دائماً إن لم يكن معنا بجسمه. فهو لا يزال حياً، ولن تستطيع أية قوة بفضل الله وقدرته أن تسلبنا هذا التواجد والحياة، وأن تفصل الجمهورية الإسلامية عن أبيها ومؤسسها ومعلمها الكبير.
من كلمته في الذكرى الثانية لرحيل الإمام الخميني 13/3/1370 (3/6/1991م)
ه - ذكريات
يعلم الله أن فكرة مثل هذا اليوم أقضّت مضاجعنا دوماً طوال هذه الأعوام العشرة. لم نكن ندري كيف يمكننا الصبر على الحياة بدون »الخميني«. لذلك قلت له عدة مرات: دعائي الكبير عند الله هو أن أموت قبلك.
في ذلك اليوم المرير الذي استاء فيه حال الإمام، دعوت عدداً من أعضاء مجلس إعادة النظر في الدستور وقلت لهم إن حال الإمام ليست على ما يرام. علينا التسريع في عملية إعادة النظر لنبشّره بانتهاء المهمة وهو في المستشفى كي ندخل السرور على قلبه. الحقيقة أن قلبي كان يرتعد من تصور ما يمكن أن يقع. تهدج صوتي ولم استطع إتمام كلامي. وربما بعد عدة ساعات من ذلك علمنا أننا فقدنا تلك الوديعة الإلهية والجوهرة الثمينة.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين لحرس الثورة 17/3/1368 (7/6/1989م)
أصعب الأعمال هو التحدث عن فقدان الإمام العزيز روح الشعب. أصبحنا كلنا أيتاماً بحق. قبل عشرة أعوام حينما أصيب بنوبة قلبية، توجهتُ مع عدد من الأصدقاء - كثيرون منهم اليوم شهداء يرقدون بجوار الرحمة الإلهية - إلى مدينة قم في ذلك الجو البارد وتساقط الثلوج ونقلنا ذلك الكيان العزيز الذي ترتهن به حياة الثورة إلى طهران وأرقدناه في مستشفى القلب. أية أيام عصيبة انقضت وأية أحوال من القلق والترقب الذي لا يوصف مررنا بها؟
منذ تلك الأيام وإلى نهاية حياته كنا دوماً قلقين من هذا الحدث المرير، وكنا نقول دوماً لخالقنا المتعال إن الدعاء المشوق لأمتنا المؤمنة المخلصة في حضرتك هو سلامة ودوام هذا القلب النابض، فاستجب بعظمتك دعاء أمتنا. كلما تصورنا فقدان هذا الكيان العظيم العزيز تلوح الدنيا لنا جميعاً مظلمة وبلا معنى حقاً. نحن اليوم حيال مثل هذه المصيبة الكبرى والعصيبة، وهي فعلاً حدث مفجع لا يصدق، ولا يمكن مقارنته بأية مصيبة أخرى.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين للجان الثورة الإسلامية 18/3/1368 (8/6/1989م)
لاحظتم جميعاً أنه أشار في نهاية وصيته إلى أمور سبق أن اختار الإمام الصمت بشأنها. في زمن بني صدر حينما حضرتُ عند الإمام (ره) قال: الكلام الذي يقوله نقلاً عني كله خلاف الواقع ولا حقيقة له. إذن، لم يكن أي كلام ليتسبب فوراً في اضطرابه وإثارته بحيث يرد عليه بسرعة. هذه الرزانة، والصبر، والحلم، والسيطرة على الذات، وسعة الصدر إذا توفرت في أي إنسان جعلت منه إنساناً كبيراً. كذلك لو لم تتوفر في الإمام(ره) العوامل الرئيسية كالمعنوية، والارتباط بالله، العمل لإرضائه، والتقوى، وتنفيذ الواجب، لما انتصرت الثورة ولما عشقتموه أنتم الناس بهذه الصورة، ولما أمكنه إيجاد هذا الطوفان في العالم، ولما كان بمقدوره الوقوف كالجبل إزاء تهديدات الأعداء وإرهابهم.
وفي بالي ذكرى حول هذا الشأن أرويها لكم: قبل أيام من نهاية عام 65(3) حضرنا عند الإمام، لأن أحد أيام فروردين عام 66(4) كان سيصادف ذكرى ولادة أحد الأئمة(ع)، وأصررت عليه أنا والحاج السيد أحمد(5) أن يكون له لقاء مع الجماهير في حسينية جماران، لكن الإمام رفض وقال بحسم: حالي لا تساعد. ذهبت في أيام النيروز إلى مشهد... في تلك الأيام عرضت لقلب الإمام نوبة، ولأن الحاج السيد أحمد - الذي له حق كبير على كل الشعب وقد رعى الإمام وحفظه طوال هذه الأعوام - كان قد أعد كافة الوسائل لتحسين حال الإمام، فقد تمت معالجة حالته الجسمية على الفور وأرتفع الخطر. وحين حضرتُ عند سريره في المستشفى قلت له: كم كان صالحاً أنك لم توافق تلك الليلة إصرارنا على اللقاء بالجماهير؛ وإلا لو أُعلن خبر هذا اللقاء لجاء الناس للقائكم وما كنت تستطيع لقاءهم بهذه الحال وسيكون لذلك أصداء غير حسنة في العالم. لقد كان قرارك هذا إرادة وعوناً إلهياً وقد اتخذت القرار الصحيح في حينه. فقال لي في الجواب: يبدو لي حسب ما فهمت أن يداً غيبية تهدينا وتسددنا منذ بداية الثورة وإلى الآن.
الروح المعنوية لدى الجماهير وعوائل الشهداء، وإخلاص المقاتلين في الجبهات، أحوالٌ كانت تثير الإمام وتؤثر فيه. شاهدت بكاء الإمام عدة مرات لا عند قراءة التعزية وذكر المصيبة وحسب. كل مرة نتحدث فيها معه حول تضحيات الناس كان يتأثر ويهيج بشدة. مثلاً حينما حطّم الأطفال صناديق توفيرهم في صلاة الجمعة وتراكم تل من الأموال المهداة للجبهة، تأثر الإمام بمشاهدة هذه اللقطات من التلفاز وهو في المستشفى، وقال لي إذ كنت بجواره: أرأيت ما فعل هؤلاء الأطفال؟ ولاحظت في تلك اللحظة عينيه أغرورقتا بالدموع وراح يبكي.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين للجان الثورة الإسلامية 18/3/1368 (8/6/1989م)
لم يتخل الإمام عن الذكر والصلاة والدعاء حتى اللحظات الأخيرة من حياته. يقول نجله العزيز الحاج السيد أحمد: قبل ظهيرة اليوم الأخير من حياة الإمام كان يصلي دوماً على سريره. وانقضت فترة ثم سأل: هل حان الظهر؟ قلت: نعم. عندها بدأ إقامة صلاتي الظهر والعصر مع نوافلهما. وبعد الصلاة بدأ بذكر الله وظل حتى اللحظات الأخيرة قبل إغمائه يردد باستمرار: »سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر«. هذا درس لنا. نحن الذين نعشق قائدنا علينا التنبه إلى ممارساته ومعنوياته واستلهام الدروس منها.
من كلمته في مراسم بيعة المنتسبين للجان الثورة الإسلامية 18/3/1368 (8/6/1989م)
كان يعتمد دائماً على الجماهير والشعوب. قبل زيارة لي إلى خارج البلاد ذهبت إلى الإمام أولاً. في ذلك الوقت كان ثمة تيار معين، وقلت له إن هناك كثيراً من الكلام ضدنا في العالم بشأن هذا التيار. (طبعاً أردت تقرير الواقع له، وإلا لم أكن أشعر أنا أيضاً بأي رعب أو خوف من ذلك الضجيج العالمي، وقد خضت في تلك القضية بعد ذلك). كان على اطلاع بكل أخبار العالم بنحو سريع ومباشر، وغالباً ما يطلع على الأخبار العالمية قبل الآخرين. أجابني الإمام وعلى شفتيه ابتسامة رضا: نعم، أنا على علم بذلك؛ لكن الشعوب كلها معنا. وقد كان الواقع ما قاله فعلاً. في تلك الزيارة تجلّى اصطفاف الشعوب إلى جانبنا بشكل أذهل الجميع. إذن، فقد كان يعرف أصدقاءه وأعداءه. ينتفع من أصدقائه ويعتمد ويثق بهم. وقد كنتم أيها الشعب الوفي أكبر أصدقائه، وقد عرفكم الإمام خير المعرفة.
من خطبتي صلاة الجمعة 24/4/1368 (15/7/1989م)
خلال فترة المسؤولية الطويلة التي عشتها منذ مطلع الثورة، كثيراً ما تذكرت عبارة الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) إذ يقول: »إذا اشتد بنا الحراق التجينا برسول الله«. يقول أمير المؤمنين: حينما كانت الظروف تتفاقم علينا في الحروب ونشعر بالضعف حيال الأحداث كنا نلوذ برسول الله. حينما أتذكر عبارة الإمام علي (صلوات الله عليه) هذه أجدها تصدق علينا أيضاً.
كثيراً ما حدث أن جلسنا مع الإخوة المسؤولين وتبادلنا الآراء والأفكار حول شتى القضايا وكنا نلخص المشكلة لنأخذها للإمام فكان هو الذي يعالجها بنظرته الصائبة وإرادته القوية وإيمانه وتوكله الفذ. شهد الله أني لم أر طوال عمري ولم أسمع بشخص على هذه الدرجة من التوكل وحسن الظن بالله. كان يعالج المشكلة ويحل العقد. ولم يعد اليوم بيننا ذلك الأب الرؤوف والسند القوي والشخص الذي نطمئن بمراجعتنا له في المشكلات.
من كلمته في مراسم تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية 12/5/1368 (3/7/1989م)
والدة أحد الأسرى - لا أدري في تبريز أو مكان آخر - قالت لي إن ولدي كان أسيراً، وجاءنا اليوم الخبر أنه استشهد؛ إذهب للإمام وقل له فداء لعينيك، أنا لست حزينة. كان لهذه المرأة حالة عجيبة جداً. رأيتها تشق صفوف الجماهير وتتقدم. لم يكونوا يسمحون لها بالمجيء. فأمرتهم أن يسمحوا لها لأرى ما تقول. فجاءت وقالت لي هذا. تأثرت لكلامها بشدة. حينما جئت عند الإمام نسيت أن أروي له قولها بدايةً، ثم تذكرت ذلك حين خرجت. فقلت لأحد السادة هناك: أخبروا الإمام أن لدي شيئاً آخر أقوله له، فجاء الإمام إلى خلف جدار الجناح الداخلي من الدار وذهبت أنا أيضاً إلى هناك. وحين رويت له تغيّر وجهه، بشدة ورقَّ قلبه، وبكى بكاءً جعلني أندم على ما قلته.
من كلمته في أعضاء لجنة إقامة احتفالات الذكرى الأولى لرحيل الإمام 1/3/1369 (22/5/1990م)
لم يطلب أي شيء لنفسه. لم يشتر لأبنه الوحيد - وقد كان المرحوم الحاج السيد أحمد أعز الناس عند الإمام، وقد سمعنا من الإمام مراراً إنه أعز الأشخاص لدي - بيتاً طوال عشرة أعوام من حكومته وزعامته وقيادته. كنا نذهب دائماً ونرى أن أعز شخص لدى الإمام يعيش في غرفتين أو ثلاثة في الحديقة الخلفية لحسينية منـزل الإمام. لم يكن له شيء من زخارف الدنيا وأموالها ولم يطلب ذلك. بل على العكس، يأتونه بالكثير من الهدايا فينفقها في سبيل الله. حتى ما يمتلكه ويعد من حلاله ولا يرتبط ببيت المال كان ينفقه على بيت المال. الشخص الذي لم يكن على استعداد يومها لشراء بيت مقبول لأبنه بعشرة أو خمسة عشر مليون تومان - حتى من ماله الشخصي - أنفق مئات الملايين من ماله الشخصي على المناطق المختلفة لعمارة الأرض ومساعدة الفقراء، وإغاثة المنكوبين بالسيول والأمور الأخرى. كنا على اطلاع أن أمواله الشخصية في بعض الحالات كانت تعطى للأشخاص لينفقوها؛ كانت تلك هدايا يعطيها له محبوه وأصدقاؤه.
الرجل الذي كان وجهه الصلب يرعب أعداء الشعب الإيراني ويرعدهم - ذلك السد المنيع والجبل الشامخ - حين تعنُّ الأمور العاطفية والإنسانية يكون إنساناً لطيفاً كاملاً عطوفاً. سبق أن رويت قصة تلك المرأة التي أوصلت نفسها إلي في أحد أسفاري وقالت: قل للإمام عني أن ابني أسر في الحرب وجاءوني مؤخراً بخبر استشهاده. لقد قتل ولدي لكن هذا لا يهمني، إنما تهمني سلامتك. قالت لي تلك المرأة هذه العبارة وهي في ذروة الهياج والمشاعر الجياشة. ذهبت للإمام ودخلت عليه، وكان واقفاً فرويت له هذا الأمر، ورأيت جبل الثبات والوقار والصبر ينطوي على نفسه كشجرة عظيمة تنحني فجأة أمام الطوفان. كشخص ينكسر قلبه. تأثر روحه وقلبه وجسمه بكلام والدة الشهيد هذا واغرورقت عيناه بالدموع.
من خطبتي صلاة الجمعة 14/3/1378 (4/6/1999م)
ذات ليلة كنا جالسين في جلسة خاصة مع اثنين أو ثلاثة من الأصدقاء في منـزل المرحوم الحاج السيد أحمد؛ وكان هو أيضاً جالساً. قال أحدنا: سيدنا أنت صاحب مقام معنوي وعرفاني شامخ فانصحنا واهدنا ببعض الكلمات والجمل. فما كان من ذلك الرجل العظيم صاحب السلوك المعنوي الفذ، إلا أن غصّ في حياء وخجل وتواضع عميق بسبب جملة المديح القصيرة تلك التي قالها أحد تلامذته - وقد كنا جميعاً كتلامذته وأبنائه، وكان سلوكنا معه كسلوك ابن مقابل أبيه - بحيث ظهر ذلك على تصرفاته وجسمه وطريقة جلوسه! والواقع أننا خجلنا لقولنا الذي أدى إلى خجل الإمام. ذلك الرجل الشجاع وتلك القوة العظمى كان متواضعاً وخجولاً في القضايا العاطفية والمعنوية لهذه الدرجة.
من خطبة صلاة الجمعة 14/3/1378 (4/6/1999م)
--------------
1979(1) م.
(2) 4حزيران ذكرى رحيل الإمام الخميني.
(3) آذار 1987م.
(4) نهاية آذار 1987م.
(5) السيد المرحوم أحمد الخميني نجل الإمام.

 http://tehran.dte.ir

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء