الامام وحرب السنوات الثماني، تعقيباً على ما نشر من نصوص مقتطعة من كلام الامام

الامام وحرب السنوات الثماني، تعقيباً على ما نشر من نصوص مقتطعة من كلام الامام

بسم الله الرحمن الرحيم                                                                 

في كل عام، وبمناسبة احياء اسبوع الدفاع المقدس في الذكرى السنوية لإندلاع الحرب العراقية الايرانية ذي السنوات الثماني، تثار تحليلات متعددة حول أسباب ودوافع اندلاع الحرب. وعلى الرغم من أن ذلك ليس بالجديد، إلا أنه هذا العام تمحور حول نصوص مجتزئة من خطاب لسماحة الامام ألقي في الثاني من شهر مهر عام 1359 شمسي  ـ أي في الايام الاولى لإندلاع الحرب ـ  استحوذت على اهتمام رواد الفضاء الالكتروني. وفي هذا الخطاب يدعو الامام الخميني الشعب العراقي الى النهوض ضد النظام البعثي ومقاومة صدام شخصياً. وذلك بالكف عن دفع الضرائب والامتناع عن تسديد اجور استهلاك الماء والكهرباء.  

و اللافت ان الموضوع لا يقتصر على نصوص مقتطعة من هذا الخطاب، وإنما الزعم بان الخطاب صدر عن الامام قبل اندلاع الحرب، وكان مدعاة لاستفزاز المسؤولين العراقيين ودفعهم  لمهاجمة ايران.

و ما يذكر ان الخطاب الذي تحدثوا عنه بهذا النحو، كان قد صدر بعد اندلاع الحرب على وجه التحديد، وان قائد الثورة استهدف به حث الشعب العراقي على قبول الموقف الايراني ودعمه، وعلى حد تعبير سماحته (طعن صدام في الظهر).

و لكن، وفيما عدا هذا الخطاب الذي تم تداوله في الفضاء الالكتروني بنحو يشكل تحريفاً للتاريخ تحديداً، ألم يتحدث الامام الخميني الى المسؤولين الايرانيين في الفترة التي اعقبت انتصار الثورة وقبل اندلاع الحرب، بما يعدّ تحريضاً وشحذاً للهمم ؟  فهل شكّل ذلك دافعاً لأن يقدم العراق على مهاجمة ايران ؟.

فيما يلي نحاول الاشارة الى بعض ذلك، ومن ثم الاجابة عن السؤال اعلاه:

الشهر الرابع والخامس (تير ومرداد) عام 1358 شمسي :  إثر المناوشات الحدودية بين العراق وايران، وعلى الرغم من ان المهندس بازركان رئيس الحكومة الايرانية المؤقتة، كان قد بعث رسمياً، نهاية شهر تير عام 1358 شمسي، برقية تهنئة بمناسبة انتخاب صدام. إلا انه ونظراً لإتضاح بعض حقائق ما كان يجري في كردستان، فان المهندس بازركان وفي جواب برقية التهنئة التي بعث بها الى عزة ابراهيم ـ النائب الاول لرئيس الجمهورية ـ   بمناسبة حلول شهر رمضان (مرداد عام 1358 شمسي )، اعتبر السياسات العراقية تصب في خدمة اسرائيل، ولفت الى أننا على استعداد للقتال الى آخر نفس. واشارت البرقية الى ان تحركات العراقيين في غاية الاهمية ولا يستهان بها.

آبان عام 1358 شمسي : في ظل هكذا اوضاع  لم يكن اعضاء الحكومة المؤقتة متفقين بالرأي. ولهذا فان العشرة الاولى من شهر آبان 1358، أي قبل ايام معدودة من الاستيلاء على مبنى السفارة الاميركية في طهران، وحين أخبر جورج كييف الخبير المخضرم في المخابرات الاميركية ، أمير عباس انتظام  بأن العراق جاد في مهاجمة ايران ـ وهذا ما يتم التأكيد عليه اليوم على لسان آخرين ـ  علّق الدكتور ابراهيم يزدي بالقول ان العراق لا يجرؤ على مهاجمة ايران.

ليس هذا نهاية المطاف. بل ان آية الله منتظري الذي كان يتولى رئاسة مجلس خبراء الدستور، أعلن بصريح العبارة في خطبتي صلاة الجمعة في  11 آبان 1358، ان صدام لا يختلف عن الشاه ولابد من زواله.

آذر 1358 : ان موقف المهندس بازركان باعتباره رئيساً للوزراء، وآية الله منتظري بصفته رئيس مجلس خبراء الدستور، أدى لأن يصرح السيد محمود دعائي في اجتماع مجلس قيادة الثورة بتاريخ 20 آذر، ضمن الاعلان عن تأييده للتوجهات التي تدعو لمواجهة صدام، بضرورة الحرص على الظاهر. ومن الواضح ان تصريحات المسؤولين الرسميين امثال المهندس بازركان وآية الله منتظري، كان مرصوداً من قبل الحكومة العراقية، وكان مثار قلق واهتمام شديدين من قبل العراقيين. إذ يرفض العراقيون صدور مثل هذه التصريحات من قبل رئيس مجلس خبراء الدستور.  

فروردين 1359 : هواجس وتوجهات بقية السياسيين الايرانيين لم تكن تختلف كثيراً عن ذلك .. صادق قطب زاده الذي كان يتولى حقيبة الخارجية، كان يرى شرط التفاوض مع العراق (يكمن في سقوط حزب البعث) .. وبني صدر الذي كان يمثل أول رئيس للجمهورية في ايران، يصرح في 22 فروردين 1359 شمسي: اننا لا نضحي بالشعب العراقي مقابل الفاشية الحمراء. الشعب الذي يتأهب للنهوض والانتفاضة ضد طاغوت العراق.  

مهر 1359 : في الثامن من شهر مهر عام 1359، وصل طهران اول وفد لمنظمة المؤتر الاسلامي، يضم اضافة الى الحبيب الشطي امين عام المنظمة، ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والجنرال ضياء الحق الرئيس الباكستاني. وكان الوفد يدعو الى اقرار فوري لوقف اطلاق النار. وقبل يومين من ذلك، صدر اول  قرار لمجلس الامن الدولي بشأن الحرب العراقية ـ الايرانية (القرار رقم 479 ). غير ان القرار، وعلى الرغم من احتلال العراق للعديد من المدن الايرانية، لم يتطرق الى العدوان العراقي وانتهاك سيادة الاراضي الايرانية، وطالب الجانبين بضبط النفس والامتناع عن التمادي في اللجوء الى استخدام القوة.

 مواقف الامام الخميني وتاريخها :  في هكذا اجواء، كان الامام الخميني لا يكفّ عن التذكير طوال العام 1358 شمسي، في معرض ردّه على اقتراح السيد محمود دعائي الذي كان يدعو للتفاوض مع العراق، كان يقول سماحته : "  لا يمكن الوثوق بصدام .. يجب ان لا نخسر الشعب العراقي واضفاء المشروعية على حزب البعث، بتعيين مندوب من قبلي. وفي الوقت نفسه يجب ان لا نعطي رداً صريحاً بالرفض. قولوا ان ايران مقبلة على انتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية. وان الممثلين الحقيقيين للشعب الايراني هم من يقرر بشأن المفاوضات بعد الانتهاء من الانتخابات ".

في اواخر فروردين عام 1359، وقبل عدة أشهر من اندلاع الحرب، وطبعا ً بعد وقوع الصدامات في كردستان، والتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الايرانيين الآخرين، دعا الامام الخميني الجيش العراقي الى الالتفاف حول  الاسلام ومعارضة صدام. حسبما ورد في مانشيت صحيفة كيهان تحت اشراف الدكتور ابراهيم يزدي، في الثلاثين من فروردين 1359 شمسي.

و الآن، وفي ضوء كل ذلك، ومع الاخذ بالاعتبار اموراً كثيرة  لا يتسع المجال لذكرها، نعود الى التساؤلين آنفي الذكر:

ألم يتحدث الامام الخميني، أو المسؤولين الايرانيين الآخرين، في مرحلة ما  قبل الحرب، بلغة تحريضية ؟  أجل حصل ذلك. ولكن في اجواء كان ثمة احتمال بوجود هجوم مباغت من قبل الجانب العراقي، وان تحركات عملية كانت قد ظهرت للعيان تدل على ذلك.

هل ادّى ذلك الى هجوم العراق ؟ كلا. في الحقيقة يستحسن القول ان الاجابة عن ذلك تكمن في كلمة واحدة، وبات مؤكداً، وهي : ان نوايا صدام  بمهاجمة ايران كانت محرزة، وقد تحدث بذلك الى المحيطين به. وهذا ما صرح به سفير العراق لدى الامم المتحدة عام 1358 شمسي  صلاح عمر العلي.

وفي الختام نكتفي بالاشارة الى ان نقد ما مضى  ليس ضرورياً لبناء المستقبل فحسب، وإنما هو واجب. وليست ثمة شخصية منزهة من النقد. وان الامام الخميني شخصياً غير مستثنى من ذلك. غير ان ما يدعو للاستغراب والتعجب هو، محاولة البعض التحدث خلافاً للواقع  مثلما هو حاصل في جانب من تصريحات السيد محمد جواد مظفر، ومحاولة الرجوع الى مذكرات آية الله منتظري. فما ينقل عن هؤلاء، أو مذكرات آخرين مثل المرحوم الدكتور ابراهيم يزدي، يبدو وكأن هؤلاء السادة ارادوا القول بأننا سعينا للحيلولة دون الحرب، ولكن الامام هو وحده الذي عارض ذلك.  ولكن ومن خلال التقصي والبحث في سيرة هؤلاء، وبطبيعة الحال جميع المسؤولين الايرانيين آنذاك تقريباً، يتضح أن الامام الخميني هو آخر من كان يدلي برأيه في هذا الموضوع. ومن حسن الصدف ان موقف سماحته كان الاكثر مقبولية ـ نسبياً ـ والاكثر عمقاً من الناحية الاستراتيجية.

في الحقيقة ان بعض السادة  يحاول، بعد ان هدأت تفاعلات الثورة وتلاشت اجواء الحرب ومشاهدة تداعياتها، ان  ينأى بنفسه وتبرءتها مما حدث ؛ أو نسبت أمور الى المرحوم الامام وأنه كان له دور بارز في ذلك.  حتى وان كان ذلك قابلاً للفهم إلا أنه غير مقبول. بل الانكى ارجاع كل ذلك الى كتب المذكرات بشكل يفتقر الى الدقة والامانة.  ولا يخفى ان تقادم  الزمن على الاحداث من الممكن ان يظهر بعض الوقائع ـ التي هي اظهر من الشمس ـ بشكل مقلوب سهواً.  على سبيل المثال، يذكر الاخ العزيز السيد مظفر ان الامام الخميني، لدى لقائه اعضاء هيئة منظمة المؤتمر الاسلامي، في الثامن من شهر مهر عام 1359 شمسي،  كان يجلس بنحو يعلو سطح  جلوس رؤساء الدول بما فيهم الرئيس الباكستاني  ضياء الحق. في حين ان الصورة اعلاه تنفي ذلك وتفنّده.


  بقلم عبد الله شاكري   

-----------------

القسم العربي ، الشؤون الدولية ، نقلا عن (جماران)


ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء