شخصية الإمام الخميني وأسلوبه القيادي والكرامة الإنسانية

شخصية الإمام الخميني وأسلوبه القيادي والكرامة الإنسانية

الدكتور بهرام اخوان كاظمي

لقد كانت قيادة الإمام الخميني (قدس سره) بشكل جعلت الكثير من المنظِّرين والباحيثن يسعون وراء تبيين وتوضيح نظرية وطبيعية هذه القيادة وأسباب تأثيرها العميق.

يبدو أن هنالك توافقاً وتفاعلاً كاملاً ما بين شخصية الإمام الخميني (قدس سره) وأسلوبه القيادي والكرمات الإنسانية ورعايتها بالكامل فالإمام (قدس سره) وليس مجرد قائد كاريزمي بل هو مصداق الإنسان الكامل الملتزم والراعي لهذه الكرامات ومن هنا كان له التأثير البالغ الأثر على العموم.

الإمام الخميني مظهر للكرامة والإنسان الكامل:

من الحقائق البارزة حول شخصية الإمام الخميني (قدس سره) وأسلوبه القيادي هو أن التأثير الواسع لهذه الشخصية وقيادتها للثورة الإسلامية لم تكن وليدة أساطير من قبيل الصفات والسمات الكاريزمية بل هي كما جاء باعترافات الكثير من  المحللين والباحثين نابعة عن كونه مصداق للإنسان الكامل والمهذب والكريم. وفي هذا السياق يقول المرشد الأعلى للثورة الإسلامية: لقد أظهر الإمام للجميع أن وصول الإنسان للكمال وعيشه كالإمام علي واقترابه من حدود العصمة ليس أمراً اسطورياً وخيالياً.

الشهيد مطهري أيضاً من جملة الأشخاص الذين ذكروا الإمام (قدس سره) بتعابير عدة كبطل الأبطال وروح الشعب ومجسد للأفكار المثالية للمجتمع ومدحه بمايلي:

لقد سافر ومعه مئات القوافل من القلوب، اسمه وذكراه وسماع حديثه وروحه الدافئة والصاخبة وإردته وعزمه الراسخ وثباته وشجاعته وتنوره وايمانه كلها حديث العامة والخاصة. بطل الأبطال ونور عيون وعزيز روح الشعب الايراني العالم العظيم سماحة الإمام الخميني أدام الله ظله؛ حسنة وهبها الله لعصرنا والمصداق البارز لـ: " انّ اللَّه فى كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف المبطلين".

بالرغم من أنه كان كان يتمتع بكافة الإمكانيات التي تخوله الوصول إلى مختلف المظاهر الدنيوية وأفضلها إلا أن  الإمام الخميني كان أنساناً متكاملاًتتحلى روحه بالزهد والخلوص إلى أبعد الحدود. فمع أن إرادة ومشيئة الله اقتضت أن تقبل عليه الدنيا بمختلف محاسنها إلا أنه استطاع أن يتخطى في هذا الاختبار. لقد كرّس سماحته كل ما تعلمه في سبيل الله وحده، ولم يُشاهد عنه أي تعلق وارتباط بالأمور الدنيوية قط، ذلك لأنه سلّم قلبه للمحبوب الأكبر ولم يبغ من ذلك سوى وجهه جل وعلا.

يقول آية الله فاضل لنكراني في مقالة له تحت عنوان الإمام مصداق الإنسان الكامل: "لا يمكننا أن نجد بديلاً للإمام الخميني على مر تاريخ التشيع والعالم الإسلامي... لقد كان الإمام العظيم مصداق "الإنسان الكامل" بحق؛ أي أنه كان يتحلى بكامل الفضائل الإنسانية. لقد كان سماحته يحترم ويراعي تلامذته وأصدقائه وعائلته بما يستحقه الإنسان الكامل.

ويرى "يرواند آبراهاميان" أيضاً أن من أسباب تأثير قيادة الإمام وتضامن اتباعه معه هو" أنه " كان مظهراً للعزم والصداقة والحنكة السياسية (14)

النظرة "الالهية" و "المدنية" تجاه الشعب:

من السمات المهمة لأراء الإمام الخميني وسلوكه العرفاني، بُعده الجماهيري. لتبيين ها الموضوع يلزم أولاً التطرق إلى نظرته المتفائلة والقدسية للإنسان. يرى الإمام الخميني أن كافة المخلوقات في العالم ومن بينها الإنسان جميها من تجليات الله تعالى فإن كان الله نوراً فللإنسان أيضاً ظهور نابع من الله والإنسان هو نور أيضاً. لقد كان سماحته يرى أن الإنسان موجودملكوتي؛ يسعى ويكافح نحو الوصول إلى أصله. من هذا المنطلق يعتبر الجهاد في النظام الفكري للإمام الخميني بمثابة السعي الذي يقوم به الإنسان الملكوتي بغية إزالة العقبات والموانع الداخلية والخارجية والحجب التي تمنعه من الارتقاء إلى مبدأ وأصل النور.

يرتكز أساس العالم على تربية الإنسان، فالإنسان خلاصة وجوهر جميع الكائنات والعالم أجمع. فلقد جاء الأنبياء ليحققوا هذه الغاية ويجعلوا من الإنسان كائناً إلهياً تتجلى فيه كافة الصفات الإلهية.

في مواضيع السير والسلوك والعرفان يرى الكثيرون أن الكمال والمعرفة لا يتحققان سوى من خلال العزلة والابتعاد عن الناس، هذا في الوقت الذي يقع فيه العرفان الجماهيري للإمام الخميني مقابل هذه النقطة بالتحديد. "ففي عرفان الإمام الخميني، يمكن للناس جميعا التحلي بكافة مستويات ودرجات العرفان"يرى الإمام أن العرفان الحقيقي ينشأ من بوتقة التواصل والارتباط مع الناس. "لقد كان الامام يرى أن خدمة الناس هي من العرفان، وأن استيعاب روح الجماهير هو من العرفان ويرى سماحته أن الإنسان إذا كان يخدم الناس فهو يتحلى بعرفانٍ أكثر خصوبةً من الآخرين".

من أهم المنجزات السياسية للعرفان الجماهيري للإمام الخميني هو الإيمان والتفاؤل بهداية جميع البشر وإحساسهم وموهبتهم في فهم واتباع الحق. كما أن سماحته يرى أن إهانة عباد الله والحد من شأنهم وأعمالهم من مظاهر العجب الذييؤدي إلى الهلاك. ويرى سماحته أن جميع الكائنات وخاصة الإنسان يستحقون الرحمة والمحبة، لأنهم مشمولون بالرحمة الإلهية. هذه الأفكار ووجهات النظر جعلت الإمام على خلاف الكثيرين من العملماء في عصره يعمل بكل جهد وجد ومن دون يأس في سبيل تحقيق المنافع الالهية والدنيوية للشعب، فلقد كان سماحته يرى أن الشعب هو الجوهر من أجل الكفاح لإقامة الحكومة المنشودة، لذلك نرى أن الشعب في سيرته العملية يشكل الركن الثاني بعد الركن الإلهي للنهضة والانتصار. ومن مستلزمات قيادة هذه الجماهير نحو النضهة كسب قلوبهم والتأكيد على الإسلام والعمل بتعاليمه. وتماشياً مع هذا الأمر يرى الإمام ضرورة توعية الجماهير حول الإسلام وجرائم النظام البهلوي فمن دون هذه الأشياء لا يمكن أن نتوقع منهم النهوض والكفاح في سبيل الحفاظ على الإسلام ومختلف المنافع.

قائد مصلح ذو فكر عالمي:

لقد كانت أفكار وأعمال الكثير من القادة في العالم وخاصة القادة الكاريزميين محصورة ضمن زوايا ضيقة من قبيل العرق والحزب والجماعة والطبقة والايديولوجيا وعادةً ما كانوا يعنون ويهتمون بشكل من الأشكال بمنافع أخرى. فالتاريخ لم ينس بعد كيف أن هتلر وموسيليني كانا يعتبران أنفسهما العرق الأفضل والحزب الواحد في العالم. وكيف أنهما ساقا العالم إلى بحر من الدماء لتحقيق مطامعهما القومية والعرقية من خلال ايديولوجية الامبريالية والعرقية.

وبشهادة التاريخ كان الإمام الخميني قائداً مصلحاً متميزاً عن بقية القادة في العالم وخاصة القادة الكاريزميين وأن أفكاره وأعماله كانت ذات طابع عالمي لا تنحصر ضمن زوايا العرق والايديولوجيا والحزب والطبقة والمنطقة الضيقة. والجدير ذكره أن وصيته السياسية لا تختص بالشعب الايراني العظيم فحسب بل هي لجميع الشعوب الإسلامية ومظلومي العالم من كافة المذاهب والملل.

ومن خصائص وخصال شخصية الإمام الخميني هو عدم ارتكازه واتباعه لحزب سياسي معين، فلم يكن سماحته تابعاً لأي حزب أو مجموعة تقيده ضمن منافعها أثناء كفاحه في سبيل انتصار الثورة الإسلامية، فقبيل انتصار الثورة الإسلامية بعدة أشهر قال سماحته "أذكر أنني لا ارتبط بأية جبهة أو مجموعة معينة وأي شخصٍ أو مجموعةٍ لا تقبل بقضايانا فلن نقبلها".

منشأ الشرعية، إلهي وليس كاريزمي:

بشكل عام، هنالك اختلافات جوهرية ما بين القيادة الشيعية والقيادة الكاريزمية، فشرعية القادة الكاريزميين ترتكز على السمات الشخصية وإثارة أحاسيس وعواطف الشعب في حين أن شرعية القادة الشيعيين تقوم على حكم الشرع والعقل ومنشؤها هو الأحكام والقوانين الإلهية في الدرجة الأولى وإرادة الشعب في الدرجة الثانية.

يرى الإمام الخميني أن منشأ شرعية الحكومة الإسلامية ليس شخصياً أو كاريزمياً بل هو أمر الهي فقط، حتى أنه ليس من حق الناس أيضاً، فمنشأ السيادة هو الله سبحانه وتعالى وليس لأحد غيره حق الحكم والسيادة. لذلك فالفقيه الجامع للشروط يتمتع بمقام الولاية قبل كونه انتخب من قبل الشعب أو الممثلين له، وقد تم تنصيبه مسبقاً من قبل الأئمة المعصومين (ع) بشكل عام. من هذا المنطلق ليس للجماهير تأثير هام وكبير في تعيين وإثبات وتعليل مقام زعامة الفقيه وليسوا شركاء له في منشأ السيادة وتطبيقها.

عدم عبادة الشخصية والزهد ونفي الأنانية وحب السلطة:

تعد عبادة الشخصية مسألة طبيعية منتشرة بين أكثر القادة الكبار في العالم. ولقد كانت الأنانية ومدح الذات وحب السلطة منتشرة بين الكثيرين منهم إلى درجة جعلت علماء النفس الاجتماعيين يتهمونهم بامتلاك عقد نقص نابعة من أيام الطفولة جعلتهم يسعون إلى تعويضها في كبرهم. وخاصة القادة الشموليين ولكن هل يمكن تعميم هذا الأمر على شخصية وقيادة الإمام الخميني؟ بالتأكيد الجواب على هذا السؤال هو بالنفي ويعتبر من الأوجه الأخرى المتميزة لسماحة الإمام عن بقية القادة الكاريزميين. ففي الأساس يرى الإمام الخميني أن من العقبات الرئيسية للفهم والاستيعاب الصحيح للحقيقة ؛ حب الدنيا والغرور والأنانية ، فحب الدنيا يسد أبواب فهم وإدراك الحقيقة.

 

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء