نافذة الثورة الالهية – الشعبية

نافذة الثورة الالهية – الشعبية


 الامام الخميني (قدس سره)، اضافة الى انه مرجع ديني، قاد اكبر ثورة دينية، شاملة وشعبية في القرن الماضي. في الحقيقة انه سماحته، يُعرف بقائد الثورة الاسلامية، في المجتمع الدولي وبين شعوب البلدان الاخرى. لانريد، في هذا المقال، البحث حول موضوع الثورة ولماذا (وقعت) وكيفية ذلك، اننا، نكتفي، كما هو الواضح للعيان، بالاشارة الى ان الثورة الاسلامية لم تؤثر فقط على ايران بل وتعدت بتأثيرها الى الشرق الاوسط حتى ان ذلك شمل معادلات العالم كله والسياسة الدولية.
في هذا المجال، نشير باختصار الى ميزات قيادة سماحة الامام (قدس سره) للثورة.. الميزات التي تسببت في تعبئة ووحدة الشعب والانتصار على نظام ملكي قديم، اضافة الى التهذيب والقدرات الفردية لشخصية سماحته.


1-    نضال سلمي، بعيد عن العنف:
منذ الیوم الاول، بدأ الامام (قدس سره) نضاله سلمياً، ولم يرض بحركة مسلحة حتى في اصعب الظروف. ان هذه الاستراتيجية، اضافة الى انها لا تتفق ورؤية سماحته الفقهية، كانت، من الناحية السياسية، تتصف بذكاء ثاقب.. دون شك، لوان الامام (قدس سره) سمح باذن انتفاضة مسلحة، فالى جانب ما يُسفك من دماء كثيرة، لم يكن ذلك مؤدياً الى حتمية انتصار الثورة (بما تميزت به من قاعدة الهية- شعبية)، ايضاً. ان الامام (قدس سره)، حتى بعد حادثة الجمعة الدموية عام 1357 هـ.ش (1979م)، وفي الوقت الذي كانت فيه مشاعر افراد الشعب على اشدها من الغليان وكان الجميع، ينتظر تغييراً في مسار الثورة، عند اجابته على سؤال مراسل صحيفة (فيكارو) في 22 مهر 1357 هـ.ش (14 تشرين الاول 1978م): هل آن زمن تغيير مسار النضال ضد نظام الشاه؟ قال سماحته: "لقد ابقينا على اسلوبنا في النضال حتى بعد المجزرة الدامية التي شهدتها طهران يوم الجمعة وخلفت ورائها كلّ هؤلاء الضحايا وكما يعلم العالم، ان رسالتنا لم تتعطل رغم ممارسة كلّ هذا القمع والقتل، وستتواصل هذه النهضة بالاسلوب ذاته." (صحيفة الامام، ج4،ص 10)


2-    الاعتماد على قدرة الشعب:
كان الامام (قدس سره) معتمداً على الشعب والقدرة الشعبية، بما تحمله الكلمة من معنى، انبتت ذلك في العمل. الدليل هو، انه سماحته رفض اقتراحات المساعدة والتعاون من الخارج والداخل. كان لايلتفت الى المجموعات والكُتل السياسية، بل على العكس من ذلك، كان يهتم بآحاد ابناء الشعب، لاسيما الحُفاة واصحاب الاكواخ ويُكن لهم احتراماً خاصً. كان الرابط بين الامام (قدس سره) والشعب متبادل ويرتكز على الاعتماد بين الطرفين.
كان سماحته يعتمد على افراد الشعب، حسب رؤيته بنزاهة الفطرة الانسانية، وحق تقرير مصير الانسان بنفسه، ووجوب الاعتراف بالسعي وراء الحق، وحق المطالبة لدى عامة الشعب، عند زوال ما يُمليه الطواغيت وخديعة الشياطين، عن حياة الشعب العامة. حيث اعرب خلال حُقب شتى ومواضع مختلفة، عن اعتماده هذا على الشعب وان مقبولية الاجراءات الثورية واقامة حكم في المستقبل، تستند على آراء الشعب. انه، سماحته، كان يشير الى ان ابرز عامل اَدّى الى فقدان النظام البائد شرعيته، هو رفض الشعب للشاه والنظام الملكي. كان سماحته (قدس سره)، بشكل عام، مخالفاً لبعض  الاساليب التي يتبناها (الثوريون المحترفون) والثورة التي يقوم بها (حزب او مجموعة ثورية) نيابة عن الشعب، ويوصون بذلك، ولم يكن معترفاً بأية حركة او تيار دون حضور شرائح الشعب وبشكل سلمي، كثورة. لذلك، فسماحته (قدس سره) وعلى امتداد سنوات النضال، لم يؤيد الاجراءات التي كانت تؤدي الى حشد مجموعات صغيرة ضد الشاه او لم يوصِ بذلك. بل كان (قدس سره) يسعى الى توعية الناس وتوفير الارضية لحركة شعبية ذاتية ليتمكن المجتمع بالاعتماد على نفسه، من القيام بنهضة شاملة. للامام (قدس سره) في هذا المضمار، تعبير رائع حول قدرة وارادة الشعب: "لقد أصبح تحرك الأهالي تحركاً طوعياً ذاتيا ...النهضة التي تفجرت من بين صفوفه فلا يستطيع أحد أن يقول: إنها نهضتي: لا يحق له أن يدعي ذلك... فما من يد تستطيع إيجاد مثل هذا التغيير لدى أي شعب؛ فهذا فعل الله؛ وهذه يد الله." ‏(صحيفة الامام، ج4،ص 169)


3-    استخدام  تعاليم الاسلام:
لم نشهد حركة وثورة كالثورة الاسلامية الايرانية، كان الاسلام فيها و تعليماته الاصيلة، مؤثرة في انتصار الثورة بعد فترة صدر الاسلام. يعود ذلك الى ما كان يتمتع به سماحة الامام (قدس سره) من صفات، بعثت على استخدام القيم و التعاليم الدينية، على ارضية الاسلام، وتوحيد الشعب حول هذا المحور و اعدادهم للثورة. ان رؤية الامام، في هذا الحقل واضحة: "وطريق خلاص كلّ شعب من مخالب الاستعمار يكمن في المذهب الذي ترسّخ في أعماق ذلك الشعب. ‏(صحيفة الامام، ج3،ص 360) او لا يمكن الخلاص لهذه البلاد، إلا بالفكر الإسلامي والشعار الإسلامي‏. ‏(صحيفة الامام، ج3،ص 315) وأن الحركة المقدّسة الأخيرة في ايران ... إسلامية النزعة مائة في المائة... ‏(صحيفة الامام، ج3،ص 368) وأنتم تقومون لله ونهضتكم هي في سبيله، لأن هدفها هو إقامة أحكام الله، فأنتم لا تريدون الوصول الى مقصد دنيوي، أو استغلال الفرصة لتحقيق ذلك، بل إنكم ترون الاخطار تحيط بدين الله."‏‏(صحيفة الامام، ج5،ص 113)


4-    صبر وتحمل: حركة منظمة وتدريجية:
ان من بين ماكان يتميز به الامام (قدس سره) صبره وتجلده وعدم الاسراع في البت او اتخاذ قرار في غير موقعه. فمع علمه ودرايته بالظلم والفساد الذي لفّ النظام البائد، حتى قبل عام 1341 هـ.ش (1962 م).. انتظر حتى هذا العام. لتتوفر الظروف، نسبياً، حيث بدأ اولى خطوات معارضته للنظام. ثم بعد ذلك.. تحمل 15 سنة في النفى ولم يلتفت الى ماكان يدور حوله او ما يُقال له من حركة مسلحة او ما شابه ذلك.. الى ان بدت لسماحته (قدس سره) الارضية المستعدة وكذلك الظروف، فقاد حركة الشعب العظيمة بالتوكل على الله تعالى. كانت حركته منظمة ودقيقة وعلى مسار واضح المعالم.. لم يعر اهمية لاية مجموعة متطرفة جانحة لحمل السلاح وداعية الى التسرع في مسار الثورة، ولم يثنه عن طريقه وروايته الثاقبة، تساقُط الشهداء الواحد تلو الآخر، رغم حزنه الشديد والمد عليهم، وكذلك سقوط نجله في ظروف غامضة.. لم يثنه عن قيادة ثورة شاملة شعبية.. نحو الانتصار.



ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء